المرأة والبرلمان.. بين الشريعة والتقاليد

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : د. مثنى أمين الكردستاني | المصدر : www.qudwa1.com

قلت لأخي الكويتي: لماذا تحرمون المرأة من دخول البرلمان؟ وإذا كان هذا من شأنكم وسياساتكم ومصالح مجتمعكم وتقاليد بلدكم فأنتم أحرار، ولكن لماذا نسمع الواحد منكم تلو الآخر يحتج ويفتي باسم الشريعة ويوقع عن الله بأن الإسلام لا يقبل دخول المرأة البرلمان؟! فمن حق الإنسان أن يرى ما يرى، ولكنه عندما يتحدث عن الدين والشريعة فعليه أن يراعي الآتي:

مفاهيم أساسية

1-أن يتحقق ويدرس الأدلة الشرعية القرآنية والنبوية ويقلبها وينظر فيها.

2-أن يعود إلى فقهاء المذاهب الإسلامية وعلماء الأمة والسلف الصالح قدر ما يستطيع ويرجع إلى الاجتهادات الناضجة وفتاوى العلماء المحققين المتأخرين والمعاصرين؛ لأنهم اطلعوا على أمور الكثير من السلف لم يطلعوا عليها، من تحقيق الأحاديث وجمع الروايات المختلفة والطرق المتعددة...

3-علينا أن نفرق بين الفقه والشريعة، وألا نخلط بين آراء بعض العلماء المتأثرين بظروف معينة والدين نفسه، والفيصل في هذا الأمر هو ألا ننكر شيئا اختلف العلماء فيه؛ لأن فقهاءنا قالوا: "لا إنكار فيما اختلف العلماء فيه" ولا نتبنى مذهبا ونحمل الناس عليه؛ لأن من يتصدى لأمر الناس والفتوى لهم، عليه أن يبحث عن التيسير لا التعسير و"الفقه رخصة من ثقة" كما قال بعض السلف، ثم إن الإنسان يحق له أن يحمل نفسه على العزائم والشدائد، ولكن لا يحق له أن يحمل الناس جميعا على ذلك باسم الدين، وما ليس من ثوابت الدين المعلوم منه بالضرورة لا يجوز للداعي أن يتبنى فيه رأيا حاسما قاطعا، وإنما يقول رأيه وينصح بما يرى ويعترف للآخرين بحقهم في الاختلاف معه، وحقهم في الدعوة إلى ما يرون، مع ضرورة الحفاظ على الود والحب والتقدير وعدم اللجوء للعنف اللفظي أو الانتقاص والغِيبة... إلخ.

4-علينا أن نختار بين آراء المذاهب لا بحسب الهوى، ولا بحسب التقاليد الغالبة، ولا بحسب قبول العامة لها أو رفضهم، وإنما ينبغي أن يكون لنا معياران أساسيان لا ثالث لهما:

1-صحة الرأي وقوته من حيث الدليل والشرعية.

2-مناسبة الرأي للواقع وتحقيقه للمصلحة العامة.

المسئولية الاجتماعية

قال الأخ: إن المرأة عندنا وصلت إلى وكيلة الوزارة، ومديرة الجامعة وموجودة في كل مجال ولكن البرلمان لا يحتاج النساء، فالمرأة لها ظروف الحمل والدورة الشهرية... إلخ.

قلت له: لو كنت أنت امرأة وقيل لك: هل تدخلين البرلمان أم لا؟ كان يحق لك أن تقبلي أو ترفضي؛ لأن هذا من حقك، فالمسألة مسألة حقوق وليست مسألة حاجة؛ لأن المرأة مساوية للرجل في الكينونة الإنسانية وهي قادرة على أن تنجح في البرلمان كما نجحت في التعليم وإدارة الجامعة ووكالة الوزارة إذا أعطيت لها الفرصة، وقرآننا يقول: "مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ".

وقال: "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ..."، فالمرأة مساوية للرجل في تكليفها بالمسئولية الاجتماعية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ودخول المؤسسات التي تبنى لذلك الغرض، ومقتضيات ذلك العمل من دخول في المجال السياسي والتشريعي.

والمرأة المسلمة استشيرت من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم في أحرج الظروف، وعندما اختير الخليفة الثالث كانت اللجنة التي تتولى عملية المفاضلة بينهما تدخل على النساء في خدورهن لكي تسألهن عن رأيهن في علي وعثمان، وعندما بايع الرسول صلوات الله وسلامه عليه صحابته في العقبة الأولى والثانية كانت المرأة موجودة ومشاركة، وبايعهن الرسول صلى الله عليه وسلم كما بايع الرجال، ولم يقل إن هذا شأن ليس للنساء.

ولما اشتعلت المعارك شاركت المرأة مجاهدة بسيفها تحمي الرسول صلى الله عليه وسلم وتدافع عن الصحابة والإسلام، ولم يقل الرسول عليه الصلاة السلام: ما شأن المرأة والقتال والمعارك؟! مع ما يقتضي ذلك من خروج واختلاط ومبيت وجري ومصارعة وتعرض للأسر والاعتداء... ومعلوم أن الضرورة لم تكن تبرر ذلك؛ لأن عددا غير كبير من النساء كن يفعلن ذلك برغبتهن دون استنفار.

ولو ذهبنا نستقصي الأدلة على ذلك لطال بنا المقام، ومن أراد المزيد فليرجع إلى موسوعة الأستاذ الدكتور عبد الحليم أبو شقة رحمه الله "تحرير المرأة في عصر الرسالة" ولينظر في صحيحي البخاري ومسلم وكتب السيرة والفقه.

نصف المجتمع

قال أخي الكويتي: سدا للذريعة

أقول: أي سد للذريعة هذه التي تغير ملامح المجتمع الذي ننشده ونريد بناءه بالإسلام؟! هل سنبني مجتمعا أحسن وأطهر من مجتمع الرسول صلى الله عليه وسلم؟! وهل قاعدة سد الذرائع تمنع الحقوق وتلغيها؟ هذا حديث عن حقوق جماعة النساء المسلمات ورد الاعتبار إليهن، والاعتراف بأهليتهن بعد توفر الاستعداد المطلوب، وسد الذرائع لا تحرم الحلال ولا تحل الحرام بهذا الإطلاق حتى نقول إن الدين يقول كذا وكذا، ثم هل إن قوة سد الذرائع أقوى من النصوص قطعية الدلالة والثبوت؟!

لماذا لا نعترف أن هذه تقاليدنا التي لا ترى شأنا للمرأة غير أمور محددة لا تخرج عن البيت والمطبخ، وحتى المطبخ استوردت له الآسيويات معوجات اللسان اللاتي حرمن الكثير من الكويتيات والخليجيات من الاستمتاع بإدارة شئون الملاعق والأواني والكراسي... أعفيت المرأة حتى من هذا فلم تبقَ لها إلا التوافه من الأمور!!

هكذا المرأة تضيع وهي نصف المجتمع (وإن كنا لو رغبنا في تعدد الزوجات نقول إن المرأة ضعف الرجل عددا!!)، وضياع الإنسان ذكرا أو أنثى بالإهمال وعدم التشغيل في أمور جادة ومختلفة.

والعمل الواحد مهما كان مقدسا وضروريا لا يمكن أن يستغرق كل طاقات وأوقات ومراحل عمر الإنسان.. حتى عمل البيت ورعاية وتربية الأولاد لا تستغرق كل وقت المرأة، ولا كل مراحل عمرها.. وهل عمر المرأة مقصور على سني الإنجاب والتربية، حتى لو افترضنا جدلا أن هذه أمور تستغرق وقتا؟! فما بالنا بالشابة قبل الزواج، والعانس، والمطلقة بدون أولاد، والتي تملك من ترعى لها الأولاد وتساعدها في ذلك، والتي بلغت "سن اليأس" بعد الخامسة والأربعين؟!

المرأة العاملة

إن الملاحظة الواقعية أثبتت أن المرأة العاملة هي غالبا أكثر قدرة على التربية من ربة المنزل، وحقائق الحياة تقول إن الإنسان كلما وظف وعمل أبدع وأجاد، فالعمل عموما -ومنه العمل في البرلمان- وسيلة لصقل المواهب وتفجير الطاقات والإحساس بالقيمة والجدوى وزيادة الوعي والشعور بالمسئولية، وهو أيضا حق للتمكن من الدفاع عن الحق والتعبير عن الرأي والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وبالرغم من أن حديث ذلك الأخ كان قصيرا، فإنه أعطى ومضات سريعة يمكن من خلالها أن ندرك جميع المبررات التي تساق ضد حصول المرأة على هذا الحق في الكويت، وهي في الأصل تبريرات لها علاقة بالثقافة التقليدية المحلية، وتقديرات العقول في مصلحة المجتمع.. وخلاصة هذه التبريرات:

1-المرأة أصلا غير مؤهلة.

2-أو هي مؤهلة ولكن وجودها ليس ضروريا.

3-المرأة لها أولويات في البيت أهم وأقدس وأولى.

4-المرأة نفسها لا تريد ذلك؛ ولذلك كثير من الكويتيات أنفسهن يرفضن الفكرة واللاتي يسعين وراء المسألة مجموعة من النساء لهن وضعية خاصة وحالة اجتماعية معينة.

5-سدا للذريعة؛ لأن الانسياق وراء المطالبات النسائية يؤدي في النهاية إلى الكثير من المحظورات، (ومن هذا الباب يستدعون الشريعة ويحتمون بها).

وهذه الأدلة كلها لا تصلح للاستدلال برأي؛ لأن من الظلم أن نقول إن المرأة غير مؤهلة؛ لأن هناك الكثير من النساء أكثر رشدا من الكثير من الموجودين في البرلمان، ثم إذا لم تكن مؤهلة حاليا فهذا دليل إدانة واعتراف بخطيئة مورست ضد المرأة عندما أهملت تربيتها وتعليمها وترشيدها وتدريبها، ثم إن المرأة غير المؤهلة لا تنجح في الانتخابات أساسا فلم الخشية؟! والتي تنجح فنجاحها دليل على أهليتها، ثم ما هي معايير الأهلية؟ هل هي العلم؟ أم التقوى؟ أم الرشد؟ وهل جميع من في البرلمان جمعوا الخير كله؟ أوليس من بين أمهاتنا وأخواتنا من تجمع هذه المواصفات؟!

برلمان للرجال فقط

هل وجود المرأة ضرورة في التصويت والبرلمان؟ أجبنا على هذا عندما قلنا إن هذا حق لها والحقوق لا تمارس بمفهوم الضروريات وغيرها، علاوة على ذلك نقول نعم إنه ضرورة؛ لأن البرلمان لا يشرع فقط للرجال، وهناك الكثير من القضايا في الحياة المعاصرة كحقوق العاملات وقضايا الأحوال الشخصية من جنسية وغيرها وجميع القضايا والقوانين ذات الصلة بوضع المرأة يحتاج فيها المجتمع والنظام السياسي أن يسأل النساء ويأخذ رأيهن بعين الاعتبار،

ثم إن لمشاركة المرأة في هذه العملية ونتائجها قيمة معنوية كبيرة وآثارا على وعي النساء وشعورهن بالمسئولية والمساواة لا ينبغي أن نغفل عنها، فمشاركتها رمز الاعتراف بأهليتها ومساواتها ومجاهداتها في سبيل المجتمع، تلك المجاهدات التي غالبا ما تقوم المرأة بها على طريقة الجندي المجهول والتقي الخفي.

أي أهلية نتحدث عنها إذا كان الإمام الجليل ابن حزم ومن وافقوه أقر بأهلية النساء للنبوة نفسها فهل بعد النبوة مقام أرفع؟!

إن مجلس الأمة هيئة تشريعية وهي تحتاج لكفاءات علمية وعقلية وتشريعية وسياسية، يعني مجلس إفتاء قانوني وسياسي، وهل هناك أحد من علماء الأمة سلفا وخلفا اشترط الذكورة في شروط المفتي أو العالم بالقانون والسياسة؟

لقد استفزني كلام أحد نواب مجلس الأمة الكويتي في إحدى القنوات الفضائية عندما قال: إن مشاركة المرأة مخالفة للشريعة!! عن أي شريعة تتحدث يا سيدي؟ شريعة الإسلام أم شريعة التقاليد والأعراف؟!

الإسلام الصحيح

إن وضع المرأة في المجتمعات الإسلامية، والشبهات التي تثار للتشويش على شريعتنا الغراء عن وضع المرأة وحقوقها في الإسلام سبب رئيسي للحيلولة دون دخول كثيرين جدا من الغربيين المثقفين للإسلام أو فهمه على وجه صحيح. وتأتي أنت لتقول هذا الكلام دون تريث!! ألا تخشى من فتنة الناس وتشككهم في الدين نفسه عندما يصدقونك؟! لماذا نستخدم الدين بهذا الشكل في مناصرة آرائنا السياسية وتقديراتنا للمصالح؟!

قد تجد أنت كأهل البلد والعارف بأحواله مبررات من كل من نوع للقول بعدم مشاركتها، ولكن لماذا تقحم الدين في هذا الأمر؟! ولماذا لا تقول إنني أو مجموعتي نرى ذلك؟ ألم يقل القرآن: "وَلاَ تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ".

لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم برلمان، ولكن الصحابة في صلح الحديبية عندما كادوا يقعون في الفتنة ويعصون الرسول صلى الله عليه وسلم دخل الرسول صلى الله عليه وسلم على أم سلمة رضي الله عنها مستشيرا لها، وقالت ما قالت رضي الله عنها، وانحلت العقدة انفرجت الأزمة، والقرآن يتحدث عن المسلمين ويقول: "وأمرهم شورى بينهم"، ولم يقل أمر الرجال شورى بينهم.

هذه اجتهادات سياسية بشرية، وتقديرات للمصالح، اليوم نرى رأيا وغدا نغيره على حسب تغير العوامل المختلفة وظهور المؤشرات الجديدة. أما عقلية سوء الظن بالمرأة والاستدلال بالصورة النمطية للمرأة المغلوبة على أمرها عندنا فهو خطأ آخر.

لماذا المرأة المتعلمة المتدربة في كل العالم تستطيع أن تبدع وتقود المؤسسات المختلفة وتثبت جدارتها وعندنا الأمر مختلف، فالمرأة عاجزة عندنا فقط، وإذا صح هذا الكلام -وأنا معتقد عدم صحته- فلنسأل أنفسنا ل ماذا؟