الحديث عن المرأة وحقوقها ومكانتها وشخصيتها ذو شجون، والمقارنة بين المرأة في المجتمعات الإسلامية والمجتمعات الغربية لها أبعاد وجوانب مختلفة، وكذلك الحديث عن المؤتمرات الدولية والمحلية التي تعقد لدراسة القضايا المتعلقة بالمرأة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ودينياً. والأطروحات التي تقدم في هذا الصدد متأثرة بالخلفية الفكرية التي تحرك الحركة النسوية في العالم، ولا أجد في أكثر قراراتها علواً لشأن المرأة بل هم يريدون توظيف هذه الأجندات لمصلحة قلة قليلة من الناس يروجون لمثل هذه الأفكار والتي هي في الصميم ضد حقوق المرأة. لست هنا بصدد سرد الحالة التي تريد أصحاب المؤتمرات أن تكون عليها حال المرأة، ولكنني بصدد عرض لأفكار طرحها مفكر كبير، فقد شاركت في أمسية لقاء مع الشيخ عبد الجليل النذير الكاروري رئيس الحركة الإسلامية السودانية وقد تناول الموضوع بشكلٍ فائق النظير، كلامه كان قليلاً ولكن كان غزيراً بالمعاني، وكان مطابقاً للفطرة الإنسانية والشرعة الإلهية، ولإتمام الفائدة آثرت أن أختصر ما قاله في فقرات قليلة العدد، قصيرة الكلمات، كثيرة المعاني والمدلولات فقال ما في معنى كلامه: • الحركات الإسلامية أكثرها جاوزت عصر الحريم، والتي لم تجاوزها بعد فهي في طريق تجاوزها، وهي مسألة زمن ووقت فقط، ونقصد بعصر الحريم، العصر الذي حجبت فيه المرأة عن المجتمع وحبست وراء جدران أربعة فكانت لديها ثلاثة خروج في الدنيا من بطن الأم الى ظهر الأرض، ثم من بيت أبيها الى بيت بعلها، ثم مودعاً الدنيا الى عالم البرزخ، وحجة هؤلاء هزيلة إذ أختصروا مهمة المرأة في التفريخ وتربية الأولاد والنشيء. • مع أنني أؤيد عمل المرأة، فلها كل الحق في تتقلد الوظائف الإدارية بكافة أشكالها وأنواعها ومراتبها ماعدا الإمامة العضمى الذي هو رئاسة البلاد في يومنا، وكانت المرأة كذلك أيام النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يمنعها الشرع من العمل، ولكن هنا لابد من توضيح نقطة جوهرية ومهمة وهي أنني لا أسمي الخروج للعمل والتوظيف تقدماً ومدنية، بحيث يكون المفهوم العكسي إذا لم تحرج للعمل فهي متخلفة ورجعية، فالعمل مباح ولها أن تخرج لتعمل ما توافق فطرتها، ومن رحمة الإسلام (ان عمل المرأة داخل البيت عليها، وخارج البيت لها، وعمل الرجل خارج البيت عليه وداخل البيت له)، مع أن المرأة داخل البيت لا تجب عليها أن تعمل كل الأعمال دون المقابل شرعاً، ولكن هنا العرف يتحكم في المسألة وينظم الأمور داخل الأسرة بشكل يتم فيها توزيع الأدوار لكي يعمل الجميع في سربٍ متناسق. • نحن المسلمون لا نريد إتعاب المرأة مرتين، وذلك عن طريق إتعاب بطنها بحمل الطفل ثم رضاعتها حولين كاملين، وإتعاب ظهرها بإخراجها كرهاً للعمل، فالغرب اليوم تتعب ظهر المرأة إلى أقصى الحدود وذلك عن طريق تكليفها بإعاشة حالها، وتترك لها بالمقابل بطنها، وقليلات من يجمع بين الأمرين في وقت واحد، وفي رأي هذا إختلال في الطبيعة الفسيولوجية للمرأة ووظيفتها. • وقال عن موضوع الحجاب والسفور أو لباس الموضة، بأن الحجاب أو الجلباب هو الإختيار بحد ذاته، أما السفور أو ما يسمى بلباس الموضة فهو تقليد، وليس هناك وجه شبه بين السفور والتقدم والإزدهار والمدنية، فلنضرب مثلاً لهذا الموضوع، لو تمعن لصورتين متشابهتين في الشكل والمنظر لأناس في (منبع) و(مصب النيل)، الصورتان من حيث اللباس متشابهتان، ولكن توصف على الصورة الأولى بالتخلف والبدائية والثانية بالتقدم والتطور، فما هو المعيار الذي يحدد به تقدم شعب، هل هو اللباس؟ أم أن التقدم عبارة عن مجموعة من القيم والأخلاقات، عليه فان التبرج ليس تقدماًوتطوراً، بل القيم والفطرة السلمية دليل التقدم. • وبسبب ما ذكرناه من عمل المرأة خارج البيت واتعاب ظهرها، وإعطاء بطنها راحة مستدامة، تنقص الدول الأوروبية من جنسها الأصلي سنوياً نصف مليون شخص، وبالمقابل تزداد الدول النامية بنسبة كبيرة، فمثلاً السودان تزداد سنوياً حسب الإحصائيات المعتمدة مليون شخصٍ، وهذه بالنسبة للغرب غدت مشلكة كبيرة أمامها تحاول جاهداً التغلب عليها باقناع المرأة بالقيام بواجبها الأساسي وتنظيم حياتها بإعطاء كل عضوٍ في جسدها حقها. • لجأ إنسان الغرب الى الحيوانات لكي يعيش معه، وهناك تقارير بأن عدد الكلاب المسجلين في بعض البلدان أكثر من عدد نسمتها، فما الذي دفع هؤلاء الى الإهتمام بالحيوانات بدل الإنسان لكي يؤنس به وحشته؟ والجواب واضح وهو تفكيك منظومة الأسرة، وظهور الأسرة اللانمطية، وانتفاء العلاقات الإجتماعية حتى بين الأقارب، لذلك فا الأسرة والعلاقات الإجتماعية هما الحصنان الكبيران للأخلاقيات الإسلامية، ويشتد عليها الحرب، وهناك محاولات لنسفها، وجعلها مثل الشكل الموجود في الغرب؛ مع العلم بأنهم يتحسرون ندما على ما وصل اليه الحالة الإجتماعية ويحاولون جاهدين الى بنائها من جديد. • عمل المرأة في المجتمع بنسبة 25% هي بمثابة استنفارٍ لها، والبلد الوحيد في العالم التي تشتغل فيها النساء بنسبة 25% هو استراليا، أما الدول الأوروبية فهي بنسبة 13%، لا فأنا ضدد تخصيص مقاعد أو أماكن شاغرة للنساء من قبل الرجل، فمسألة النسب مرفوضة لأنها تكون بمثابة منح من الرجل الى المرأة، بل لابد للمرأة من أن تجاهد في سبيل نيل حقها بالكفاءة الملازمة، لأن الحق تؤخذ ولا تعطى. ماورد كان خلاصة ما ذكره الشيخ في هذه الأمسية، وبعدها أشبع الحاضرون الموضوع بتعليقاتكم وأسئلتهم الشيخ، وقد نقلنا جوهر الأمسية مختصراً لتعم الفائدة. أخيراً