المبحث الثاني تعريف الخِطبة لغة واصطلاحاً المطلب الأول : الخطبة في اللغة يبحث علماء اللغة في مادة ( خطب ) الامور التالية:- 1- الخطب: الخطب : الشأن أو الامر، صَغُرَ أو عَظُمَ، وما خطبك أي ما شأنك الذي تخطيه، والخطب : سبب الامر، تقول : ماخطبك أي ماأمرك، وتقول : هذا خطب جليل،وخطب يسير، والخطب : الامر الذي تقع فيه الخاطبة، والشأن، والحال، ومنه قولهم جلَّ الخطب أي عظم الامروالشأن ، وفي حديث عمر وقد أفطروا في يوم غيم من رمضان فقال: ( الخطب يسير)، وفي التنزيل العزيز قال تعالى ? قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ ? طه: 95، وقال أيضاً: ? قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ? الحجر: 57، وجمع الخطب خطوب([1])، وقال إبن فارس: ( والخطب الأمر يقع، وإنما سمي بذلك لما يقع فيه من التخاطب والمراجعة)([2])، وقال الرّاغب الأصفهاني([3]) : ( الخطب والمخاطبة والتخاطب المراجعةفي الكلام، ومنه الخِطبة والخُطبة ). 2- الخطبة: وجاء في المصباح المنير([4]) " خاطبه مخاطبة وخطاباً، وهو الكلام بين متكلم وسامع " ، وقال الإمام القرطبي رحمه الله في قوله تعالى? وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ ? البقرة: 235 ،الخِطبة بكسر الخاء فعل الخاطب من كلام وقصد واستلطاف بفعل أو قول([5]). 3- الفرق بين الخُطبة والخِطبة: وتختص الخُطبة بالموعظة والخِطبة بطلب المرأة ، قال الراغب الاصفهاني: "الخطب والمخاطبة والتخاطب المراجعة في الكلام ومنه الخُطبة والخِطبة لكن الخُطبة تختص بالموعظة والخِطبة بطلب المرأة " قال تعالى ? وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ ? البقرة: 235 ([6]). 4- خَطَبَ وإختَطَبَ وأخطَبَ: يقال في خطبة النكاح خَطَبَ وإختَطَبَ ، وفي المصباح المنير ([7]): ( وخطَبَ المرأة الى القوم اذا طلب ان يتزوج منهم، وإختَطَبها، والاسم الخطبة فهو خاطب، وخَطّاب مبالغة سمي). ويقال في الموعظة خطب وإختطب، جاء في اللسان مادة ( خَطَبَ) " خطبت على المنبر خُطبة بالضم وخطبت المرأة خِطبة بالكسر وإختَطَبَ فيها " ، واذا دعا قوم رجلاً لتزويج فتاتهم فقد اختطبوه ، وفي اللسان " واختَطَبَ القوم فلاناً، إذا دعوه إلى تزويج صاحبتهم، وإذا أرادوا تنفيق أيمهم كذبوا على الرجل فقالوا قد خطبها فرددناه، فاذا رد عنه قوه قالوا كذبتم لقد إختَطَبْتموه " ([8]). 5- الخطب والخطيب: الخطب مشترك بين الخاطب والمخطوبة، يقال لمن يخطب المرأة هو خطب وللمرأة المخطوبة خطب، قال في اللسان ( والخطب الذي يخطب المرأة وهي خطبه التي يخطبها والجمع أخطاب ). وتستعمل كلمة ( خطب ) في طلب النكاح من امرأة وذلك ان يقول لها خطب فيجيب بقولها ( نَكَحَ) وهذه اقصر صيغة للزواج عند العرب، وجاء في تاج العروس " والعرب تقول فلان خطب فلانة اذا كان يخطبها، ويقول الخاطِب بالكسر ويضم ، فيقول المخطوب اليهم نكح بالكسر ويضم، وهي كلمة كانت العرب تتزوج بها ، وكانت امرأة من العرب يقال لها ( أُمُّ خارجة ) يضرب بها المثل ، فيقال اسرع من نكاح أُمُّ خارجة وكان الخاطب يقوم على باب خبائها ويقول خَطَبَ فتقول نكح " ([9]). 6- خَطَبَ إليَّ وخَطَبَ عليَّ : اذا كان الرجــل يخطــب لنفـسـه، فيـقال له خطــَبَ المــرأة الى وليّها ، وإن كان يخطبها لغيره فيقال خَطَبَ على فلان، قال في الفتح يشرح حديث ( بايعت رسول الله (صلى الله عليه وسلّم ) أنا وأبي وجدي وخَطَبَ علَيَّ فأنكحني أي: طلب لي النكاح فأجيب : قال خَطب المرأة الى وليّها، اذا أرادها الخاطب لنفسه، وعلى فلان اذا ارادها لغيره ) ([10]). المطلب الثاني تعريف الخطبة في اصطلاح الفقهاء وطبيعتها أولاً : تعريف الخطبة في اصطلاح الفقهاء: عرّفها الفقهاء قديماً وحديثاً بتعاريف متقاربة نذكر منها :- قال في المغني المحتاج ( الخطبة: التماس الخاطب النكاح من جهة المخطوبة ) ([11]). وعرّفها الإمام القرطبي بقوله ( الخطبة : فعل الخاطب من كلامٍ وقصد واستلطاف بفعل او قول ) ([12]). وعرّفها الباحثون المعاصرون بتعاريف قريبة من التعريفين المذكورين ، فهذا الامام محمد ابو زهرة يعرّفها ( بأنها طلب يد إمرأة معيّنة للتزوج بها والتقدم اليها أو الى ذويها ببيان حاله ومفاوضتهم في امر العقد ومطالبتهم بشأنه) ([13]). ثانياً: طبيعة الخِطبة يتبين لنا من دراسة التعاريف المذكورة الأمورالتالية:- الأمرالاول : ان مجرد طلب النكاح يسمى خِطبة : اذا تقـدم الرجل ملتمسـاً الزواج بإمرأة تحِلُّ له سـمي طـلبه هذا بخِطـبة، وان لم يلق جواباً، حيث ينطبق التعريف على هذه الصورة من الخطبة ، ولهذا لايحل له ان يتقدم الخطبة امرأة لاتحل له شرعاً أو تكره خِطبتها، الا ان الخطبة اذا كانت من طرف واحد ولم تلق الإجابة من الطرف الآخر لايترتب عليها أحكام الخطبة وآثارها جميعاً، فلو أنَّ الخاطب تقدم لخطبة امرأة، إلاّ انّ الاجابة لم تتوفر، فيحل لأي رجل ان يخطب هذه المرأة . فقد خطب علي بن أبي طالب فاطمة ( رضي الله عنهما ) بعد أن خطبَ من رسول الله ( صلى الله عليه وسلّم ) وكان ذلك قبل أن يوافق عليه الصلاة والسّلام على الخِطبة، ولو كانت الموافقة قد حصلت فما ينبغي لعلي ( رضي الله عنه ) ان يخطبها حتى لايقع في محظور الخطبة على الخطبة ([14]). الأمر الثاني : الخطبة اتفاق رضائي: إن الخطبة الاسـلامية اتفاق رضائي يتم بايجاب وقبول يصـدر من أهــل له، ويتعلق هذا الاتفاق بوعد الزواج ، وعلى هذا تتم الخطبة وتترتب احكامها بمجرد الرضا، ولايتوقف ذلك على شكل معين ولاصيغة معينة او محددة، ولامكان مقدس من مسجد او غير ذلك، كما وانها تتم بدون حاجة الى رجل دين كما هو الامر لدى المسيحيين وغيرهم وليس قراءة الفاتحة شرطاً في صحتها ، وان تعارف الناس على قراءتها. ولقد تعارف في زماننا هذا على لبس الخاطب والمخطوبة الخاتم في اصبعهمان ويعتبر بعض الناس ان الخطبة لاتتم الا بلبس الخاتم، الا ان الفقه الاسلامي لايتقيد بهذه العادات بل ويعتبر الخطبة قد تمت باجابة الخاطب ، والموافقة على الخطبة . الأمر الثالث : الخطبة وعد غير ملزم بالعقد : ليست الخطبة عقداً يلتزم فيه الطرفان بالتزامات لها قوة الالزام، فان للعقد اركاناً لايتحقق بدونها، وله شروط لايصح بغيرها، وان اقصى ماتؤديه الخطبة ان تكون وعداً بالزواج وليس للوعد بالعقد قوة الالزام عند جمهور الفقهاء، خلافاً للإمام مالك في بعض اقواله ، واذا لم تكن في الخطبة قوة الالزام لأحد الطــرفين فلكل منهما ان يرجع عن خطبته، وان فعل فهو يســتعمل خالص حقه، وليس لأحد عليه ســـبيل، والمصـلحة يتوجب أن يكون كِلا طــرفي العــقد له الحـرية التّامة قبل ابرامه، فانّه لايلزم الوفاء بالوعد بالخطـبة لأنَّ الوفاء بهذا الوعد يقتضي أن يمضيَ عقد الزواج غير راضٍ به ، وليس للقضاء سلطان الإكراه على هذا العقد الخطير([15]). الأمر الرابع: محل الخطبة : محل الخطبة هو المرأة التي يحِلُّ له نكاحها في الحال، ويحرم عليه خطبة من لاتحل له كالمحرمات حرمة مؤبدة مثل : الام والاخت والعمّة والخالة نسباً او رضاعاً، وكذلك المحرمات حرمة مؤقتة كأخت الزوجة ومن كانت في عصمة رجل آخر او في عدّته، ويكره خطبة من خطبت وركنت الى خاطبها وانما حرم خطبة من لاتحِّل له ، لأنَّ الزواج بالمحرمات حرام، والخطبة وسيلة الى النكاح ، والوسيلة الى الحرام حرام([16]).
________________________________________ ([1]) ابن منظور ، ابي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم، لسان العرب – دار صادر – بيروت / 1374هـ ، مادة خطب . ([2]) ابن فارس، ابي حسين احمد بن فارس بن زكريا المتوفي 395هـ ، معجم مقاييس اللغة ، اعتنى به، د/ محمد عوض مرعب و الآنسة فاطمة محمد أصلان، دار احياء التراث العربي بيروت- لبنان ، ط 1/ 2001 ، ص 304 مادة خطب . ([3]) الاصفهاني ، ابي القاسم الحسين محمد المعروف بالراغب الاصفهاني، مفردات الفاظ القران ، تحقيق صفوان داوودي، دار القلم – دمشق ، ط1 / 1996 ، ص 286، مادة خطب . ([4]) الفيومي، احمد بن محمد بن علي، المصباح المنير، المطبعة الاميرية الكبرى ببولاق، ط2/ 1324هـ، مادة خطب . ([5]) القرطبي، ابي عبدالله محمد بن احمد الانصاري، الجامع لأحكام القران ،دار الكتاب العربي للطباعة والنشر، القاهرة /1387هـ ، ج 3 - ص 189. ([6]) الاصفهاني ، ابي القاسم الحسين محمد المعروف بالراغب الاصفهاني، مفردات الفاظ القران ، مادة خطب . ([7]) المصباح المنير ، مادة خطبَ . ([8]) لسان العرب / مادة خطب . ([9]) تاج العروس من جواهر القاموس – مادة خطب . ([10]) ابن حجر العسقلاني، الحافظ شهاب الدين ابي الفضل، فتح الباري، مطبعة البابي الحلبي واولاده بمصر ، 1378هـ، ج4 – ص 34. ([11]) مغني المحتاج الى معرفة معاني الفاظ المنهاج،شرح الشيخ محمد الشربيني، على متن المنهاجلأبي زكريا محيي بن شرف النووي، دار احياء التراث العربي، بيروت- لبنان، ج 3 ، ص 135. ([12]) القرطبي، ابي عبدالله محمد بن احمد الانصاري ، الجامع لأحكام القران ،دار احياء التراث العربي ، بيروت – لبنان، 1976م ، ج3 /ص189 . ([13]) محمد ابو زهرة ،الاحوال الشخصية ، ط2، 1369هـ، ص 26. ([14]) د/ عبدالرحمن عتر، خطبة النكاح ، مكتبة المنار، الاردن ، ط1، 1985م – ص 44- 45. ([15]) محمد ابو زهرة ، الاحوال الشخصية ، ص 31. ([16]) د/ عبدالرحمن عتر، خطبة النكاح ، ص 55.