العراق أصبح شغل الشاغل، والتحليلات المحلية والإقليمية والعالمية تتراشق من كل مكان وكل يحلل حسب هواه وفي اطاره النظري والفكري، وقد تسمع في هذه التحليلات العجب العجاب من القصص والنكت والطرائف والتحليل النفسي والديني والتاريخي و.... أخذني الجوع للغداء لمطعم قريب من شغلي، ودخلت فاذا باثنين يتحاوران وكل يتحمس لرأيه وأطراف الحديث كان عن العراق ومكونات العراق، وأخذوا يفسرون دوامات العنف وطبائع البشر فقال أحدهم بأن مثل الكورد والعرب مثل الجوز والتمر، فان الكورد يشبه الجوزظاهره صلب وباطنه لين (باطنه فيه الرحمة)، وهذا هو سر تفسير كلمة القوم بالكورد في الآية الكريمة {قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِن تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِن تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُم مِّن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً }الفتح16. فهو خشن وسريع الإشتعال، ويغضب لأتفه الأسباب ويبقى مع هذا قلبه ينبض بالرحمة والكرم... أما العرب فهو كالتمر ظاهره رطب ولين ولكن باطنه كجلمود صخر والدليل مانرى وما نسمع في مناطق العراق من أمور تقشعر له الجلود وتشهق له الآذان، والعربي حليم وهناك مقولة (اتقوا غضب الحليم) وقد وصف أحدهم الشخصية السودانية بأنها تشبه (بيبسي كولا) من أراد أن يشربه ويقضي وطره لو جاءه دون استفزاز لأرواه وأعطاه لذة ولكن اذا رجه فلا يتركه حتى يوسخه، هذا جانب من حديثهم أنقله بدون تعليق. لست هنا بصدد دراسة ايكولوجية للشخصية الكوردية والعربية وتأثير البيئة على تكوين شخصياتهم، ولكني أحاول شرح الإنطباع الداخلي للمواطن العراقي جراء فيضانات الدم والقتل في كل مكان، وألحق بالقائمة ما يحدث في المواجهة المفتوحة بين اسرائيل ولبنان وتداعياتها على الدول الإقليمية وعلى العراق بشكل خاص لما لها من تداخل في كثير من المفردات، فما الذي أوصل المواطن الى مثل هذه الإنطباعات والتصورات؟ ايماناَ بنسبيات كل شيء في الكون ما عدا الله وصفاته فان هذا الأمر نسبي، وما يبثه القنوات الإخبارية من أخبار كلها تبعث على الإستياء والتضجر خلقت مثل هذه الإنطباعات لدى المواطنين، فهي تحمل اثم انتشار مثل هذه التصورات التشاؤوم وهذه الفتنة التي تأكل اليابس والأخضر وتهدد بانهيار كامل في كل مناحي الحياة، وهذه الفتنة مع الأسف واقعة وأصبحت ناراً تلظى وتكثر الحديث حولها ونستطيع اسقاط المثل السابق عليها. لماذا أنا متفائل هكذا؟ وما الباعث على التفاؤول في الواقع الذي جعل المواطنين كلهم محللين نفسانيين؟ يحللون ويفسرون ويسقطون ما يرون على تحليلاتهم، وقد سئلت أكثر من مرة بأي شيء أنت متفائل، بالقتل والإختطاف والتدمير والفقر والحالة الإجتماعية والتطرف بكل أشكاله وتغييب صوت الحق والقانون ووو، وما هو واقع في العراق يطبق عليه وصية الشاعر الثائر \"أحمد مطر\" الذي يحاكم الحكام ويلاكم المحكومين دوماً فيقول: قبل أن تخرج من البيت دع رأسك في بيتك من باب الحذر يا صديقي في بلاد العرب أضحى كل رأس في خطر ماعدا رأس الشهر فقد وصل الأمر الى هذا المستوى أن يترك الرجل رأسه في بيته قبل أن يخرج، ويدون يومياً وصيته لما له وما عليه لأهل بيته وعصبته، لأنه قد يدركه أجله وحتفه في أي لحظة، فالعراقي يحمل روحه في يديه ويؤمن بأن الأجل منظم لا يخطئ بخلاف من يظن أن الموت في العراق أصبح عشوائياً ويستشهد ببيت لزهير بن أبي سلمى اذ يقول: رأيت المنايا خبط عشواء من تصب تمته ومن تخطئ يُعَمَر فيهرم فلكل أجل كتاب، ولا يستقدم ولا يستأخر، ورفعت الأقلام وجفت الصحف، وغيرها كثيرة من النصوص التي تثلج الصدر وتقوي العزيمة وتوثق التعلق بالحياة،