أما آن الأوان لوضع حد لهذا الخلط المدمر بين الإسلام والإرهاب؟

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : الشيخ راشد الغنوشي | المصدر : www.qudwa1.com

إن المبادئ السامية والقيم النبيلة كثيرا ما يساء اليها، الى حد حملها على أضدادها، سواء أكان ذلك بالتأويل المتعسف، أم بتجاوز حد الاعتدال في التطبيق، فيتحول الجهاد في الاسلام ـ مثلا ـ من دفاع عن الحرية والعدل الى ترويع للآمنين وإرهاب للمؤمنين أو المستأمنين واستحلال للدماء البريئة والاموال المعصومة. ومن مثل تحول التقوى الى سلبية وانعزال وتدمير للطاقات الحيوية في الانسان بدعوى شدة الحرص على التدين كما فعل النفر من الصحابة الذين اعتزلوا الحياة في المسجد، فقال أحدهم أصوم ولا أفطر وقال الآخر أقوم الليل ولا أنام وقال الثالث أعتزل النساء، تفرغا للعبادة، فبلغ ذلك النبي عليه السلام ففزع من هذا التوجه ودعا الناس الى اجتماع عام عاجل، فحدثهم عن ظواهر شاذة عن نهج الاسلام الوسطي قد أطلت برأسها وسط نفر من الشباب الاسلامي المتحمس، وحذرهم من التشدد والغلو، فإن تجاوز حد الوسطية في الخير كالصلاة والتلاوة ليس خيرا بل شر، ونبههم الى واجب الالتزام بسنته العادلة ونهجه الوسطي وذكرهم بأنه أعرفهم بالله وأتقاهم وأنه يصوم ويفطر ويقوم الليل وينام ويتزوج النساء. ثم ختم خطابه علـــيه الــــسلام بهذا الحسم «فمن حاد عن سنتي فليس مني».
ومع ذلك تعرض الاسلام في مراحل كثيرة من تاريخه الى خطر التشويه والاساءة له واستخدامه لما يصادم مقاصده سواء أكان ذلك من طريق التعسف في الـتأويل أم بالمبالغة وتجاوز حد الوسطية، فتحول الجهاد لدى جماعات من المسلمين سياسية ودينية الى استباحة واسعة لدماء المسلمين في تجاهل شنيع لتعظيم الاسلام لحرمة الدماء حتى عد «من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعا». ويعجب المرء وهو يقرأ آية النساء وما ورد فيها من تهديد ووعيد إلهي لكل من يقدم على جريمة استباحة دم مسلم بغير حق، وعيد وتهديد لم يأت مثلهما بشأن أي جريمة أخرى أو ذنب. اقرأ معي: «ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله ولعنه الله وأعد له عذابا عظيما» (النساء 92) يعجب كيف تمت استباحة مئات الآلاف من أرواح المسلمين عبر التاريخ بمجرد تأويلات باطلة متطرفة نزعت عن الملايين من المسلمين حرمة وهبها الله لهم لمجرد أنهم لا يشاطرون قلة موتورة المزاج ضيقة الأفق حرفية الفهم، لا يشاطرونها فهمها الحرفي الضيق للدين وموقفها السياسي من الحكم، أو نهجها في التعامل مع مظالمه، فما كان منها إلا أن كفرت الحاكم وكل من يعمل معه بل كل من لا يشاطرها مواقفها المتطرفة، ولم تقف عند هذا الحد بل انتصبت في مقام القاضي لتصدر أحكاما باستباحة أموال ودماء مخالفيها، وتتولى إنفاذها، منحدرة من الحاكم ـ بعد أن قصرت يدها عنه ـ الى حاشيته وأعوانه، وظلت تمتد بسرطان التكفير الى أن شمل المجتمع أو أغلبه، كل جهاز دولته من رجال أمن ومالية وتعليم فكلهم كافرون مستباحو الدم وكل من شك في كفرهم فهو كافر أيضا. إنها الاستعادة البلهاء المأساوية لسيناريو الخوارج فكرا ومنهاجا، أولئك الذين لم يشك الامام علي وقد كفروه وأهدروا دمه، في تقواهم وأنهم من الكفر فروا، ولكن النفس البشرية تتوفر على مساحات واسعة وطبقات معقدة لاجتماع المتضادات إذا لم يسعفها فهم رشيد ووعي سديد وتربية قويمة، لا سيما مع وجود أخلال في المجتمع قد تصل الى حد المظالم الكبرى، كما هو الحال في عصرنا حيث بلغ التناقض بين الدولة والمجتمع في معظم البلاد وضعا غير مسبوق من جهة سلوك الدولة وتفلّته من ضوابط الاسلام وقيمه الاخلاقية ومفاهيمه الثقافية وعدله الاقتصادي والسياسي والقضائي، ومن جهة سياساتها الخارجية في تبعيتها للدول غير الاسلامية، بل المحاربة للاسلام، بينما شعبها لا يزال ملتزما على نحو آخر بالاسلام بل إن التزامه مع تفشي الصحوة الاسلامية ـ في تصاعد، وينتظر من دولته أن تعبر عن ذلك في جملة سياساتها الداخلية والخارجية، فإذ هي كثيرا ما تتصرف في سياساتها الداخلية وكأن الاسلام مسألة شخصية لا علاقة لها بالمجال العام الأخلاقي والتربوي والثقافي والتشريعي، كما أنها تنهج في سياساتها الخارجية، لا من موقع أنها جزء من أمة يقتضي الانتماء لها واجبات والتزامات بل من موقع الدولة-الامة، فتنظم علاقاتها بالخارج في ضوء ما تقدره من مصالح وموازين قوة، فيستوي في ذلك العربي والمسلم بغيرهما، بينما لا يزال مجتمع تلك الدولة يعتبر نفسه جزءاً من أمة كبرى أمة العرب والمسلمين وينتظر من دولته أن تتصرف وفق ذلك صداقة وعداوة. ففي قضية فلسطين ـ مثلا ـ يبدو التباين صارخا بين موقف الشعوب وموقف معظم الحكام، فهي عند الشعوب قضية ذات أولوية تسبق حتى القضايا المحلية بينما هي عند أكثر الحكام قضية خارجية نناصرها بحسب مصلحة الدولة. الشعوب ترى في اسرائيل العدو اللدود الذي يجب أن يحارب وتبذل كل المساعدة لمحاصرته ودعم كل جهد لوضع حد لاحتلاله الارض المقدسة، بينما أكثر الحكومات ترى من مصلحتها مسالمته وتبادل المصالح معه، وعدم إقامة أي اعتبار لهذه المسألة في علاقاتها الدولية. ويمكن أن تقاس على ذلك القضايا الاسلامية الاخرى مثل قضية الشيشان واحتلال العراق، حيث رأينا شعوبا تتحرق ألما وتتطوع لمواجهة قوى الاحتلال وحكومات تتعاون مع المحتل وتكتفي بالمجاملات الكلامية.

الخلاصة ان هناك أزمة تزداد يوما بعد يوم استفحالا في علاقة الدول العربية والاسلامية بشعوبها لا يبدو لها من علاج دون الاقدام على اصلاحات ديمقراطية حقيقية. وإن من أسباب هذه الازمة الموقف من الاسلام والمسلمين، الموقف من قضايا الامة الكبرى مثل قضية فلسطين والعراق، الموقف من قضية توزيع الثروة حيث يتجاور في مدننا الكبرى الترف مع الفقر الكافر، كما تتجاور المساجد مع الخمارات ودور الخنا والفجور، بما يجعل الهوة بين أكثر الحكام والنخب العلمانية المحيطة بهم وبين الشعوب التي تزداد وعيا والتزاما بالاسلام وتترّسا به لمواجهة موجة التحلل العولمي والهيمنة الاقتصادية والثقافية الامبريالية الصهيونية الامريكية. إن الهوة بين الطرفين تزداد يوما بعد يوم اتساعا على كل صعيد بين الخطاب الرسمي والممارسة، بين مقتضيات الدين كما تفهمها الشعوب وبين سياسات أكثر الحكام حتى غدا ذلك الطابع المميز للحياة في بلاد العروبة والاسلام. إن كل ذلك يمثل تربة خصبة لتصاعد الاحتجاج ولتفريخ التطرف بكل أنواعه وتفجر العنف. صحيح أن الحديث اليوم متمحور حول نوع واعد من التطرف والعنف ذي المصدر الاسلامي لأن الاسلام يمثل اليوم المزاج الثقافي العام للامة فهو وقود الاحتجاج على غرار ما كان عليه الامر في الستينيات والسبعينيات حيث كانت الثقافة اليسارية والقومية هي السائدة، فكان الاحتجاج والعنف مصطبغين بصبغتها، الحديث اليوم ليس بالطبع عن التطرف في التذيل للقوى الدولية ولا هو التطرف في الخنوع للصهاينة وللهيمنة الامريكية ولا هو التطرف في احتكار الثروات والعبث بالمال العام من قبل أكثر الحكام وحواشيهم ولا هو التطرف في دعم ثقافة التحلل والمجون ولا هو التطرف العلماني في التحرش بالاسلام دين الامة وبدعاته واستعداء النظام المحلي والدولي عليه، وإنما التطرف الذي غدا الشغل الشاغل للقوى الدولية والحكومات المحلية والاتجاهات السياسية والذي كثيرا ما يتعمد الخلط بين مجموعات التطرف والعنف محدودة العدد وبين التيار الوسطي الرئيس في الحركة الاسلامية، تيار الاعتدال، تيار الديمقراطية الاسلامية، التطرف المعني اليوم هو فقط التطرف والارهاب باسم الاسلام، وذلك ضمن حملة شاملة مركز قيادتها: الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة وجملة مؤسسات الدهلزة الصهيونية المتحكمة في دوائر الاعلام والقرار في الولايات المتحدة ويمتد أخطبوطها بعد ذلك في أرجاء العالم بقدر امتداد النفوذ الصهيوني والامريكي، وذلك في خلط متعمد ومركز بين الاسلام والمجرى الرئيس لأمته وحركاته وبين تلك الجماعات المتشددة، خلط خطير يهدف الى خلط أشد بين الجهاد الدفاعي المشروع الذي تقوم به حركة التحرر الفلسطيني بجميع فصائلها الرئيسة وبين الارهاب، خلط بينه وبين ما قامت به وتقوم جماعات نادة عن المجرى الرئيس من أعمال عنف هوجاء حمقاء ضد كل من تعتبره عدوا أو متواطئا معه من حكومات ومن أناس عاديين لا صلة لهم بالسياسة أصلا من مثل ضحايا 11سبتمبر والعاملين في سفارتي أمريكا في شرق افريقيا فمعظمهم أفارقة مساكين معظمهم مسلمون وكذا سائر وقائع الاجرام التي اقترفت خلال السنوات الاخيرة وآخرها ما حدث في المملكتين العربية السعودية والمغربية. وكانت الغالبية الساحقة للضحايا مواطنين عاديين غير مسيسين أصلا. يبدو أن جماعات التطرف أخذت تعتبر الامة كلها والعالم قد تترس بهما الامريكان والحكام فلا مناص من إهدار دم الجميع!!.

هروبا من التسليم بالفشل الى فشل أعظم:ويبدو أنه بعد أن تمكنت أجهزة الامن في مصر من حسم أمر تلك الجماعات لئن راجع بعضها المسيرة الدموية التي خاضها فراجع نفسه وتاب لا اقتناعا منه بعدالة الدولة التي حاربها وإنما بفساد المنهج الأهوج الذي سلكه ـ فإن البعض الآخر ـ بقيادة الظواهري وهو المنظر الأكبر لهذه المسيرة الدموية الهوجاء التي أغرق الاسلام المعاصر في أتونها وقدم خدمات لأعداء الاسلام غير محدودة ومنها 11سبتمبر ـ انطلق الى الساحة الدولية متحالفا مع بقايا الجهاد الافغاني الذي كانت أمريكا وحليفاتها العربيات تشجعه حتى إذا قضت منه وطرها شنت على حلفاء الامس حملات دولية، فنصبت لهم الفخاخ في كل مكان لتصيّدهم، فوجدوا في افغانستان وطالبان المأوى والحليف لتنطلق استراتيجيا دولية يائسة بائسة لمواجهة العالم، اليهود والنصارى، ومن ليس على فكرهم من المسلمين وهم الغالبية، فاستهدفوا حكومات غربية ومحلية وأزهقوا مئات من النفوس لا علاقة لها بحربهم، ودمروا ممتلكات وأشاعوا مناخا من الرعب في العالم وموجة عارمة من العداء للاسلام وحركاته ودوله وأقلياته ومؤسساته ووفروا لكل من يتربص بالاسلام فرصا للانقضاض عليه ودعاته ومؤسساته، وربطه ربطا محكما بالارهاب وبكل ما هو بشع، وخطير على كل المنجزات الحضارية الانسانية مثل السلم والتقدم والحرية والمساواة والديمقراطية والحوار والذوق الجميل. ومع شدة وقع تلك الأفعال واستغلال أعداء الاسلام لها حتى غشيت سماء الاسلام والمسلمين وظللتها بظلالها الداكنة من أجل عزل كل الاسلام والمسلمين وربطهما الربط المحكم بالارهاب وهو جوهر الخطة الصهيونية التي أعلن عنها رابين وبيريز عقب انتهاء الحرب الباردة استبقاء لدور صهيوني في الاستراتيجيا الغربية، ومع ذلك فإن أيما دارس منصف للاسلام وحركاته لا يعسر عليه أن يتبين الألوان الحقيقية وسط هذا الضباب والقيام بفرز واضح تتمايز معه الأضداد فيرى بكل جلاء:
1-أن مبادئ الاسلام كما فهمت قديما وحديثا من قبل جمهور المسلمين وكما تدل عليها بجلاء نصوصه الثابتة في الكتاب والسنة وكما طبقت عبر تاريخ طويل لا تقدم سندا للرؤيا الأحادية الحرفية الضيقة التي روج لها الخوارج القدامى والمحدثون من أنصار جماعات التطرف. الاسلام كما فهم وطبق من جمهور المسلمين لقرون طويلة يقدس الروح البشرية ويعلي من كرامة الانسان من حيث هو انسان ويعطيه حقوقا ثابتة بذلك الوصف، تضمن حقه في الحياة والحرية في اختيار عقيدته وتقرير مصيره. الاعتقاد محله القلب ولا سلطان عليه لأحد إلا الله والحساب عليه عند الله، فلا سلطان للدولة على نوع اعتقاد الناس وما يسلكون في بيوتهم وما ينتهجون من أساليب لتنظيم أحوالهم الشخصية من زواج وطلاق ونفقة وما اليه، وفيما يختارون من مناهج لتربية أطفالهم وما الى ذلك من خصوصياتهم، وفي القرآن توجيه للنبي واضح في التعامل مع اليهود الذين كانوا مواطنين في دولة المدينة حسب قاعدة «لهم ما لنا وعليهم ما علينا» (فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم) فهم أحرار في الاحتكام في أحوالهم الشخصية للاسلام أو للنظام القانوني الخاص بهم. فكل ذلك يمكن أن يقبل أكثر من نظام قانوني، خلافا للدولة الغربية التي تعتبر القانون تعبيرا عن إرادة الدولة فتقصر مواطنيها على نظام قانوني واحد حتى في تنظيم أحوالهم الشخصية. كما أن غياب تمأسس الدين في مؤسسة رسمية تنطق باسم السماء أفسح المجال واسعا أمام حرية الاجتهاد بما ولّد حركة فكرية وفقهية وفلسفية نشطة طرحت على المسلمين فيضا من المذاهب والفهوم يختارون منها ما شاؤوا بحسب ما يرتضيه ضميرهم الديني ويبقى للفهم الذي ارتضته الاغلبية الحق في تنظيم الشأن العام للناس تاركا للناس حرية تواصل الحوار والجدل والاختيار. وهو ما وفر - زمن ازدهار حضارة الاسلام ـ تعددية واسعة في الحياة الاسلامية اتسعت للمسلمين على اختلاف اجتهاداتهم ومدارسهم ولغير المسلمين مهما اختلفت عقائدهم ونحلهم. وكان ذلك من أهم ما ماز الحضارة الاسلامية أنها حضارة الحرية والتعدد فلم تضق بمذهب اسلامي أو غير اسلامي. ولا يزال العراق وهو أخصب أرض ازدهرت فيها حضارة الاسلام يمثل فسيفساء من الأعراق والمذاهب الاسلامية والديانات حتى الاحيائية منها مثل اليزيدية. ولم يشهد التاريخ أن طائفة مسلمة أو غير مسلمة استهدفت من قبل الخلافة بالاستئصال. وهو ما يؤكد أن التطرف قديما وحديثا هو شذوذ عن مبادئ الاسلام وعن المجرى العام لتطبيقه وحضارته، إنه ضرب من التخلف وضيق في الافق وحرفية في الفهم لا يتسعان لهذه الرحابة التي جاء بها الاسلام والتي استوعبت كل الاختلافات والاجتهادات فتعايشت كلها في وئام وأسهمت كلها في إثراء حضارة الاسلام أيام ازدهاره. فكانت بغداد وقرطبة والقاهرة وشيراز وساراييفو وغيرها من حواضر المسلمين تذكر بلندن وباريز وفرانكفورت ولوس انجلز من جهة ما تزخر به من آداب وعلوم وفلسفة وتجارة، فضاء قد اجتذب اليه أرفع الكفاءات من أقطار الارض على اختلاف دياناتهم ومذاهبهم. وتلك هي الحضارة: فضاء رحب يجتذب أرفع الكفاءات مقابل التطرف والتخلف:ضيق في النظر وعنف في المسلك طاردان لكل ما هو جميل وكفء، وذلك بصرف النظر عن نوع المذهب والمرجعية لكل من التحضر والتخلف.

2 ـ إن جماعات التطرف والعنف لا يمكن إلا أن تكون محدودة العدد والأثر ولن يكون لها من مآل غير ما كان لها في مراكزها الأصلية في مصر، إن معظمها في مصر والجزائر قد فقه الدرس وأقدم على التوبة في شجاعة والبقية لجت في العناد مستفيدة من أزمة الحكم المستفحلة ومن الظلم الدولي الغاشم ومن بقايا من فكر التشدد مبثوثة في جوانب من الثقافة الاسلامية، ولكن الفطرة التي فطرالناس عليها لا تأنس للتطرف ولا تطيقه ولأن تلك الجماعات عاجزة عن بناء شيء لأنها قوة غضب وهدم لا قوة بناء وذلك بسبب ضيق أفقها فهي لا ترى في الاسلام غير وجه واحد، عاجزة أن ترى شيئا خارجه فتكفره وتنفيه، ولأنها عاجزة عن نقل قناعاتها الى جمهور واسع فما يبقى لها من سبيل غير العنف، ولذلك كثيرا ما تراها تمثل الوجه الآخر للأنظمة التي تزعم أنها تقاومها، فهل مقولة الفسطاطين المنتزعة من سياق صحيح هو الحديث عن الوقائع التي تسبق قيام الساعة والمنزلة في غير مكانها، تختلف كثيرا عن مقولة الخير والشر: معي أم مع الارهاب؟. إن التطرف والعنف رد فعل فاسد عن مشكلات حقيقية. وما لم تعالج تلك المشكلات الحقيقية فتنصلح العلاقة بين الشعوب والحكام في اتجاه اقتراب الدولة من المجتمع في فكره ومصالحه ومطامحه، وما لم تنصلح العلاقات الدولية في اتجاه قدر من العدل والحد من نزوعات الهيمنة ودعم الظلم الصارخ في مواقع شتى مثل فلسطين والشيشان فسيظل التطرف والعنف يجدان أرضية مناسبة باعتبارهما استجابة غضبية واندفاعة لا تحتاج الى كبير عناء في التأمل والتفكيروالتربية والتنفيذ.

ولأن التطرف والعنف بديلان عن الرفق محدودا الأثر مجافيان للفطرة وللمجرى العام للامة ولحركات الاسلام الصحيح فإنه لا مستقبل لهما، وهما لا ينتعشان إلا في مناخ الازمات لتنبيه العقلاء اليها، ومع ذلك يمكن أن يفسدا كثيرا ويضيعا جهودا وطاقات كبيرة ما لم تتجند كل طاقات العقلاء لمقاومة هذا البلاء ضمن معالجات شاملة لا تقف عند الظواهر والمعالجات الامنية وإنما تغوص الى الاسباب والجذور فتأتي عليها. إن التطرف في الفهم والعنف في فرضه جديران بالادانة والشجب لا بالاعتذار والتسويغ، ولكنهما ككل الظواهر الاجتماعية المعقدة حريّان بالدرس والتحليل للوقوف على الأسباب التي تدفع شبابا متعلما تعليما راقيا أحيانا وعلى استقامة والتزام ومكانة اجتماعية واعدة غالبا لماذا يلقي بنفسه في هذا الاتون؟ إنها طاقات ثمينة تدمر وتدمر غيرها؟ لماذا؟ لا مناص من البحث ووضع المعالجات المناسبة المكافئة لتعقّد الظاهرة.
وفي كل الأحوال من واجب العلماء والدعاة أن لا يسمحوا للتطرف والغلو أن يختطفا الاسلام وفيهم عين تطرف، جزء من الميثاق المأخوذ عليهم من فوق السبع الطباق. قال تعالى: «ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن».