أنت يا بلبل عصر وردي!.. أنت يا بشيرَ بعثٍ لماثل على الهلاك!.. أنت يا عصارة بطولة التاريخ!.. أنت أيها الكائن الأسطوري قد نبعت من لب الملة وعدت إليها لكي تعيدها إلى جوهرها وماهيتها مرة أخرى وتفانيت في سبيلها!.. نحن نتوق أن نجعل من قلوبنا المضطرمة شوقاً مشاعل للاحتفال بقدومك، والترحيب بمجيئك والسير وراءك مرة أخرى.
كلما ألمتْ بنا الخطوب، وادلهمت الأيام تذكرناك، ونظمنا قصائد الشوق واللهفة إلى أنفاسك الباعثة على الحياة، ولم نستطع فعل شيء جاد آخر.
أنت أيها الأمير الجَلِدْ والشهم للعهود المضطربة الملتهبة وموجهها، والمرشد المشفق الحنون!.. أنت يا بطل الحقيقة الذي يحمل في شفتيه إكسير الحياة الذي يحيي القلوب الميتة!.. أنت يا طبيب الأدواء المستعصية ومسيحها ولقمانها!.. في هذه الأيام التي بهتت فيها ألواننا، وبطئت فيها نبضات قلوبنا، وتحشرجت فيها أصواتنا.. في مثل هذه الأيام فلقد أصبحنا في ظمأ وحاجة –كظمأ أهل كربلاء ومظلوميها وحاجتهم- إلى نظراتك التي تومض كالبروق، وإلى صوتك وبيانك الهادر كالرعود، وإلى جهودك وقدرتك المحركة إرادتك المغيِّرة التي تهطل على صدر هذه الأمة كالغيث فتتفانا فيها وتفتح لها سبل الإستحالة.
في هذا العالم المتهدم الأرجاء الذي قام الظالمون فيه بتحويله إلى بركة من الدماء وملأوه بالأنين والآهات، ولم يتركوا بلداً إلا وجعلوا عاليه سافله... من أمثال هذه الخرائب لم نعد نسمع سوى أصوات الظالمين أو أنين المظلومين.
قم!.. قم واضرب بسيفك على هذا الطوق المخيف الملتف حول عنق ماضيك لكي تُبطل هذا السحر المنعقد، وامسح وأزل الحظ النكد لهذه الأمة... فكما قمت بإسماع صوتك للعالم أجمع.. قم بهذا الآن ليصل صوتك إلى العالم بأسره.
تعال!.. تعال فقد نفد صبرنا... تعال فقد اقفر هذا البلد وتحول إلى صحراء قاحلة وبدأت الجرافات الأجنبية تجرِف البنية الملية وتخربها، وبدأ التآكل الاجتماعي يسحب الأجيال أمامه ويدفعه إلى هاوية مجهولة، وبدأت النغمات والترانيم الأجنبية تسكر إنساننا إلى حد الثمالة في هذه الأيام السود... تعال إذن.
تعال!.. تعال وأنشد نشيداً جديداً لهذا الجيل الذي لم يسمع سوى الأناشيد القديمة طوال سنوات وسنوات فأصبح حائراً ومذهولاً أمام الحركات البهلوانية لهذا العالم الجديد... نشيداً يُعرِّفك ويعرِّفني بهم... لحنه طاهر وسامٍ كبدر.. صادر من الأعماق ومتوجه إلى دار الخلود كمالازْكِيرت .. وشامل عالميّ يجلب صيطا جديدا كفتح القسطنطينة.. منبعث من فؤاد مكلوم مثل نضالك الإستقلال.
تعال!.. واجلب أمل وعزم فعل شيء جديد لهذه القلوب الخابية والأرواح البائسة الواهنة التي ذهلت عن نفسها وغرقت في سيل الهذيان.
تعال!.. وَهَبْ بشرى الشفاء والصحة لهذا الإنسان البائس الذي أُجريت له سبعون عملية جراحية بدعوى علاجه، والذي حمل إلى قسم معالجة العظام بعد أن كسروا ذراعيه وقدميه، أجلب الشفاء لهذا الإنسان الذي أصابه ضر كضر النبي أيوب عليه السلام وملأت الأحزان والهموم عينيه كيعقوب عليه السلام. إن الذين تصدوا لعلاجه من الجهلاء والسفهاء بتشخيص وعلاج خاطئين لم يتسببوا إلا في زيادة مشاكله وآلامه، ولأنهم تناولوا مشاكله الجزئية والموضعية والوقتية فقط، فإن كل بارقة أمل في الشفاء كانت مثل شمعة زائفة سرعان ما انطفأت دافعة أياه إلى خيبة أمل جديدة ويأس جديد.
ويبدو أنه لا يسلم نفسه بعد الآن إلى أي طبيب كان، ويظهر أنه سيصر على أسنانه صابراً حتى ظهور طبيبه الحاذق الذي سيتناول أدواءه ومشاكله بشكل شامل وعميق.
تعال!.. تعال وكن أنت ذلك الطبيب، واقلب ليل الذين ينتظرونك منذ سنوات إلى نهار مشرق... وأوصلهم إلى الآفاق المضيئة. إن حركة خفيفة واحدة منك قد أعطتْ تناغماً للحوادث المتشابكة. فكم من مشكلة مستعصية مزمنة انحلتْ بفضل نفَس واحد من أنفاسك الحارة، وكم من ورم منتفخ ومنتشر في قلب الأمة يسيل قيحاً بدأ بالضمور والزوال. فما بالك لو أنهم شاهدوا الفعالية الحقيقية المتولدة من ذاتك وماهيتك؟..
نحن كأمة واحدة ننتظر بعيون دامعة وبلهفة عارمة يوم قرارك المفرح. ألف سلام وألف تحية لبطلنا الذي يمسك بيده هذا القرار التاريخي