أيام كانت الجمعيات الخيرية وتلك التي كانت لصالح النفع العام، كنا نسمع عن اهدافها مقترنة بالدعوة الى الخير والفضائل. وعندما ظهرت الاحزاب السياسية الحديثة في طريقها إلى استلام السلطة، اصبحنا نسمع كثيرا عن الدعاية، حتى اقترنت الدعاية في نظر الكثيرين بالاحزاب، بينما اقترنت الدعوة بالجمعيات!! فما هي الفروق الجوهرية بين الدعوة والدعاية من حيث المضمون؟ لا أملك جوابا نهائيا في هذا الامر، بقدر ما أملك من استقراءات وقراءات متراكمة على مدار السنين والاعوام، منها: أولا: الدعوة قيمة عليا، لاتنظر الى المصلحة الشخصية البحتة، بينما الدعاية محاولة سياسية تنظر إلى المصلحة الخاصة في النهاية. ثانيا: الدعوة تسعى بكل الطرق إلى المكاشفة والصراحة لتثبيت الولاء على مر الزمن، في حين أن الدعاية تسعى الى تحويل الولاء في لحظة معينة، كأن تكون لحظة الانتخابات أو الاستفتاء العام، ثم لا يهمها مصير المستفتي أو المدلي بصوته بعد ذلك. ثالثا: الدعوة تعمل وتؤثر في اوساط الذين يؤمنون ابتداء ببعض مبادئها، بينما الدعاية تعمل في اوساط الذين لاتربطك بهم روابط مسبقة مباشرة، وليست لديهم قناعات مسبقة بما تخبرهم به. رابعا: في مجال الدعوات يقوم الداعية باقناع المقابل بكلياته كالايمان بالله واليوم الاخر، ليصل به الى الاقتناع بجزئياته، في حين يحاول صاحب الدعاية الى اقناع المقابل بجزئية معينة- كأن يصوت لقائمته هو- ليصل به في النهاية الى الاقتناع بكليات برامجه وافكار حزبه. خامسا: تقوم الدعوة على الصدق بهدف ايصال المقابل الى الحقيقة، بينما تقوم الدعاية على التزيين احيانا كثيرة، بهدف الوصول الى كسب المقابل. لأجل هذا كله، نرى بأن القناعات عند اصحاب الدعوات ومناصريهم تكون ثابتة على الاغلب وقلما تتأثر بعوامل خارجية، بينما يتغير اتجاه الرأي العام عند اصحاب الدعايات ومن حولهم بفعل الاشاعات او التصريحات الدعايات او المواقف المعلنة. من هنا يلزمنا أن نفرق اكثر بين الدعوة والدعاية، وبين الجمعيات والاحزاب. فاذا كنا اصحاب جمعيات خيرية او الجمعيات ذات النفع العام علينا أن نعمل وفق منطق الدعوة والدعاة. وإن كنا اصحاب احزاب سياسية بحتة تفتش عن مصلحتها السياسية فقط، تكون الدعاية هي الوسيلة نحو الهدف السياسي البحت. وإن كنا نعمل وفق عمل الجمعيات من جهة، ووفق عمل الاحزاب من جهة اخرى، فعلينا أن نعمل بمنطق الدعوة والدعاية معا، ولكن كلا في مجاله!!