تبارك الذي أنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ، والحمد لله الذي جعل الشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم ، سبحانه ؛ يسبح الرعد بحمده والملائكة من خِـيفته ، وتبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا ، والحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما ، سبحانه متصف بصفات الكمال والجلال ، منزه عن النقص والمثال ، أشهد أنه ربي حقا حقا والصلاة والسلام على الرحمة المهداة والنعمة المسداة نبي الرحمة للعالمين ، خير ولد آدم ، وأعبدهم وأتقاهم لربه ؛ صلى الله عليه مادام الليل والنهار صلاة تامة دائمة إلى يوم التغابن، أشهد بحبه وأنه رسول الله حقا حقا ، ورضي الله عن الصحابة الكرام خير خلق الله بعد الرسل الكرام ، رافعي لواء المجد ، حاملي لواء الدين ، ومن سار على دربهم ولزم غرهم إلى يوم تبلى فيه السرائر .
أيها الأحبة :
لم يتغزل الأدباء في فصل من فصول العام كمثل تغزلهم ووصفهم للربيع ، فأمسوا يصفونه ويتغزلون في حسنه وجماله ، وما يعود على النفس من بهجة وسرور ، فعند إقبال الربيع ؛ تتزين الأرض وتلبس أجمل الحلل ، تغري بها أصحاب الذوق الرفيع ، ومتذوقي الجمال ..
فالوجه الطلق الضحوك ـ من الحسن والجمال ـ حتى كأن يريد أن ينطق بحسنه وجماله ، تتفتح أوائل أوراق ورده خجلى ؛ ببرد الندى ، كأنه يوصل بينهن حديثا خاصا مكتوما ، وبات الندى عليها كمثل لآلئ قد زاد منهن الفرادى التوأم ، وتبدو الأرض من جمالها كأنها العروس في زفافها ، تعطي للعين بشاشة من بعد نضارة بدت في محياها ، تدفع بذلك قذى العين وما لفها من أيام مضت ، وينشر نسماته العطرة كأنها تهب بأنفاس الأحبة ، نعمة من الله .
وأي حبيب أقرب من محمد عليه الصلاة والسلام . عجز الأميري أن يصف ربيعه فقال :
ربيعك للروح كالبلسم *** بهيج الضحى رائق المبسم
يحرك في النفس وجدانها *** ويطلقها من إسار الدم
ويبعثها حرة لا تضيـــق*** بكيد العواذل واللوم
ويرفعها من حضيض التراب *** إلى الأفق الأرحب الأكرم
ويغمرها بحنان السماء *** و يمنحها هيبة المسلم
فتشرق في القلب أنواره *** وينبض بالحمد للمنعم
ويمشي سويا على منهج *** سليم يؤدي إلى أسلم
ويعبق فيه أريج الهدى *** زكيا يطول على الموسم
أرقُ وأندى من الياسمين *** وأبهى جمالا من البرعم
ربيعك يا سيد الكائنات *** سناه ينير القلوب العمي
ويروي غليل العطاش الذين *** يرون السراب كسيل طمي
أعد الأبيات وكرر وتمعن ثم صلي على الربيع الدائم .. ( محمد ) .
فالأديب الحق له مزيتان : إحداهما تذوقه لما يراه ويسمعه ذوقا عميقا كأنه يجد حلاوته في فمه ، لكنه يجدها في نفسه ، وثانيهما قدرته على تحويل تلك المعاني التي يجدها في نفسه إلى كلمات تعبر أصدق التعبيرعما يجول في خاطره وما يتذوقه .
هذا هو الربيع ... وهذا هو الأديب
غير أن المؤمن الحصيف يمتلك مزيتان أكثر مكانة مما يملكه الأديب هما : أسساً وحساً تؤهلانه لأن يتذوق ما حوله ، وأن يعبر عن هذا التذوق في صورة عمل ، ليس بالضرورة أن يكون بيانا بألفاظ ، بقدر ما يكون بيانا بأعمال ، هذا دأب المؤمن ؛ فإن كان أديبا مسلما فذلك الزبد بالعسل ؛ كما قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه.
أسساً تمكنه من فهم ما حوله ربما بطريقة يميزها حسه الإيماني ونظرته إلى الدنيا والآخرة ... وحساً يمسيه متأثرا غاية التأثر بما يسمع ويرى ويعقل .
قال تعالى : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } [ الأنفال : 2 ]
وصف الله تعالى المؤمنين في هذه الآية بالخوف والوجل عند ذكره . وذلك لقوة إيمانهم ومراعاتهم لربهم , وكأنهم بين يديه .
وقال سبحانه : { اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } [ الزمر:23 ]
تضطرب وتتحرك بالخوف مما فيه من الوعيد . وقال زيد بن أسلم : قرأ أبي بن كعب عند النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه فرقوا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( اغتنموا الدعاء عند الرقة فإنها رحمة ) .
وعن العباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا اقشعر جلد المؤمن من مخافة الله تحاتت عنه خطاياه كما يتحات عن الشجرة البالية ورقها ) وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ما اقشعر جلد عبد من خشية الله إلا حرمه الله على النار ) .
وعن شهر بن حوشب عن أم الدرداء قالت : إنما الوجل في قلب الرجل كاحتراق السعفة , أما تجد إلا قشعريرة ؟ قلت : بلى ؛ قالت : فادع الله فإن الدعاء عند ذلك مستجاب . وعن ثابت البناني قال : قال فلان : إني لأعلم متى يستجاب لي . قالوا : ومن أين تعلم ذلك ؟ قال : إذا اقشعر جلدي ، ووجل قلبي ، وفاضت عيناي ، فذلك حين يستجاب لي . راجع تفسير القرطبي.
والمسلم إذ هو كذلك لا ينسى ما رواه مسلم في صحيحه ( إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ ) .
فهو يسعى للجمال يتذوقه ويحبه ويحرص عليه لأن الله جميل يحب ذلك منه .
( إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ ) … فيكون المؤمن موقنا بهذا يسعى للجمال ، يتذوقه ، يحبه ، ويحرص عليه ؛ لأن الله جميل يحب ذلك منه .
أخرج الإمام أحمد في مسنده عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( الشِّتَاءُ رَبِيعُ الْمُؤْمِنِ ) . وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد وقال : " رواه أبو يعلى و إسناده حسن " .. وبالرغم من أن الشيخ الألباني- رحمه الله - ضعفه في صحيح الجامع ، لكن كلام الإمام الهيثمي واضح ، وعلى أي حال فمعنى الحديث صحيح صحيح .
أرأيتم كيف تتغير فصول السنة في حس المسلم ، وفقا لأسسه وحسه ، ليكون الشتاء بمطره وبرده وثلجه وصقيعه ؛ ربيعاً تتفتح فيه أزهار قلبه ، وتنتشر الزينة بين جنبات نفسه ، يجمع في موسمه هذا وروداً وأزهاراً ، ويطلق لعيني بصيرته العنان لتنعم بمناظر الرقي والقرب من الله تعالى .
وإنما كان الشتاء ربيعاً للمؤمن لأنه يرتع فيه في بساتين الطاعات ، ويسرح في ميادين العبادات ، وينزه قلبه في رياض الأعمال الميسرة فيه .
وإذا كنا قد ذكرنا بأن للمؤمن حساً يشعر فيه بالخوف من الله تعالى ويقشعر بدنه من آيات الله سبحانه وتعالى ، فإن المقابل لهذه الروح المحبة للقرب من الله : أن الله يضحك لصنيع عبده ! ، جزاء قيامه من فراشه الوفير ، ودفئ جسده ، طالبا الدفء لروحه وقلبه .
فعن عبد الله بن مسعود أنه قال : ( ألا إن الله يضحك إلى رجلين : رجل قام في ليلة باردة من فراشه ولحافه ودثاره ، فتوضأ ، ثم قام إلى الصلاة ، فيقول الله عز وجل لملائكته : ما حمل عبدي هذا على ما صنع ، فيقولون: ربنا رجاء ما عندك ، وشفقة مما عندك ، فيقول فإني قد أعطيته ما رجا، وأمَّـنته مما يخاف ). الطبراني في الكبير وقال الهيثمي في مجمع الزوائد حسن .
فهي المعاني كلها تجتمع لك أيها المؤمن في فصل الربيع هذا ، وأنت تتجول بين سهوله الخضراء ، وتنهل من أنهاره الصافية العذبة ، و تتمتع بظله الوافر ، تترقى ؛ بين ربى الأعمال الصالحة ، وتستنشق عبير الطاعات ، لتطمئن نفسك ويصلح حالها ، وتشعر بالدفء الحاني ، والسمو الإيماني ، تنزل منكسرا متضرعا ، فتصعد مجبورا باسما ، تتخلق بالجميل سبحانه ، من بعد ضحكة زينت بها دربك الوتير .
وأنا إذ أذكرك ونفسي بهذا الخير يسرني أن أقدم لك باقة من الزهور الإيمانية ، ناصحاً لك على الخير ، و داعيا لك بكل فلاح وهدى .
بدء الخير والفلاح ..
عن أبي هريرة َقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ فَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنْ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ ) . الترمذي وقال حسن ، و أخرجه الترمذي بسند صحيح . راجع تحفة الأحوذي .
هذا أول ما نقدمه لك وأنت تلج بستانك الإيماني هذا ؛ لأنها أول ما تحاسب عليه ، فإن كان يبس الخريف قد أيبس الخشوع في قلبك ، أو حر الصيف قد جفف دموعك ، فها هو ذا ربيعك الماطر قد ولج ، يسقي الأرض بماء طهور ، لتسقي مآقيك بخير ونور ، وتهطل في قلبك الساجد مزيد إشراقات الصلاة .. تبتغي الفلاح والنجاح ، وتهرب من خيبة وخسران .. لتتعلم كيف ترتب أولوياتك وتصنع فيها صبغة النجاح ، فتكون صاحب فلاح في بدء أمرك ، ليكون بدء المسير مضيئا .. فلا تغفل عن هذا الأصل .
كن وليا لله .. ولا تلتفت
هو هو أبو هريرة يهديك طبقا آخر من الخير ، إذ يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله قال : ( من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ؛ فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، وإن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه ، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته ) البخاري .
فملازمة النوافل والحرص عليها هي الطبق الذهبي التالي ، ويكون تقربك من الله بها بإيمانك ثم إحسانك ، فيقرب الرب الكريم منك بما يخصه به في الدنيا من عرفانه ، وفي الآخرة من رضوانه ، وفيما بين ذلك من وجوه لطفه وامتنانه ، فاقترب منه سبحانه وابتعد عمن خلق إذ أنت تريد القرب في سجود وخشوع وإنابة .
كي يحبك ! ويحك تتقرب ليحبك ! ، فما تريد بعد ! وكيف حبه ؟ حبا يتصل بكل جارحة فيك .. حبا يقلب لك جسدك كله .. حبا ترى به سبحانه كل الوجود .. وتسمع به .. وتبطش به .. وتسير به .. تبصر تسمع تبطش وتسير معه وبه ! .. ليصل الحب إلى روحك فتستعيذ به عز وجل فيعيذك .. وتسأله فيعطيك ! .. وأنت ما عليك إلا القرب .. يحبك الله .. فيأتيك الموت وأنت له مؤثر وإليه مشتاق .. وما عليك إلا أن تتقرب .
بذا تكون وليا يدافع الله عنك سرا وجهرا ، علانية ورمزا ، وله في حبه هيام ، وفي هيامه وجد ، وهل الحب إلا عمل في القلب والحال معا ..
راية الحب الرباني ..
ويقدم لك الصحابي المبارك ـ أبو هريرة رضوان الله تعالى عليه ـ راية الحب بنداء رباني يردده الروح الأمين ويردده معه أهل السماء ، إذ يقول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا أحب الله عبدا نادى جبريل إن الله يحب فلانا فأحبه فيحبه جبريل فينادي جبريل في أهل السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في أهل الأرض ) البخاري .
ذكر ابن كثير في تفسيره : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب : ( إن الله أمرني أن أقرأ عليك { لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب } ، قال : وسمانى لك ؟ قال : نعم . فبكى . وقال أخرجه البخاري ومسلم .
أبي بن كعب الصحابي الجليل يفرح ويبكي لكون الله ذكر اسمه ، فكيف بك وقد ذكر الله اسمك لجبريل ، وجبريل يذكره لأهل السماء ، ويكتب لك القبول في الأرض ! ، أتراك تبكي وتتقرب ، أم تراك تبكي وتقصر ، أم تراك تبكي وتراوح ، أتترك الخير والفلاح وأول أمرك ، و لا تهيم بالولاية ، ثم تطلب ذكر اسمك ! ، هذا لعمري من الطلب الكاذب ... فها هي زهرات الخير والفلاح قد تفتحت ، وها هي ذا الأبواب مفتحة لك لتقترب .. وهي هي ثم راية الحب يعطيها الله وعدا لك ؛ إن حرصت وجعلت القرب لك عادة ، والصدق معه عبادة ، والإحسان للخلق سجية ، وبكاء أبي بن كعب حافز لك ومعين ... ولا تلتفت لما يقوله الخلق ، من بعد أن قال رب الخلق أجمعين .. ثم ارفع يديك لله أن يوفق ويرحم .. فهو سبحانه نعم المعين ...
وبعد أن عرفت فقه الولاية ودربها الجميل العالي ؛ درب الحب الرباني ، والعاطفة الرحمانية ، آن لك الولوج لباب العمل ، وتشمير الساعد ، والتطلع للفردوس وعليين ، وبناء منهجي موثوق في جنان الخلد أيها المؤمن :
ابن لك بيتا في الجنة
عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي لِلَّهِ كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا غَيْرَ فَرِيضَةٍ إِلَّا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ أَوْ إِلَّا بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ ) رواه مسلم .. قَالَتْ أَمُّ حَبِيبَةَ : فَمَا بَرِحْتُ أُصَلِّيهِنَّ بَعْدُ .
قلها : ربح البيع ربنا ، تصلي ثتني عشرة ركعة ببيت في الجنة !! ، ما الذي نريد من ربنا ! وأي جهد نبذله لهذا العطاء والكرم من الكريم المنان ، الرحيم الرحمن ، ما أكرم عطاء ربنا ، نصف ساعة في اليوم أو أقل ببيت في الجنة !! ، أي عقد للعمل هذا ! ، أم أي تجارة هذه ! .. سبحانك لا نثني عليك أنت كما أثنيت على نفسك ....
أرض لها ذهب والمسك طينتها *** والزعفران حشيش نابت فيها أنهارها لبن محض ومن عسل *** والخمر يجري رحيقا في مجاريها
بيتٌ وأي بيت في أرض الجنة ؛ وأي جنة :
بناؤها : لبنة من فضة ولبنة من ذهب وملاطها المسك وحصباؤها اللؤلؤ و الياقوت و تربتها الزعفران .
أنهارها : فيها نهر من عسل مصفى و نهر من لبن و نهر من خمر لذة للشاربين و نهر من ماء ، وفيها نهر الكوثر للنبي محمد عليه الصلاة والسلام أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل فيه طير أعناقها كأعناق الجزرـ أي الجمال ـ .
خيامها : فيها خيمة مجوفة من اللؤلؤ عرضها ستون ميلاً في كل زاوية فيها أهلٌ يطوف عليهم المؤمن .
أهلها : أهل الجنة جرد مرد مكحلين لا يفنى شبابهم ولا تبلى ثيابهم ، وأول زمرة يدخلون على صورة القمر ليلة البدر لا يبولون و لا يتغوطون ولا يمتخطون و لا يتفلون أمشاطهم الذهب ورشحهم المسك ومباخرهم من البخور .
خدمها : ولدان مخلدون لا تزيد أعمارهم عن تلك السن إذا رأيتهم كأنهم لؤلؤا منثورا ، ينتشرون في قضاء حوائج السادة .
نعيمها : يقال له تمنى ، فعندما يتمنى يقال له لك الذي تمنيت وعشر أضعاف الدنيا .
قمة النعيم فيها : أعظم النعيم لأهل الجنة رؤية الرب عز وجل ( وجوه يومئذ ناظرة ) .
فيا لها من كرامات إذا حصلت *** و يا لها من نفوس سوف تحويها
وبيتك وسط هذا كله ، بثنتي عشرة ركعة ... فهل تعجز ... اللهم لا
ياه ، كل هذا بثنتي عشرة ركعة ! ، كل هذا في ربيعك تقدر أن تزرع تلك المعاني في قلبك ، فيكون الربيع هو أول تفتح الخير ، ليستمر النماء بخضرة وبهاء طوال عمرك ، وكيف لا وقد حل الربيع في خير الشهور ؛ رمضان لتضاعف أعمالكم ، وتكسب بها سقاء الرضوان ، بقدر تقربك وبقدر
حبك ، وبقدر غرسك وسجودك وتنفلك ، تكون أنت القريب الحبيب ممن ؟! من الله .
وأعلم أن هذا المضمار لست فيه وحدك ، فإن كان الخطاب يخص لمن حرص على ثنتي عشرة فاعلم أن هناك من يضاعف الأرقام ، وله قرب كبير، وهزته الأشواق ، وحن للحبيب ، فهل تكسل ! اللهم لا .
وخذ معك في بيتك ، آل بيتك ومن تحب ، وصف لهم البيت وعماره ، وحثهم عليه ، كي يشاركونك فيه فتذكر نداء الله تعالى إليك :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم:6 .
تعلم فن الغراس ... وكن حارثا نبها
في بيتك وقصرك في الجنان حديقة غنّاء ولها غراسها الخاص بها ، ومناسب لتربتها المتميزة . وهي لا نبت فيها إلا ما زرعت ، وتخيل حديقة كبيرة من غير زرع ولا شجر ولا أزهار ، وحدائق غيرك مغرية خضراء عالية ، فكن ماهرا وسابق .
عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَقِيتُ إِبْرَاهِيمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَقْرِئْ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلَامَ وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الْجَنَّةَ طَيِّبَةُ التُّرْبَةِ عَذْبَةُ الْمَاءِ وَأَنَّهَا قِيعَانٌ وَأَنَّ غِرَاسَهَا سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ ) . الترمذي وقال حسن غريب . خرجه الماوردي بمعناه. وفيه - فقلت: ما غراس الجنة؟ قال: ( لا حول ولا قوة إلا بالله ) .
وخرج ابن ماجة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر به وهو يغرس غرسا فقال :
( يا أبا هريرة ما الذي تغرس؟ ) قلت غراسا. قال : ( ألا أدلك على غراس خير من هذا سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر يغرس لك بكل واحدة شجرة في الجنة ) .
وليس شجر الجنة كأي شجر ، بل هو الذهب في ساقها ؛ عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما في الجنة شجرة إلا وساقها من ذهب ) قال الترمذي هذا حديث حسن غريب ، وأخرجه ابن أبي الدنيا وابن حبان في صحيحه .
ونوّع غراسك في حديقتك الغناء وكن نبها في فن الغراس ؛ عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من قال سبحان الله العظيم وبحمده غرست له نخلة في الجنة . أخرجه الترمذي وابن حبان في صحيحه والحاكم .
* باقة كالريحان ..فلا تردها *
أيها الحبيب :
اقبل باقتي على طبق مذهب يحل لك استعماله،فهذا ما أول نقدمه لك وأنت تلج بستانك الإيماني هذا فلا تغفل عن هذا الأصل .حتى إذا أطلقت لنفسك العنان تريد متعة النظر إلى الجمال والطبيعة ، وروعة خلق الله تعالى نعطيك هذه الوردة الجميلة، والتي أسمها :
كثر غراسك .. فإن أرضك واسعة كبيرة .. ولن يغرسها غيرك .
فلا تغفل أيها الحبيب عن هذا الخير ... واجتهد أن يكون بستانك عامرا ..وما أن بدأت في غراسك المبارك حتى همسنا في حنايا نفسك ، ولمسنا مشاعرك وعاطفتك وإيمانك ، بعطر مبارك ، تتشوق إليه نفسك ... للتتذكر أن :
لك بيتا في الجنة فلا تهمل صيانته وعمارته :
هذا البستان الربيعي الجميل ... عليك أن تنظر إلى كنزك فيه ، فلا تهمله ، ولا تكثر الغياب عليه ..
عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَكُنَّا إِذَا عَلَوْنَا كَبَّرْنَا فَقَالَ : ( ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا تَدْعُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا قَرِيبًا ثُمَّ أَتَى عَلَيَّ وَأَنَا أَقُولُ فِي نَفْسِي لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ فَقَالَ لِي يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ قُلْ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ فَإِنَّهَا كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ ) . البخاري
فلا تشتغل بما تظن أنه كنز في الدنيا عن كنز يدلك عليه الصادق المصدوق ، بل أكثر من هذا الكنز في أرضك ، قد جهدك ، وقدر ما يحيط بك من قوى مادية طاغية .
إياك إياك أن تجعل لشيء من لهب المعاصي أن يقترب من بستانك الجميل .. فلا يكفي أن تمتنع فقط بل أجعل بينك وبين لهيبها بوناً كبيرا لتنجو ..
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَاعَدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا ) . رواه مسلم
وجهك الوضاح هذا نريد له الخير ، نريد له ألا يمسه ما يؤذيه ، فاحفظ هذا ، ولا تلتفت إلى ما سواه ..
فإن أردت الضياء .. أردت النور .. تنير دربك .. تنير بصرك .. تنير بصيرتك .. فلا تنسى حبيبك ... وتذكره فهو ربيع بذاته ...وكرر معي: اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
صلى الله عليك أيها النبي الكريم وسلم وعلى آل بيتك الأطهار وصحبك الأبرار ..
هذا هو النور الذي ندعوك إليه ..
عن أنس رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من صلى عليّ واحدة ، صلى الله عليه بها عشرا ) [ صحيح الجامع 6358 ] .
وما معنى أن يصلي عليك ربنا أيها المؤمن إذ أنت صليت على نبينا الحبيب عليه الصلاة والسلام ..
قال تعالى : { هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} [ الأحزاب:43] .
فهو النور الذي يشرق في سماء نفسك ، وفي أفق عقلك وفكرك ... يبدد ظلمات المعاصي .. ويطرد عنك آثارها .. وبقدر كثرة صلاتك على الحبيب المصطفى بقدر ما تحوز من الخير والنور ... آلا ترى ذلك الصحابي الكريم الذي قال للرسول صلى الله عليه وسلم أجعل لك كل صلاتي فقال عليه الصلاة والسلام ( يكفك الله أمر الدنيا والآخرة) ..
لا تبتعد أيها الحبيب فما زلت أريدك ... تذوق ما أعطيتك من باقتي هذه .. ولا زالت لم تكتمل بعد .
بعد أن أشرقت نفسك بكثرة الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ هاهو ذا يناديك الحبيب يا محب ، يناديك لتتمتع بجمال الربيع ولا تكدر نفسك :
( مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ) . أبو داود و النَّسَائِيُّ وَابْن مَاجَهْ .
فإن كان لك ضيق .. أو غلب عليك هم .. أو ضاقت بك سبل العيش والرزق الحلال ، فهلا أكثرت من الاستغفار ، وداومت على طرق الباب فإنه :
أخلق بذي الصبر أن يحضى بحاجته *** ومدمن القرع للأبواب أن يلج
حتى إذا ما هدئت نفسك في هذا البستان الجميل ، دعوتك للجلوس تحت شجرة عظيمة ، ممتدة الظل ، أصلها ثابت وفرعها في السماء ؛ شجرة العبودية الوافرة العطاء ، تجلس تحتها ، لتكسر نفسك ُتجبرها من كسر ألمّ بها ، تذلها بين يدي الكبير المتعال ، تطأطأ رأساً بين يدي الملك الديان ، تطلب العون والتوفيق ، والصفح والمغفرة ... ترفع يديك ... تستشعر عظمة الرب الكريم الودود لتتودد إليه لنفسك .
وها أنا ذا أمدك بدعاء لو وزن بذهب لما شاطت كفته أبداً ..
" اللهم اجعل غُدُونا إليك مقرونا بالتوكل عليك ، ورواحنا عنك موصولاً بالنجاح منك ، وإجابتنا لك راجعة إلى التهالك فيك ، وثقتنا بك هادية إلى التفويض إليك ، اللهم أعذنا من جشع الفقير ، وريبة المنافق ، وطيشة العجول ، وفترة الكسلان ، وحيلة المستبد ، ورِقبة الخائف ، وطمأنينة المغرور .. يا ودود يارب العالمين ... اللهم أسألك أن تجعل الإخلاص قرين عقيدتي ، والشكر على نعمتك شعاري ودثاري ، والنظر في ملكوتك دأبي وديدني ، والانقياد لك شأني وشغلي ، والخوف منك أمني وإيماني ، واللياذ بذكرك بهجتي وسروري .. اللهم إني اسألك خفايا لطفك ، وفواتح توفيقك ، ومألوف برِّك ، وعوائد إحسانك ، وجاه المقدمين من ملائكتك ، ومنزلة المصطفين من رسلك ، ومكانة الأولياء من خلقك ، وعاقبة المتقين من عبادك ... يا رب يا رب أسألك القناعة برزقك ، والرضا بحكمك ، والنزاهة عن محظورك ، والورع في شبهاتك ، والقيام بحججك ، والاعتبار بما أبديت ، والتسليم لما أخفيت ، والإقبال على ما أمرت ، والوقوف على ما جزرت ... لا تكلني إلى نفسي طرفة عين ولا أقل من ذلك يا رب العالمين " .
وبعد أن تجفف دموعك من مناجاة الرب الرحيم ... اسمح لنا بزيارة لك ، وأن نكون ضيوفاً عندك، تحت نفس الشجرة ـ شجرة العبودية الوافرة الظلال ـ وسيكون ضيوفك قومٌ سبقوك إلى هذا الربيع الُمزهر ، ونهلوا منه أطيب الثمر ، وهم اليوم عند ربهم ، ينبئونك بخبر مفيد ، فأفسح لهم في مجلسك ..
أول القوم قدوماً عليك هو الإمام ابن القيم عليه الرضى والقبول ، إذ يهمس في أذنك وهو يعانقك: " سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول : في بعض الآثار الإلهية قول الله تعالى: إني لا أنظر إلى كلام الحكيم ، وإنما أنظر إلى همته " . لعل هذه العبارة تزيد من شوقك للذلة بين يدي من له الكبرياء في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم .
وهذا ابن الجوزي ينصحك كابن له ويعطيك لفتة من كبده فيقول: " ما تقف همة إلا لخساستها ، وإلا فمتى علت الهمة فلا تقنع بالدون ؛ وقد عرف بالدليل أن الهمة مولود مع الآدمي ، وإنما تقصر بعض الهمم في بعض الأوقات ، فإذا حثت سارت ، ومتى رأيت في نفسك عجزا فسل المنعم ، أو كسلاً فسل الموفق ، فلن تنال خيراً إلا بطاعته ، فمن الذي أقبل عليه ولم ير كل مراد ؟ ومن الذي أعرض عنه فمضى بفائدة ؟ أو حظي بغرض من أغراضه ؟ "
أيها الحبيب : افهم مراد القوم ؛ فإنهم ناصحون لك ، ولا تسوف ، ولا تؤجل ، فالبدار البدار ، إنما هو بستانك في الجنة ـ بحول الله ـ فلا تكسل عن العناية به .
فكن صاحب همة عالية ، ونية صادقة ، فإن غفوت فلا تطيل الرقاد ، بل نم على أحسن النيات ..
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك فيما يرويه عن ربه: ( إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً ) البخاري عن ابن عباس .
وهو الذي قال عليه الصلاة والسلام: ( مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ ) مسلم .
وهو الذي قال عليه الصلاة والسلام في حق المتخلفين عن غزوة تبوك من الحريصين على الخروج معه: ( لَقَدْ تَرَكْتُمْ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ وَلَا قَطَعْتُمْ مِنْ وَادٍ إِلَّا وَهُمْ مَعَكُمْ فِيهِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ يَكُونُونَ مَعَنَا وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ ) أبو داود ومسلم .
فلا أقل من نية طيبة ، تجوب بها أودية أفغانستان ، وجبال الشيشان ، أو هضاب بيت الأقصى المبارك .. إذ أنت في محرابك ، قد حبسك العذر .
لا تعجب أيها الحبيب فقد تسبق بهمتك قوم آخرين :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( سَبَقَ دِرْهَمٌ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ ) ، قَالُوا: وَكَيْفَ ؟؟ قَالَ : كَانَ لِرَجُلٍ دِرْهَمَانِ تَصَدَّقَ بِأَحَدِهِمَا ، وَانْطَلَقَ رَجُلٌ إِلَى عُرْضِ مَالِهِ فَأَخَذَ مِنْهُ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَتَصَدَّقَ بِهَا . النسائي بسند جيد
بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه **** وأيقن أنـّا لاحِقــان بقيصرا فـقـلـت له لا تبكِ عـينك إنما **** نحاول مُلكا أو نموت فنُعذرا
وقبل أن يسير من عندك القوم هذا وليد الأعظمي يقول في مجلسك خاتماً زيارة القوم لك :
عـاد الربيع جمــيلاً في مـباهجه *** إن الـربيع لمعـنى مـن معــانينا فهـل يعـود ربـيـع الروح ثانـية *** بالحق والعدل والإيمان مقرونا ؟ ما قيمة الحسـن والأرواح ذابـلة *** تستمريءُ الذل والإفساد والهونا رانت عليها الخطايا فهي صائدة *** والقـلب يصـدأ إن لـم تجله حينا
وقبل أن أودعك .. أيها الحبيب .. أجد نفسي ملزما بحسن الختام معك .. وقبلا منك بذكرى رسول الله صلى الله عليه وسلم :
كالروح والريحان ذكرك يعبق **** فتهلل الدنيا له وتصفق وتسرها ذكرى ربيع محمد **** حيث الحياة جميلة تتألق يهتز عند الفجر نفح عبيرها **** كالمسك في أرجائها يتفتق وربى موشاة الأديم بسندس **** خضر تموج كأنها إستبرق وجداول ماء العيون كمائها **** عذبا يفيق وسلسلا يترقرق والأقحوان الطلق يبسم ثغره **** والياسمين منضد ومنسق وعيون نرجسة له ترنوا كما **** يرنو المحبُ إلى الحبيب ويحدق وتطير ما بين الزهور فراشة **** طوراً تغيب بها وطورا تُشرق هذا ربيـع مــحمد وبهاؤه **** كل القـلوب لحسنه تتعـشـق وتعيش بالذكرى تجدد عهدها **** بالحق والخير الذي يتدفق .
وهذا ما جاد به القلم ، والله الحافظ من الزلل ، وصلي اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين