صاحب السماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز حفظه الله وهداه ووفقه لما يحبه ويرضاه.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نتقدم لدى سماحتكم نستفتي في مسألة سبق أن جئنا لسماحتكم وسألناكم عنها لكن حصل من بعض الناس معارضات وذكروا أنكم أفتيتم في مثل هذه المسألة بغير ما أفتيتمونا سابقاً فلم نطمئن إلا بإعادة السؤال ذلك أننا بوادٍ نقطن من جهة القصيم تارةً وننتقل مع الحياة كعادة البوادي ولنا نخيل في قرية من أطراف الحجاز قرب وادي الفرع ننزل عليها وقت حصول الثمار حتى نجد النخيل والمدة تستغرق من شهر إلى شهر ونصف ثم نذهب إلى مواشينا وأهلينا من البوادي ووقت إقامتنا للصيف والصرام لا نستصحب أهلنا معنا، وقد أفتانا سماحتكم شفوياً أنه لا مانع من القصر ولا مانع من الفطر فعملنا بموجب الفتوى ثلاث سنوات لاسيما وأنكم لم تفتونا إلا بعد تكرار السؤال والتحقيق معنا في الموضوع عن حلنا وترحالنا ووصف إقامتنا وسفرنا. وقد لبس علينا بعض الناس وجاؤونا بعكس ما أفتيتمونا سابقاً وحيث أن الأمر عظيم وهذا مركب عليه ركنان من أركان الإسلام، فنرجو من سماحتكم الفتوى مرةً أخرى وتحرير الجواب خلف السؤال هذا، والله يحفظكم؟[1]
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
اطلعت على الخطاب الموضوع في بطن هذه الورقة المقدم من الأخ م. ر. ح بقلم الشيخ ع. ص. ع حول حكم الفطر والقصر في حق الذين يسافرون من مسافات تعتبر سفراً إلى نخيلهم في قرية في أطراف الحجاز يقيمون في نخيلهم ما بين شهر إلى شهر ونصف للمقياض وجذ الثمار وقد سمعوا من بعض الناس عكس ما أفتيتهم به ورغبوا في التثبت في ذلك.
والجواب: قد كنت سابقاً أعتقد أن تحديد مدة الإقامة للمسافر في أثناء السفر ليس عليها دليل صريح من الكتاب ولا من السنة وكنت أفتي على ضوء ذلك بجواز القصر والفطر للمسافر إذا أقام في أثناء السفر لبعض الحاجات ولو أجمع على إقامة أكثر من أربعة أيام ولكني لا أذكر أني أفتيتكم في هذه المسألة ولعلكم صادقون فيما قلتم ولكني أود أن أخبركم أني أخيراً أرى أن من الأحوط للمسافر إذا أجمع الإقامة في أي مكان أكثر من أربعة أيام أن يتم ويصوم سداً للذريعة تساهل فيها الكثير من السفهاء بالقصر والفطر بدعوى أنهم مسافرون وهم مقيمون إقامةً طويلة، هذا هو الأحوط عندي سداً لهذه الذريعة وخروجاً من خلاف أكثر أهل العلم القائلين بأن المسافر متى عزم على إقامة مدة تزيد على أربعة أيام فليس له القصر ولا الفطر في رمضان والاحتياط في الدين مطلوب شرعاً عند اشتباه الأدلة أو خفائها؛ لقول النبي صلى الله عليها وسلم: ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك))[2] وقوله عليه الصلاة والسلام: ((من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه))[3]، وأسأل الله أن يوفق الجميع للفقه في دينه والثبات عليه إنه سميع قريب، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس العام لإدارات البحوث
العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
[1] استفتاء مقدم من م. ر. ح وأجاب عليه سماحته بتاريخ 18/9/1398هـ. برقم 863.
[2] أخرجه الإمام أحمد في مسند أهل البيت، حديث الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما برقم 27819، والترمذي في كتاب صفة القيامة والرقائق والورع، باب منه برقم 2518.
[3] أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه برقم 52 ومسلم في كتاب المسافات، باب أخذ الحلال وترك الشبهات برقم 1599