كيف أنام .. و طيفها لم يبارح خيالي ؟! رحم الله خالتي و حبيبة الأهل أجمعين رحمها الله وسقى قبرها المطر و أفسح لها المكان و ألبسها من حلل الجنة :: لله ما أخذ و كل شيء عنده بمقدار والحمد لله على كل حال :: منذ طفولتي و حتى كفنتها بيدي لم أذكر منها إلا كل يوم سعيد و جميل رحمها الله وسقى قبرها المطر و برد عليها و غسلها بالماء و الثلج و البرد :: عدنا فجر الأحد من مكة بعد تلك العمرة الجميلة و يوم الأثنين تفاجئني والدتي بزيارة سريعة لخالتي في مدينتنا بعد أن أسرعوا بها للمستشفى و قد توقفت كل نبضاتها ! أنعشوها كل شيء فيها لا يتحرك إلا الدماغ عادت والدتي يوم الثلاثاء على أمل أن نعود لخالتي يوم الخميس! لكن الأجل لم يمهلنا كي نراها أخرى ! مساء الأربعاء قبيل المغرب وصلنا الخبر على مختلف أحوالنا في دنيانا التي غرتنا ! أمي و أختي في السوق ! و أنا للتو صحوت بعد عناء الدوام ! كنا نخطط أن نذهب الخميس للأحساء فإذا بوالدتي تتصل بي بعد المغرب و تقول : جهزي نفسك و أخبري الكل أننا سنذهب الآن لهناك !! أمي .. ! لماذا ؟ خالتي هل بها بأس ؟ خالتك رحلت عند الرحيم !!!!!! نعم ؟!! إنا لله و إنا إليه راجعون لاحول ولا قوة الا بالله ألهمني ربي الحوقلة و الاسترجاع و الحمد لله على كل حال جهزت نفسي و الدموع ...........! : : وتتابعت المشاهد .. ~ 1 ~ كانت خالتي تشعر بالتعب و الاعياء من بداية الاسبوع لكنها كعادتها في صمود الجبال رحمها الله ! أحس بها أبناءها فأرادوا أن يذهبوا بها للمستشفى و أبت ! قالت : دعوني في غرفتي التي ما برحتها من أول الأسبوع وهي التي من عادتها الجلوس مع ابناءها في مجلسهم ! حكت لنا الخادمة التي لا تبرحها : والدتكم كانت يوم السبت تقول لي أظري هذا البيت الجميل الكبير ، ألا ترينه ؟ أنظري الذهب المحيط به ؟ لمن هذا البيت يا فلانة ؟ والخادمة تجيبها : ماما مافي بيت ! انتي في بيت بابا فهد ! فترد خالتي : لا ، انظري هؤلاء الناس الكثيرون وهذا البيت المتلألئ و العربات الجميلة ، كيف لا ترينهم ! صمتت الخادمة و لم تخبرنا إلا عندما توفيت خالتي رحمها الله .! أليست بشرى خير ؟؟ ~ 2 ~ يوم الاربعاء يوم وفاتها اتصل أبنائها بمن يتبرع لتجهيزها ! لأول مرة تلتفت علي والدتي و تقول : هل ستذهبين معهم ؟! بلا تردد : نعم سأذهب ! جهزنا الأطياب و اشتروا الأكفان و غدا الموعد في مغسلة الموتى ! ~ 3 ~ لأول مرة في حياتي أدخل ذاك المكان لم يحضروها بعد من المستشفى ! كنت في وجل ،، و القلب مضطرب ،، أخذت أردد الأذكار و أدعو ربي أن يثبتني و يرزقني القوة ! هتف المنادي : الجنـــــــــازة وصلت ! يا الهي ..! ماذا سأفعل .؟ أنا من طلبت أن أغسلها مع الأخوات المتطوعات ! تذكرت والدي بالأمس قال لي : (( لا تعطيهن فرصة أن يلمسوها ، أنت ِ غسليها فقط )) لكن يا والدي أنت تعلم هذه المرة الأولى صحيح أن لدي علم بذلك .. لكني سأساعد اليوم بكل ما أوتيت ! :: بعد قليل أتت ابنة خالتي(الثانية )الكبرى رأتني و عانقتني و قالت : لماذا أنت ِ هنا .؟ قلت : سأساعد ! نظرت إلى وجهي و عيني طويلاااا ثم قالت : أأنت ِ متأكدة ؟ قلت : نــعم فعانقتني أخرى و قبلتني ! :: أفقت و الأخوات يناديني هيا ،، فلنرفع الغطاء و نسدل السترة على جسدها و نفك الرباط ! دخلت .. و الجسد مسجى ! ياااااااارب ... و لم أنظر لوجهها ... رهبة تملكتني ... رأيت الأخوات سريعات تذكرت والدي ... و كلماته .. فأسرعت و أخذت أبادر بكل شيء ..! غسلناها بسرعة حملناها كأخف حمل ووضعناها على الكفن كل من يأتي من الأهل يأتي بالأطياب و المسك ،، أخرجوها كما العروس و جهها يتلألأ إشراقا وشفتيها تشع عن ابتسامة الراحة و الاطمئنان ... الحمد لله يارب رأينا منها بشرى الخير .. :: : ~ 4 ~ وبدأ العزاء .. و لا تسلن عن أحبابها .. ولا تسلن عن مناقبها .. رفع الله قدرها عنده .. و أسكنها فردوسه الأعلى .. لا أحسب إلا و الطائي يغترف من فيض عطائها غرفة ! بعد وفاتها ظهرت لنا مناقب ما علمناها في حياتها !! فكم بنت من المساجد في شرق آسيا و أفريقيا .. وكم ساهمت في اطعام أهل البلاد .. و الذي أدهشني علمي أنها من جهزت مكتبة جامع جدي رحمه الله بأمهات الكتب و لا تسلن عن تلك المكتبة و خيراتها و الشباب الذي تخرج منها ! رحمك الله يا غالية يا حبيبة البعيد قبل القريب و حبيبة الصغير قبل الكبير في كل بيت من بيوتنا لها ذكرى صندوق مجوهراتي الغالي علي أجمل إهداء منها :: ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث .. و كل الثلاث قد أعدتها ........) ولا نزكيها على الله .. فهو بها أعلم و بها أرحم و منا اكرم .. أخيرا ,, سمعتهم في العزاء يقولون : ليتنا نكون يوما ً في بعض حياتنا كـ فلانة رحمك الله و أسكنك الفردوس و جبر قلوبنا بفقدك يا درتنا ..