عندما ننظر لعامل من العمال في مجال من مجالات الحياة ننظر له بشفقة و تحسر على حاله و نقول مسكين كيف يتحمل هذا العذاب و الشقاء؟ و لو نظرنا إلى داخله لوجدناه سعيدا لأنه تعود على هذا العمل و صار جزءا منه و تأقلم معه و هو سعيد به . و هذا من لطف الله و رحمته بعباده بأن جعل السعادة لجميع خلقه فلا تقتصر على الغني أو على من يعيش حياة مترفة ، بل أحيانا نجد من يعيشون في القصور و الحياة المترفة يئنون من الكآبة و الضيق ، و نجد العامل البسيط يحمل بين جنباته كل السعادة و الرضى ، و إذا نظرنا إلى إنسان مترف غني لقلنا يا لحظه و يقولها البعض بحسد و العياذ بالله ، و لو نظرنا إلى داخل نفس هذا الغني لوجدناه غير سعيد بالرغم من حياته المرفهة الظاهرة لنا فهو مكتئب ضائق الصدر متململ من حياته . فسبحان الله الرازق الكريم سبحان من جعل السعادة ليست في فقر أو غنى بل في الإيمان و القناعة و الرضى بما لدى الإنسان . قال الشاعر : و لست أرى السعادة جمع مال *********** و لكن التقي هو السعيد و الدليل على أن الإنسان يسعد بما ألفه و تعود عليه ميسون البحدلية و هي تعيش في البادية حيث حياة التعب و الشقاء ، تزوجها معاوية و أسكنها القصر منعمة مكرمة و لكنها اشتاقت إلى حياة البداوة و البادية فهي تقول : لبيت تخفق الأرياح فيه ******** أحب إلي من قصر منيف و لبس عباءة و تقر عيني ******* أحب إلي من لبس الشفوف و أكل كسيرة من كسر بيتي******* أحب إلي من أكل الرغيف و أصوات الرياح بكل فج ******** أحب إلي من نقر الدفوف و كلب ينبح الطراق دوني ******** أحب إلي من قط أليف و خرق من بني عمي نحيف******** أحب إلي من علج عنوف خشونة عيشتي في البدو أشهى *******إلى نفسي من العيش الظريف فما أبغي سوى وطني بديلا********* فحسبي ذاك من وطن شريف ---------------------------------------- سمعها معاوية فطلقها ثم سيرها إلى أهلها بنجد و كانت حاملا بابنه يزيد . فسبحان من جعل السعادة لجميع خلقه خصوصا إذا كان مؤمنا تقيا يرضى بقضاء الله و قدره فإنه سعيد لا ينقصه و لله الحمد و المنة شيء إن العمل والجهد الذي يراه بعض المرفهين شقاء وعذاب إنه لمصدر سعادة وفرح لهؤلاء الناس وهذا من فضل ربي ورحمته بعباده .