الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الأمين، وبعد:
فإلى من تربع حبه فوق عرش قلبي.. إلى من كاد أن يملك مشاعري..، فأصبحت أحبه في الله.. إليك..
أخي الشاب.. نعم.. إليك أنت أبث شجوني، وخواطري، وهمومي، وقضاياي..
أشكو نصب يومي..، وحر هاجرتي.. أخي الشاب:
نعم.. هذا الحب.. متعلق بمحبوب واحد..، هو قضيتنا الكبرى بل هو: قضية القضايا.. فنحبه ونرغب إليه في السراء والضراء.. إنه الله.. نعم، وألف نعم.. نحب من يحب الله..، وإذا أحبنا من يحب الله أحببناه..، وإذا طلب منا القرب قربناه، وإذا استقال من الخطأ سامحناه..، هـاذا أقدم نصرناه..، وإذا غاب ذكرنا...
إن هذا الحب، أمر عجيب، نعم، إنه يختلط بالقلب بل بالبدن، من مشاش المخ، إلى أخمص القدم..
والسؤال الذي ينبغي أن يكون: هل هذا الحب مجرد عاطفة فقط؟! أم ماذا؟!..، والجواب عليه: أن هذا الحب من نوع خاص.. نعم.. لأنه في ذات الله جل وعز.. فنحب ما يحب الله، وتحب لأخيك ما تحبه لنفسك.. وتكره له ما تكرهه لنفسك.
أخي الشاب: والله إني لأحب لك الكرامة.. إني أحب لك العزة بالطاعة..، ووالله إني لأكره لك التدنس بالمعصية، في مستنقع الرذيلة، وأوحال الانحطاط..، والله، ثم والله إني لأحب لك الجنة، نعم.. لك أنت.. كما أحبها لنفسي..، وأخاف على طلعتك النظرة، ووجهك الوضيء من لفح النار.. وجه طالما صنته عن المكاره؛ وما يستقذر.. أخشى أن يدنس بالنار.. أخشى أن يغبر في النار.. بل والله إني لأخشى أن تشويه النار شوياً، فتزيل الملامح، وتغير الجوارح.
أخي الشاب: المعصية تكسب صاحبها الذل، والخيبة، والحرمان.. نعم.. الذل، والخيبة، والحرمان.. أقول لك، وكلي شفقة عليك:
أرعني سمعك.. وافتح لي أذنك.. نعم.. لعل هذه العبارات، وهذه الرسالة أن تكون رسالة مباركة في حياتك فيما بعد..، فإن القلب إذا عقل، وفهم، ونصح، وعلم، استفاد...
أخي الشاب: تأمل كلامي هذا حق التأمل.. وأعطني قلبك.. نعم.. أعطني قلبك.. أبث لك فيه خواطر وأشجان طالما صالت، وجالت.. وها هي اليوم تنسكب بين يديك كأريج العطر..
فيا أيها الحائر في الطريق، ويا أيها الشاب الرقيق، يا من يعاني من كدر، وضيق، اسمع لمقالي فهو مقال ناصح...
ما أجمل الأمل.. حين يحدو مطايا القلب..، فهو نور في ظلام، وفرح وسلام.. نعم.. إن العبد ليقبل على ربه، ومولاه فينطرح بين يديه سبحانه.. ويؤمله، ويسأله.. أن يعفو عنه.. نعم.. أن يعفو عن زلاته، وغدراته..، وإجرامه.. والله يقول: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53].
فإنما هي حسرة على الذنب.. فعبرة من الخوف، فدمعة من الوجل، فدعاء مع الذل..، فرحمة من الله.. ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60].. وليكن لسان حالك أخي الشاب مرددا:
عندما يجد الجد، ويتقدم كل بركبه.. تسعد قلوب السابقين، وتألم قلوب المتأخرين عن طريق الخير والصلاح.
فلا يتمالك الشاب إلا دمعة الندم على ما كان منه من تفريط في أول الزمن.. فرط في الخيرات، وما كان مطيعاً..، واشتغل بالملهيات إذ كان مستطيعاً.. ف ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ [الدخان:49].. يوم لا ينفع الندم..
أخي الشاب: أين منك: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:135].
أخي الشاب: أنت بحاجة إلى ربك جل وعز.. نعم.. أنت بحاجة إلى عونه..
أخي الشاب: أصدق مع الله.. قف في ظلمة الليل وحيداً، وانطرح بين يديه ذليلاً..، وقل: رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ [آل عمران:193].. قل:
نعم أخي الشاب.. انثر العبرات..، واسكب الدمعات، وهات الآهات، والحسرات على ما فات.. فالله يقول: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا [فصلت:30] ويقول: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ [آل عمران:135].
أخي الشاب: فك أسر نفسك من الهوى.. وأطلق قيدها من رق الشهوة والغفلة..
أخي الشاب: أنت الخصم، وأنت الحكم.. ولن ينفعك مثل نفسك..، وإن لم ترحم نفسك أنت- بترك الذنوب والمعاصي- فكيف تطالب الآخرين أن يرحموك..
أخي الشاب: اخل بنفسك.. اعترف بذنبك.. تب واستغفر.. وردد.. ربي إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، فاغفر لي.. فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.. ردد أخي الشاب: كفاني ذنوباً وعصياناً.. فرغ قلبك من الشهوات.. والشبهات.. ابك على خطيئتك.. أبدل الانحراف بالاستقامة، انكسر بين يدي الله.. أظهر الخضوع بين يدي ربك.. استعن بالله.. فوالله ثم والله.. إنك بحاجة إلى ربك.
أخي الشاب: وقتك ثمين.. وأنا أطلت عليك.. فاعذرني.. واعلم أن الكاتب، والقارئ أهل خطأ وزلل..
وأخيراً: فلا أجد لنفسي بداً من التمثل، بقول الأول:
والله يرعاك، ويتولانا وإياك ويسدد على طريق الخير مسعاك...
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.