النفط وقضاياه: الضرائب، والاستثمار والبدائل

الناقل : elmasry | الكاتب الأصلى : AMIR-ALG | المصدر : www.startimes2.com

النفط وقضاياه: الضرائب، والاستثمار والبدائل
 

 
برغم تكرر معاناة العالم من أزمات حياتية متواصلة، فان من النادر ان تتعدد الازمات في الوقت الواحد، كما يحدث الآن. فبالاضافة الي ارتفاع اسعار الطاقة، يتواصل ارتفاع اسعار المواد الغذائية، وتستمر كذلك الازمة المالية الدولية. فهل هذه قضايا متلازمة بشكل عضوي؟ ام ان هذا التلازم حدث طارئ فرضته السياسات البشرية غير المتوازنة؟
وما أفق حلحلة هذه القضايا في عالم مضطرب سياسيا وأمنيا؟ وفي حال استمرار واحدة او اكثر من هذه الازمات ما هي احتمالات نشوب نزاعات مسلحة بين اللاعبين الاساسيين في مضمار كل من هذه القضايا؟ هذه التساؤلات اصبحت تمثل محاور للجدل في وسائل الاعلام الدولية وفي المحافل السياسية والاقتصادية في العواصم الغربية، وتضغط علي الاوضاع السياسية فيها. والواضح ان هذه الازمات لم تبلغ ذراها بعد، بل هي في تصاعد متسلسل لم تستطع المحاولات التي بذلت حتي الآن احتواءه او التخفيف من آثاره وانعكاساته خصوصا علي البلدان والشعوب الفقيرة. وبرغم ما يبدو من اهتمام خاص من بعض الساسة الغربيين، فهناك شعور بهيمنة حالة من اللامبالاة في الاوساط الدولية، اذ لم يتم عقد مؤتمرات او قمم او لقاءات اقليمية او دولية بشكل مستعجل للنظر في الملفات المرتبطة بهذه الأزمات. وثمة تساؤلات اخري عما اذا كانت هذه التداعيات مؤشرا لاحتمال تكرر حدوث الكساد الكبير الذي عانت منه اوروبا والولايات المتحدة في نهاية العشرينات من القرن الماضي. وثمة من يقول ان كل نزاع مسلح علي نطاق واسع تعقبه اوضاع اقتصادية صعبة وحالة من الكساد والتراجع الاقتصادي غير المتوقع، الامر الذي يجعل التعاطي مع تبعات ذلك امرا بالغ الصعوبة. ويضيف الي حالة الذهول والاستغراب ما يبدو من غياب واضح لموقف اممي فاعل ومبادرات كبيرة من الامم المتحدة التي هي الاكثر اطلاعا علي معاناة شعوب العالم خصوصا في افريقيا وآسيا. فما يرشح من تقارير عن انتشار أزمة مجاعة حادة في بعض بلدان افريقيا، يؤكد عمق الأزمة ويعيد الي الاذهان المشاهد البائسة التي شاهدها العالم في الثمانينات لضحايا المجاعة. وما يزيد الوضع إيلاما هذه المرة ان المجاعة وصلت الي الهند، البلد الذي يشهد نموا اقتصاديا هائلا يصل الي 10 بالمائة سنويا. فكيف يمكن لبلد منتعش اقتصاديا ان يموت بعض اهله جوعا؟
التصاعد المتواصل لاسعار الطاقة، خصوصا النفط، يبدو امرا غريبا للوهلة الاولي. ولكن بمراجعة اسعار هذه السلعة علي مدي الخمسين عاما الماضية يمكن التوصل الي نتيجة مهمة وهي ان السعر الواقعي للنفط يجب ان يكون بحدود 120 دولارا للبرميل الواحد علي الاقل. فعلي مدي 35 عاما، اي منذ الطفرة النفطية في السبعينات، تم احتواء هذه الطفرة وتحجيمها بشكل مزعج وغير اخلاقي. فبدلا من السماح للسوق بتحديد اسعار هذه السلعة انتهج الغربيون سياسة الضغط علي الدول المنتجة لزيادة الانتاج ومنع الاسعار من التصاعد. السوق كانت مستعدة لاستيعاب الزيادات الطبيعية في اسعار النفط، ولكن سياسات الدول الغربية ادت الي تجميد تلك الاسعار، وعمدت لزيادة الضرائب علي المبيعات النفطية. هذه الضرائب تمثل اليوم اكثر من 60 بالمائة من سعر البنزين الذي تبيعه محطات التوزيع في الدول الغربية. وكلما ارتفعت اسعار النفط الخام ارتفعت هذه الضرائب. وبالتالي فلو تخلت هذه الدول عن تلك الضرائب لاصبح سعر البنزين أقل من نصف سعره الحالي، وبالتالي يكون منسجما مع المستوي المعيشي للمواطنين. والغريب في الامر ان كلا من الحكومات والوسائل الاعلامية الغربية تسعي لتسليط الاضواء علي اسعار النفط الخام، وتمارس التعتيم علي الضرائب، فيبدو للمواطن العادي ان المشكلة ناجمة عن الدول المنتجة، وليست مرتبطة بحكومة بلده. لقد بقي النفط سلعة تباع باسعار تقل كثيرا عن قيمتها الحقيقية، فيما كانت الحكومات الغربية تضاعف ضرائبها، حتي اصبحت تلك الضرائب مصدرا اساسيا لخزائن تلك الدول، بينما حرمت الدول المنتجة من الاسعار الحقيقية العادلة. ويمكن القول ان القرن الماضي شهد اكبر نهب مقنن في التاريخ البشري، بابقاء اسعار النفط دون المستوي الطبيعي لها، حتي الاعوام الخمسة الاخيرة. واذا كانت هناك ثمة خطوة ضرورية في الوقت الحاضر، فانها تتمثل بضرورة اطلاع المواطن الغربي علي حقيقة الاسعار، وان اكثر من نصف ما يدفعه لملء خزان سيارته انما هو ضرائب فرضتها حكوماته ولا تستفيد الدول النفطية شيئا منها.
التصاعد الذي شهدته اسعار النفط يتعرض الآن لمحاولات وقفه او الغائه. هذا برغم ان عائداته لا تستغل كلها في مشاريع انمائية في الدول المنتجة، بل ربما يعود اغلبها الي الخزائن الغربية في شكل عقود وصفقات عسكرية او غيرها. مع ذلك فهناك ضغوط متواصلة لمنع قوي السوق من تحديد الاسعار. فقبل بضعة اسابيع مارس الرئيس بوش ضغوطا علي المملكة العربية السعودية لزيادة انتاجها، فاستجابت الرياض باضافة 300 الف برميل يوميا الي السوق، ولكن لم يؤد ذلك الي تراجع الاسعار. وفي نهاية هذا الاسبوع يقوم رئيس الوزراء البريطاني، غوردون براون، بعد لقائه الرئس الامريكي في لندن، بزيارة الي مدينة جدة السعودية في الوقت الذي يعقد فيه وزراء النفط بمنظمة الاقطار المصدرة للنفط، اوبك، اجتماعا مهما. ويهدف السيد براون حسب ما رشح عنه من تصريحات الي السعي الحثيث بهدف السيطرة علي اسعار النفط التي يبدو انها تواصل ارتفاعها، ويتوقع البعض ان تصل في غضون عام الي 180 دولارا للبرميل الواحد. السيد براون يعاني من مشاكل داخلية منذ ان امسك بزمام رئاسة الوزراء خلفا لتوني بلير العام الماضي. وهناك حالة من التململ في الاوساط الصناعية والشعبية من هذا التصاعد، كما ان هناك مطالبات واسعة بخفض الضرائب التي تفرضها الخزينة علي النفط. ويتوقع تصاعد احتجاجات سائقي الشاحنات الذين تضرروا كثيرا جراء ارتفاع اسعار البنزين، الامر الذي اصبح يهدد سيطرة براون علي مقاليد السلطة. وزيارة براون الي السعودية تأتي بعد جولة الرئيس الامريكي الاخيرة الي اوروبا بغرض مناقشة قضية النفط وتصاعد اسعاره. ولم يعد خافيا ان هذه القضية اصبحت تقلق الساسة الغربيين الذين يخشون من تراجع اقتصادي واسع ربما يؤدي الي كساد كبير لا يقل خطرا عن الكساد الكبير الذي حدث في نهاية العشرينات من القرن الماضي. ومن المؤكد ان الهيمنة علي النفط واحد من العوامل المهمة التي دفعت الادارة الامريكية للضغط علي العراق لتوقيع الاتفاقية البعيدة الامد، وتمرير قانون النفط، وكلاهما يواجهان معارضة شديدة من الشارع العراقي.
الصعود الهائل في اسعار النفط لم يؤد الي شعور عام بالاستقرار في الدول النفطية. ومن اسباب ذلك امور عديدة. فالمدخولات الاضافية لم تجد طريقها الي مشاريع التنمية والبناء الذاتي، بل ان اكثرها ينفق في البذخ والمشاريع غير ذات الجدوي. تضاف الي ذلك ظاهرة اخري وهي ارتفاع اسعار المواد الغذائية بشكل خاص. وهناك تساؤلات كثيرة حول تزامن صعود اسعار هذه السلع مع اسعار النفط، ومدي توفر سياسات بعيدة المدي لدي حكومات الدول النفطية المنتجة لتوفير مصادر غذائية في اطار منظومة تضامن وتعاون عربية اسلامية. وما اكثر ما قيل عن ضرورة تمويل مشاريع زراعية واسعة في البلدان العربية والاسلامية الكبري التي تتوفر بها ثلاثة عناصر: اليد العاملة والمياه النهرية والمساحة الجغرافية، وكلها ضرورية لتطوير نظام زراعي استراتيجي يوفر لهذه الدول مصادر غذاء ثابتة. ومن هذه الدول مصر والسودان وتركيا وايران وباكستان. المشكلة غياب التفكير الاستراتيجي لدي حكام الدول المصدرة للنفط، والتدخلات الاجنبية التي تمارس الهيمنة علي هذه البلدان وتوجيه سياساتها الخارجية بشكل خاص. لقد كان الماء مصدر قلق للدول العربية، وما يزال كذلك. واضيف اليه الغذاء بشكل ملح. وقد شاهد العالم كيف يستطيع الاعداء استغلال الوقود والغذاء كسلاح في حروبهم ضد ابناء الامة. وما حدث في فلسطين في الشهور الاخيرة من حصار فرضته قوات الاحتلال الاسرائيلية علي قطاع غزة كان شاهدا بليغا علي ذلك. وبدلا من الضغط علي الكيان الاسرائيلي للتوقف عن ذلك الحصار، قامت الحكومة المصرية بتوفير الوقود لـ اسرائيل بشروط ميسرة واسعار هابطة. ان من الصعب احيانا استيعاب منطلقات العمل القومي العربي خصوصا مع تعدد مصادر التهديد للامن والغذاء والماء. فمن المسؤول عن هذا التداعي في الموقف؟ ولماذا هذه المفارقات بين سياسات اعداء الامة وممارسات حكامها؟
الغرب يبحث عن وقود بكميات وفيرة وأسعار زهيدة. هذا امر مفهوم. ولدي العرب والمسلمين من هذا الوقود شيء من الوفرة.
فهل ان من المستحيل العودة للتفكير الاستراتيجي وانتهاج سياسة مقايضة عادلة توفر للطرفين احتياجاتهما بدون املاء او إجحاف او غبن؟ الغرب يعاني من مشاكل اقتصادية اخري متفاقمة، شهدت سقوط مصارف كبري، وتداعي اسواق العقار في الولايات المتحدة الامريكية، وبداية كساد في اوروبا، ويشعر قادتها ان استمرار صعود اسعار النفط سوف يفاقم التراجع الاقتصادي. وبالتالي فهم يسعون لخفض الاسعار باية وسيلة. ولا يستبعد ان يلجأوا للتهديد والوعيد اذا لم يحققوا ما يريدون بالاساليب الهادئة. انهم يدفعون باتجاه زيادة الانتاج، ولكن يصعب تحقيق ذلك لان الدول النفطية تنتج بأقصي طاقة متوفرة لديها، ولا تستطيع منظمة اوبيك مثلا اضافة الكثير للحجم الانتاجي الحالي الذي يتجاوز 32 مليون برميل يوميا. بينما تحتاج السوق الي اكثر من عشرة ملايين برميل يوميا، ويستحيل عليها توفير ذلك في الوقت الحاضر. وليس مستبعدا ان يتم التركيز في الفترة المقبلة علي العراق الذي يعتقد ان ما يملكه من احتياطي نفطي ربما لا يقل كثيرا عما لدي السعودية، وان لديه حقولا واسعة لم تستثمر حتي الآن.
ان الغربيين يدفعون اليوم ثمن ما فعلوه علي مدي عقود من استغلال بشع لهذه السلعة الاستراتيجية التي لن تستمر الي الابد. ومن المؤسف ان لا يكون هناك استثمار عربي في بدائل طاقة بديلة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح والامواج. كما ان تسييس المصدر النووي للطاقة اصبح مصدر قلق للجميع، بدلا ان يكون حلا. ومن المؤكد ان الضغط علي ايران في الوقت الحاضر وتهديدها بالعمل العسكري سوف يؤدي الي زيادات اكبر في الاسعار، الامر الذي ستكون له تبعات اخطر ليس علي الاستقرار الاقتصادي العالمي، بل علي التوازن السياسي والعسكري ايضا.
هذه التطورات تكشف بوضوح ان سياسات الاقتصاد الحر اصبحت تعاني من ضعف ذاتي، بسبب تناقضات اهدافها من جهة، وازدواجية معايير تطبيقها من جهة اخري. كما ان غياب الاستراتيجية الاخري لدي العالمين العربي والاسلامي ازاء عدد من القضايا، سواء المتعلقة بالامن القومي، ام الاستقلال ام النفط ام الغذاء، قد ساهم في اضعاف هيبة هذه الامة في عيون الآخرين، وساهم في تداعي موقفها امامهم. النفط ما يزال عصب اقتصاد العرب وبعض دول المسلمين، وما يزال يمثل لدي بعض هذه الدول اكثر من 80 بالمائة من اجمالي الدخل القومي. ومع تصاعد اسعاره توفرت فرصة استثماره بشكل فاعل في البحث عن بدائل لمصادر الدخل. وبدلا من تبديد مدخولات هذه الثروة في مشاريع تسلح عملاقة بدون جدوي، مطلوب من زعماء هذه الدول الاتفاق علي تركيز مجالات الاستثمار في ما هو حيوي واستراتيجي. والامن الغذائي من اهم مستلزمات الأمن الحيوي والاستراتيجي. ومرة اخري يجدر التأكيد علي ضرورة العمل الجماعي في هذا المجال سواء علي صعيد الجامعة العربية ام منظمة المؤتمر الاسلامي، ام عن طريق الاتصالات الاقليمية والثنائية. المهم ان تتوقف دائرة التبذير غير المبرر، او الانفاق علي مشروعات غير ذات شأن كبناء ناطحات السحاب، او مشاريع التسلية والترفيه التي لا تناسب البيئة بل تساهم في تدميرها تدريجيا. لقد تفتحت العيون علي النفط، ولكنها ما تزال تتجاهل الثروة الشمسية والبحرية، وما تزال الصحراء الواسعة بعيدة عن سياسات الاستصلاح والاستثمار. الغرب يسعي للضغط من اجل ضمان مصالحه وتحقيق مستلزمات النمو والتطور لديه، ومسؤولو امتنا مطالبون ايضا بالنظر الاوسع لمصالح شعوب المنطقة ومستقبل اجيالها. فالنفط سينضب يوما غير بعيد، بعد ان نضب الماء من اراض كثيرة، وبعد ان تصحرت الارض وتدمرت البيئة البحرية بمشاريع البناء غير المدروسة، وبناء العمارات الشاهقة لمضاهاة العواصم الغربية. مطلوب اعادة جدولة الاولويات للاستفادة من عائدات النفط، وقبل ذلك مطلوب مقاومة الضغوط لزيادة الانتاج لمنع الاسراع في نضوبه وانخفاض اسعاره، لان الاسعار الحالية تمثل الواقع والحقيقة. ومطلوب ايضا الضغط علي زعماء الدول الغربية لخفض الضرائب التي فرضوها علي النفط قبل ان يطالبونا بخفض اسعار النفط الخام.

        

                                                                              د. سعيد الشهابي