عيون الأنباء في طبقات الأطباء

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : لابن أبي أصيبعة | المصدر : www.55a.net

 

ـ العمل الإبداعي الإسلامي الذي نحن بصدد الحديث عنه اليوم هو موسوعة طبقات الأطباء المسماة بعيون الأنباء لابن أبي أصيبعة رحمه الله.
المؤلف:
ـ المؤلف هو موفق الدين أبو العباس أحمد بن القاسم بن خليفة الشعري الخزرجي المعروف بابن أبي أصيبعة، من أطباء العرب المعروفين وأدبائهم المرموقين , ولد في دمشق في عام 600 هجرية في بيت علم وأدب فقد كان والده من أمهر الكحالين «أطباء العيون» في دمشق.
ـ أتقن العلوم اللسانية على علماء زمانه ثم انصرف إلى تلقي علوم الطب عن والده، سافر إلى القاهرة والتحق بالمارستان الناصري «المستشفى الناصري» فاشتهر بذكائه وحسن مداواة العيون ثم التحق بخدمة الدولة، ووصلت شهرته إلى أسماع عز الدين في صرخد إحدى مدن جبال حوران فأرسل إليه يطلبه فرحل إليه وأعجبه مناخ صرخد فمكس فيها حتى مات عام 688 هجرية.
ـ والعمل الإبداعي موسوعة علمية تحوي ترجمة كبار الأطباء من زمن الإغريق والروملن والهنود إلى عام 650 هجرية وتحوي الموسوعة على ترجمة لما يزيد على 400 طبيب.
ـ وقد استلفت هذا العمل القيم نظر المستشرق الألماني مولر فقام بطبعه نقلاً عن نسختين خطيتين عثر عليهما في عام 1884م، وفي عام 1899 قامت المطابع المصرية بطبع الكتاب نقلاً عن طبعة.
سبب التأليف والإعداد:
ـ قال المؤلف في مقدمته الموسوعة: إذا كانت صناعة الطب من الشرف بهذا المكان وعموم الحاجة إليه داعية في كل وقت وزمان أن يكونالاعتناء بها أشد والرغبة في تحصيل قوانينها الشكلية والجزئية أكد وأجد وأنه لما كان قد ورد كثير من المشتغلين بها والراغبين في مباحث أصولها وتطلبها، منذ أول ظهورها وإلى وقتنا هذا، وكان فيهم جماعة من أكابر أهل هذه الصناعة، وأولي النظر فيها، والبراعة ممن قد تواترت الأخبار بفضلهم، ونقلت الآثار بعلو قدرهم ونبلهم وشهدت بذلك مصنفاتهم، ودلت على مؤلفاتهم، ولم أجد لأحدٍ من أربابها ولا من أنعم الاعتناء بها كتاباً جامعاً في معرفة طبقات الأطباء وفي ذكر أحوالهم على الولاء، رأيت أن أذكر في هذا الكتاب نكتاً وعيوناً في مراتب المتميزين من الأطباء القدماء والمحدثين، ومعرفة طبقاتهم على توالي أزمنتهم وأوقاتهم، وأن أودعه أيضاً نبذاً من أقوالهم وحكاياتهم ونوادرهم ومحاوراتهم وذكر شيء من أسمائهم وكتبهم، ليستدل بذلك هلى ما خصهم الله تعالى من العلم وحباهم من جودة القريحة والفهم.
وصف المؤلف للكتاب:
قال ابن أبي أصيبعة: وقد أودعت الكتاب أيضاً ذكر جماعة من الحكماء والفلاسفة ممن لهم وعناية بصناعة الطب، وجملاً من أحوالهم ونوادرهم وأسماء كتبهم , وجعلت ذكر كل واحد منهم في الوضع الأليق به على حسب طبقاتهم ومراتبهم.
ـ فإني جعلته منقسماً إلى خمسة عشر باباً, وسميته كتاب عيون الأنباء في طبقات الأطباء وخدمت به خزانة المولى الصاحب.
وهذا عدد الأبواب «كما قال المؤلف»:
ـ الباب الأول: في كيفية وجود صناعة الطب وأول حدوقها.
ـ الباب الثاني: في طبقات الأطباء الذين ظهرت لهم أجزاء في صناعة الطب وكانوا المبتدئين بها.
ـ الباب الثالث: في طبقات الأطباء اليونانيين الذين هم من نسل اسقليبيوس.
ـ الباب الرابع: في طبقات الأطباء اليونانيين الذي أذاع أبقراط فيهم صناعة الطب.
ـ الباب الخامس: في طبقات الأطباء الذين كانوا زمان جالينوس وقريباً منه.
ـ الباب السادس: في طبقات الأطباء الاسكندرانيين ومن كان في زمنهم من الأطباء النصارى وغيرهم.
ـ الباب السابع: في طبقات الأطباء الذين كانوا في أول ظهور الإسلام من أطباء العرب.
ـ الباب الثامن: في طبقات الأطباء السريانيين الذين كانوا في ابتداء ظهور دولة بني العباس.
ـ الباب التاسع: في طبقات الأطباء النقلة الذين نقلوا كتب الطب وغيرها من اللسان اليوناني إلى اللسان العربي وذكر الذين نقلوا عنهم.
ـ الباب العاشر: في طبقات الأطباء العراقيين وأطباء الجزيرة وديار بكر.
ـ الباب الحادي عشر: في طبقات الأطباء الذين ظهروا في بلاد العجم.
ـ الباب الثاني عشر: في طبقات الأطباء الذين كانوا من الهند.
ـ الباب الثالث عشر: في طبقات الأطباء الذين ظهروا في بلاد المغرب وأقاموا بها.
ـ الباب الرابع عشر: في طبقات الأطباء المشهورين من أطباء ديار مصر.
ـ الباب الخامس عشر: في طبقات الأطباء المشهورين من أطباء الشام.
 
النسخة التي بين أيدينا من الكتاب:
ـ النسخة التي اعتمدنا عليها في إعداد هذا المقال نسخة جديدة الطباعة شرحها وحققها الدكتور نزار رضا وهي تقع في 792 صفحة من القطع الكبير «الفلوسكوب» محققة تحقيقاً جيداً ومطبوعة ببنط واضح وطباعة جديدة.
ـ القيمة العلمية للكتاب:
يعتبر كتاب عيون الأنباء في طبقات الأطباء موسوعة علمية فريدة سجل فيها ابن أبي أصيبعة الأطباء منذ اليونان حتى وفاته يرحمه الله، والكتاب من المراجع العلمية الهامة التي يعتمد عليها المؤلفون والعلماء وكتبهم العلمية الطبية وغيرها والفنون التي كانوا يتقونها غير مهنة الطب والحكام الذين شجعوا المهنة والمدارس والمستشفيات التي تعلموا فيها ومارسوا مهنة الطب فيها وتلاميذهم.
1 ـ إستدراك واجب:
ـ لقد اتهم ابن أبي أصيبعة رحمه الله بتعمد ترك ذكر ابن النفيس رحمه الله رغم عملها في عصر واحد ومستشفى واحد، وقد ذهب مؤرخون تناولوا ابن النفيس في بحوثهم إلى أن عدم ذكر ابن أبي أصيبعة لابن النفيس في كتابه عيون الأنباء في طبقات الأطباء إلى وجود خلاف بينهما، وكان هذا الخلاف سبباً في هجرة ابن أبي أصيبعة من القاهرة وذهابه إلى صرخد وذهب بعض من كتبوا عن ابن النفيس ومنهم المستشرق ما يرهوف إلى سوء التفاهم أو الدسائس التي افترضوا وجودها بين ابن أبي أصيبعة وابن النفيس رحمهما الله، قد تكون سبباً في عدم ذكر ابن النفيس في كتاب عيون الأنباء في طبقات الأطباء.
وقد ذهب محققاً كتاب المهذب في الكحل المجرب لابن النفيس إلى اتهام ابن أبي أصيبعة باتهامات لا تليق بعلماء المسلمين حيث جاء في مقدمة التحقيق: «ثم تألقا ابن النفيس ولم يسهم ابن أبي أصيبعة سموه فوغر صدره على ابن النفيس ولعل هذا سبب إهمال ابن أبي أصيبعة ذكر ابن النفيس في كتابه عيون الأنباء، وكذلك شأن الحسد بين الأقران إذا تألق بعضهم وتخلف بعضهم».
ولقد ثبت علمياً وجود مخطوطة في دار الكتب الظاهرية بدمشق هي نفس كتاب عيون الأنباء ووجد بالمخطوطة ذكر ابن النفيس كما قال محمد بسام ملص في مجلة الخافجي العدد الثالث سبتمر 1994م صفحة (22) والذي قال: وإلى القارىء الكريم النص الذي كتبه ابن أبي أصيبعة عن ابن النفيس كما جاء في كتاب بول غليونجي «الذي كتب عن النسخة المكتشفة حديثاً».
قال ابن أبي أصيبعة: «علاء الدين بن الحزم القرشي المتطيب .. كان شيخاً فاضلاً كالبحر الخضم والطود الأشم للعلوم ولم يكن منفرداً بفن من الفنون ولو لم يكن له غير شرح غواض القانون تلغي به دليلاً على غزارة فضله ونذارة مثله...». وهكذا يبرأ علماؤنا من الحقد والحسد ويثبت التاريخ أنهم كانوا يخشون الله ويتقونه حق تقاته فجاءت أعمالهم مبدعة بفضل الله ثم بفضل عِلمهم وإخلاصهم.
أنموذج من الكتاب:
أبو جعفر بن هارون الترجالي:
من أعيان أهل إشبيلية، وكان محققاً للعلوم الحكمية متقنناً لها معتنياً بكتب أرسطو طاليس وغيره من الحكماء المتقدمين فاضلاً في صناعة الطب متميزاً فيها، خبيراً بأصولها وفروعها، حسن المعالجة محمود الطريقة. وخدم لأبي يعقوب والد المنصور، وكان من طلبة الفقيه أبي بكر بن العربي لازمه مدة واشتغل عليه بعلم الحديث، وكان أبو جعفر بن هارون يروي الحديث وهو شيخ أبي الوليد ابن رشد في التعاليم والطب، وأصله من ترجالة من ثغور الأندلس وهي التي أصابها المنصور خالية وهرب أهلها وعمرها المسلمون وكان أبو جعفر هارون أيضاً عالماً بصناعة الكحل وله آثار فاضلة في المداواة.