مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : نظمي خليل | المصدر : www.55a.net

 

مفردات ألفاظ القرآن للعلامة الراغب الأصفهاني من الأعمال الإسلامية الإبداعية والذي سلك فيه منهجاً بديعاً ـ كما قال المحقق صفوان عدنان داوودي ـ ومسلكاً رفيعاً ينم عن علم غزير, وعمق كبير فنجده أولاً يذكر المادة بمعناها الحقيقي، ثم يتبعها بما اشتق منها ثم يذكر المعاني المجازية للمادة وبين مدى ارتباطها بالمعنى الحقيقي.
ـ وهذا أمر لا يقدر عليه إلا من سبر غور اللغة، وخاض في لججها وبحارها.
ـ ويذكر على ذلك شواهد من القرآن أولاً ثم من الحديث ثانياً ثم من أشعار العرب وأقوالهم ثالثاً.
ـ ففي نطاق الآيات يكثر الراغب من الاستشهاد بها على المعنى المراد، كما يورد القراءات الواردة, ثم نراه يفسر القرآن بالقرآن كثيراً, ثم بأقوال الصحابة والتابعين, ثم يأتي بأقوال الحكماء التي تتفق عليها الشريعة.
المؤلف:
غلب على المؤلف لقبه «الراغب الأصفهاني» فأهمل اسمه وكثر الاختلاف فيه والأشهر كما قال المحقق صفوان داوود أن اسمه الحسين ـ وقد خلف الراغب الأصفهاني مؤلفات عدة وصلت إلى أكثر من خمسة عشر مؤلفاً من أهمها: جامع التفسير، ودرة التأويل في حل متشابهات القرآن, وتحقيق البيان في تأويل القرآن، وأفانين البلاغة والذريعة في مكارم الشريعة، ومحاضرات الأدباء ومحاورات البلغاء والشعراء، ومختصر إصلاح المنطق، ورسالة في الاعتقاد، ورسالة في مراتب العلوم.
ثناء العلماء على كتاب المفردات:
أثنى كثير من العلماء على كتاب مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني منهم حاجي خليفة الذي قال: مفردات ألفاظ القرآن للراغب، وهو نافع في كل علم من علوم الشرع.
ـ وجاء في الصفحة الأولى من مخطوطة المفردات في المكتبة المحمودية ما يلي:
هذا كتاب لو يباع بوزنه
ذهباً لكان البائع المغبونا
أوَما مِنَ الخسران أني آخذٌ ذهباً
ومهطٍ لؤلؤاً مكنوناً
وقال عنه المحقق صفوان داوودي: أن كتاب المفردات يعتبر موسوعة علمية صغيرة، فقد حوى اللغة والنحو، والصرف، والتفسير، والقراءات والفقه والمنطق، والحكمة، والأدب، والنوادر, وأصول الفقه, والتوحيد.
ـ والكتاب مطبوع في مجلد واحد يقع في 1247 صفحة من القطع (A 4) ببنط «14».
سبب تأليف الكتاب:
قال المؤلف في مقدمته للكتاب: وذكرت أن أول ما يحتاج أن يشتغل به من علوم القرآن العلوم اللفظية، ومن العلوم اللفظية تحقيق الألفاظ المفردة فتحصيل معاني مفردات ألفاظ القرآن في كونه في أوائل المعاون لمن يريد أن يدرك معانيه كتحصيل اللبن في كونه من أول المعاون في بناء ما يريد أن يبنيه، وليس ذلك نافعاً في علم القرآن فقط، بل هو نافع في كل علم من علوم الشرع, فألفاظ القرآن هي لب كلام العرب وزبدته، وواسطته وكرائمه، وعليها اعتمد الفقهاء والحكماء في أحكامهم وحكمهم, وإليها مفزع حُذاق الشعراء والبلغاء في نظمهم ونثرهم، وما عداها وعدا الألفاظ المتفرعات عنها والمشتقات منها هو بالإضافة إليها كالقشور والنوى بالإضافة إلى أطايب الثمرة وكالحثالة والتبن بالإضافة إلى لُبوب الحنطة.
ـ وقد استخرت الله تعالى في إملاء كتاب مستوف فيه ألفاظ القرآن على حروف التهجي، فتقدم ما أوله الألف، ثم الباب على ترتيب حروف المعجم، معتبراً فيه أوائل حروفه الأصلية دون الزائد، والإشارة فيه إلى المناسبات التي بين الألفاظ المستعارات منها والمشتقات حسبما يحتمل التوسع في هذا الكتاب، وأجبل بالقوانين الدالة على تحقيق مناسبات الألفاظ على الرسالة التي عملتها مختصة بهذا الباب.
نماذج من محتوى الكتاب:
1 ـ بيت: أصل البيت: مأوى الإنسان بالليل لأنه يقال: بات: أقام بالليل، كما يقال: ظلَّ بالنهار ثم قد يقال للمسكن بيت من غير اعتبار الليل فيه، وجمعه أبيات وبيوت لكن البيوت بالمسكن أخص والأبيات بالشعر قال عز وجل: ) فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا ( [النمل : 52] وقال تعالى: ) واجعلوا بيوتكم قبلة ( [النور : 27] ويقع ذلك على المتخذ من حجر ومدر وصوف ووبر، وبه شبه بيت الشَّعر، وعبر عن مكان الشيء بأنه بيته وصار أهل البيت متعارفاً في آل النبي عليه الصلاة والسلام، ونبه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «سلمان منا أهل البيت» (سنده فيه ضعف) أن مولى القوم يصبح نسبته إليهم كما قال: «مولى القوم منهم، وابنه من أنفسهم» (صحيح) وبيت الله والبيت العتيق: مكة قال الله عز وجل ) ولْيَطَّوَّفُوا بالبيت العتيق ( [الحج : 29]. ) إن أول بيت وضع للناس لَلَّذِي ببكة ( [آل عمران : 96] ) وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت ( [البقرة : 127] يعني: بيت الله. وقوله عز وجل: ) وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى ( [البقرة : 189] إنما نزل في قومٍ كانوا يتحاشون أن يستقبلوا بيوتهم بعد إحرامهم فنبه تعالى أن ذلك منافٍ للبر. وقوله عز وجل: ) والملائكة يدخلون عليهم من كل باب ( [الرعد: 23] معناه: بكل نوع من المسار وقوله تعالى: ) في بيوت أذن الله أن ترفع ( [النور: 36] قيل: بيوت النبي نحو: ) لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم ( [الأحزاب: 53].
وقيل: اشير بقوله  ) في بيوت ( إلى أهل بيته وقومه. وقيل: أشير به إلى القلب. وقال بعض الحكماء في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صور» (متفق عليه).
2 ـ سلم: السَّلْم والسلامة: التعري من الآفات الظاهرة والباطنة قال تعالى: ) بقلب سليم ( [الشعراء : 89] أي متعرٍ من الدَّغْل فهذا في الباطن وقال تعالى: ) مسلمة لاشية فيها ( [البقرة : 71] فهذا في الظاهر، وقد سَلِمَ يَسْلَمُ سلامة سلاماً وسلَّمه الله قال تعالى: ) ولكن الله سلم ( [الأنفال : 43] وقال تعالى: ) ادخلوها بسلامٍ آمنين( [الحجر : 46].
أي: سلامة، وكذا قوله تعالى: ) اهبط بسلام منا ( [هود : 48] والسلامة الحقيقية ليست إلا في الجنة، إذ فيها بقاء بلا فناء، وغنى بلا فقر، وعز بلا ذل، وصحة بلا سقم كما قال تعالى: ) لهم دار السلام عند ربهم ( [الأنعام : 127].
أي: السلامة قال تعالى: ) والله يدعو إلى دار السلام ( [يونس: 25] وقال تعالى: ) يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ( [المائدة: 16] يجوز أن يكون كل ذلك من السلامة وقيل: السلام اسم من أسماء الله تعالى وكذا قيل في قوله: ) لهم دار السلام ( [الأنعام: 127] و ) السلام المؤمن المهيمن ( [الحشر: 23] قيل: وصف ذلك من حيث لا يَلْحقه العيوب والآفات التي تلحق الخلق، وقوله: ) سلام قولاً من رب رحيم ([يس : 58] ) سلام عليكم بما صبرتم  ([الرعد : 24] ) سلامٌ على آل ياسين ([الصافات : 130] كل ذلك من الناس بالقول، ومن الله تعالى بالفعل، وهو إعطاء ما تقدم ذكره مما يكون في الجنة من السلامة، وقوله تعالى: ) وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً ( أي: نطلب منكم السلامة، فيكون قوله: ) سلاماً ( نصْباً بإضمار فعل، وقيل معناه: قالوا: سلاماً، أس سداداً من القول فعلى هذا يكون «صفة لمصدر محذوف». وهكذا استمر الراغب الأصفهاني في شرح سلم إلى ضعف ما أوردناه. وهكذا أبدع الأصفهاني رحمه الله.