نحو فهم نظام البنوك الإسلامية
الناقل :
elmasry
| الكاتب الأصلى :
FORZA BOUBIA
| المصدر :
www.startimes2.com
جمال الدين عطية
نحو فهم نظام البنوك الإسلامية
تصنيف
هناك أمر يلزم توضيحه، وهو أن المؤسسات التي نتحدث عنها باسم البنوك الإسلامية أو بيوت التمويل يمكن تصنيفها ـ من حيث إطارها القانوني ـ إلى المجموعات التالية:
المجموع الأولى: وتضم معظم هذه المؤسسات، وهي تلك التي نشأت في بلاد إسلامية تسود فيها النظم المصرفية التقليدية، وتنظمها قوانين مصرفية على النمط الغربي، وقد نشأت هذه البنوك بمقتضى قوانين خاصة أعفتها من قواعد النظام المصرفي السائد وقوانينه، بل ومن اشراف البنوك المركزية أو سلطات الرقابة على المصارف.
المجموع الثانية:وتضم المؤسسات التي توجد في بلاد إسلامية قامت بتغيير نظامها المصرفي كلياً إلى النظام الإسلامي كباكستان وإيران والسودان مؤخراً، أو جزئياً بالسماح لبيوت التمويل (دون تسميتها بالإسلامية) كتركيا مؤخراً.
وقد صدرت في كل من هذه الدول قوانين خاصة بتنظيم هذه المؤسسات المصرفية، لعل أكثرها تفصيلاً وتطوراً هي القوانين واللوائح التي صدرت في الباكستان لهذا الغرض.
المجموعة الثالثة: وتضم حتى الآن بنكاً واحداً هو المصرف الإسلامي الدولي في الدانمرك حيث سمح له بممارسة أنشطة البنوك الإسلامية دون أي إعفاء من القوانين المصرفية في الدانمرك، وهو بذلك تجربة رائدة لاثبات إمكان ممارسة النشاط المصرفي وفقاً للشريعة الإسلامية وللقوانين المصرفية التقليدية في نفس الوقت.
ولا يخفى أن هذا التنوع في الإطار القانوني الذي يحكم البنوك الإسلامية يؤدي إلى التنوع في أنظمتها وطرق تعاملها.
كما أن اختلاف الرأي في فهم الشريعة الإسلامية قد أدى كذلك إلى تطبيقات متنوعة وليس تطبيقاً واحداً للمبادئ الإسلامية في المعاملات المصرفية.
وهذا التنوع بسببه المشار إليهما ما يثري تجربة البنوك الإسلامية ويفتح أمامها العديد من الصيغ والأساليب، ولا يعتبر كما قد يظن البعض نقطة سلبية وإن كان بطبيعة الحال مما يزيد صعوبة الفهم لغير المطلعين على نظم وأساليب هذه المؤسسات.
الأصول
لعله من المناسب كذلك قبل الدخول في التفاصيل ـ وحتى نتهيأ نفسياً وفكرياً لفهمها ـ أن نلقي بعض الضوء على الفلسفة الكامنة وراء هذا النظام الجديد:
الحقيقة الأولى: أن الفكرة الأساسية ليست جديدة فقد حرم الربا فلاسفة الرومان كشيشرون واليونان كأفلاطون (في كتابه الجمهورية) وأرسطو (في كتابه السياسة). وحرمتها اليهودية فقد ورد في سفر التثنية 23: 19،20 "لا تقرض أخاك بربا، ربا فضة أو ربا شيء مما يقرض بربا ـ للأجنبي تقرض بربا، ولكن لأخيك لا تقرض بربا". وفي سفر الخروج 22: 25 "أن أقرضت فضة لشعبي الفقير.. فلا تكن له كالمرابي لا تضعوا عليه ربا".
وفي سفر اللاويين 37:36:35:25 "وإذا افتقر أخوك، وقصرت يده عندك، فاعضده، غريباً أو مستوطناً، فيعيش معك، لا تأخذ منه ربا ولا مرابحة، بل أخش إلهك، فيعيش أخوك معك، فضتك لا تعطه بالربا، وطعامك لا تعطه بالمرابحة.
ورغم هذا التحريم فقد تعامل اليهود فيما بينهم بالربا، حتى جاء المسيح فطردهم من الهيكل عندما دخله، إذ ورد في انجيل متى 21: 12،13 "ودخل يسوع إلى هيكل الله، وأخرج جميع الذين كانوا يبيعون ويشترون في الهيكل، وقلب موائد الصيارفة وكراسي باعة الحمام، وقال لهم:
مكتوب بيتي بيت الصلاة يدعي، وانتم جعلتموه مغارة لصوص.
بل ذهبت تعاليم المسيح إلى ترك أصل القرض للمقترض (متى 42:5، لوقا 6: 30،34،35) وقد أكد توماس الأكويني على تحريم المسيحية للربا كما فعل ذلك مارتن لوثر الذي الحق بالربا كثيراً من البيوع الربوية.
الحقيقة الثانية: ان الربا المحرم في الإسلام على نوعين:
نوع هو الزيادة في الدين مقابل الأجل في السداد، وهذا هو الربا الأصلي المحرم لذاته والذي كان موجوداً في الجاهلية ويسمى ربا الديون.
ونوع حرم لا لذاته ولكن لأنه يفتح باباً إلى الربا الأصلي المحرم لذاته أو لانه يؤدي إلى الجهالة والغبن اللذين يأباهما الإسلام، وتحرمهما نصوص أخرى تحريماً أصلياً ويسمى ربا البيوع.
وهذا النوع الأخير ينقسم بدوره إلى قسمين ربا النساء وربا الفضل وتضمهما أحاديث تحريم الربا في الأصناف الستة: الذهب والفضة والقمح والشعير والملح والتمر، ففي كل صنف من هذه الأصناف يحرم مبادلة صنف بصنفه إلا مع التساوي والتقابض.
أما إذا كانت المبادلة بين صنفين مختلفين أبيح عدم التساوي لكن ظل شرط التقابض قائماً.
والحكمة واضحة في تخصيص هذه الأصناف بهذه القيود ففي الصنفين الذهب والفضة ـ يبرز معنى التأكيد على دورهما النقدي (والتقليل من دورهما كسلعة) وبهذا الاعتبار فلا تستحق النقود عائداً بمفردها لأن وظيفتها المبادلة مع السلع والخدمات التي هي محل الإنتاج المنتج للربح.
أما باقي الأصناف الأربعة الأخرى فان اشتراط التساوي عند تبادلها يدفع إلى توسيط النقود منعاً للجهالة والغبن.
أما اشتراط التقابض ـ فلأنها قوت الناس الأساسي لحياتهم ـ يدفع إلى حصر التعامل التجاري فيها للقادر على الدفع الفوري، أما غير القادر فإن كان عجزه مؤقتاً فسبيله القرض الحسن وإن كان عجزه دائماً فواجب المجتمع افراداً أو حكومة توفير الحد الأدنى الكريم لمعاشه.
الحقيقة الثالثة: أن الإسلام بهذه النصوص القاطعة لم يترك مجالاً للكسب على النقود إلاّ بالمخاطرة في الإنتاج، ودفعاً للناس إلى هذه المخاطرة كانت الزكاة ـ إلى جانب اسهامها في سد حاجة المحتاجين ـ حافزاً لصاحب المال إلى دفع ماله إلى ميدان الاستثمار حتى لا تأكله الزكاة (وهي 2/21% من رأس المال) إذا ظل راكداً بعيداً عن مجال الإنتاج المثمر.
فالنبي الشديد عن الاستثمار بالربا، بالزكاة كحافز على عدم ترك المال دون استثمار يتغير موقف صاحب المال من سلبية المستثمر بالربا الذي لا يعبأ بكيفية استخدام أمواله طالما ضمن الربا المتفق عليه إلى إيجابية المستثمر الذي يخاطر بماله ويحرص بالتالي على اختيار مجال استثماره وعلى متابعته حتى يحقق غرضه، وبذلك يؤدي أمانة هذا المال الذي استخلفه الله فيه.
وفي اختيار المستثمر للمجال الذي يستثمر فيه ماله ومتابعته لهذا الاستثمار يضع الإسلام له من المعالم والارشادات ما يجعله يوجه ماله توجيهاً لا يقتصر على مبلغ الربح الذي يحققه له فحسب وانما يراعي كذلك تحاشي المحرمات بجميع أنواعها من ناحية، ومن ناحية أخرى أداء المال لوظيفته الاجتماعية.
وبهذه الاعتبارات مجتمعة يأخذ المال مكانه الطبيعي أداة في يد الإنسان لخدمة القيم الإنسانية لا سيداً يتحكم في الإنسان وإلهاً يعبد من دون الله.
الموارد