لماذا تفر من الله ؟

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : طارق أبو عبد الله | المصدر : www.55a.net

 

كان لحاتم الطائي وهو أحد كرماء العرب في الجاهلية ابن يسمى عديّا -وكان نصرانياً- له قصة جميلة دعونا نستمع إليه وهو يحدثنا بها قائلا عن نفسه:
 ما كان رجل من العرب أشد كراهة لرسول الله صلى الله عليه وسلم مني، حين سمعت به. وكنت رجلاً شريفا نصرانياً. وكنت أسير في قومي بالمرباع. وكنت في نفسي على دين. فقلت لغلام لي راع لإبلي : اعدد لي من إبلي أجمالا ذُللا سمانا. فإذا سمعت بجيش محمد قد وطئ هذه البلاد فآذني. فأتاني ذات غداة ، فقال: ما كنت صانعاً إذا غشيتك خيل محمد فاصنع الآن. فإني قد رأيت رايات، فسألت عنها ؟ فقالوا: هذه جيوش محمد . قلت: قرب لي أجمالي. فاحتملت بأهلي وولدي، ثم قلت: ألحق بأهل ديني من النصارى بالشام، وخلفت بنتا لحاتم في الحاضرة. فلما قدمت الشام أقمت بها، وتخالفني خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتصيب ابنة حاتم، فقدم بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبايا من طيئ.
وقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم هربي إلى الشام. فمر بها . فقالت: « يا رسول الله، غاب الوافد، وانقطع الوالد، وأنا عجوز كبيرة ما بي من خدمة، فمنّ علي. منّ الله عليك . فقال : " من وافدك؟ . قالت: عدي بن حاتم، قال: " الذي فرّ من الله ورسوله ؟ " - وكررت عليه القول ثلاثة أيام - قالت: فمنّ علي، وسألته الحملان، فأمر لها به وكساها وحملها وأعطاها نفقة ».
فأتتني. فقالت: لقد فعل فعلة ما كان أبوك يفعلها. ائته راغبا أو راهباً، فقد أتاه فلان فأصاب منه، وأتاه فلان فأصاب منه. قال (عدىّ): فأتيته، وهو جالس في المسجد. فقال القوم : هذا عدي بن حاتم - وجئت بغير أمان ولا كتاب - فأخذ بيدي - وكان قبل ذلك قال : " إني لأرجو أن يجعل الله يده في يدي " - فقام إليّ، فلقيت امرأة ومعها صبي . فقالا: إن لنا إليك حاجة. فقام معهما حتى قضى حاجتهما. ثم أخذ بيدي حتى أتى داره . فألقت له الوليدة وسادة . فجلس عليها، وجلست بين يديه. فحمد الله وأثنى عليه. ثم قال : « ما يفرّك [1]؟ أيفرّك : أن يقال : " لا إله إلا الله ؟ " فهل تعلم من إلـه سوى الله ؟ " فقلت : لا. فتكلم ساعة . ثم قال : " أيفرّك أن يقال : الله أكبر ؟ وهل تعلم شيئا أكبر من الله ؟ " قلت : لا، قال: " فإن اليهود مغضوب عليهم. والنصارى ضالون "، فقلت : فإني حنيف مسلم. فرأيت وجهه ينبسط فرحاً» .
والآن تخيل أيها الإنسان أنك جالس مكان عدي بن حاتم الطائي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألك نفس السؤال: لماذا تفر من الله.. ماذا سيكون موقفك؟  أتفر من أن يقال لا إلـه إلا الله.. فهل تعلم من إله سوى الله؟ أيفرك أن يقال الله أكبر .. فهل تعلم شيئا أكبر من الله ؟
 أتفر من كلمة الحمد لله رب العالمين وسبحـن ربي الأعلى وسبحـن ربي العظيم.. فهل تعلم أحدا يُحمد مطلقا إلا الله وهل تعلم أعلى أو أعظم من الله ؟
 أيفرك أن تقول الله أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد؟ فهل تعلم لله أبا أو أما أو ولدا أو زوجة؟ وهل تعلم أحدا يصمد إليه الناس أجمعين لحوائجهم إلا الله؟ أيفرك أن تؤمن بأن الله ليس كمثله شيء وأنه القاهر فوق عباده وأنه على كل شيء قدير؟ فهل تعلم لله مثلا أو شبيها؟ وهل تعلم أحدا قدرته فوق قدرة الله ؟ وهل يمكن أن يصل إلى الله أذى من البشر سبحانه وهو محيط بهم مهيمن عليهم ؟
 أيسوؤك أن تؤمن أن الله حفظ المسيح عليه السلام من كيد اليهود ورفعه إلى السماء بعد أن كنت تعتقد أن الله تركه ليقتل على الصليب مهانا ذليلا ؟
أم تفر من أن تؤمن أن المسيح أبرأ الأكمه والأبرص وأحيا الموتى بإذن الله وليس بقدرته هو.. وهل كان المسيح يملك من أمر نفسه شيء إذ كان جنينا في بطن أمه ؟   أتفر من أن تؤمن بأن المسيح جاء بالإنجيل الذي أنزله الله عليه من السماء بدلا من إيمانك بأناجيل شتى كتبها أناس مجهولون لم يروا المسيح قط ليس بينها إنجيل واحد منسوب للمسيح؟؟
أيفرك أن تؤمن أن المسيح كلمة الله وروح منه ورسول من أولي العزم من الرسل وأمه صديقة اصطفاها الله على نساء العالمين ... فهل كان المسيح وأمه غير ذلك ؟ أيفرك أن يقال محمد رسول الله .. فمن كان محمد إذن إن لم يكن رسول الله ؟
 أيفرك أن تعلم أن الله قد غفر لآدم خطيئته حين ندم و تاب وأناب و أنه يغفر الذنوب جميعاً..  فهل تعلم أحدا يغفر الذنوب إلا الله؟ أيفرك أن تطلب مغفرة ذنوبك من الله بعد أن كنت تطلبها من القسيس على كرسي الاعتراف؟ أيفرك أن تنتمي لدين لا يجعل أحداً من الناس واسطة بينك وبين الله ومهيمنا على حياتك الروحية يغفر لك إن شاء وإن شاء حرمك من دخول الجنة كما تفعل الكنيسة؟ أتظن أن الله خلقك بنفسه ليجعل تقرير مصيرك ومغفرة ذنوبك بيد غيره؟ أيفرك أن تعتقد أن أطفالك يولدون مبرئين من كل إثم وخطيئة بدلا من اعتقادك أنهم يولدون موصومين بخطيئة أبيهم آدم عليه السلام ؟ أتفر من دين كرم المرأة وكفل لها حق العبادة وطلب العلم والسؤال وحق التصرف في مالها وحق اختيار الزوج والخلع منه إذا لم تطقه وخافت ألا تقيم حدود الله معه وأمر الزوج بالإحسان إليها بل وجعل خير الناس هو خيرهم لأهله وجعل الجنة جزاء لمن رزقه الله ببنت فأكرمها وأحسن إليها إلى دين جعل المرأة مصدر الخطيئة وجعلها مخلوقة أساسا من أجل الرجل وحرمها حق الطلاق بل ومنعها من الكلام داخل الكنيسة كما جاء على لسان بولس في رسالته إلى كورونثيوس وجعل كل ما تلمسه أثناء فترة حيضها يكون نجسا كما جاء في سفر اللاويين؟!!
أيفرك أن تكون على ملة إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وموسى وعيسى؟ أيفرك أن تقول أن نوحاً وداود ولوطاً ويعقوب أنبياء معصومون من كبائر الذنوب قد اصطفاهم الله على خلقه وهم في أعلى درجات السمو الأخلاقي وليس كما يقول العهد القديم بأن نوحا تعرى وشرب الخمر وداود زني بامرأة أحد جنوده ثم أرسله ليموت في الحرب ليتزوجها ولوطا زنى بابنتيه وحملتا منه ويعقوب صارع الرب حتى غلبه ؟!
ألا تحب أن تنتمي لدين يقدس العفة والطهارة والوفاء ويأمر بالصدق حتى مع الأطفال والإحسان حتى إلى الحيوان؟ أتكره أن تعتنق دينا يجعل الحياء من فضائله والنظافة من شعائره؟ ألا يسرك أن تنتمي لدين يلبي حاجة الروح والجسد على السواء؟ ألا ترغب في الانتماء لدين يجعل كل إنسان مسؤول بمفرده أمام الله ويجعل البشر كلهم سواسية بل ويجعل النبيَ وآهله مكلفين بأكثر مما يكلف به غيرهم !  
أما يسرك أن تتوجه في دعائك بقلبك إلى السماء بعد أن كنت تتوجه إلى صورة معلقة على جدار بيتك؟ أما تحب أن تتجه في صلاتك للبيت الحرام الذي بناه إبراهيم عليه السلام في مكة باتفاق العرب والعجم وتعظم في قلبك ووجدانك بيت المقدس الذي نشأ المسيح في أكنافه ودعا إلى الله في أركانه؟ ألا تحب أن تقول في صلاتك (إياك نعبد وإياك نستعين. إهدنا الصراط المستقيم . صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) وتقرأ بعدها بسورة مريم (أم المسيح)  أو سورة آل عمران (جد المسيح) أو سورة المائدة التي أنزلها الله من السماء على المسيح ؟ ألا تحب أن تركع وتسجد لله الذي خلقك ؟ أما تشتاق أن تقرأ في كتاب يعالج جميع جوانب الحياة ويخاطب قلبك وعقلك معا؟ ألا تهفو إلى كتاب يجيب على تساؤلات نفسك وخطرات قلبك ؟ ألا تحب أن يغفر لك كل ذنب عملته من قبل فإن الإسلام يمحو ما كان قبله من ذنوب؟ ألا تحب أن تربح محمدا والمسيح بدلا من أن تخسرهما جميعا وتخسر معهم نفسك ؟
ألا ترى ماذا صنعت النصرانية في الشعوب الأوروبية في العصور الوسطى حتى نبذوها تحت أقدامهم وكرهوا كل ما يمت للدين بصلة من جراء تسلط الكنيسة وحينها فقط بدأت نهضتهم الصناعية !! ألا ترى لأي درجة من الانحطاط الأخلاقي وصل كثير من رجال الكنيسة من انتهاك الأعراض وأكل أموال الناس بالباطل ؟ ألا تدري المشاكل الاجتماعية المتفاقمة التي تواجهها الكنيسة نتيجة العمل بشرائع مزورة تنسبها جهلا وكذبا للمسيحية ؟ أما تشعر بالوهن الفكري والعقدي الذي تعاني منه الكنيسة لدرجة أنها لا يمكنها اكتساب مزيد من الأتباع إلا عن طريق الإغراء المادي في أشد المناطق فقرا؟ ألم تسمع عن استعانة القساوسة بالسحر داخل الكنيسة؟ أما سئمت من الطقوس الوثنية التي تحفل بها الديانة النصرانية والتي تشبه إلى حد كبير الديانات الوثنية التي كانت قبل المسيح عليه السلام؟ ألم تمل من الغموض والتعقيد الذي يكتنف العقيدة النصرانية؟ ألم تيأس من كثرة الأسئلة الحائرة في عقيدتك والتي لم تجد لها إجابة شافية إلى الآن؟ أما سمعت عن الأخطاء العلمية والتاريخية التي اكتشفت فيما يسمى الكتاب المقدس؟  أما قرأت المخازي الأخلاقية التي يحفل بها؟ أما اشتقت لعقيدة تخاطب روحك وقلبك ولا تصادم فطرتك وعقلك؟
لماذا تفر من الحق و تحجب عن قلبك نور الحقيقة وأنت ترى كل يوم البراهين الدالة على وحدانية الله وصدق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم؟ لماذا لا تعطي لنفسك فرصة لكي تقرأ القرآن وتفكر هل يمكن أن يكون هذا كلام بشر ؟!  لماذا لا تعطي لنفسك فرصة لكي تبحث عن الحق بحرية بعيداً عن ضغوط الأهل ومراقبة المجتمع؟  ألا ترى المهتدين الجدد قصصهم تملأ السمع والبصر وقد سعوا بجدية للبحث عن الله فهداهم الله إليه؟ (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين) .. هل تعلم إنساناً عاقلا دخل الإسلام مختارا ثم ارتد عنه؟
 لماذا لا تقرأ سيرة محمد صلى الله عليه وسلم وتتأمل فيها أيمكن أن يكون محمد كذاباً ؟  ألا تلاحظ العناية الإلـهية ترافق دين الإسلام تحفظه وتنصره  منذ أن ظهر محمد صلى الله عليه وسلم وإلى يومنا هذا رغم كل محاولات الإبادة والتشويه التي تعرض لها؟ ألا تغار أن يسعى للبحث عن الحقيقة الأطفال وأنت جالس في مكانك؟
أما يكفيك أن يشهد للإسلام غير المسلمين أنفسهم؟ أما ترى الانتشار الواسع للإسلام في جميع بلاد الدنيا برغم قلة إمكانات أبنائه وما ذاك إلا لقوة حجته وموافقته للعقل والفطرة؟ أما جاءك نبأ القساوسة والمبشرين الذين يتحولون للإسلام؟ ألم تقرأ وتسمع قصصهم الموجودة على الإنترنت يحكونها لك بأنفسهم؟ أينقصك أن تتصفح الإنترنت لعدة دقائق لترى كم من الحقائق كانت مغيبة عنك لسنين كثيرة؟ لماذا تفر من الله ولا تفر إليه؟ (ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين ).
ترى لو كنت على الباطل أيتحمل عنك وزرك أحد من الناس يوم القيامة؟ إنهم لا يتحملون عنك أخطاءك في هذه الحياة الدنيا وحسابها يسير أيتحملونها عنك في الدار الآخرة  يوم يفر المرؤ من أخيه وأمه وأبيه؟ أتنتظر حتى يفر عنك الجميع يوم القيامة ثم تبقى وحدك ليسألك الله ماذا أجبت الرسول؟
لماذا تفر من الله؟ أتخاف من المستقبل؟ ألا تعلم أن المستقبل بيد الله ؟ أتظن لو كنت تسعى جاهدا للحق ووصلت إليه أن الله يضيعك ويخذلك؟  أيحفظك يوم كنت على الباطل ويتركك بعد أن اتبعت الحق الذي خلقك من أجله ؟ أما سمعت عن الكثيرين ممن اعتنقوا الإسلام في كل بلاد العالم ويعيشون الآن حياة آمنة مطمئنة؟ أتفر من الله أم تفر من نفسك؟
إن أعقل الناس هو الذي يعرف أين سعادته الحقيقية ويسعى إليها وقد وهبك الله عقلا تفكر به وتتعرف عليه وفطرة تشتاق إليه وقلبا يطمئن للحق – فإن للحق في القلب سكينة واطمئنانا لا يجدهما مع غيره-  وأنت بمفردك مسؤول أمام الله وهي حياتك الأبدية وسعادتك الدنيوية والأخروية فإياك إياك أن تضحي بهما من أجل متاع زائل أو خوف عقاب متوَّهم أو اتباعا لظنون وأوهام فإن الظن لا يغني من الحق شيئا