تدهور خصوبة التربة و تعريتها،; اثرها في التنمية الزراعية

الناقل : elmasry | الكاتب الأصلى : صاعقة | المصدر : www.startimes2.com

 

تدهور خصوبة التربة و تعريتها، وعدم رصد المبالغ لا فرديا ولا جماعيا من أجل صيانتها وتحسين خصوبتها.


قبل أن ندخل في صلب الموضوع، وحتى يستفيد المثقف المهتم بالجانب السياسي أو الاجتماعي والاقتصادي، فإننا سنحاول تبسيط الموضوع بعيدا عن الجانب (المهني المختص)، وسنحوله الى معلومات متيسرة لتكون حقا للقارئ، أي قارئ بغض النظر عن مستواه العلمي المختص.

التربة هي مادة معقدة التركيب موجودة طبيعيا، وتعرف بأنها الطبقة السطحية من القشرة الأرضية التي يمكن توفير الحماية لنمو النبات، وهي عموما لا تزيد عن 25 سم في معظم أراضي العالم، وإن كانت في بعض المناطق تصل الى متر،*1 كما هي الحال في أحواض الأنهر حيث تتغذى بالطمي باستمرار. وتنقسم المكونات الأساسية في التربة الى ثلاثة أقسام:

1ـ الجزء المعدني: الناشئ من تفتت الصخور بفعل العوامل الجوية (التمدد والتقلص من تقلبات الجو والانهيارات والبراكين والفياضانات الخ). وهذا ينشأ عنه ثلاث أحجام (الحصى و الرمل والطين) والطين هو المهم في تكوين الخصوبة والتبادل الأيوني.

2ـ الجزء العضوي: ومصدره النباتات والحيوانات الميتة. فعندما يموت النبات أو الحيوان فإنه يتحول الى (دبال) والذي كلما زادت نسبته كلما زادت خصوبة التربة، حيث يعمل على نمو الكائنات الحية الدقيقة ويؤمن نفاذية الماء في التربة وجعلها متيسرة للنبات.

3ـ الجزء الأحيائي: ويتكون من النباتات والحيوانات الحية بما فيها الأحياء الدقيقة والفطر والديدان والفئران والثعالب وغيرها، ونشاط تلك الكائنات قد يكون في الغالب (مفيدا) في إحداث دورة الحياة في قشرة التربة، وتيسير الغذاء لما يحتاجه النبات، وقد يكون (ضارا) حيث يسبب نقصا في المحاصيل كبعض أنواع الفطر والبكتيريا والديدان والحامول والهالوك والقوارض والخنازير الخ.

تاريخ معرفة الإنسان بخصوبة التربة

تذكر الدراسات الحفرية أن العراقيين قد دونوا إنتاج أرضهم من الشعير فكان بكتاباتهم يساوي 86 الى 300 من كمية البذار المستخدم (أي يبذر 1 كغم ينتج 86 الى 300كغم) في حين الآن يبذر 1كغم من الشعير ينتج 18ـ 45كغم . ويذكر العراقيون القدامى طرق الاستفادة من خصوبة التربة.

في قصيدة الإغريق البطولية (الأوديسية) للشاعر (أعمى هومر) الذي عاش بين 900ـ 700 ق م. يذكر الشاعر كيف أن إضافة فضلات الحيوانات قد زاد من إنتاج العنب*2

لاحظ زنفون الذي عاش بين 434 و 355 ق م أن الأرض دمرت بسبب عدم معرفة أهمية الاحتفاظ بخصوبتها. واقترح (تيوفراستس) الذي عاش بين 372 و 287 ق م. أن فرش التبن تحت الحيوانات لامتصاص بولها والاختلاط بفضلاتها من أفضل الطرق للحفاظ على خصوبة التربة. كما حذر من المبالغة بتسميد الأراضي قليلة الأمطار! (وهي رؤية متقدمة مبكرة).

كما اقترح (كاتو) 234ـ 149 ق م قائمة بالنباتات التي تزيد من خصوبة الأرض، فذكر الفول والعدس والبازيلا والترمس والبرسيم والهرطمان(الكرسنة في بلاد الشام والجلبانة في بلاد المغرب)*3. ومعروف بالعلم الحديث أن تلك النباتات تثبت النيتروجين بالتربة من خلال عقد خاصة.

وبقيت المحاولات في الاهتمام بخصوبة التربة جارية حتى تصاعدت بشكل قوي خلال القرون الثلاثة الأخيرة وصارت على ما هي عليه.

العوامل المؤثرة على انخفاض الخصوبة

صحيح أن الزراعة قد تطورت في كثير من الدول المتقدمة، حتى باتت التربة ممكن الاستغناء عنها كليا في المزارع المائية والصخرية الخ، لكن هذا لن يحل مشاكل الغذاء بالعالم، وستبقى التربة والاهتمام بها العمود الفقري للزراعة والاقتصاد وحتى الحياة في العالم. لكن تدني وانخفاض الخصوبة في التربة، خصوصا في دول العالم الثالث وبالذات في منطقتنا العربية مع ازدياد النمو السكاني يجعل من قضية الاهتمام بخصوبة التربة أمرا هاما وأساسيا. لكن كيف تتدنى خصوبة التربة؟

1ـ التعرية، سواء المائية وخصوصا في المنحدرات، والتعرية بواسطة الرياح في السهول المنبسطة، وقد يكون لتفتت الملكية وتحديد شكل الحيازة الدور المهم في هذا الشأن (كما أسلفنا).

2ـ تعطيل زراعة الأراضي، وعدم الاهتمام بها، خصوصا تلك الموصوفة بقلة إنتاجبتها، وعدم حصول مردود مشجع للمزارعين للمواظبة على زراعتها.

3ـ الرعي الجائر، الذي يخفي السطح النباتي المشجع للوسط الحياتي (ديدان، بكتيريا الخ).. ويترتب عليه انخفاض في كمية نزول الأمطار.

4ـ الملوحة الزائدة، الآتية من قلة (بزل) أو صرف مياه الري، يجعل من عملية التبادل الأيوني مسألة متعذرة .. وتتدرج النباتات من حيث تحملها للملوحة من قليلة الحساسية ك (النخيل والسبانخ والبرسيم الحجازي) الى شديدة التأثر كالخضراوات والفواكه. هناك مصطلح (E.C) أي التوصيل الكهربائي وهو مدرج من (4) فما دون يحدد طبيعة النباتات الصالحة للزراعة في الوسط، وكلما اقترب المعيار من (4) كلما تعذر عيش النبات في الوسط.

5ـ استنزاف خصوبة التربة بالزراعات المستمرة، وعدم تعويضها وإدامتها.

6ـ الحرائق والبراكين والتعدي المستمر على التربة، وإهمال كونها مصدرا للغذاء والنظر إليها وكأنها ملكيات للبيع والشراء.

كيفية معالجة خصوبة التربة

لفت انتباهي في شهر يونيو/حزيران 1991 في إيطاليا، و أبريل/ نيسان 1997 في جنوب إفريقيا، أنه بعد حصاد القمح تأتي (حاويات قلابة) حمولة الواحدة تزيد عن 50 طن وترش طبقة من التربة بسماكة 10سم، لتعويض ما تم استنزافه من خصوبة التربة. وعندما تحريت عن ذلك، وجدت أن تلك التربة تأتي من مصائد للطمي القادم مع الأنهار، ويخلط به مخلفات مزارع الدواجن والأبقار. وتتم تلك العملية كل عدة سنوات.

وقد لاحظت ذلك في هولندا، أن كل مزرعة دواجن (بياض) تدفع ما كان قيمته نصف دولار لكل دجاجة سنويا، لجهة رسمية تعتني بالبيئة، مقابل أن تحمل تلك الجهة مخلفات المزرعة وتعيد استثمارها أو توظيفها بصيانة التربة وزيادة خصوبتها.

كما لفت نظري ما يقوم به الأستراليون من تحسين مستوى الاستفادة من المراعي، بابتكار محاريث بها رؤوس كالملعقة بحجم قدم مربع تحدث حفرة في أرض المرعى وتضع بها عدة بذور من نباتات مراعي منتقاة بعناية وجرى تكثير بذورها، وتكون المسافة بين الحفرة والأخرى حوالي 70 سم، وذلك في الأراضي التي يقل مطرها عن 140 ملم مطر سنويا، فتتجمع كميات مياه الأمطار النازلة بالحفر وتنبت بذور نباتات المراعي بنجاح، فيضمنوا بذلك الاستفادة من أراض مصنفة أنها قاحلة، ويضمنوا عدم تعرية التربة، هذا مع تنظيم مواعيد الرعي مركزيا.

ونستطيع أن نخلص الى القول، بأنه في حالة تكون إرادة جماعية قوية تحرص على زيادة خصوبة التربة وصيانة الخصب منها أن تلجأ تلك الإرادة المتمثلة بالإدارات الحكومية ومن يتفاهم معها من إدارات أهلية إنتاجية وبحثية الى:

1ـ تعويض ما يفقد من خصوبة بطرق شتى.
2ـ حماية التربة من الانجراف والتعري، بعمل المدرجات والسلاسل.
3ـ تشريع قوانين تمنع الرأي الجائر.
4ـ تشجيع المزارعين على عدم ترك أراضيهم، لتتعرى .
5ـ استنباط الأصناف الملائمة لزراعتها في الأراضي لضمان ربحية معقولة.
6ـ عمل مصائد للطمي والتربة المنجرفة وإعادة توزيعها على ما يتعرى من الأراضي.
7ـ تثبيت التربة أمام الرياح العاتية، بزراعة صفوف من مصدات الرياح الوطنية من الأشجار الملائمة.
8ـ تخصيص مجمعات للنفايات العضوية وخلطها ومعالجتها وإعادة توزيعها على الأراضي التي تحتاجها.
9ـ ربط السياسات الزراعية بهيئات إرشادية تدل المزارعين على الطرق الأفضل والأصناف الأكثر ربحا، والتنسيق مع هيئات البحث العلمي من معاهد وكليات وتشجيع من يقومون بالبحث العلمي بالقطاعات الأهلية.
10ـ تشجيع قيام التعاونيات لاستغلال المساحات الشاسعة، وتمويلها بشروط ميسرة لحل مشكلة البطالة واستغلال أوسع للتربة، وبالذات تلك المشاريع التي تعني بتربية الحيوانات الرعوية، في مناطق ترب رديئة من الدرجة الثالثة أو الرابعة (تخصص الترب الأولى ذات الخصوبة العالية والمياه الوفيرة للبساتين، وما تليها من الترب للمحاصيل الحقلية والغابات، والأقل مطرا للمراعي)
11ـ تخصيص الآليات الزراعية الملائمة، وتوزيعها على القطاع التعاوني لتكون في خدمة صيانة التربة (آلات التسوية وكسر الطبقة الصماء والترنبولات [أي ناقلات التربة العملاقة]).

منقول