العديد من المشاكل التي تعاني منها منطقة اليورو سببها إدخال عملة مشتركة في مجموعة يائسة من البلدان يحتاج كل منها إلى العمل بأسعار فائدة وأسعار صرف مختلفة. مضت عشر سنوات على تأسيس البنك المركزي الأوروبي، لكن يبدو كما لو أنه تأسس بالأمس. كان تأسيس البنك آخر خطوة مهمة قبل إدخال اليورو، وهو عملة تبنتها بلدان أوروبية عديدة. وبدرجة قليلة من الحنين، نسيت هذه البلدان عملاتها كالمارك، والفرنك، والليرة، والبيزيتا. ويحتفي البنك المركزي الأوروبي بهذه الذكرى، وأنا أعترف من جانبي أن هناك مبرراً لذلك. وقد اختار البنك العمل بطرق مترسخة للصيرفة المركزية وكان أداؤه جيداً نسبياً. فقد قام على وجه السرعة بوضع استراتيجية سياسة نقدية تؤدي وظيفتها. وتمكن من الإبقاء على التضخم تحت السيطرة، وبذلك أسهم في الاعتراف باليورو عملة عالمية حقيقية. ورغم كل هذا، لم يحقق نجاحاً عظيماً. لماذا؟ إن السؤال هو ما إذا كان لدى بلدان منطقة اليورو ومواطنيها سبب يدعو للاحتفال. والجواب على ذلك هو أن هذا أمر غير مؤكد إذا أخذنا في الاعتبار بطء النمو الاقتصادي للمنطقة، والتفاوت الكبير في معدلات النمو بين البلدان الأعضاء والتباين الكبير في معدلات التضخم فيها، رغم أنه ينبغي أن يكون للعملة الواحدة سعر واحد. في 1998 كانت منطقة اليورو في المقام الأول مشروعاً سياسياً، وكان الاعتقاد السائد أن تدعيمه على الصعيد الاقتصادي سيأتي في مرحلة لاحقة. وكان سيتم إيجاد كيان اقتصادي متجانس تعمل العملة المشتركة على تماسكه. بيد أن هذه الآمال لم تتحقق حتى الآن. وأنا لست مندهشاً لذلك. وكان الساسة الأوروبيون يتوقعون أن يعمل اليورو على تسريع النمو الاقتصادي في أوروبا التي تخلفت عن بقية العالم على هذا الصعيد، لكن تبني هذه العملة أدى إلى مزيد من التباطؤ الاقتصادي. كان نمو منطقة اليورو أبطأ من نمو الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ككل. وهناك تباطؤ في نمو إنتاجية العاملين وانخفضت الإنتاجية الكلية إلى نصف معدلها في العقدين السابقين لليورو. ومن الواضح أن مجموعتين من البلدان نشأتا: مجموعة فيها معدل تضخم عال على الدوام، وأخرى فيها معدل تضخم منخفض. ففي الفترة من عام 2000 إلى 2006، تجاوز معدل التضخم في ست من 12 بلداً المعدل الذي حددته معاهدة ماستريخت. ومعروف أن البلد الذي يرتفع فيه معدل التضخم فوق المتوسط في منطقة تعمل بسعر صرف واحد يفقد بالتدريج قدرته على التنافس والعكس بالعكس. فقد تم دفع ألمانيا، مثلا، إلى وضع من التضخم المصحوب بركود اقتصادي، ما كان له أثر سلبي في نموها الاقتصادي. ومع توسع منطقة اليورو، يمكن أن تصبح الفروقات التضخمية أكبر. فقد ارتفع معدل التضخم في سلوفينيا التي انضمت إلى منطقة اليورو عام 2007 من 1.6 في المائة قبل الانضمام إلى 5.7 في المائة في نهاية السنة الأولى من العضوية، وإلى 6.9 في المائة في آذار (مارس) 2008. واليوم يوجد فيها أعلى معدل للتضخم في منطقة اليورو. ويتفق الخبراء على أنه إذا انضمت سلوفاكيا إلى منطقة اليورو، فيمكن أن يرتفع فيها معدل التضخم بشكل كبير. وتظهر هذه الضغوط أيضا في الحالات التي ربط أحد البلدان فيها عملته باليورو بسعر ثابت. وإلى حد بعيد، هذا هو الذي جعل معدلات التضخم في بلاد البلقان تصل إلى ما بين 12 و17.5 في المائة. ولا يمكن إرجاع ذلك فقط إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمواد الخام. والسبب الآخر إلى جانب اليورو في النمو غير المرضي هو السياسة الاقتصادية المعمول بها في بلدان الاتحاد الأوروبي وإحجامها عن تنفيذ التحرير الاقتصادي اللازم وإصلاحات السوق. وفي الذكرى العاشرة لليورو نسمع الدعوات المعتادة التي تطالب بإيجاد نظام مالي أكبر، استكمالاً لحزمة الاستقرار والنمو، وبإدخال إصلاحات هيكلية حاسمة. لكن هذه الدعوات غير جادة، كما أنها تتجاهل حقيقة أن العديد من المشاكل التي تعاني منها منطقة اليورو سببها إدخال عملة مشتركة في مجموعة يائسة من البلدان يحتاج كل منها إلى العمل بأسعار فائدة وأسعار صرف مختلفة. وتعلن المفوضية الأوروبية أن أهم خطوة باتجاه تحسين مستوى الرخاء في منطقة اليورو هي اتحاد سياسي أوثق. وينبغي أن يؤدي ذلك إلى مزيد من التنسيق على صعيد السياسات الاقتصادية الوطنية وإلى إدخال إصلاحات هيكلية ذات سمة مركزية. وفيما يتعلق بالعالم الخارجي، يتعين على منطقة اليورو أن تتحدث بصوت واحد. وعلى الدول الأعضاء أن تتخلى عن تمثيلها في المؤسسات الدولية وعن حقها في التعبير عن وجهات النظر الخاصة بها على حساب التمثيل المشترك لمنطقة اليورو. وحتى أولئك المحللون الذين لديهم تقديرات إيجابية تماماً لليورو يعترفون بأن منطقة اليورو لم تواجه في السنوات العشر الأولى أي أزمة خطيرة تضع العملة تحت المحك. على أن مثل هذا الاختبار يلوح في الأفق. ذلك أن الوضع الاقتصادي في العالم آخذ في التغير. فالبلدان الكبيرة كالصين والهند تريد أن تلعب دوراً أكبر. وهناك تصاعد مستمر في التنافس العالمي وزيادة في الطلب على المواد الخام والمواد الغذائية. إن البيروقراطيين في بروكسيل غير قادرين على القيام بردة فعل إزاء الظروف والأحوال المتغيرة وهم يقللون من شأن الصراع على المواد الخام ومن شأن الضغوط التي يفرضها التحرر الاقتصادي للبلدان غير المتقدمة. إنهم مستمرون في إغماض عيونهم وجعل التغيير المناخي على رأس أولوياتهم العالمية. وإذا لم تنهض أوروبا من سباتها، فسوف تواجه أوقاتاً عصيبة. وإن السياسة النقدية المشتركة لن تساعدها. ذلك أن البلدان الأعضاء تصدر عنها ردود أفعال مختلفة إزاء ارتفاع قيمة اليورو مقابل الدولار، وإزاء ارتفاع تكلفة الطاقة والأغذية والمواد الخام وإزاء المنافسة الآسيوية. وإننا نتوقع من السياسيين الذين يرغبون في تحويل خيبة أمل مواطنيهم بعيدا عن عتبات أبوابهم، أن يمارسوا مزيداً من الضغط على البنك المركزي الأوروبي لتعديل سياسته النقدية وفقاً لاحتياجات بلدان المنطقة الأكبر والأكثر تأثيراً. وبعد مرور عشر سنوات على تأسيسه، يواجه البنك المركزي الأوروبي اليوم ضغوطاً أكثر مما واجهه في أي وقت مضى. وعلى الصعيد العملي، أثبت اليورو أن إجبار أوروبا البائسة اقتصادياً على الدخول في كيان متجانس عن طريق قرار سياسي هو عملية هندسية محضة ولم يعد بالفائدة على جميع البلدان.
الكاتب رئيس جمهورية التشيك