الوعي الظاهر في خلايا البويضة
الناقل :
mahmoud
| الكاتب الأصلى :
هارون يحيى
| المصدر :
www.55a.net
يقوم
الجسم برفض الأنسجة والأعضاء الغريبة عنه عندما يراد زرعها فيه، لذلك بقي عدم رفض جدار الرحم للخلايا التي تبدأ بالتهيؤ للاستقرار فيه سراً منذ أمد بعيد لأنها خلايا مختلفة من الناحية الجينية عن خلايا الأم . ويحاول الدكتور
فلانارغان
الإجابة على هذا اللغز فيقول : " نستطيع أن نقول إن مجموعة من الخلايا ترسل إشارات نستطيع وصفها بأنها " إشارات وشيفرات كونية "، وهذه الشيفرات تكون نفسها لدى جميع الناس، حتى إن الأم عندما كانت عبارة عن مثل هذه المجموعة من الخلايا قد قامت بالتعبير عن نفسها هذه الشيفرات أيضاً.لذا لا تقوم خلايا الأم بالدفاع عن نفسها ضد هذه الخلايا الجديدة، لأنها من الناحية البيولوجية لا تعد هذه الخلايا أعداء لها بل خلايا كونية صديقة .
[1]
من المفيد هنا الإشارة إلى نقطة هامة جداً . إن مجرد قيام مجموعة من الخلايا بإرسال شيفرات أو رسالة كونية ( حسب تعبير
فلاناغان ) وقيام مجموعات أخرى من الخلايا بفهم هذه الرسالة وأنها غير صادرة عن عدو بل عن صديق يعد معجزة كبيرة، إذ يجب ألا يغرب عن البال أننا لا نتحدث هنا عن مجموعة من الناس الواعين بل نتحدث عن مجموعة من الخلايا، عن مجموعة متكونة من ذرات وجزيئات وبروتينات لا تملك لا عيناً ولا أذناًَ ولا دماغاً ولا شك أن توقع صدور أي وعي أو شعور من هذه الخلايا سيكون منطقياً غريباً، والحقيقة التي تظهر أمامنا هي أن استقرار الجنين بكل سهولة ويسر في رحم الأم واستمرار وجودها هذا الكيان هناك لا يتحقق إلا برحمة الله خالق هذا الجنين وأمه ونظم الدفاع في جسم الإنسان .
قال تعالى :
(إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (لقمان:34)
.
النظم الخاصة المهيأة للجنين :
تستمر الخلايا المنغرزة في رحم الأم بالتغذية والنمو في هذا الجو الآمن . ولكن هذا وضع محير إلى درجة كبيرة، ذلك لأن هذا الجنين النامي بسرعة في بطن الأم كان من المفروض ـ في الظروف الاعتيادية ـ أن يجابه خطراً كبيراً، وهذا الخطر هو النظام الدفاعي الموجود في جسم الأم .
يهاجم هذا النظام الدفاعي أي جسم عضوي غريب يدخل إلى الجسم لأنه يعده عدواً ويعد الجنين الذي يحمل معلومات جينية مختلفة عن المعلومات الجنينة لجسم الأم جسماً غريباً، لذلك نرى أن الخلايا الدفاعية في دم الأم ما إن تشعر بوجود هذا الجسم العضوي الغريب حتى تبدأ بالاستنفار والتوجه نحو الرحم، ولو لم تتخذ احتياطات خاصة لقامت خلايا الدفاع هذه بالقضاء على الجنين لا محالة .
قبل أن يتعلق الجنين برحم الأم ويلتصق به تقوم خلايا
(الأورمة المغذية
trophoblast
)ا
لتي تتكون قرب رحم الأم بتشكيل مصفاة من نوع خاص بين الأوعية الدموية للأم وبين الجنين، ولا تستطيع الخلايا الدفاعية عبور هذه المصفاة، وبذلك يصان الجنين من بطش الخلايا الدفاعية التي تكون آنذاك في حالة استنفار بسبب إعلان حالة الطوارئ في الجسم بل يقوم بعض هذه الخلايا الدفاعية بمساعدة نقل وتوصيل المواد الغذائية والأوكسجين إلى الجنين .
والآن لنتفحص بنية هذه الخلايا الخاصة .
القابلية الهندسية لخلايا تروفوبلاست :
ذكرنا سابقاً أنه على الرغم من نشوء وتكاثر خلايا ترفوبلاست من خلية البويضة فإنها تنفصل عن خلايا الجنين وتأخذ على عاتقها مهمة تقديم جميع أنواع المساعدات للجنين النامي في رحم الأم وفي اليوم السابع للحمل تبدأ هذه الخلايا بالنمو وبتكوين امتدادات لها في جميع الاتجاهات، وغاية هذا التغير هي المساعدة الخلايا للنفاذ إلى الداخل من خلال جدار الرحم . وفي أثناء هذا الدخول تتواجه مع الشعيرات الدموية للأم فتقوم باختراق سطحها الخارجي، وهكذا يكون نسيج الجنين قد ارتبط بدم الأم في خلال اليوم السابع واليوم الثامن من أيام الحمل .
تقوم بعض خلايا تروفوبلاست بتمزيق جدران الخلايا الدموية الشعرية الموجودة في جدار الرحم منتجة بعض الإنزيمات، وهكذا تقوم بتخفيض ضغط دم الأم عن الجنين وتتصرف خلايا
الأورمة المغذية
trophoblast
وكأنها على علم مسبق بهذا الخطر المحتمل فتتخذ التدابير التي تصون بها الجنين من الموت . ولو لم تقوم هذه الخلايا بهذا التغيير لكان ذلك سبباً في دخول دم الأم إلى الداخل بضغط مرتفع، ولكانت النتيجة المتوقعة لمثل هذه الحالة تطبيق دم الأم ضغطاً عالياً علىالجنين من الخارج مما كان سيؤدي إلى إيقاف الدورة الدموية للجنين .
وبتقدم الأسابيع تقوم بعض هذه الخلايا الخاصة بتكوين سد أمام دم الأم . ولهذا السد الذي يدعى المشيمة بنية خاصة جداً، فعندما ندقق عن قرب نرى أن خلايا
ترفوبلاست بتكوينها هذا السد تقوم بوظيفة حاجز أمام دم الأم . وهذه نقطة هامة جداً، لأن الجنين أصبح الآن في اربتاط وثيق مع أنسجة الأم ويتغذى بالمواد الموجودة في دمها، فيجب أن تدخل المواد الغذائية، ولكن يجب ألا تصل معها الخلايا الدفاعية الموجودة في دم الأم . لذا يقوم هذا السد ( أي المشيمة ) بمنع خلايا الدفاع الموجودة في دم الأم من الوصول إلى الجنين، ولكن كيف تتم تغذية الجنين الذي حيل بينه وبين وصول دم الأم إليه ؟
جواب هذا السؤال يرينا كمال التصميم الموجود في الخلايا، فالفجوات الدقيقة الموجودة بين خلايا هذا السد لها الحجم الكافي لمرور المواد الغذائية الموجودة في بلازما دم الأم إلى الجنين الذي هو في حاجة ماسة إلى هذه المواد . فالأوكسجين والمواد الغذائية والمعادن تجتاز هذه الفجوات وتصل إلى الجنين، ولكن خلايا الدفاع لا تستطيع المرور من خلال هذه الفجوات لأنها أكبر منها حجماً .
وعندما نتأمل هذا الجسر الذي يصل بين الأم والجنين نرى أن هذا العمل الذي تنجزه خلايا
"تروفوبلاست "
يستوجب معرفة هندسية دقيقة وكاملة، لأن النظم المقامة من قبل هذه الخلايا تكون قد أرست قواعد
"جسر الحياة "
بين الأم وجنينها . فهي ـ من جانب ـ تكون سداً منيعاً أمام المواد المهلكة للجنين، ومن جهة أخرى تترك فجوات ومسالك لوصول المواد الضرورية إليه .
ما ذكرناه آنفاً ليس إلا جزء قليلاً من خواص ووظائف خلايا
تروفويلاست، ولكنه يكفي للاستدلال على كمال التصميم ولا شك أنه من الواضح جداً أن هذا التركيب والبنية التي تقوم بتكوين فجوات ومسالك بمقياس منضبط ومعير تماماً لمرور المواد النافعة إلى الداخل ومنع مرور المواد الخطرة والضارة للجنين لا يمكن أن تظهر نتيجة المصادفات أبداً .
تش
اهد في هذه الصورة الجنين في مرحلة البلاستولا وهو منغرس في جدار الرحم . فالجنين يعثر على منطقة تكثر فيها الأوعية الدموية وتلتصق بها . وكما تنمو البذرة المزروعة في الأرض وتصعد إلى أعلى من جهة وتمد جذورها إلى باطن التربة من جهة أخرى ، كذلك ينمو الجنين من جهة ومن جهة أخرى يتقدم نحو عمق النسيج الذي يستمد منه الغذاء ليجد له أوعية دموية جديدة . والتي تقوم بهذا العمل الجديد . والتي تقوم بهذا العمل وخلايا خاصة تسمى خلايا الجرثومة الغذائية
Trophoblast
الموجودة خارج الجنين .
ومن يعتقد بأن جميع هذه المواصفات والخواص الخارقة قد ظهرت عن طريق المصادفات العشوائية يعجز عن الإجابة عن الأسئلة الآتية :
من أين تعرف هذه الخلايا المواد الضرورية لنمو الجنين ؟
كيف تستطيع تمييز المواد الضرورية للجنين من بين المواد العديدة جداً الموجودة في الدم ؟
كيف تعلمت أن خلايا الدفاع تكون مهلكة وضارة للجنين ؟
كيف استطاعت معرفة حجم المواد الضارة والخطرة ؟
كيف عقلت ضرورة إقامة شبكة تمنع مرور هذه المواد الخطرة، وتسمح في الوقت نفسه بمرور المواد النافعة .
كيف عرفت أن خلايا الدماغ ضارة وخطيرة بالنسبة للجنين ؟
كيف وصلت منذ البداية إلى معرفة أحجام المواد الخطرة .
كيف عقلت وأدركت كيفية بناء شبكة تقوم بمنع المواد الخطرة للجنين وتسمح في الوقت نفسه للمواد الضرورية النافعة بالمرور؟
من الضروري ـ من أجل حفظ نسل الإنسان، ـ عدم وجود أي خطأ في هذا النظام وكل من عنده مسحة من عقل وإنصاف يعرف أن المصادفات العشوائية لا تستطيع أن تكسب الخلايا مثل هذه القابلية والمواصفات لا تستطيع إيجاد نظام ثم تأمين عمل هذا النظام عينه في جميع البشر . لا شك بأن الله تعالى هو خالق خلايا
تروفوبلاست
وهو الذي أكسبها هذه القابليات وهذه الصفات التي تساعد علىنشوء الإنسان، وهذا مثال واحد فقط من بديع صنع الله وخلقه :
قال تعالى
: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (الاحقاف:4)
.
المشيمة جسر الحياة بين كائنين حيين :
عندما نقارن الأجهزة المساعدة لحيارة الإنسان التي تبلغ أسعارها ملايين الدولارات والتي توجد في أحدث المستشفيات التي تستخدم آخر ما وصلت إليه التكنولوجيا العصرية مع قطعة لحم لا تزن إلا بضعة كيلوغرامات تبدو هذه الأجهزة أمامها كأجهزة بدائية متخلفة عنها كثيراً . قطعة اللحم هذه هي خلايا المشيمة التي يطلق عليها بحق اسم " البطل الحقيقي للولادة "
[2]
أضغط على الصورة لتكبيرها
المشيمة هي الجهاز الوحيد الذي يقوم بحساب الحاجات المتغيرة للجنين وكيفية إشباع هذه الحاجات دون أي نقص، فالحلايا الموجودة على السطح الخارجي للمشيمة تكّون نوعاً من جهاز تصفية بين الأوعية الدموية للأم وبين الجنين ، فمثلاً بينما يقوم بالسماح للمواد الغذائية بالمرور نراه يمنع مرور عناصر الدفاع في الدم من المرور فيه . والمشيمة تتكون أيضاً من الخلايا ، فمن أين تستطيع هذه الخلايا معرفة حاجات الجنين ؟ وكيف تفهم نوع الخلايا التي يجب حماية الجنين منها ؟ وكيف تستطيع تمييز وانتخاب المواد التي يحتاجها الجنين من بين ملايين الجزيئات ؟ من الذي أعطى هذا العقل الخارق للمشيمة التي هي عبارة عن مجرد قطعة لحم مكونة من خلايا ؟ لا شك أن الله وحده هو الذي اتخذ جميع الدابير اللازمة لصيانة حياة الجنين ووضع النظم الكفيلة لتحقق هذا في الجسم ، إنه على كل شيء قدير .
يبدأ الجنين بعد مرحلة معينة بأخذ الغذاء والأوكسجين والمواد الأخرى اللازمة لنموه من دم الأم، وللمشيمة التركيب والبنية التي يتحقق بها هذا الأمر، وهي تقوم بوظيفة الجسر في تجهيز هذه المواد وتوصيلها وتبادلها بين الأم وبين الجنين، فلقد خلقت المشيمة لمواجهة وتلبية حاجات الجنين النامي ومتطلباته .
هذه المشيمة مملوءة بأوعية دموية لينة تقوم من خلال نفاذها من بين خلايا ترفوبلاست بنقل المواد الغذائية إلى الجنين .
صورة للطفل داخل بطن الأم صورت بالأمواج فوق الصوتية
تقوم المشيمة أولاً بنقل جميع المواد الغذائية الآتية من الأم والأوكسجين والمعادن الضرورية (كالحديد والكالسيون ) إلى الحبل السري ومنه إلى الشعيرات الدموية للجنين . ولا تكتفي المشيمة بنقل الأغذية الضرورية للتمثيل الغذائي للجنين، بل تقوم باختيار الأغذية اللازمة لتكوين الأنسجة الجديدة وتوصلها إلى الجنين
[3]
حيث يجب قيام الجنين باستخدام جميع الأحماض الأمينية من أجل صنع مختلف التراكيب (الدهن والكاربوهيدرات والأحماض النووية .. إلخ ) . وتختار المشيمة هذه المواد من دم الأم، وتنجز ذلك عادة بواسطة حاملات معينة، حيث تقوم بخزنها واستعمال ما تحتاج إليها، ثم ترسل القسم الآخر منها إلى الدورة الدموية للجنين . وبالإضافة إلى الأغذية تمر الأيونات أيضاً من خلال المشيمة . يوجد نوعان من الأيونات مهمان جداً للجنين ويجب خزنهما بكثرة، أحدهما أيونات الحديد، فهي ضرورية لزيادة حجم الدم، والأخرى أيونات الكالسيوم، وهي ضرورية لنمو العظام . ويتم نقل هذه الأيونات بصورة متلاحقة ومستمرة، فإن كان مقدار الحديد الذي تأخذه الأم قليلاً قامت المشيمة بامتصاص المقدار الضروري لها من الحديد من دم الأم ( مهما كانت النتيجة ) استجابة إلى حاجة الجنين للقيام بحفظه من كل نوع من أنواع المخاطر .
[4]
وتقوم المشيمة بالعملية المعاكسة أيضاً، أي تقوم بجميع فضلات الجنين ونقلها إلى الدم الأم بكل مهارة .
ولا ننسى أن المشيمة التي ننسب إليها أفعالاً مثل " تأخذ" أو " تنقل " أو " تختار " إنما هي عبارة عن نسيج متكون من الخلايا أيضاً، أي أن المشيمة القائمة بكل هذه الأعمال، والتي تعرف حاجة الجنين للحديد وتستطيع سحب ذرات الحديد من بين مواد كثيرة موجودة في الدم وتعرف كيفية استعمالها ... هذه المشيمة ليست سوى نسيج مؤلف من مجموعة من الخلايا، والخلايا المكونة للمشيمة تدرك ما تحتاجه من المواد وتستطيع اختيارها .
إن معرفة خلية من الخلايا لنوعية ذرة ما أعجوة كبيرة بلا شك. وبجانب معرفتها هذه الذرات فإن قيامها بأخذ هذه الذرات بالمقدار المناسب ونقله عمل خارق وغير اعتيادي، لذا يجب تقييم المعلومات المقدمة حتى الآن والتي سوف يتم تقديمها فيما بعد من زواية هذه النطفة على الدوام .
إن الفعاليات التي تشكل خلق الإنسان موجودة في التصرفات والفعاليات الواعية التي تقوم بها الخلايا والذرات والجزيئات التي تكون هذه الخلايا، ولا يعود هذا الوعي بلا ريب إليها بل إلى الله الذي ألهم كل واحدة منها واجباتها .
وكل التفصيلات التي سنتناولها فيما بعد أدلة واضحة على الخلق .
الواجبات الحيوية الأخرى للمشيمة :
للجبل السري ( الذي يملك بنية حبل طويل يربط الجنين بالمشيمة ) ثلاثة عروق دموية، يدعى أحدها
" العرق الجامع للسرة"وهو ينقل الغذاء والأوكسجين الموجود في الدم من المشيمة إلى الجنين، والعرقان الآخران هما
" العرقان النابضان للسرة "
ويقومان بنقل ثاني أكسيد الكربون وفضلات الغذاء الأخرى من دم الجنين إلى المشيمة .
لا يلتوي الحبل السري على نفسه ولا يلتف ولا يلتف بسهولة، وذلك بفضل تركيبه المرن والمتين . وهذه الخاصية مهمة جداً للحيلولة دون حدوث أي موانع أو عوائق في موضوع نقل الدم، كما أن تركيبه المرن يسمح بحركة الطفل في أنسب شكل .
عندما نتأمل وظائف المشيمة نرى أنها قد تكون أحياناً بمثابة رئة للجنين وأحياناً بمثابة معدة أو كبد وأحياناً بمثابة كلية . ولا تقوم المشيمة بأداء هذه الوظائف على نسق واحد مطرد بل حسب الحاجات المتغيرة للطفل، فمثلاً الأغذية التي يحتاجها الجنين وهو في الشهر الأول وفي الشهر الثاني تختلف عن الأغذية التي يحتاجها وهو في الشهر الثامن وفي الشهر التاسع . ولكن المشيمة تقوم بتعيير هذه الحاجات بشكل متوازن ودقيق وتختار أسهل الأغذية وتقدمها للجنين .
ومن أهم وظائف المشيمة إفراز الهرمونات الضرورية كهرمونات
الإستروجين و البروجستيرون
،
ويقوم الهرمون الأخير خاصة بتنشيط رحم الأم لمساعدة الجنين من الناحية المادية وتكوين أفضل بيئة لنمو الجنين في يسر وراحة، كما يقوم أيضاً بتنشيط الخلايا الحليبية في صدر الأم لتكوين مهيأة للإرضاع عند حلول وقت الإرضاع . وبجانب هذا يقوم هذا الهرمون بالمساعدة في زيادة كفاءة عمليات الأيض في جسم الأم، وبذلك يساهم في بقاء الأم في صحة وفي راحة . إن إفراز هذا الهرمون بشكل كامل وغير ناقص وبالمقدار المطلوب مهم من ناحية جعل الرحم مكاناً آمناً ومريحاً للجنين، وهو مهم أيضاً لولادة الطفل بشكل صحي . كما تقوم هذه الهرمونات بتهيئة رحم الأم للولادة .
وبحانب جميع هذه الوظائف تقوم المشيمة أيضاً في الأشهر الثلاثة الأخيرة من الحمل بزيادة مناعة الجنين ضد الالتهابات المحتملة .
كل ما شرحناه حتى الآن ليس سوى بعض الوظائف التي تقوم بها المشيمة في أثناء نمو الجنين، وكل موضوع من المواضيع التي شرحناها يحتوي على تفصيلات كثيرة ودقيقة إلى درجة لا يتصورها عقل الإنسان، وكل نظام يستند إلى تحقق العديد من الفعاليات والتفاعلات الكيميائية المعقدة. وكل بحث جديد حول نمو الجنين يكشف عن وظيفة جديدة للمشيمة تقوم بها لأجل صحة الجنين ونموه، ولكن توجد صفة مشتركة بين جميع هذه الوظائف وهي قيام المشيمة بربط الجنين مع أمه في تناسق وتلاؤم كاملين . وهذا التلاؤم مهم جداً، لأن أي خلل في أي توازن من التوازنات التي تحققها الآليات الموجودة في جسم الأم سيؤدي إلى استحالة بقاء الجنين حياً.
لا شك أن قيام نسيج من الأنسجة يتألف من مجموعة من الخلايا بمعرفة حاجات كائن حي وفهم ما ينقصه وما يلزمه وكيفية إزالة هذه النواقص وإنتاج المواد الضرورية واللازمة وبالمقدار الصحيح واللازم واختيار المواد من الخارج ( وباختصار : القيام بكل هذه الأعمال والفعاليات التي تستلزم شعوراً ووعياً ) ليس أمر نابعاً من المشيمة نفسها ولا يمكن أن يكون كذلك . ولو طلب من إنسان القيام بهذه الوظائف والفعاليات لاستحال عليه ذلك ولعجز عنه، فمن المستحيل على أي شخص لم يتلق تعليماً وتدريباً طبيين معرفة حاجات الجنين في كل لحظة واتخاذ التدابير اللازمة حسب هذه الحاجات واختيار المواد الضرورية وسحب الفضلات التي يخلفها الجنين، بل يستحيل حتى على الشخص المتدرب طبياً القيام بهذه المهمات ليل نهار دون أي راحة أوتوقف ودون أي قصور أو خلل.
ولكن المشيمة ( التي هي عبارة عن قطعة من النسيج ) تستطيع إنجاز جميع هذه الوظائف المهمة دون أي خلل دون أي نقص . وفوق ذلك فإن المشيمة تقوم بهذه الفعاليات والأعمال الواعية وبكفاءة عالية منذ آلاف السنوات وعند مليارات من النساء اللاتي عشن حتى الآن . ولاشك أن هذا الكمال في بنية المشيمة وأعمالها الواعية هذه ليست إلا نيتجة خلق الله لها بهذه المواصفات والخصائص وإدِّعاء العكس خروج من من دائرة حدود العقل . إن الله تعالى بهذه التصاميم الرائعة التي خلقها في جسم الإنسان إنما يعرض أمام أنظارنا صعنته التي لا مثيل ولا نظير لها، ويأمرنا في آياته أن نتفكر ونتأمل هذه الحقائق :
قال تعالى:
(رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً) (مريم:65).
وعند قراءة المواضيع القادمة يجب ألا ننسى نقطة مهمة، وهي أننا لا حظنا ـ في الأمثلة المقدمة حتى الآن ـ أن الذي يقوم بجميع هذه الأعمال ضمن مخطط مرسوم، والذي يقوم بتغيير وظيفته عندما يحين وقت معلوم، والذي يعرف متى يتوقف، والذي لا يترك موضع وظيفته عندما يحين وقت معلوم، والذي يعرف متى يتوقف، والذي لا يترك موضع وظيفته، والذي يعمل ضمن كادر جماعي والذي يستطيع أن يختار حسب الحاجة، والذي ينتج المواد اللازمة في اللحظة المناسبة .. كل هذه الأعمال الباهرة تنجز من قبل الخلايا الموجودة في الجسم، وكما سنستعرض بالتفصيل في الصفحات القادمة، فهناك عقل واضح في تصرفات هذه الخلايا وفي فعالياتها، ولا يمكن أن يكون هذا العقل راجعاً لهذه الخلايا، كما لا يمكن أن تكون للخلايا (المتكونة من ذرات لا حياة فيها ولا شعور ) خصائص التفكير والقدرة على اتخاذ القرارات، إن هذه المعجزات دليل على خلق الله عز وجل، ويجب ألا ننسى هذه الحقيقة أبداً لأنها وسيلة لشهور القدرة اللانهائية لله تعالى