تأملات إسلامية في مشاكل بيولوجية(2)
الناقل :
mahmoud
| الكاتب الأصلى :
د/ حسين رضوان
| المصدر :
www.55a.net
خلاصة قضية الاستنساخ
قد لاحظ العلماء منذ عهد قريب حقيقة بيولوجية هي : أن الجنين يبدأ بخلية واحدة تسمى خلية الزيجوت أو النطفة الأمشاج ، ومعنى نطفة قليل من سائل أو قطرة حرة الحركة ، ومعنى أمشاج أخلاط فيكون معنى (النطفة الأمشاج) هو شيء سيال حر الحركة مكون من أخلاط وهذه الأخلاط هي محتويات الحيوان المنوي + محتويات البويضة وهذا هو الزيجوت الأول أو الخلية الأولى التي تنقسم داخل أنبوب الرحم فتصبح مجموعة من الخلايا المتشابهة تماماً على هيئة كرات صغيرة متجمعة كل كرة عبارة عن خلية فيها كل صفات الخلية الأولى (الزيجوت) بمعنى أن كل خلية يمكن اعتبارها تكرار أو نسخة مكررة من الزيجوت أو الخلية الأمشاج الأولى وفيها كل صفات الكائن ، بمعنى أنها لو فصلت من المجموع لأعطت كائن كامل لا نقص فيه ، وبعد أيام تكون قد وصلت إلى تجويف الرحم وعند ذلك تكتسب خاصية العلوق فتتعلق بجدار الرحم ثم تنمو منه في طور يشبه دودة العلق ومن هذه المرحلة يبدأ تمايزها فتظهر عليها أولاً تغضنات مرتفعات ومنخفضات فتشبه قطعة اللحم الممضوغ ويتوالي تمايز الخلايا فتظهر خلايا العظام والعضلات وغيرها من الخلايا المختلفة وقد وصف القرآن ذلك في إعجاز مبهر وقبل أن يعرف العلماء تلك الأسرار بأكثر من ألف عام يقول سبحانه
)
ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين
(
وكان هذا الوصف العلمي لمراحل الجنين دليلاً علمياً عالمياً على صدق الرسالة وصدق الرسول وعالمية الدعوة .
وقصة الجنين تنتهي بتمايز الخلايا إلى خلايا جلد وخلايا عظام وعضلات وخلايا مخ ودم وغير ذلك ، وتبدو كل خلية لها صفة محدودة تحكمها وكأنها أخذت من الصفات الكلية الجزء الخاص بها فقط .
ولكن المفاجأة البيولوجية الحديثة أن العلماء اكتشفوا أن كل خلية متمايزة (متخصصة) تحمل في نواتها كل صفات الكائن الحي بمعنى أن خلية الجلد أو العظام مثلاً فيها صفات الجلد والعظم والمخ والدم وكل شيء بحيث تحمل كل خلية كل صفات الكائن الذي تنتمي إليه من البداية إلى النهاية ، ولكن بعض الصفات في حالة كمون والأخرى في حالة نشاط ، وبمعنى آخر أن نواة كل خلية متخصصة هي نسخة مكررة لنواة النطفة الأمشاج أو الزيجوت بمعنى أن الصفات داخل خلية العظام مثلاً صورة طبق الأصل للصفات داخل النطفة الأمشاج الأولى (الزيجوت) وينطبق ذلك على كل خلية متخصصة ما عدا الجنسية.
وهنا سأل العلماء هذا السؤال :
ماذا لو هيئنا لهذه الأنوية الناضجة أو المتخصصة ظروف تشبه ظروف الزيجوت أو النطفة الأمشاج الأولى وذلك بوضع نواة خلية جلد مثلاً بدلاً من نواة بويضة من نفس النوع وتهيئة الظروف والأحوال لحياتها؟
وكانت المفاجأة أن هذه الخلطة أو هذا (المشج) نتج عنه خلية مطابقة تماماً لخلية (الزيجوت) أو للنطفة الأمشاج التي بدأ منها تخليق الجنين وعندما نقلت إلى الرحم قبل مرحلة العلقة تعلقت به وتتابعت بعدها أطوار الجنين من علقة إلى مضغة إلى غير ذلك حتى نشأ حيوان كامل مصابق لصفات الكائن الذي أخذ منه ، وهذه هي قضية الاستنساخ التي قام بها بعض العلماء فقامت الدنيا ولم تقعد ووقف بعض العلماء يلعنون من قام بها ويطالبون بالحرمان والقصاص مع أن العلماء لم ولن يخلقوا كائن حي ،
وكل ما عملوه أن أخذوا مخلوقاً لله (نواة خلية) ووضعوها في مخلوق لله (سيتوبلازم بويضة) في عملية خلط ونقلوها بعد ذلك إلى رحم مخلوق لذلك ومنها بدأت مرحلة الجنين كالمعتاد وهي أبحاث محدودة على الحيوانات ولم تُجر على الإنسان ، ولو فرض جدلاً أنها نجحت على إنسان (بمشيئة الله) في لن تعني خلق بل هي فقط (جعل) بمعنى تصيير أو نقل (نطفة أمشاج) إلى رحم معد لها مجرد (جعل) أما مراحل تخليق الجنين بمعنى (خلق) إحداث من العدم فهي من شئون الخلاق العليم .
ولو درس العلماء إعجاز القرآن المتمثل في الآية 14 سورة المؤمنون لاستراحوا وأراحوا فهيا بنا مع كلام الله الخالد الباقي المحفوظ ومعجزته العالمية لنحسم القضية ونستريح فيها .
)
ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين
(
نلاحظ هنا أن الحق سبحانه استخدم مع مرحلة النطفة (الأمشاج) الفعل (جعل) ومع بقية المراحل الفعل (خلق) ، ومعنى
)
ثم جعلناه نطفة في قرار مكين
(
أي صيرناه أو نقلناه إلى مكان مخلوق لله ليتم فيه عملية التخلق ألا وهو الرحم ، وسواء نقلت النطفة بالطريق المعتاد بحقن الذكر للسائل المنوي ليلتقي بالبويضة في أنبوب الرحم أو حتى في أنبوب المعامل فالفكرة واحدة تنتهي بتكون النطفة الأمشاج التي تنقل بعد ذلك أو تصير إلى داخل رحم معد لها ، وكل ذلك يدخل تحت الفعل (جعل) ، وأما بقية المراحل والتي تبدأ بتعلق الجنين في الرحم أي مرحلة العلقة فهي مراحل يتم فيها خلق أحداث لم تكن موجودة وهذه الأحداث المخلوقة هي التي توجه الخلايا الجنينية المتشابهة تماماً للتمايز والتخصص مرحلة من بعد مرحلة في خط يتصاعد إلى خلق كائن متكامل بأجهزته وتراكيبه المتخصصة والمعقدة والمتداخلة ، ولذلك أخذت هذه المراحل في القرآن الفعل (خلق) .
وكأن الحق - والله أعلم بمراده_ قد أعطى الضوء الأخضر لأبحاث التلقيح الصناعي وطفل الأنابيب وغير ذلك من خلال الفعل (جعل) مع مرحلة النطفة والذي معناه نقل أو تصيير مخلوق لله وهو النطفة المذكر أو المؤنثة أو الأمشاج ، نقلها إلى مستقرها ومكان تخلقها ، مجرد عملية نقل ، أما مراحل خلق الأحوال فيها مرحلة بعد مرحلة فهذه شأن من شئون الخالق لا دخل لمخلوق فيها ولذلك أخذت الفعل (خلق) في الآية .
وهذا منتهى الإعجاز وحل الإشكال من الناحية التي تمس العقيدة ، أما ناحية سوء استخدام النتائج العلمية فهي قضية أخرى تخضع لتقنين المشرع على ضوء من شرع الله في حلاله وحرامه وهذا عمل الفقهاء .
ملحق الآيات والأحاديث
1-
خلق أفعال العباد
:
جاء في كتاب خلق أفعال العباد للإمام البخاري :
قال صلى الله عليه وسلم ( إن الله يصنع كل صانع وصنعته ) ، وعن حذيفة رضي الله عنه ( إن الله خلق كل صانع وصنعته ) .
وقال أبوعبد الله محمد بن إسماعيل : سمعت عبد الله بن سعيد يقول : سمعت يحيى بن سعيد يقول : ما زلت أسمع من أصحابنا يقولون : إن أفعال العباد مخلوقة قال أبو عبد الله : ( حركاتهم وأصواتهم واكتسابهم وكتابتهم مخلوقة … ) وكلها بأسانيد صحيحة .
2- الزوجية آية من آيات الله :
)
والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة
(
72 النحل
)
ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون
(
21 الروم .
3-
خلق بلا تزاوج
:
إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ [آل عمران : 59].
)
قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسسني بشر ولم أكن بغيا * قال كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمراً مقضيا
(
20،21 مريم
)
أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوماً أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحماً فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير
(
259 البقرة
)
وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم
(
260 البقرة
4-
أحاديث عجب الذنب
:
أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة عن الرسول صلى الله عليه وسلم ( ليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظماً واحداً وهو عجب الذنب ومنه يركب الخلق يوم القيامه ) وقال أيضاً : (ثم يُنزل الله من السماء ماءاً فينبتون كما ينبت البقل )
وأخر ج الإمام مسلم في صحيحه مثله قال : ( إن في الإنسان عظم لا تأكله الأرض أبداً فيه يركب يوم القيامة قالوا : أي عظم هو يا رسول الله ، قال: عجب الذنب ) وأخرجه ابن حبان في صحيحه وكلها عن أبي هريرة إلا حديثاً واحداً عن أبي سعيد الخدري يرفعه إلى النبي
r
قال فيه: ( يأكل التراب كل شيء من الإنسان إلا عجب ذنبه ، قيل : وما هو يا رسول الله ؟ قال : مثل حبة خردل منه ينشأ ) .
الجنس أو الزوجين الذكر والأنثى
يقول (ستيف جونز) وهو من علماء الجينات والبيولوجي يقول في كتابه الشهير (لغة الجينات) :
ما الجنس ؟ كيف يعمل ؟ هذه في البيولوجيا هي أكبر المشاكل التي لم تجد لها حلاً حتى الآن ، لا بد أن يكون الجنس مهماً وإلا لما كان هكذا مكلفاً . فإذا كانت سمة كائنات تكتفي بجنس واحد ، بحيث يمكن لكل أنثى أن تنتج نسخاً من نفسها ، فلماذا إذن يزعج الكثير منها نفسه بالذكور؟ فالأنثى التي تستغني عنهم ستنجب من البنات ضعف ما تنتجه في وجودهم ، ثم أن البنات سيحملن كل جيناتها لكن الأنثى كجنس ثان تبدد وقتها كي تجد الزوج أولاً فإذا وجدته فستنجب أبناء ذكوراً لا يحملون إلا نصف مورثاتها ، لا نعرف حتى الآن بيقين سبب وجود الذكور ، ثم إذا ما كان من الضروري وجودهم ولماذا يوجد منهم كل هذا العدد .
ويقول أيضاً : وتعريف الجنس أمر بسيط هو :
إنه طريقة لإنتاج أفراد يحملون جينات من أكثر من خط سلفي ، يجب أن تجتمع في كل جيل معلومات وراثية من أسلاف مختلفين . ففي الكائن اللاجنسي يكون لكل فرد أم واحدة ، وجدة واحدة ، وأم جدة واحدة وهكذا في سلسلة لا تنقطع من التتابع المباشر إلى أن تصل إلى الأم الأولى التي يبتديء بها النسب .
أما الكائنات الجنسية فتختلف : فعدد الأسلاف يتضاعف في كل جيل ، لكل فرد أبوان وأربعة أجيال وهكذا .
هذا هو الجنس أما تفهم السبب في وجوده فهذا أمر أكثر صعوبة ، سمة نظرية تستدعي الطفرات، عن السبب في ألا تكون الحياة أنثى . فإذا ما حدث بكائن لا جنسي تغير في
D.N.A
فستحمله كل سلالته دون استثناء مهما كانت درجة ضراوته وبمرور الوقت سيظهر خطأ آخر مؤذي في جين آخر في خط العائلة مما يؤدي إلى التدهور والبلى والانهيار في النهاية .
أما الكائن الجنسي فيمكنه التطهر من الطفرة الجديدة (الضارة) بتمريرها إلى بعض سلالته دون الآخر ثم يقول :
قام العلماء بمحاولات كثيرة بتبرير وجود الذكور فبينوا أن الكائنات التي استغنت عن الذكور تواجه المشاكل فكل النباتات اللاجنسية تقريباً لا تستخدم إلا عدداً محدوداً من السنين ، ثم تصبح مثقلة بالأخطاء الوراثية حتى لتعجز عن الاستمرار في الحياة ، أو هي لا تستطيع أن تستمر في السباق التطوري مع طفيلياتها ، وضرب مثلاً لنبات لا جنسي وهو البطاطس فقال :
وقعت مجاعة البطاطس في أيرلنده لأن كل ما كان يستخدم منها كان ينتمي إلى صنف لاجنسي قديم سرعان ما تدهورت حالته فتغلبت عليه الفطريات وأبادته .
ولكن وجود الجنس يحل هذه المشاكل المدمرة للنوع لأن الجنس يعني أن تظهر مخاليط جديدة من الجينات طول الوقت مع عملية التمازج بين كروموزمات الأبوين في النسل . في كل جيل يظهر أفراد ناجحون يحصلون على قدر مؤات من الطفرات بينما يرث آخرون مجموعة أقل مؤاتاه ، يفسلون في تمريرها إلى نسلهم ، وقد عبر برنارد شو عن هذا في جملة تعتبر دقيقة بيولوجياً . فعندما سألته أحد الممثلات إذا كان من الممكن أن تتزوجه لتنجب منه طفلاً له جسدها وعقل (شو) فأشار (شو) إلى خطر أن يكون للوليد عقلها التافه وجسمه هو .
فالجنس هو وسيلة ملائمة لتجميع الأفضل والتخلص من الأسوء .
بعد هذه الجولة مع ذلك العالم الكبير نقول :
أن الفكر المادي الذي وقع ذلك العالم في أسره جعله في حيرة عن سبب ظهور الزوجين الذكر والأنثى وكيفية هذا الظهور مع وجود الشواهد العلمية التي تدل العقول على أهمية الزوجية من الناحية البيولوجية وهي تقوية الأمشاج (أخلاط الكروموزومات أو المورثات) والتي ينتج عنها نسلاً قوياً .
فهيا بنا مع القرآن وعلوم الإسلام لنتعرف على سر زوجية الذكر والأنثى :
يقول الحق سبحانه
)
يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء
(
(1) النساء .
ويقول أيضاً :
)
والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ….
(
(72) النحل .
ويقول سبحانه :
)
يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير ) (13) الحجرات
وهذه الآيات البينات تشير إلى زوجية الذكر والأنثى التي كانت بداية نشأة هذه الأنواع المتعددة من البشر شعوباً وقبائل بمختلف أجناسها وأشكالها ، ولكن السؤال هنا هو :
ما السر في هذه البداية الزوجية (ذكر وأنثى) ولماذا لم تكن البداية غير زوجية بمعنى أنها تكون من نوع واحد (أنثى مثلاً) ؟
علماء البيولوجيا لا يعرفون الإجابة الشاملة عن هذا السؤال الهام ، ولكن القرآن وعلوم الإسلام يمكن أن يقدم إجابة علمية متكاملة عن هذا السؤال الهام كما يأتي :
يقول الحق في سورة الإنسان آية (1،2)
:
)
هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً * إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً
(
والأمشاج هنا تعني النطفة التي نشأت نتيجة اندماج محتويات النطفة المذكرة مع النطفة المؤنثة ، والتعبير بأمشاج تعبيراً معجزاً ؛ لأنه يشير إلى حقيقة بيولوجية اكتشفها العلماء حديثاً وهي أن محتويات النطفة المذكرة تختلط بمحتويات النطفة المؤنثة ثم بعد ذلك تذهب بعض أجزاء من النطفة المذكرة لتتبادل مع أجزاء مقابلة لها في النطفة المؤنثة في عملية تداخل واتحاد وليست مجرد خلط بسيط بحيث تتكون في النهاية حالة أو هيئة من الكروموزومات (حاملات الصفات الوراثية) المكونة من عناصر من الأب تداخلت مع عناصر من الأم وفي ذلك كما لاحظ علماء الجينات تقوية للنسل وخصوصاً عندما يتم المشج بين أفراد متباعدون في القرابة من الشعوب والقبائل .
وفي السنة شرحاً لذلك ، ففي الفقه في فضائل باب النكاح نجد ما يأتي :
1- قال رسول صلى الله عليه وسلم (( تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس )) ، ويرى بعض الباحثين أن مفهوم العرق هنا من جوامع الكلم التي تشمل (الكروموزومات) حاملات الصفات الوراثية .
2- أن تكون المرأة أجنبية أي ليست قريبة للخاطب هذا وقد استدل علماء الشافعية والحنابلة على أن الأولى عن الزواج بالقريبة بالأدلة الآتية :
أ- ما ورد في الأثر : ( ولا تنكحوا القرابة القريبة ، فإن الولد يخلق ضاوياً) (ضعيفاً)
ب- كما ورد في الأثر أيضاً : ( اغربوا ولا تضووا ) أي تزوجوا بالأباعد حتى لا يضعف نسلكم .
ج- ولأن التزوج بالأجنبيات فيه نجابة للأولاد وقوة لأبدانهم فقد روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لبني السائب : ( قد أضويتم فانكحوا الغرائب ) بمعنى لقد ضعف نسلكم بسبب إصراركم على نكاح الأقارب ، إذن لولا الأمشاج التي كانت بسبب خلق الجنسين (الذكر والأنثى) لولاها لضعف النسل مع مرور الأيام ضعفاً متزايداً ولأدى ذلك في النهاية إلى تدمير الجنس البشري وهذا هو السر البيولوجي لزوجية الذكر والأنثى .
لكن القرآن لا يكتفي بهذا الجانب من القضية بل يقدم امتدادا لها من خلال الآية (21) من سورة الروم التي يقول الحق فيها :
)
ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون
(
.
فبالإضافة إلى الأهمية البيولوجية لأمشاج الزوجية بين الذكر والأنثى فإن فيهما آيات أخرى منها : أن العقل المفكر يقول أنه إذا كانت بداية الإنسان ذكر مثلاً أو أنثى فكان من المفروض أن يستمر هذا الجنس كما هو حتى ينقرض أو يتكاثر بطريقة لا جنسية ، ولكن عندما نجد له مقابل يحقق هدف وغاية هي التزاوج الذي ينتج من أمشاجه نسلاً قوياً بالإضافة إلى السكينة والاستقرار النفسي والمودة والرحمة بين الأزواج مما يتحقق معه القيمة الراقية للإنسانية فإن ذلك يشكل آيات تدل العقل على وجوب وجود خالقاً بارئاً مصوراً حكيماً عليماً رحيماً كان بفضله كل هذه الآيات .
وفي النهاية نذكر قضية علمية تسببت في إثارت أسئلة هامة تمس العقيدة وهي :
لقد تمكن العلماء من تحديد أن جنس الذكر والأنثى بسبب أن الحيوانات المنوية أو النطفة المذكرة تنقسم إلى نوعين : نوع يحمل صفة الذكورة ، والنوع الآخر يحمل صفة الأنوثة ، ثم تواترت الأخبار العلمية على أن العلماء يمكنهم أن يفصلوا بين الحيوانات المنوية التي تحمل صفة الذكورة عن تلك التي تحمل صفة الأنوثة بحيث يمكن للأب أو الأم أن تختار جنس المولود فتنجب ذكوراً أو إناثاً كما تشاء ، وهنا ظهر تلبيس إبليس الذي أوحى إلى أولياءه ليتساءلوا إذا كان بمقدرة العلماء أن يهب الذكور أو الأناث لمن يطلب فما بال الآية (49.50 ) من سورة الشورى التي تقول
)
لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور * أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً إنه عليم قدير
(
.
أقول وبالله التوفيق : قبل أن نرد على هذه التساؤلات الماكرة أحب أن أبين أن العلماء رغم تقدمهم في مجال التعرف على جنس الحيوان المنوي ما إذا كان يحمل صفات الذكورة أو الأنوثة ولكن الفصل التام لنوعي الحيوان المنوي غير متحقق عملياً مما يجعل احتمال اختلاط الأنواع وارداً ، وأيضاً قد يفصل نوع الحيوان ولكن يفشل في عملية الإخصاب ، وحتى إذا تم الإخصاب بالحيوان المطلوب فإن هناك عوامل هرمونية خاصة بالأم أو بالجنين يمكن أن تعطل التعبير الوظيفي لجنس الجنين فقد يصبح الجنين خنثى حتى ولو كان من أصل حيوان منوي مذكر وغير ذلك من المعوقات الكثير والذي تعرف عليها العلماء الراسخون في العلم.
وعلى العموم فحتى لو نجح العلماء في الوصول إلى أهدافهم فإن القاعدة الشرعية الراسخة والتي تقول بأن الله خالق الصنعة والصانع والمصنوع وكل شيء يتم بمشيئته وإرادته فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ، فالعلماء وعقولهم وأعضائهم وأفعالهم بل والأدوات التي يستخدمونها والمخلوقات الحية التي ينقلونها كلها مخلوقة لله .
ونعود إلى الآية المذكورة سابقاً فنقول للمتسائل المشكك مهلاً فإنك لم تفهم الحكمة التي من وراء هذه الآية المعجزة :
فالآية لا تعني عمليات محدودة تخص قليلاً من الذكور أو قليلاً من النساء بل تعني نظاماً حكيماً يشمل الأرض كلها من أقصاها إلى أقصاها وهي بذلك تشير إلى عملية توزيع الذكور والإناث على مستوى الأرض جميعاً بحيث يتحقق منه التوازن الذي تستقيم معه الحياة ، ولشرح ذلك نضرب هذا المثل :
هب أن العلماء استطاعوا أن يصلوا إلى تقنية تمكنهم من أن يجعلوا كل سيدة أو كل رجل يمكنه أن يتحكم في جنس الجنين الذي يحب أن يكون له ، وهب أن أغلب البشر قد اختاروا أن ينجبوا ذكوراً على مستوى الأرض جميعاً فماذا ستكون النتيجة ؟ إن النتيجة الحتمية أن الأيام ستدور وسوف لا يبقى إلا الذكور الذين سينقضي أجلهم فيكون في ذلك فناء للبشرية جمعاء ، وقس على ذلك في النساء ، وحتى لو كان عدد الذكور المختارين يشكل نسبة 80% مثلاً فإنهم سيقتتلون ويذبح بعضهم بعضا في مذبحة عالمية تهلك الحرث والنسل حتى يفوز واحد منهم بالأنثى وهذا منتهى الفوضى والخراب .
فليست القضية مجرد الوهب العشوائي للذكور والإناث ، ولكن القضية هي تقدير نسبة الذكور والإناث على مستوى الأرض جميعاً في كل مكان وزمان بحيث يتحقق التوازن والاستقرار وهذا لا ينبغي إلا لله سبحانه وتعالى ولذلك جاءت نهاية الآية (إنه عليم قدير) ففي القضية علم وفيها قدرة لا تكون إلا للخالق الباريء المصور العليم القدير سبحانه وتعالى ولا حول ولا قوة إلا به .
وهذا التلبيس من إبليس يذكرنا بما حدث من تشكيك بعد أن اكتشف العلماء جهاز الكشف بالأشعة فوق الصوتية والذي مكنهم من اكتشاف نوع الجنين وكذلك عندما تقدمت أبحاث الهندسة الوراثية وتمكن العلماء من أخذ عينة من الجنين في بطن أمه لمعرفة جنسه والأمراض التي يمكن أن يحملها ، فقال المشككون ها هو العلم قد علم ما في الأرحام مع أن القرآن يقول :
)
ويعلم ما في الأرحام
(
مخصصاً ذلك العلم لله سبحانه . ونرد على ذلك بقولنا :
إن لله علم وللإنسان علم ، ولله قدرة ، وللإنسان قدرة ، وكما أن قدرة الإنسان لا تقارن بقدرة الله لأنها قدرة ضيقة محدودة وهبها الله إليه من باب التكليف على حسب طاقته الضعيفة وكذلك علم الله لا يقارن بعلوم المخلوقين فعلم الله شامل كامل غير محدود يليق بكمال الله وعظمته وعلينا عندما نناقش هذه القضايا أن نضع كل ذلك في الاعتبار ، فإذا كان علم البشر قد مكنهم من معرفة بعض الظواهر العلمية داخل بعض الأرحام فإن هذا علم محدود وقاصر ولكن علم الله يشمل العلم الشامل الكامل بكل شيء من الذرة إلى التركيبات الأعقد في كل الأرحام في أي زمان ومكان وفي كل لحظة ويكون علمه علماً شاملاً كاملاً بل ويشمل ذلك العلم بما إذا كان الطفل سيكون بعد ذلك سعيداً أو شقياً وغير ذلك من الأمور التي لا يعلمها إلا هو .
الهندسة الوراثية
الهندسة الوراثية
:هي التقنية التي تتعامل مع الجينات أو الوحدات الوراثية المتواجدة على الكروموزومات فصلاً ووصلاً وإدخالاً لأجزاء منها من كائن إلى آخر بغرض إحداث حالة تمكن العلماء من معرفة وظيفة (الجين) أو بهدف الحصول على طبعات كثيرة من نواتجه أو بهدف استكمال ما نقص منه في خلية مستهدفة .
ولشرح ذلك نقول : بعد أن عرف العلماء طبيعة ووظيفة الصبغيات أو الكروموزومات وهي أجسام صغيرة جداً لا ترى بالعين وتوجد داخل كل خلية ، وهي مكونة من أشرطة مسجل عليها صفات الكائن المادية ، وهذه الأشرطة تسمى الجينات .
الشكل التالي يبين شكل الكروموزومات في الخلية
وتقدم العلم فاكتشف أن هذه المورثات أو حاملات الصفات ما هي إلا سلم مزدوج من مادة تسمى
D.N.A
الحمض النووي المعروف الآن بحامل الشفرة الوراثية
وبعدها درس العلماء خصائصه وتعرفوا عليها ، فماذا وجدوا ؟ لقد وجدوا ما يأتي
1- أن
D.N.A
هو حامل الشفرة الوراثية .
2- أن الصفات التي يحملها تترجم منه إلى بروتينات تتجسد على هيئة الصفة المطلوب تنفيذها .
3- أن كل خيط يمكن أن يكون قالباً يتكون عليه خيط جديد يتزاوج معه مستخدماً وحداته البنائية من السيتوبلازم .
4- أنه يمكن قطع ووصل هذا اللولب المزدوج بوسائل تقنية متعددة وفي أماكن مختلفة . كما يمكن بسهولة فصل زوجي اللولب .
5- أنه يمكن قص ولصق قطعة منه من مكان لآخر .
6- أن تغييراً أو تدميراً يشوه هذا النظام يؤدي إلى : إما نتيجة قاتلة للكائن أو حالة مرضية مترتبة على تعطل صفة من صفاته والتي تختلف من حيث أهميته
7- إن تركيب
D.N.A
ومكوناته هي [ سكر ، وأدنين ، وفوسفات ] وهذه التركيبة مشتركة في جميع الكائنات من الفيروس إلى الفيل .
وهذه الملحوظات فتحت الطريق أمام العلماء لمزيد من التجارب من خلال إدخال وإخراج أجزاء من هذه الشفرة الوراثية ومن خلال قطع ووصل أجزائها بل ومحاولة إدخال أجزاء من
D.N.A
لكائن معين إلى أجزاء من
D.N.A
لكائن آخر .
ومن خلال ذلك انفتحت الأبواب أمام علوم ما يسمى بالهندسة الوراثية
، فقد تمكن العلماء من إدخال جينات (مورثات) من حيوان إلى بكتريا ، بل ومن إنسان إلى بكتريا أو حيوان ، وكانت المفاجأة المذهلة أن البكتريا المطعمة بالجين الغريب أخذت في الانقسام لتنتج طبعات كثيرة من هذا الجين أُمكن من خلالها دراسته دراسة مستفيضة ، بل وأُمكن من خلال إدخال جينات - قطع حاملة لبعض الصفات - معينة من الإنسان إلى الحيوان أن نحصل على نواتج ذلك (الجين) بكميات كبيرة من خلال ألبان هذا الحيوان .
وأُمكن من خلال هذه الهندسة الحصول على الأنسولين البشري وعامل التجلط البشري بل وعوامل إذابة الجلطة ، وعامل النمو البشري بكميات كبيرة ما كان للإنسان أن يصل إليها أبداً من مصادرها .
وسنضرب لذلك الأمثلة التالية :
جاء في مجلة العلوم الأمريكية مجلد 13 عدد 4 أبريل 1997 (ترجمة الكويت) جاء ما يأتي :
في عام 1981 أوضح (
W.J
كوردن ) وزملاؤه في جامعة يال : أن الجنين المخصب لفأر يستطيع أن يدمج مادة جينية غريبة (
D.N.A
) في صبغياته (مورثاته) وبعدها جاء علماء من جامعة (أوهايو) الذين برهنوا أن الجين (وهو قطعة من
D.N.A
تحمل رموزاً لبروتين معين المأخوذ من الأرنب يمكن أن يؤدي وظيفته في الفأر بعد حقنه في جنين فأر وحيد الخلية ) وكان من المدهش أن لاحظ العلماء أن
D.N.A
الغريب والمحقون من خلايا الأرنب إلى خلايا الفأر سرعان ما يتكامل مع صفات الفأر ، ويحتمل أن تكون الخلية ميزته على أنه قطعة مكسورة من
D.N.A
الخاص بها والذي يحتاج إلى ترميم .
وفي 1987 ظهر اكتشاف هام آخر يتعلق بالحيوانات المحورة جينياً ، فقد قام مجموعة من العلماء بابتكار وسائل لتنشيط الجينات الغريبة في الغدة الثديية للفأر كان من نتيجتها تكوين جزيئات بروتينية غريبة وإفرازها في حليب الفأر المحور جينياً .
وتمخضت هذه الأبحاث الفذة على إمكان إنتاج البروتين البشري (منشط البلازمينوجين ) من خلال إدخال الجين البشري حامل هذه الصفة في الخلايا المنتجة للبن في حيوان مختار ، لتكون النتيجة أن يخرج هذا البروتين بكميات كبيرة في لبن الحيوان لاستخدامه كوسيلة للعلاج في حالة نقص هذا البروتين في المرضى من البشر .
وقد طبقت هذه التقنيات في إنتاج بروتينات علاجية هامة مثل البروتينات المانعة للنزيف والمانعة للتجلط ، ومن قبل أُمكن تخليق الأنسولين البشري من خلال إدخال جين بشري حاملاً لصفته داخل بكتريا معينة .
وواكب هذه الاكتشافات المبهرة حملة إعلامية عارمة لعب فيها الخيال العلمي دوراً مؤثراً على عقول عامة المثقفين وضعت علامات استفهام أمام الفكر الديني المستنير ، فقد تناقلت أجهزة الإعلام أخبار عن إمكان أن يتقدم الآباء أو الأمهات بطلبات إلى العلماء للحصول على أطفال لها موصفات معينة في الشكل واللون والذكاء والقدرة الجسمانية أو العقلية ، بل وذهب الخيال العلمي إلى إمكان إدخال جين (صفة) التمثيل الضوئي من النبات الأخضر إلى الأجنة البشرية للحصول على الإنسان الأخضر الذي يمكن أن يستخدم أشعة الشمس وثاني أكسيد الكربون من الجو للحصول على غذائه وطاقته ، وبذلك لا يصبح هناك أي مشاكل اقتصادية لها علاقة بالغذاء … .
وإذا كان ذلك كذلك فإن أسئلة هامة لا بد وأن تثار كالآتي :
1- هل يعتبر ذلك تدخلاً في شأن من شئون الله ؟ .
2- هل يعتبر ذلك تعديلاً لخلق الله إلى الأفضل ؟ .
3-
هل يعتبر ذلك دليلاً على صدق النظرية المادية البحتة ؟ هل وهل وهل
.
قبل أن نرد على هذه الأسئلة لا بد وأن نبين للعقل المفكر أن هذه الأسئلة زائفة أصلاً وباطلة عقلاً لأنها لا تعتمد على حقائق بل تعتمد على خيال وأوهام وضلالات كيف ؟
سأستعير الإجابة من كلام علماء الهندسة الوراثية والذين يعملون في هذا المجال كما يأتي :
يقول (إيرفين شار جاف) أحد مؤسسي علم البيولوجيا الجزيئية : إن اللعب في الجينات يعرضنا للخطر .
ويقول ( وليام بيتز ) عالم الهندسة الوراثية وصاحب مؤلف الهندسة الوراثية للجميع : " إن وظيفة معظم ما نحمله من
D.N.A
لا يزال سراً والحقيقة أن معظمه يبدو بلا فائدة ، وأن 90% من بعض أطوال الجينات لا يحمل معلومات ، ويقول أيضاً : أن علماء البيولوجية لا يعلمون إلا القليل جداً من معضلة أسرار الجينات ، وأن العلماء إذا أدخلوا جيناً (صفة) في خلية مستهدفة فسيواجه هذا الجين المدخل أحد مصيرين :
·
إما أن يلتحم ب (
D.N.A
) الموجود فعلاً في الخلية أو يظل منعزلاً عنه كمقطع مستقل ، والعلماء لا يستطيعون أن يحددوا ماذا سيحدث بل كل ما يعملوه هو أن يقوموا بإلقاء الشفرة الوراثية المأخوذة من كائن في الخلية المستهدفة ، ثم ينتظرون فقد تستطيع الخلية دمجها في المكان المناسب وقد لا تستطيع ولا علم للعلماء بالنتيجة مسبقة ولا دخل لهم في إتمامها الدقيق.
وقد تؤدي بعض تقنيات الهندسة الوراثية المصاحبة للجينات المدخلة إلى الخلية المستهدفة إلى إكساب الخلية صفات سرطانية كما يحدث أحياناً نتيجة استخدام الفيروسات أو مكوناتها لدمج جين معين في خلية حيوانية مستهدفة .
وفي كتاب مستقبلنا الوراثي للجمعية الطبية البريطانية يقول علماء الهندسة الوراثية
إن التحوير الوراثي يستخدم لعلاج الأمراض الوراثية الخطيرة ، أما احتمال أن يستطيع الوالدان في يوم ما طلب أطفال بخصائص معينة فإن هذا ليس أمراً ممقوتاً فحسب وإنما هو أيضاً لا يحتمل قط التوصل إليه .
ونجد في هذا المرجع العالمي أيضاً : والفوائد المباشرة للعلاج الجيني الناجح للخلايا الجسدية قد تكون أمراً واضحاً ، أما التأثيرات المستقبلية وعلى المدى الطويل فهي مما قد يصعب التكهن به ، فمن الممكن مثلاً أن يحدث خطأ في إيلاج الجينات يؤدي إلى تحول الخلية إلى خلية سرطانية مع عدم ظهور السرطان إلا بعد سنين تالية لذلك .
وخلاصة كل ذلك أن حقل الهندسة الوراثية لا يتعدى تسخير البكتريا أو الحيوانات لإنتاج بروتينات تستخدم لعلاج بعض المرضى الذين يعانون من نقص وراثي في هذه المركبات ، بمعنى أن هذه البكتريا أو الحيوانات المستخدمة لإنتاج المطلوب تعويضاً لما فقد من الإنسان ما هي إلا كائنات تسخر لعمل ذلك حتى أن أحد كبار علماء الهندسة الوراثية أطلق على هذه الكائنات المسخرة تعبير (حمير مسخرة للعمل) .
وكذلك عمل العلماء لمحاولة إدخال بعض الجينات المفقودة أو المعطوبة يدخل من باب تسخير هذه الجينات لصالح العودة بها إلى حالتها المفطورة عليها وهو من باب العلاج والتداوي .
وصدق الحق الذي قال :
)
ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض
(
20 لقمان
)
وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه
(
13 الجاثية
وطاعة للرسول في حث الناس على التداوي :
[ تداوا عباد الله
…
] .
ولكن هل يمكن للإنسان أن يلعب في الجينات ويغير فيها بالزيادة أو النقصان أو التبديل ؟
الإجابة : نعم يمكنه ذلك .
فيكون السؤال التالي :
وماذا ستكون النتيجة ؟
الإجابة : هناك وسائل إيضاح شاهدها العلماء في واقع الحياة حيث لاحظوا أن هناك كائنات تحدث لها طفرات أو تغيرات تؤدي إلى حذف أو قطع أو إضافة جينات (صفات ) تخرجها من فطرتها المفطورة عليها إلى حالة مخالفة ، ولقد لاحظ العلماء أن أغلب هذه التغيرات إما قاتلة مدمرة للكائن أو ممرضة له بدرجة لا حل لها .
والإجماع على أن التغير في الخلق المفطور عليه الكائن مخرب أو مدمر أو ممرض حتى ولو بعد حين .
أما عملية التهجين في السلالات الحيوانية والنباتية مثلاً فلا تدخل ضمن قضية التغير والتبديل ، لأن التهجين لا تغيير فيه بل تبقى الصفات في مكانها وعلى هيئتا ولكن يتم مزاوجة صفات من كائن بصفات من كائن من نوعه كما يتم تزاوج مورث يحمل صفة الطول (مثلاً ) مع مورث لا يحملها ليكون الناتج حاملاً لصفة الطول وقس على ذلك .
أما التدخل لتغيير خلق إلى هيئة أخرى كإنتاج إنسان أخضر أو طفل عبقري فهذا من المستحيل عقلاً ونقلاُ :
عقلاً :
لأن العلماء لا يعلمون من أسرار الجينات إلا القليل ، ولأن القضية ليس جين معين بل علاقات جينية متشابكة ومتداخلة في شبكة لا يحيط بها إلا الخالق الباري المصور، ولأن الملاحظة العملية أكدت خطورة التغيير على الكائن الحي
ونقلاً :
لأن الحق يقول ( لا تبديل لخلق الله ) .
ولكن لو حدث أن تم ذلك التبديل فإن النتيجة لا خير فيها بل إن البشرية لن تجني من ورائها إلا الخراب والتدمير وهو من أمر الشيطان لأوليائه ، الذي قال الحق عنه :
( ولأمرنهم فليغيرن خلق الله ) النساء آية 119
وهاهم العلماء النابهين يعقدون المؤتمرات ويحزرون من اللعب بالجينات تغيراً وتبديلاً بدرجة تخرجها عن فطرتها خوفاً من أن تتكاثر وتنطلق في البيئة وتخرج منها أجيال مدمرة أو تخل بالتوازن البيولوجي الذي خلقه الله بمقدار وعلماً وحكمة ( وكل شيً عنده بمقدار ) بل وهاهم العلماء الراسخون في العلم يحزرون من إمكان أن تتحول الخلية المسالمة إلى أخرى سرطانية قاتلة نتيجة اللعب بجيناتها تبديلاً وتغييراً