حديث القرآن و السنة عن الحامض النووى فى الأمشاج(2)

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : الدكتور محمود عبد الله | المصدر : www.55a.net

- خلق و تصوير آدم و حواء و الخلايا الجنسية المكونة لأمشاج الذرية

 قال تعالى عن الخلق الأول (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ) 11 الأعراف
معنى خلقناكم في الآية: (صوره 2)
خلق الجنس البشرى بالكامل ابتداء من خلق آدم بكل صفاته الشكلية المرئية و غير المرئية بما فيها الخلية الجنسية المكونة للمشيج الذكرى (Spermatogonium) في الخصية ثم خلق حواء من آدم (و خلق منها زوجها) بكل صفاتها الشكلية المرئية و غير المرئية  بما فيها الخلية الجنسية المكونة للمشيج الأنثوي (Oogonium) في المبيض. و الخلايا الجنسية هي بداية خلق أمشاج الذرية في الأصلاب كما سنرى ذلك في المرحلة الثانية من مراحل التقدير الوراثي للإنسان.  (صوره 2. معنى خلقناكم)
* معنى صورناكم في الآية:   صورة 3
هذه الكلمة تدل على ثلاثة أنواع من التصوير الوراثي:  
1. تصوير آدم :  هو تصوير الصفات الشكلية المرئية وغير المرئية  (phenotype)لجسد آدم على الحامض النووي في الخلية الجسدية و الجنسية بحيث لا توجد صغيره أو كبيره من صفات آدم الجسدية إلا ولها صوره طبق الأصل ممثله بعدد معين من الجينات (Genotyping).
2. تصوير حواء :  وقد تم والله أعلم كتصوير آدم.
3. تصوير  الذرية : بما أن كلمة صورناكم تتضمن تصوير الخلايا الجنسية لآدم و حواء و التي تمثل الأصل في تصوير أمشاج الذرية في الأصلاب, إذاّ فكلمة صورناكم تشمل تصوير الذرية في الأصلاب كما سنرى ذلك في المرحلة الثانية من مراحل التقدير الوراثي للإنسان.

(صوره 3.  معنى صورناكم)
2- خلق وتصوير الأمشاج في الأصلاب (gametogenesis)
 

(صوره 4. شكل الكروموسوم)

 
* بدأ الله خلق الذرية في الأصلاب بخلق الخلايا الجنسية (Germinal cells) المكونة للحيوانات المنوية في آدم (Spermatogonium) و المكونة للبويضات في حواء (Oogonium). و الخلايا الجنسية في الخصية و المبيض  تحتوى على 46 كروموسوم فردى (23 زوج) مثل الخلايا الجسدية, و كل كروموسوم يتكون من خيطين متصلين بنقطه مركزيه(centromere) على شكل حرف اكس (صوره 4), و هذه الكروموسومات تظهر في الخلية في فترات انقسامها.
يتم خلق الأمشاج من الخلايا الجنسية كالآتي:
أولا: الانقسام التضاعفي = الميتوزى(Mitosis) .
الهدف منه زيادة عدد الخلايا الجنسية و تكوين مخزون للمستقبل. في هذا الانقسام يحدث انشطار لكل كروموسوم في الخلية الجنسية إلى نصفين بحيث تتحول ال 46 كروموسوم كامل  في الخلية الجنسية الى 92 نصف كروموسوم. يتبع ذلك انقسام الخلية الجنسية إلى خليتين متماثلتين تحتوى كل منهما على 46 نصف كروموسوم. بعد الانقسام إلى خليتين يتم تصوير (نسخ) كل نصف كروموسوم في كل خليه ليعطى النصف المكمل له بحيث تتحول أنصاف الكروموسومات إلى كروموسومات كاملة (صوره 5).

(صوره 5 . الانقسام التضاعفي = الميتوزى)
ثانيا: الانقسام الاختزالي = الميوزى (Meiosis).
الهدف منه تحويل الخلية الجنسية في الأصلاب إلى الأمشاج و ذلك على مرحلتين:
1. الانقسام الاختزالي الأول = التنصيفى (الميوزى الأول): (صورة 6)
يهدف إلى اختزال عدد 46 كروموسوم فردى كامل (23 زوج) في الخلية الجنسية إلى نصف العدد في الأمشاج أى 23 كروموسوم فردى كامل. و فيه تنقسم الخلية الجنسية إلى خليتين كل منهما تحتوى على 23 كروموسوم فردى كامل و تسمى الخلية المشيجيه الأولية. مع العلم بأنه أثناء الانقسام التنصيفى الأول يحدث تبادل لبعض الجينات بين كل كروموسومين من الكروموسومات الزوجية المتماثلة في الشكل و هذا ما يعرف في الوراثة باسم التصالب (كيازما) أو العبور (CHISMATA = Cross over). و يعد التصالب المسؤول الرئيسي عن تحسين النسل حيث ينشأ عنه اختلاف في صفات الأمشاج الجينية عن بعضها البعض وعن الأصل بحيث أن الأبناء لا تشابه الآباء و بحيث يختلف البشر عن بعضهم البعض. و عملية التصالب لكي تحدث تمر بالخطوات الآتية (صورة 7):
    أ‌-  في كل زوج من الكروموسومات الزوجية المتماثلة يحدث ميل لأحدهما على الأخر
    ب‌-   التعانق بين كل كروموسومين من الكروموسومات الزوجية المتماثلة في الشكل
    ت‌-  تكثف بعض من أجزاء الكروموسومات المتعانقه ليتكون عليها عقد (loop = Knob) قريبة الشبه من شلة الخيط (Slooped skeins) المتصله بخيط رفيع أو رأس الإنسان على عنقه.
     ث‌-   تثاقل العقد على أطراف الكروموسومات المتعانقة (أو تثاقل الرأس على العنق إذا مالت جانبا)
    ج‌-   هذا التثاقل عند أطراف الكروموسومات المتعانقة يؤدى إلى حدوث توتر عند العنق لا يزول إلا بحدوث تشققات عند العنق (Craks) ينشأ عنها تقطع أطراف الكروموسومات المتعانقة إلى قطع صغيره مع تبادل القطع بين الكروموسومات المتعانقة لكي ينشأ تغيير في صفات الأمشاج الجينية عن بعضها البعض وعن الأصل.

 (صوره 7.  خطوات التصالب)
  (صورة 6. الانقسام الميوزى الأول)
2. الانقسام الاختزالي الثاني = المتساوي (الميوزى الثاني): (صورة 8)
يهدف إلى تضاعف الخليتين المشيجييتين الأوليتين الناتجتين من الانقسام الميوزى الأول إلى أربع خلايا مشيجيه ثانوية لها نفس التركيب الجينى للخليه المشيجيه الأولية, أي انقسام بدون تحسين وراثي. و حاصل الميوزى الثاني في الذكر هو أربع حيوانات منوية كل منها يحتوى على 23 كر وموسوم فردى كامل, أما في الأنثى فبويضة واحدة و ثلاثة أجسام قطبيه كل منها يحتوى على 23 كروموسوم فردى كامل. و خطوات هذا الانقسام هي نفس خطوات الانقسام التضاعفي (الميتوزى) السابق شرحه (صوره 5).

(صورة 8. الانقسام الميوزى الثاني)
وصف خلق و تصوير الأمشاج  في القرآن و السنة
1. وصف الانقسام التضاعفي = الميتوزى (Mitosis) الذي يؤدى إلى زيادة عدد الخلايا الجنسية
* لوصف هذا الانقسام نحتاج إلى الكلمات الآتية:
                أ‌- الخلق لوصف الإيجاد و الزيادة في عدد الخلايا (خليه تتحول إلى خليتين)     
               ب‌- التصوير لوصف تحول أنصاف الكروموسومات إلى كروموسومات كاملة كالموجوده في الخلية الأم, أي أنه تصوير بدون تحسين.
              ت‌-  وصف العلاقة بين الخلق و التصوير بأنهما منفصلين, فنربط بينهما ب (ثم).
* هذه المواصفات تجتمع في (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ) 11 الأعراف.
* و هذا النوع من التصوير حدث في أصلاب آدم و حواء و الذرية.
2. وصف الانقسام الاختزالي الأول = التنصيفى (الميوزى الأول) الذي ينصف الخلية الجنسية
* لوصف هذا الانقسام نحتاج إلى الكلمات الآتية:
أ‌-      الخلق لوصف الإيجاد و الزيادة في عدد الخلايا (خليه واحده تتحول إلى خليتين)    
ب‌-   التصوير لوصف حدوث التصالب بين الكروموسومات و تبادل الجينات (وصف دقيق)
ت‌-   ناتج عملية التصالب و هو حدوث تحسين في صور الأبناء عن الآباء 
ث‌-   وصف العلاقة بين الخلق و التصوير بالمصاحبه فنربط بينهما ب (الواو)   
* هذه المواصفات تجتمع في آية {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ. خَلَقَ السَّمَاوَاتِ والأرض بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ}التغابن2, 3.  و في الحديث الصحيح الموافق للآية (سجد وجهي للذي خلقه وصوره فأحسن صورته) و في رواية أخرى (سجد وجهي للذي خلقه وصوره فأحسن صوره).
* و هذا النوع من التصوير حدث في أصلاب آدم و حواء و الذرية.
* قال المفسرون (فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) أي الصورة الشكلية الحسنه. وإذا كان هذا هو المعنى فماذا نقول في القبيح و الأحدب و الذي  ينقصه عضو أو يزيد عليه عضو أو تأتى أعضائه في غير مكانها الأصلي كأن يأتي القلب في اليسار مثلا وهذه الاختلافات الشكلية ليست بقليلة, فاللون الأسود تمثله أمة الزنوج و قصر القامة صفة الأسيويين. و الله يركب الإنسان في أي صوره شاء حسن أو قبيح {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ}الانفطار8. و الأصل أن الله أحسن كل شيء خلقه و خلق الإنسان في أحسن تقويم بالنسبة لسائر الأجناس, و ما كان لنا أن ندرك عظمة الله في فعله إلا بوجود القبيح.
* اتفقنا على أن التصوير لا يخص الشكل الخارجي و إنما يخص الحامض النووي و التقدير الوراثي, و عليه (فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) ليس حسن الشكل. و بالرجوع إلى لسان العرب وجدت أن معنى (أَحْسَنَ) بتسكين الحاء و فتح السين و النون هو(حَسَّن) بتشديد السين بمعنى التحسين, و عليه فان الآية جاءت لتصف التصوير الوراثي المسؤول عن تحسين صور الذرية بحيث لا تشابه الآباء و الذي يحدث في الانقسام المنصف (الميوزى) الأول المشتمل على التصالب، و هذا القول تشهد له الأدلة الآتية:
1. الآية تخاطب الذرية و لا تخاطب آدم وحواء, وهذا ما لا يمكن أن يحدث في هذه الآية لأن آدم وحواء هما أصل  الذرية و ليسا بصورتين يدخل عليهما التحسين, و لذا فان الخطاب في الآية صريح في كونه موجه للذرية فقط (خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ).
2. جاء الكلام عن التصوير في هذه الآية في سياق الكلام عن الخلق, فلابد أن الآية تتكلم عن التصوير أثناء عملية خلق ذرية آدم.
3. الفعل (صُوَرَكُم) على صيغة الماضي فلابد أن هذا الفعل حدث قبل الفعل (يُصَوِّرُكُمْ) المذكور في آية آل عمران (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ), و لو قال قائل بأن صيغة الماضي هذه أيضا قد تصف الجنين بعد إتمام تصويره في الرحم فنرد بأن التصوير هنا يتكلم عن التقدير الوراثي وليس عن وصف الصورة الشكلية. وطالما أن الفعل (صُوَرَكُم) سابق في الزمن للفعل(يُصَوِّرُكُمْ) فلابد أن الكلام في (صوركم) عن خلق الأمشاج في الأصلاب لأنها المرحلة السابقة للنطفة التي تتكون في الرحم.
4. كلمة (صُوَرَكُم) يلزمها وجود مصور و هو الله, و شيء يتم إعطاءه الصورة, و شيء يتم أخذ صوره منه, و الخطاب للذرية ب(صُوَرَكُم) يدل على أن الصورة سوف تعطى للذرية و بالتالي فان الصورة سوف تأخذ من الآباء. و انتقال الصورة من الآباء إلى الأبناء لا يكون إلا في أثناء خلق الأمشاج.
5. اقترن الخلق بالتصوير في الآيتين بحرف العطف الواو الذي يدل على المصاحبة و تبعهما وصف النتيجة الفورية للتصوير بقوله (فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) لتدل على التحسين الوراثي الناتج عن التصالب و كأن الآية تكون هكذا (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ ------------ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) 3,2 التغابن. 
6. لا توجد كلمه على وجه الأرض لوصف أحداث عملية التصالب ككلمة (صُوَرَكُم) التي تأحذ عدة معانى يكمل بعضها بعضا من أجل وصف التصالب وصفا دقيقا لا يقدر عليه البشر. فالصورة مشتقه من  الصَّوَرُ و هو الميل و ذلك ما نجده في معاجم اللغة العربية كلسان العرب و تاج العروس:
    أ‌-    الصَّوَرُ بالتحريك : المَيَل و صارَ الشيءَ صَوْراً : أَماله فمال وخص بعضهم به إِمالة العنق والرجلُ يَصُور عُنُقَهُ إِلى الشيء إِذا مال نحوه بعنقه و صارَ وجَهَهُ يَصُورُ : أَقْبَل به .
    ب‌-   ُوفي حديث عكرمة : حَمَلَة العَرْشِ كلُّهم صُورٌ هو جمع أَصْوَر وهو المائل العنق لثقل حِمْلِهِ .
    ت‌-  وصارَ الشَّيْءَ يَصُورُه صَوْراً : قَطَعَه وفَصَّلَه صُورَةً صُورَةً
    ث‌-  وفي التنزيل (فَصُرْهُنَّ إلَيْك)َ  قال بعضُهم : صُرْهُنّ : وَجِّهْههُنّ و صِرْهُنّ : قَطِّعْهُنّ وشَقِّقْهُنّ.
ومجموع هذه المعاني السابقة هو ملخص التصالب الذي يحدث فيه ميل وتعانق للكروموسومات مع تشقق وتقطع لبعض أجزاءها لثقل الحمل على بعض أجزائها, ثم التحسين بتبادل الأجزاء المتقطعة بين الكروموسومات المتعانقة (صوره  5)
7. تخيل لو أن الله قال (وَصَوَّرَكُمْ) فقط ولم يقل (فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) لكان المفروض وراثيا أن تكون الأبناء صوره طبق الأصل من الآباء. ولكن لما ذكر الله (فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) دل هذا على حدوث تغيير معين في  الصفة  الجينية للأمشاج عن  الصفة  الجينية للآباء عن طريق التصالب. هذا التغيير في الصفة الجينية هو الذي يؤدى إلى الاختلاف العظيم الذي نراه في الصفات الشكلية للبشر كلهم. وهذا ما سجله العلم الحديث ليثبت عظمة القرآن وأنه ليس من كلام البشر فيقول العلم بأنه إذا فرضنا أن الخلية الجنسية تحوى زوج واحد من الكروموسومات فعند حدوث التصالب بينهما نحصل على نوعين مختلفين من الأمشاج,  وإذا كانت الخلية الجسدية تحتوى على زوجين من الكروموسومات فان ناتج التصالب بينها هو أربع أنواع من الأمشاج المختلفة, و في حالة وجود ثلاثة أزواج يكون الناتج ثمانية أنواع من الأمشاج المختلفة وهكذا نسير حتى نصل إلى العدد ثلاثة وعشرين زوج من الكروموسومات وبعد حدوث التصالب بينها تكون الاختلافات بين الأمشاج الناتجة  هو (232 ) وهذا العدد يقترب من ثمانية ملايين من الاختلافات بين الأمشاج ولذا فإننا ندرك عظمة قول الله (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) فالاختلافات بين البشر بالملايين فهي لا تقتصر على الناس في زماننا ولكنها موجودة منذ أن خلق الله آدم ومستمرة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ولذا نجد الخطاب في الآية (وَصَوَّرَكُمْ) موجه إلى كل ذرية آدم إلى قيام الساعة.
 3. الانقسام الاختزالي الثاني = المتساوي (الميوزى الثاني) الذي يهدف إلى تضاعف الخلايا المشيجيه
* وصف هذا الانقسام هو نفس وصف الانقسام التضاعفي = الميتوزى (Mitosis) الذي يؤدى إلى زيادة عدد الخلايا الجنسية حيث أن الميتوزى و الميوزى الثاني يحدثان بنفس الكيفية. فتنقسم الخلية المشيجيه الأولية التي تحوى 23 كؤوموسوم كامل إلى خليتين مشيجيتين ثانويتين بكل منهما 23 نصف كروموسوم, ثم بعد الانقسام يحدث تصوير لأنصاف الكروموسومات لتكوين كروموسومات كاملة. و لذا فانه يوصف بقول الله (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ) 11 الأعراف.
* هذا النوع من التصوير يحدث في أصلاب آدم و حواء و الذرية.
خلاصة الكلام عن الخلق و التصوير في الأصلاب
تتكون الأمشاج في الأصلاب من الخلايا الجنسية بثلاثة أنواع من الانقسامات لكل خليه (صورة 9):
الانقسام الأول: هدفه تضاعف عدد الخلايا الجنسية و يحدث بالانقسام التضاعفي (الميتوزى) و هو الخلق الذي يتبعه التصوير (خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ).
الانقسام الثاني: هدفه تحويل الخلية الجنسية إلى خليه مشيحيه أوليه مع تحسين الصفات الوراثية في الأبناء عن الآباء و يحدث بالانقسام الميوزى الأول و هو الخلق مصحوب بالتصوير (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ. خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالارْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) و حديث (خلقه وصوره فأحسن صورته). 
الانقسام الثالث: و هدفه تضاعف كل خليه مشيحيه أوليه إلى مشيجين و بدون تحسين و يحدث بالانقسام الميوزى الثاني في الخلايا المشيجيه و هو الخلق ثم التصوير (خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ).

و أمام هذا الإبداع الذي لا نظير له لا أملك إلا أن أدع التعليق على هذا الإعجاز لله القائل عن نفسه {نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ. أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ. أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ}الواقعة59,58,57, و لذا فانه تحدى كل من دونه قائلا (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) لقمان11.
أخطاء العلم الحديث في وصف خلق و تصوير الأمشاج في الأًصلاب
استخدم العلم الحديث بعض المسميات التي لا تدل على مسماها بالقدر الكافي لوصف أحداث  خلق و تصوير الأمشاج في الأًصلاب بما يدل على أنهم لا يملكون العلم المطلق بينما استطاع المولى تبارك و تعالى بعلمه المطلق من أن يصف أحداث  خلق و تصوير الأمشاج في الأًصلاب وصفا دقيقا من خلال استخدام المسميات التي تدل على مسماها بالقدر الكافي و من أمثلة ذلك:
 1- تكوين الأمشاج عند العلم الحديث (spermatogenesis & oogenesis) بدل خلق الأمشاج
* لفظة التكوين لا تدل على الخالق و كأن الأمشاج فاعله بإرادتها. كما أن هذه اللفظة لا تدل على وجود تقدير جيني و تصوير وراثي و هو الحدث الخفي الذي يتم في أثناء تكوين الأمشاج.
* أما لفظة خلق المنى فتدل على الخالق و تعنى في لغة العرب الإيجاد والتكوين كما أنها تعنى التقدير قال تعالى (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ).
2- الانقسام الخلوي عند العلم الحديث (Cell division)  بدل التخليق في القرآن (Creation)
* الانقسام كلمه تدل على التنصيف بحيث أن جمع النصفين الناتجين يعطى الأصل و ذلك يستحيل الحدوث عند الكلام عن الأمشاج لسببين الأول هو حدوث التصالب الذي يغير تركيب الكروموسومات الجيني في الأمشاج عن الأصل و الثاني هو زيادة عدد الكروموسومات من 46 في الأصل إلى 92 في الأمشاج المتكونة.
* أما التخليق فهو تحويل مادة معلومة ذات صوره معلومة إلى مادة أخرى مغايرة للمادة الأولى في الشكل و التركيب بحيث يستحيل استرجاع المادة الأولى من المادة المخلوقة . و عليه فان جمع النصفين لا يعطى الأصل لحدوث تغيير في الكروموسومات تركيبا و عددا و ذلك متفق مع تعريف الخلق.
3- التصالب أو العبور Chiasma = Cross over بدل التصويري التحسيني
* التصالب لا يعنى إلا التعامد و لا يمكن أن يصف شكل حرف اكس (X) أما العبور فقد يصف التعامد و قد يصف شكل حرف اكس (X). و بما أن أطراف الكروموسومات المتماثلة تميل على بعضها و تتعانق في شكل حرف اكس فان كلا اللفظين غير دقيق لوصف شكل التلاقي بين الكروموسومات المتماثلة. كما أن كلا اللفظين لا ينص على كيفية حدوث التحسين الوراثي من خلال تبادل الجينات.
* أما التصوير التحسيني (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) فيصف عملية التلاقي بين الكروموسومات المتماثلة في الانقسام الميوزى الأول و الذي يحدث فيه ميل وتعانق و فو لا يكون إلا على شكل حرف اكس (X) ثم تشقق وتقطع لبعض أجزاء الكروموسومات لثقل حمل الرأس على العنق يترتب على ذلك التحسين بتبادل الأجزاء المتقطعة بين الكروموسومات المتعانقة. (صورة 10)

.
(صورة 10. الفرق بين التصالب و التعانق)
4. الانقسام التضاعفي و الاختزالي الثاني بدل (خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ)
أطلق العلم الحديث مسميان مختلفين و هما الانقسام التضاعفي و الانقسام الاختزالي الثاني لوصف حدث واحد تتضاعف فيه أي خليه إلى خليتين بدون تحسين وراثي. بينما أطلق الله عليهما القرآن مسمى واحد و هو (خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ) لكونهما نوع واحد.
3- خلق و تصوير الذرية من النطفة في الأرحام
تتميز هذه المرحلة بحدثين مهمين:
الحدث الأول:  تضاعف عدد خلايا النطفة و تطورها خلقا من بعد خلق
تنقسم النطفة ذات ال 46 كروموسوم في الأرحام بهدف تضاعف عدد خلاياها من واحده إلى اثنتين فأربع فثمانيه و يستمر التضاعف طوال الحمل حتى تتكون بلايين الخلايا(صوره 11). و مع كل انقسام تتحول النطفة إلى خلق جديد يختلف عما قبله و عما بعده أى أنها تتغير خلقا من بعد خلق (صوره 12) مع العلم بأن التركيب الوراثي للخلايا الناتجة من الانقسام المستمر في النطفة ثابت لا يتغير (أى بدون تحسين).  و يحدث هذا التضاعف في النطفة بنفس الكيفية التي تتضاعف بها الخلايا الجنسية في الأصلاب أى بالانقسام التضاعفي أو الميتوزى (Mitosis), ومع كل انقسام ينشطر كل كروموسوم إلى نصفين ثم تنقسم الخلية إلى خليتين كل منهما تحتوى على ستة وأربعين نصف كروموسوم ثم يحدث تصوير لأنصاف الكروموسومات لتكوين كروموسومات كاملة (صوره 13).

    (صوره 12. تطور النطفة خلقا من بعد خلق)
 (صوره 11. تطور النطفة بالتضاعف)
الحدث الثاني: مرحلة التخليق في الرحم
و ذلك من خلال تمايز خلايا النطفة إلى أعضاء مع تصنيع البروتين الازم لتصنيع تلك الأعضاء ثم تركيبها في أماكنها الخاصة بها. و لأن الكلام عن هذه المرحلة يطول فسوف أؤجله للبحث القادم بإذن الله.
وصف القرآن لخلق و تصوير الذرية في الأرحام (تطور النطفة)
* لكي نصف مرحلة تضاعف عدد خلايا النطفة نحتاج الكلمات الآتية:
أ‌- الخلق ثم التصوير لوصف انقسام خلايا النطفة و تضاعفها
ب‌- عدم ذكر لفظة التحسين مع التصوير لأن التركيب الوراثي للخلايا الناتجة من الانقسام المستمر في النطفة ثابت لا يتغير
ت‌- كل انقسام في النطفة ينقلها إلى خلقه جديدة مختلفة عن الخلقة السابقة في التركيب
ث‌- الخلق في الفعل المضارع المستمر لأنه ممتد طوال فترة الحمل
  * هذه الكلمات نجدها في آيتين من كتاب الله
الأولى: (خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ) الأعراف 11.
لوصف تضاعف النطفة بالانقسام الميتوزى و بدون تحسين وراثى (صوره 13).

(صوره 13. التصوير التضاعفي فى النطفة)
الثانية: {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ}الزمر6.
يخلقكم بالمضارع المستمر لتصف الزيادة المستمرة في النطفة و تغيرها خلقا من بعد خلق (صوره 11 , 12). و أثناء تطور النطفة خلقا من بعد خلق تتميز عند مراحل معينه لتعطى الأطوار  {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ }المؤمنون14, فالأطوار ما هي إلا مراحل معينه في (خَلْقاً مِن بَعْدِ خَلْقٍ).
العلاقة بين الخلق و التصوير في الأصلاب و في الأرحام
مما سبق يتضح لنا أن آية (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ) 11 الأعراف, تصف الانقسام التضاعفي للخلايا الجنسية في الأصلاب كما تصف الانقسام التضاعفي لخلايا النطفة في الأرحام. أى أنها تصف خلق الذرية في الأصلاب و في الأرحام كما وصفت أيضا خلق و تصوير آدم و حواء.  و عليه فكما قلت من قبل فان أصح الأقوال في تفسير هذه الآية هو ما ذهب إليه القرطبي من الجمع بين أقوال السلف الصالح للوصول إلى حل لغز هذه الآية مع التذكير بأن الله يحكى لنا في هذه الآية أنه أتم خلق و تصوير آدم و حواء و أمشاج الذرية في الأصلاب و أنه أنه وضع في الأمشاج التقدير الوراثي لخلق و تصوير الذرية في الأرحام ثم قال للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا.

و بهذا التفسير يتبين لنا أن الله هو صاحب العلم المطلق و الأقدر على وصف خلق و تصوير الإنسان من العلم الحديث, و يتأكد لنا الإعجاز اللغوي و البياني للقرآن و السنة من خلال وصف الحامض النووي والتقدير الوراثي بكلمتين معجزتين هما الخلق و التصوير. 
المقترحات المبنية على البحث
1. إعادة تسمية الدورة الخلوية من القرآن و السنة
إن أبرز ما يميز الدورة الخلوية هو حدوث انقسام للخلايا مع نسخ للحامض النووي. و قد عبر القرآن عن كلمة الانقسام بكلمة الخلق و عن كلمة النسخ بكلمة التصوير. و قد رأينا كيف أن كلمتى الخلق و التصوير أدق من كلمتى الانقسام و النسخ و لذا فاننى أقترح إعادة تسمية الدورة الخلوية بالمصطلحات الإسلامية الدقسقة فتسمى بدورة الخلق و التصوير. كما أقترح استبدال مسمى الانقسام الميتوزى بمصطلح (الخلق ثم التصوير) و استبدال الانقسام الميوزى بمصطلح (الخلق و التصوير التحسيني). و أرجو أن يتم تعديل هذه المصطلحات في كتب الهندسة الوراثية التي تدرس للمسلمين مع السعي في محاولة إقناع العالم الغربي بصحة المصطلحات الإسلامية عن مصطلحاتهم الوضعية.
2. وضع ترجمة صحيحة لكلمة التصوير في التراجم الأجنبية للقرآن الكريم
الكلمة المستخدمة في اللغة الانجليزية كترجمة للتصوير هي (enshape) و هذه الكلمة تعنى التشكيل و الشكل الخارجي و لا يمكن أن تدل على تصوير شيء من شيء (بمعنى وجود أصل و صورة) و لذا فاننى أقترح تعميم استخدام كلمة (Image) و التي تعنى تصوير شيء من شيء كما تشير إلى ذلك قواميس اللغة الانجليزية.
الخاتمة
 لا يسعني في نهاية هذا البحث إلا أن أرجو الله العلى القدير أن يجعل هذا البحث سببا في هداية الكثير من القلوب التي تاهت عن معرفة ربها فصارت تعبد آلهة من دونه لا يخلقون شيئا و هم يخلقون وتركوا عبادة الله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لا شريك له و لا ولد الذي خلقهم و رزقهم و دبر كل أمرهم و صدق الله إذ يقول (واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا و هم يخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضرا و لا نفعا و لا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا) 3 الفرقان. و لكن الإنسان كثيرا ما ينسى الخالق و يدين بالفضل لسواه (خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين)4 النحل. ولأن القرآن نزل لهداية الناس كافه فقد خاطب العقول بأساليب شتى تتلاءم مع الكم العلمي لكل شخص  فتارة تكون بسيطة لكي يفهمها العامة من الناس بعلمهم البسيط وتارة تكون ذات أساليب علميه معجزه تحتاج إلى البحث العلمي لمعرفة أسرارها. و حيث أن الكثير من أهل هذا الزمان صاروا لا يؤمنون إلا بالمادة فقد خاطب القرآن عقولهم بأسرار من العلوم الحديثة التي أثبتوها بعد جهد مضني ليفاجئوا بأن القرآن قد سبقهم بعدة قرون من الزمان إلى ذكر هذه الأسرار العلمية في وقت كان يستحيل فيه اكتشاف هذه الأسرار بعقول البشر ليثبت لهم أن هذه الآيات الجلية لا يمكن أن تكون بأي حال من الأحوال من كلام البشر وصدق الله إذ يقول (سنريهم آياتنا في الأفاق و في أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق)53 فصلت. فآيات الله كثيرة و ما يعقلها إلا العالمون  (ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق و يهدى إلى صراط العزيز الحميد)6 سبأ.
ربنا تقبل منا انك أنت السميع العليم و تب علينا انك أنت التواب الرحيم. هذا وما كان من توفيق فمن الله وحده وما كان من خطأ أو نسيان فمنى ومن الشيطان والله ورسوله منه براء و أرجو الله العظيم أن يتقبل منى هذا العمل القليل و أن يجعله في ميزان حسناتي يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتي الله بقلب سليم . و إذا صح فهمي في هذا البحث فيمكن بعد ذلك مناقشة الأبحاث الآتية و التي تعتمد كلها على أن الخلق غير التصوير و على أن المقصود بالتصوير هو التصوير الوراثي و ليس الشكل الخارجي:
1.  كيفية التقدير الوراثي في النطفة
2.  كيفية خلق و تصوير الذرية في الأرحام
3.  كيفية خلق عيسى في مريم و نفى إلوهية المسيح باتفاق القرآن و الإنجيل.
4.  إثبات النشأة و الاختلاف مع بيان بطلان نظرية التطور عند كل من دارون و شاهين
5.  هل كان آدم طوله ستون ذراعا في السماء و ما هي الطفرة الجينية التي أدت إلى نقصان
             الطول في الجنس البشرى؟
6.  إثبات البنوة باستخدام الحامض النووي في القرآن و السنة
7.  متى يعد الإجهاض قتلا للنفس و ما هي أنسب وسيله لمنع الحمل ؟
8.  تحدى الله لعلماء الهندسة الوراثية في باب الخلق و باب الخلد
9. كيف يتعرف الجسم على شقيه الأيمن و الأيسر ؟ بحيث لا تتبدل الأعضاء اليمنى مع الأعضاء اليسرى إلا في حالات نادرة جدا كأن يذهب القلب إلى اليمين أو الكبد إلى اليسار