المعجزات الربانية في العين

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : د\محمد السقا عيد | المصدر : www.55a.net

 

لقد أتمن الله سبحانه وتعالى على الإنسان أن وهبه نعمة الإبصار قال تعالى في محكم التنزيل:(قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة، قليلا ما تشكرون)  الملك آية ( 23).
كما أتمن سبحانه وتعالى على بني آدم  بأن وهبهم آلة الإبصار وهي العين قال الله تعالى:(ألَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ {8} وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ {9} وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ {10} فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ) سورة  البلد.
إذاً ما هي الأسرار الربانية التي أودعها الله في العين ؟
ولِمَ أمتن سبحانه على الإنسان بهذه النعمة ؟
إن شاء الله تعالى سنتناول كل هذا في هذا البحث المختصر ونبحر في عالم العين والإبصار ونكتشف قدرة الله تعالى في هذا العضو المذهل.
وصف العين :
العين مثل الكرة لها جدار وبها محتويات. يتكون جدار العين من ثلاث طبقات :
        الطبقة الخارجية (الليفية):
وتتكون من جزء أمامي يسمى القرنية، يكون خمس جدار العين، وجزء خلفي وهو الصلبة Sclera   ويكون أربعة أخماسها. والجزءان ملتحمان أحدهما بالأخر بحيث يتداخل الجزء الأمامي في الجزء الخلفي كما تتداخل الساعة في الإطار المعد لها .
        الطبقة المتوسطة:
وهى المغذية للعين، وتتكون أساسا من أوعية دموية تحمل الغذاء إلى أجزاء العين المختلفة. ومنها تأتى سوائل العين التي تغذى القرنية وعدسة العين. وتحافظ على وجود ضغط طبيعي في العين. وتنقسم إلى ثلاثة أجزاء :
أ-  الجزء الخلفي :ويسمى المشيمية "Choroid" وهو يحتوى بالإضافة إلى الأوعية الدموية على طبقة من الخلايا الملونة التي تحتوى على حبيبات داكنة تبطن الصلبة، وبذلك تمنع الضوء من الدخول كلية خلال الصلبة.
ب- أما الجزء المتوسط من هذه الطبقة فيسمى الجسم الهدبي ( C.B) وهو يحتوى على أهداب كثيرة بها أوعية دموية .. وهذا الجزء يفرز السائل المائي للعين. وإفراز هذا السائل وتصريفه بشكل طبيعي يحفظ للعين ضغطها الطبيعي اللازم لحفظ شكلها وتأدية وظيفتها .. كما يحتوى الجسم الهدبى على عضلات تعمل تلقائيا : فتنقبض عندما يريد الإنسان أن يرى شيئا قريبا وتنبسط عندما ينظر الإنسان إلى شيء بعيد. وتسمى قدرة العين على رؤية الأشياء القريبة والبعيدة بوضوح باسم (تكيف الإبصار) (Accommodation) .
جـ- الجزء الأمامي ويسمى القزحية : وهو عبارة عن قرص مستديرة، وفى هذا القرص ثقب يدخل منه الضوء يطلق عليه اسم الحدقة أو
" البؤبؤ " يمر من خلاله الضوء إلى داخل العين. وتحتوى القزحية على صبغيات تتحكم في لون العين .. كما تحتوى أيضا على عضلات تلقائية تتحكم في حجم الحدقة .
        الطبقة الحساسة :
وهى شبكية العين ( Retina) وهذه الطبقة شفافة بالرغم من
أنها تتكون من عشرة طبقات. وتحتوى على نهايات عصبية حساسة للضوء، وتتجمع هذه النهايات العصبية معا لتعطى العصب البصري (Optic nerve) .
        عدسة العين : Lens 
وتستقر خلف القرنية، وهى شفافة أيضا مثل القرنية لتسمح بمرور الأشعة الضوئية إلى الداخل. وتتلخص وظيفة العدسة في تجميع الأشعة الضوئية الصادرة من مختلف المرئيات وإسقاطها على الشبكية، وعن طريق العصب البصري تنتقل صور هذه المرئيات من الشبكية إلى المخ حتى يستطيع الإنسان التعرف عليها .
وعدسة العين لها ما للعدسات الزجاجية العادية ما يعرف بـ (البعد البؤري) وهذا البعد هو عبارة عن مسافة بين العدسة ونقطة تجمع الأشعة الضوئية ويطلق على النقطة الأخير اسم (البؤرة) .
ولا يستطيع الإنسان الرؤية بوضوح كامل إلا إذا وقعت البؤرة على الشبكية تماما عندئذ تكون صور المرئيات التي تقع على الشبكية واضحة كل الوضوح.
أما إذا وقعت هذه الصور أمام الشبكية بقليل أو خلفها بقليل فإنها تصبح صورا مهزوزة غير واضحة ... ويكون من الضروري عندئذ استخدام العدسات الزجاجية ( النظارات ) لتصحيح الأخطاء التي قد تكون موجود في العين.
        عيناك .. والكاميرا :
ولكي تستطيع استيعاب الكلام السابق- عزيزي القارئ - فإنني أرى أن أشبه لك العين بشيء محسوس تستخدمه في حياتك العملية حتى يسهل عليك فهم ميكانيزم النظر .. فالعين في طريقة إدراكها للصورة واستقبالها تشبه الكاميرا أو آلة التصوير .. هذا مع الفارق الشاسع بينهما حيث لا يوجد وجه للمقارنة على الإطلاق إلا أن هذا المثال للتبسيط ليس إلا. فالكاميرا أو جهاز التصوير تتكون أساسا من :
•       صندوق مظلم :
ويقابله في العين الجزء الذي نطلق عليه اسم (الصلبة ... ولا يستطيع الضوء أن ينفذ من خلال جدران هذا الصندوق ... ولكنه يدخل فقط من خلال فتحة محددة من الأمام .
        عدسة الكاميرا :
ويقابلها في العين القرنية والعدسة الشفافة، وتقوم القرنية والعدسة بتجميع الضوء المنعكس من المرئيات ليكون صورة واضحة مقلوبة
على الشبكية.
        الفيلم الحساس في الكاميرا :
في فيلم الكاميرا طبقة حساسة تتأثر بالضوء .. ويقابلها في العين الشبكية التي توجد بها الأقماع والعصيات (Rodes , Cons) التي تحتوى على قرمز الإبصار الذي يتأثر بالضوء.
وتتكون على الفيلم الحساس صورة عكسية (نيجاتيف) يعاد طبعها على ورق حساس لتبدو الصورة الطبيعية .
أما على شبكية العين. فإن الصورة التي تتكون تكون مقلوبة عكسية .. وفى المخ يعاد وضعها لتصبح معتدلة .
في كل ذلك .. تبدو لنا قدرة الخالق وعظمته .. إذن أن شبكية العين عبارة عن فيلم تصويري متجدد إلى مالا نهاية ولا يحتاج إلى تبديل كما هو الحال مع فيلم الكاميرا.
وفى العين ترى صورة متحركة وملونة. وهذا هو ما يدعوني إلى تشبيه العين - مع الفارق بآلة التصوير التليفزيونية .
أما أعصاب العين .. فهي الكابلات الموصولة من كاميرا التليفزيون إلى " المونيتور " الذي يعدل من وضع الصورة .. كما يحدث في مخ الإنسان .
ومرة أخرى نجد أن فيلم التليفزيون له طول محدد ومدة محددة .. بينما نجد أن شبكية العين عبارة عن فيلم متجدد دائما أبدا   … فسبحان الله !!.
ثم .. نجد أن الإنسان ينقل بصره من منظر إلى آخر دون أن يحدث أي اضطراب في العين مع سرعة توارد المناظر واختلاف شدة الضوء … كل ذلك يوضح إلى أي مدى مدي تتفوق العين على آلة التصوير التليفزيوني.
وهنا تتجلى عظمة الخالق .. فبالرغم من هذا التفوق نجد آلة التصوير التليفزيوني بالأجهزة الضخمة الملحقة بها تقوم بجزء بسيط من عمل العين المحددة الحجم ذات الصورة الرائعة !!
        حركة العينان :
الواقع أن حركة العين في حد ذاتها تعتبر معجزة .. فمقلة العين تتحرك في كافة الاتجاهات حسب إرادة الإنسان بواسطة ست عضلات دقيقة .. هذه العضلات تغذيها أعصاب من المخ .. وتتعاون العضلات مع بعضها ليس فقط في ذات العين ... بل مع العضلات  التي تحرك العين الأخرى أيضا.
والهدف من ذلك التعاون الوثيق هو أن يتجه محور الإبصار في كل عين إلى ذات الشيء الذي ينظر إليه الإنسان، وهكذا تراه العينان في صورة واحدة وبأوضح ما يمكن. فإذا حدث خلل ما في هذه الحركة الموحدة ... ترى ماذا يحدث ؟؟
التجربة البسيطة التالية توضح الإجابة عن هذا السؤال :
إذا نظرت إلى إصبعك أمام عينيك  تراه واحدة .. فإذا ضغطت على العين اليمنى مثلا فإنك ترى صورة أخرى للإصبع ... أي يحدث ازدواج للرؤية بالعين بدلا من توحيدها. فإذا توقف الضغط على العين زال هذا الازدواج.
        موقع العين :
يتميز الإنسان عن الحيوانات الأدنى رقي بموقع العينين ! .. ففي الإنسان تقع العينان في مقدمة الرأس وليس على جانبيه .. فعين الطائر اليمنى لا ترى شيئا مما تراه العين اليسرى .
وعلى ذلك فما تراه العين اليمنى للطائر يختلف تماما عما تراه العين اليسرى، وبالتالي فإن مخ الطائر لا يستطيع مزج الصورتين المختلفتين اللتين تصلان من العينين .. بل يهمل إحدى الصورتين. وعلى هذا فإن عالم هذه المخلوقات مسطح لا عمق له .
فموقع العينين بالنسبة للإنسان تتيح الفرصة أن ترى العين اليمنى صورة مشابهة جدا لما تراه العين اليسرى .. أي أن العينين تريان ذات الشيء من زاوية مختلفة. والمخ هنا يمكنه مزج هاتين الصورتين في صورة واحدة مجسمة. أي لها طول وعرض وارتفاع أو عمق.
على هذا ... يستطيع الإنسان بالنظر الموحد بالعينين أن يقدر بعد الأشياء بعضها عن البعض الآخر.
        النظر الموحد بالعينين :
يكتسب الإنسان هذه القدرة (النظر الموحد بالعينين) منذ الولادة وأثناء النمو، ويخزن المخ خبرة رؤية الأشياء بأبعادها وأعماقها بشرط أن تكون العينين سليمتان وبدرجة إبصار متقاربة
أما إذا حدث أن ضعف بصر إحدى العينين بدرجة كبيرة عن العين الأخرى في فترة الطفولة المبكرة ... فإن الطفل يفقد القدرة على النظر الموحد بالعينين، وهكذا يفقد فرصة العمل في مهنة تحتاج إلى هذه القدرة. مثل مهنة الطيار مثلا.
جهاز الأمن الرباني للعين
لقد أمن الخالق سبحانه وتعالى العين بجهاز إحساس دقيق يقيها من غوائل الزمن، نستطيع أن نطلق عليه تجاوزا (جهاز الأمن الرباني للعين).
والحقيقة أن كل أنسجة الجسم وحواشيها تشترك بشكل ما في وقاية العين وحمايتها من أي ضرر .. فالجفون مثلا بحركتها المستمرة تحمى العين وتخلصها من الضرر. حيث أنها مزودة بأهداب على حافتها في أكثر من صف، وهذه الأهداب عبارة عن شعيرات قوية بالغة الحساسية لأي شيء يمر عليها حتى ولو كان في رقة النسيم لذلك تقفل العين عن طريق حركة الجفون إذا ما أحست باقتراب الخطر. كذلك فالحواجب تمنع سقوط العرق على العين..
وحتى نعطى الموضوع حقه تعال معي- عزيزي القارئ - لنستعرض بشيء من التفصيل دور كل عضو من الأعضاء في تأمين العين ووقايتها من الأضرار المحدقة بها حتى تكتمل الفائدة ويعم النفع.
        دور الجفون :
إذا تأملنا بشيء من التروي فإننا سنجد : أنها خفيفة وسريعة كما أن بها مزيدا من اتساع السطح وهذا يتيح لها مجالا حركيا واسعا. والجفون كذلك في حركة رمش وبريشة ذاتية "Reflex Blinking" .. وهذه الحركة تتيح للجفون أن تقوم بوظيفتها المتمثلة في الآتي :
أ- توزيع الدموع والإفرازات الغدية على سطح المقلة فتجعلها دائما رطبة لامعة.
ب- تعطى شبكية العين فترات من الراحة لحجب الضوء عنها .
جـ- تزيل الأجسام الغريبة من على سطح المقل وتدفعها إلى الكيس الدمعي .
د- تقلل نسبة التبخر للإفرازات الغدية الدمعية فتظل القرنية دائما شفافة ؟
وقد زود الخالق سبحانه حافة الجفون الهدبية بعضلة عاصرة دائرية تجعل قفل العين ( الجفن) قفلا محكما لدرجة أن لا تخر السوائل منها أو إليها.
كذلك فإن ملامسة هذه الحواف لجسم المقلة يولد خاصية التوتر السطحي بينها وبين الدموع فلا تنهمر خارج العين إنما توجه إلى الكيس الدمعي.
        دون الجهاز الدمعي :
للجهاز الدمعي أهمية كبيرة في الحفاظ على نظافة وحيوية أنسجة العين .. فنحن نعلم أن الدموع لها صفات تقاوم نمو الجراثيم لاحتوائها على خمائر هاضمة لها مثل خميرة الليزوزيم. ( Lyzo Zyme  ) .
هذا بالإضافة إلى خصائصها الحركية التي تمكنها من تخفيف وإذابة الأجسام الغريبةوالتخلص منها عن طريق توجيهها إلى المسالك الدمعية الأنفية.
وأي عامل يؤثر على هذه الصفات يؤدى إلى اضطراب وظيفي واختلال في جهاز الدفاع عن العين.
        دور القرنية :
يتحدد دور القرنية في الآتي:زودها الخالق سبحانه بأعصاب حساسة وخاصة للألم، وهذا يجعلها جهاز إنذار بالغ الحساسية .. لهذا فإن رد الفعل الذي يعقب الإحساس بجسم غريب أو ألم بالقرنية هو قفل العين فورا مع الابتعاد عن مصدر الأذى سواء بالرأس أو بالجسم ككل. 
وعند إثارة أعصاب الألم بالقرنية فإن ذلك يعقبه احتقان في شبكة الأوعية الدموية الملتحمة مع سرعة إفراز الدموع التي تخفف وتريح أثر العامل الضار، وهذه تساعد على سرعة التئام الجروح ورجوع الأنسجة إلى حالتها الطبيعية .
        سلامة واكتمال سطح القرنية الغشائي يمنع أغلب الجراثيم من المرور والنفاذ إلى داخل العين حيث أنه يقاومها مقاومة تجعلها غير قادرة على اختراقه .
ولذلك فإن أي عامل يؤثر على هذه الصفة سواء أكان خارجياً أو داخلياً مباشراً أو غير مباشر يجعل العين ساحة مباحة للغزو الجرثومي وللفتك بالعين .
ويحتو الكيس الدمعي على كثير من الجراثيم التي تعيش في وئام وسلام وتعايش مع الأنسجة المحيطة به، ومنها بالطبع القرنية ولكنها تفقد هذه  الخاصية من الهدوء والمسالمة وتتحول إلى وحس كاسر حينما تجد أن هذه الأنسجة قد ضعفت قوتها وقلت حيلتها وتشققت جدرانها فإنها سرعان ما تهاجمها وتغزوها غزواً مدمراً ... ويحدث هذا غالباً في حالات قرح القرنية .
        غشاء ديسمت Desment Membrane 
ومع ما لهذا الغشاء من خاصية أنه مطاط فإن هذا يجعله يقاوم الإنثقاب. ولهذا فهو يعتبر خط الدفاع الأخير في القرنية الذي لا يستسلم بسهولة أمام أي غزو من الداخل أو من الخارج .
أي أنه يحارب على جبهتين ... الجبهة الأولى الأمامية مقاوماً عوامل الهدم نتيجة لغزو الجراثيم أو الإصابات، والجبهة الخلفية لازدياد الضغط الداخلي للعين الذي يبدو زائداً في مثل هذه الحالات وكأنه تحالف مع الأعداء في سبيل إيجاد ثغرة في هذا الخط المنيع .
وذلك بالضغط عليه من الداخل أو مطه إلى الخارج حتى تفقد قواه فينهار ويحدث إنثقاب وانفصال بين مكوناته.
وهنا تحدث الكارثة إذ تنبثق محتويات المقلة إلى الخارج مع ما في ذلك من احتمال لفقدانها. وبمعنى أقرب للفهم فإن العين تفنى وتموت إما مذبوحة (نزيف) أو محترقة (عدوى) أو مختنقة (ضغط عال) .
        دور القزحية :
إن دور القزحية في حماية العين يأتي في الترتيب الزمني والتشريحي بعد دور القرنية ولكنه لا يقل أهمية عنها، بمعنى أنه إذا انهار خط الدفاع الأول المتمثل في القرنية. فإن الخط الذي يليه هو خط القزحية.
ويحدث هذا حينما يحدث اختراق وثغرة في القرنية يجعل مساحة العمل الداخلية مباحة للدخول والخروج. فالجراثيم والأجسام الغريبة تنفذ داخل العين، كما أن محتويات الأخيرة يمكن أن تقذف خارجها.
هنا تبرز القزحية في الميدان وتتقدم لسد الثغرة فتلتصق بظهر القرنية أو تلقى بجسدها كاملاً في الثغرة في محاولة لسدها ... وتكون هذه العملية مثل عمليات  الأبطال المغاوير وذلك بمحاولة إنقاذ العين بأي شكل كان.
ووجود العدسة خلف القزحية مباشرة أدى إلى مشاركتها في الملمات التي تقع بها ... هذه المشاركة في الأتراح جعلت القزحية تقوم برد الجميل لها في الظروف العادية وذلك بحمايتها من أي شئ خارجي ضار سواء أكان إشعاعاً أو حرارة أمراً ارتجاليا أو ضربة.
والقزحية سواء بجسدها ككل أو بحدقتها كجزء تقي العدسة من أن تتأثر خلاياها من الأشعة القصيرة أو الأشعة الحامية أو من إصابات مباشرة على العين أو غير مباشرة على الرأس، فهي تقف سداً حائلاً بين المؤذيات التي تؤدى العين والعدسة .
كذلك يوجد بالقزحية خلايا ملونة والتي تلعب دوراً كبيراً في صد الأشعة الضارة، وفى تقليل كمية من الضوء النافذ داخل العين .
وكلنا يعلم ويدرك كم يقاسى الشخص الأبهق الذي يفقد الخلايا الملونة في قزحيته ... إنه لا يستطيع أن يحتمل الضوء العادي الذي يمكن لأي شخص مواجهته .
إذن نستطيع أن نلخص دور القزحية في حماية العين في الآتي:
-      في حالات إنثقاب القرنية فإنها تسد مكان الثقب بالتصاقها بظهر الأخيرة أو بملأ الثقب
-      وفى حالات الضوء الشديد تنقبض الحدقة فتحمى الشبكية من الاختراق وتريحها من العمل وكذلك تحمى العدسة من الضرر .
-      في حالات الضوء العادي تقلل الخلايا الملونة كمية الضوء النافذة إلى العين، وبذلك يتمكن الشخص من القيام بعمله دون مضايقات أو إرهاق .
هذا عن جهاز الأمن في الشقة الأمامية للمقلة "Anterior Segment    "
الجفون - الجهاز الدمعي - القرنية - القزحية والحدقة.
وهناك سؤال يفرض نفسه. وهو هل هناك جهاز مماثل واقي في الشقة الخلفية للعين ؟ والجواب : لا
فالشقة الخلفية بما فيها من أنسجة تتميز بالدقة والضعف، لهذا فهي ناقصة القدرة على حماية نفسها، ولذلك فإن العدوى إذا وصلت إلى الشقة الخلفية للعين فإنها تنتشر بسرعة فيها انتشار النار في الهشيم .
إلا أن هناك أعضاء أخرى أنسجتها محمية بجدران قوية ومصانة في أماكن قوية تتلقى عليها الإصابات وتقيها الضربات ... وهذه الأنسجة هي:
- المحجر أو المربض (الحجاج) Orbit.
- النسيج ألدهني الخلفي "Retrobulbar Fatty tissue"
- العضلات ومحفظة تانون .
- الصلبة .
والآن تعال معي - عزيزي القارئ - لنفند هذه النقاط الأربع لنستخرج منها وسائل الوقاية للعين وكيفية حمايتها لها.
        دور الحجاج (المحجر) :يتميز ببعض الصفات التي تؤهله لحماية العين منها :
-      صلابة حوافه الأمامية وخاصة تلك التي تتعرض للإصابات أكثر، وهى الجزء السفلي والعلوي والوسيط (nasal) .
-      مكانة الغشاء السحاقى الذي يغلف باطنه حولية العظام "Periosteium"
-      إحاطة الجيوب الأنفية به والتي تتميز بالآتي :
•       عازلة للحرارة وعازلة للصوت .
•       تعطى عمق أكبر للفراغ  المحجرى ... الأمر الذي يمكن المقلة من أن تلجأ إليه لحمايتها .
•       تمتص الصدمات من العين .
        دور النسيج الحجاجى Orbital Tissue 
-      يمتص الصدمات الأمامية ويهيئ للمقلة حشوة طرية تغوص فيها المقلة أمام الضغوط الأمامية .
-      يغلف العضلات والأعصاب والأوعية في غلاف ونسيج لين يصلها ببعضها البعض ويحميها من التقصف والتمزق .
-      يحفظ للعين حرارتها ويدفعها للأمام فيحسن رونقها وتتسع فتحتها .
        دور العضلات والمحفظة :
تقوم العضلات بتحريك مقلة العين ... هذه هي وظيفتها الأساسية. بجانب ذلك تكون طبقة خارجية تشارك في تغليف وحماية المقلة من الأذى الخارجي. ولا شك أن سرعة حركة المقلة عامل مهم في تجنب آثار الضربات السريعة - لاسيما للجزء الشفاف منها ألا وهو القرنية .
        ظاهر بيل   Bell's Phenomenon 
تحدث هذه الظاهرة عند محاولة فتح الجفون غصباً أثناء النوم أو في حالات توقع الخطر أو عند الفحص ووضع القطرات ... حيث تتجه العيون إلى أعلى وتختفي القرنية خلف الجفن العلوي وربما تحت السطح العلوي للحجاج.
هذا كله دليل قاطع على مدى مشاركة العضلات العينية في توجيه المقلة إلى المكان الآمن الذي لا يجيء منه الضرر.
        محفظة تانون :
هي اللباس الداخلي للمقلة والقميص ذو الأكمام للعضلات غلف الجميع في ثوب واحد فسهل حركتهم وقلل من إحتكاكاتهم (Friction) فحفظ طرواتهم ولدانتهم .
        دور الصلبة : Sclera
يبرز دور الصلبة في حماية العين من خلال :
-      تكوينها المتين وطريقة ترتيب أليافها في طبقات متقاطعة وليست متوازية .. وهذه الألياف لا يمكن فصلها عن بعضها بسهولة .
-      غير قابلة للمط أي جامدة (Rigid) .
-      عدم شفافيتها وعدم سماحها للضوء من النفاذ خلالها.
وفى النهاية يمكن تلخيص الجهاز الحامي (الواقي) للعين فيما يلي :
(1) الشقة الأمامية :
أ- الجفون              ب- الجهاز الدمعي .
جـ- القرنية           د- القزحية .
(2) الأجزاء الخلفية :
أ- المحجر (الحجاج) .    ب- الغشاء الدهن خلف المقلة
جـ- العضلات والأغشية         د- الصلبة .
فسبحان الخالق … قدر فخلق فأبدع …
خلق كل شئ بقدر تبارك جل شأنه
شفافية العين
لما كانت العين هي الكرة السحرية والنافذة التي يطل منها الجسد على العالم، فإن الله عز وجل قد حباها بجهاز حساس دقيق يقيها غوائل الزمن من هجير وريح وضوء وغبار وإشعاع وهوام وصد وضرب في يقظة أو نوم .
لكي تقوم العين بوظيفتها على الدرجة الأكمل ... فينبغي أن تكون مزودة بالآتي :
-      أوساط شفافة (Transparent Media)  وهى القرنية - العدسة - السائل المائي - الجسم الزجاجي - الشبكية .
-      أعصاب دقيقة الحس (Perfect Sensory System)
-      جهاز حركي متوازن (Balanced Oculomotor System)
-      ضغط معتدل متوازن بين السوائل الداخلة والمنصرفة .
(Normal Intra - Ocular Pressue)
-      خطوط بصرية سليمة (Intact Visual Pathway)
-      مراكز بصرية عاملة (Acting Visual Centres) .
ولكي تعم الفائدة ... فسنقتصر في حديثنا على نقطة واحدة وهى النقطة الأولى الخاصة بــ(شفافية العين) … وتشمل الحديث على القرنية السائل الزجاجي - العدسة - الجسم الزجاجي والشبكية .
        شفافية العين : وهى حصيلة العوامل التالية :
- عوامل تكوينية       : Anatomical
- عوامل وظيفية       : Physiological 
- عوامل إعاشية       : Metabolic 
العوامل التكوينية :
1- تكوين القرنية من رقاقات أليافها مصففة بطريقة متوازنة بلا تقاطع أو ميل. وفى طبقات متعامدة بعضها مع بعض، هذا يؤدى بدوره إلى أن الأشعة الضوئية تستطيع النفاذ دون انعكاس أو تفرق. أي أن القرنية ليس لها أي تأثير إنكسارى ضوئي فتظهر شفافة لا لون لها.
ومن ثم فإن أي عامل يؤدى إلى صف هذه الخلايا والألياف بطريقة غير متوازية في طبقات مائلة وغير منظمة يجعل سطحها يفقد شفافيته ويصبح معتماً ... ويظهر ذلك جلياً في حالات قرح القرنية المندملة .
2- خلوها من الأوعية الدموية. حيث أن وجودها يؤدى إلى إعتام القرنية
3- خلوها من الخلايا .
العوامل الوظيفية :
1- وجود ضغط معين متوازن ثابت واقع على أنسجتها، لو اختل بالزيادة أو النقص لانعدمت الشفافية .
2- سلامة وتكامل الأغشية الطلائية الخارجية "Epithelium" والداخلية "Endothelium" فلو حدث أي خلل بهما سواء إصابة أو مرض .. فإن القرنية تعانى من الإعتام، وذلك لفشل عاملين مهمين هما :
-      عامل الوقاية المسئول عن منع السوائل من النفاذ إلى قلبها وصلب جسدها .
-      عامل الوظيفة التنفيذية الذي تتميز به هذه الأنسجة والذي بمقتضاه تحدث عملية تنفسية نشطة تؤدى إلى ضخ الماء الزائد خارج القرنية بحيث تكون القرنية دائماَ في حالة نشف "dehydration"
العوامل الإعاشية:
كثيراً ما نجد القرنية نتيجة لاضطراب إعاشى إما موضعياً أو كلياً .
الاضطراب الموضعي :
-      كما في حالات الضمور الهلامي، والذي ينتج عنه عتامة دائرية تظهر في الشيوخ المسنين فوق الخمسين، وقد يظهر أحياناً في الشباب  .
-      الضمور الدهنوى ... وهو يظهر بين طبقات القرنية السطحية على هيئة مخروطية ويكون لون العتامة مصفراً لترسيب خلايا دهنية بها.
الاضطراب الكلى :
-      يحدث نتيجة لترسب السكاكر الرغوية بها .
-      ترسب بعض الأحماض الأمينية السستينية "Cysteine" كما في الحالات الخلقية المسماة مركب فانسونى "Fanconi"
-      ترسب أملاح الكالسيوم .
        شفافية السائل المائي :
والسائل المائي كما يدل عليه أسمه مائي التكوين أي لا لون له، وبذلك يكتسب خاصية الشفافية، ويقوم بالمشاركة في السماح بمرور الضوء إلى داخل العين، وإذا تغير هذا التكوين. فإن خاصية الشفافية تفقد، وهذا يتأتى في حالات مرضية عديدة منها :
-      وجود دم بالخزانة الأمامية نتيجة إصابة أو التهاب العين أو مرض دموي .
-      وجود أجسام غريبة بالخزانة الأمامية. مثل أي جسم خارجي غريب أو انزلاق عدسة معتمة بها .
-      تغيير في تكوين السائل المائي نتيجة لتمدد وتسيب الأوعية الدموية بالقزحية والجسم الهدبى والذي على أثره يصبح السائل المائي سميكاً، ويحتوى على مزيد من الزلاليات تماثل تلك التي توجد في مصل البلازما.
        شفافية العدسة :
عدسة العين في شكل حبة الترمس، ولها غلاف مطاط، وتتكون من محفظة "Capsule" وقرطاسية "Cortex" ونواة "Nucleus" وكل هذه المكونات أوساطها شفافة لإمرار الضوء. وتعتمد العدسة في اكتساب شفافيتها على العوامل التالية :
* عوامل بنائية :
-      وجود غشاء طلائي متماسك صحيح .
-      عدم وجود أوعية دموية أو خلايا ذات أنوية داخلياً .
-      تصفيف الخلايا العدسية في نظام متوازي متقوس بحيث تتقابل أطرافها في رتوق ثلاثية الشكل .
* عوامل إعاشية :
-      وجود جهاز تنفسي داخلي لأنسجتها يعتمد على وجود خمائر " Enzymes" ومصاحبات منشطة للخمائر "Coenzymes" مثل مركبات السيتوكروم. والجلوتاثيون "Glutatimione" وفيتامين أ وأملاح الكالسيوم .
        شفافية الجسم الزجاجي :
يعتمد الجسم الزجاجي في أدائه على :
-      سلامة وحدته :بمعنى وجود وجه سليم صحيح "intact Face" وقوام هلامي "Gel Body" وإذا فقد هذا الجسم فإنه لا يستعوض، ولكن يحل محله السائل المائي .
وتتم حالة الإحلال هذه في حالات الالتهاب القزح تحت الحاد فيتحول القوام الهلامي إلى سائل مائي وتتحلل أليافه وخلاياه .
ويلاحظ أنه في كل الحالات التي يفقد فيها الجسم الزجاجي شفافيته تتفاوت درجات فقدان الشفافية والتي تتراوح ما بين عكارة خفيفة تظهر على وجهه الأمامي ولا ترى إلا بالمصباح الشقى "Slit Lamp" أو أجسام سابحة فيه ربما تعيق الرؤية حينما تعبر المجال الحدقي. وهذه ما يعبر عنها بالذبابة الطائرة "musca volitantes"
عوامل الشفافية بالشبكية :
نسيج الشبكية نسيج شفاف تام الشفافية، ولذلك فإن لون قاع العين الذي تراه مكتسباً اللون الأحمر إنما هو في الحقيقة يمثل الأوعية الدموية الموجودة بالمشيمية "Choroid" وما بها من دماء ترى من خلال الشبكية الشفافة.
وسرعة الإعاشة "Metabolic Rate" في الشبكية عالية جداً، لذلك فإن أي عامل يؤدى إلى إنقاصها إنما يؤدى إلى ضمورها ووكفها.
وإذا حدث ذلك فإن شفافيتها تختل وتعتريها التغيرات اللونية وتختل مكوناتها العصبية وينتج عنها ترسبات هلامية ... وكل هذه التغيرات تفقدها شفافيتها فتعتم في المكان المصاب ويظهر ذلك جلياً في حالات الانفصال الشبكي .
وتستمد الشبكية مددها الدموي من الشريان المركزي الشبكي وكذلك من الشعيرات المشيمية، ومن هنا تجئ أهمية هذين المصدرين في العمل على حيوية وإعاشة الشبكية .
لذلك فإن من أهم أسباب ضمور وإعتام الشبكية :
- تجلط أو انسداد في الشريان المركزي الشبكي "Central retinal artery"
- الانفصال الشبكي بأنواعه الأولى والثانوية .
- تسمم الشبكية من مرض عام أو سبب خارجي .
- تيبس في شرايين المشيمية الشعرية "Chorio-capillaries"
بهذه الشفافية التي وهبها الله تعالى لعيوننا فإنها تستطيع أن تقوم بوظائفها التي من أهمها أنها تقوم بعمل النافذة التي منها يستطيع الجسم أن يطل على العالم الخارجي ... كل من يريد أن يفحص داخل الجسم فما عليه إلا أن ينظر إلى العين ... وصدق من قال " العين مرآة الجسم".
فلتكن لنا مع أنفسنا وقفات ووقفات نتأمل فيها ونبحث عن كوامن وأسرار خلق الله للإنسان لنقف خاشعين خاضعين متذللين للخالق جل شأنه نقر بوحدانيته ونذعن له بالاستسلام والطاعة
فالله سبحانه لم يخلق أي عضو - في أجسامنا - إلا بإحكام وتقدير لكي يلاءم طبيعة وظيفته. فسبحان المبدع الخالق جل شأنه .
وصدق الله العظيم القائل :
)إنا كل شئ خلقناه بقدر ) القمر (49)
)وفى أنفسكم أفلا تبصرون (الذاريات (21)