إن مداواة قلوب الأطفال التي مزقتها الحرب مهمة طويلة وشاقة؛ نحاول فيها مواجهة الآثار النفسية للحرب على الأطفال، وتضميد الجراح الناجمة عن ظروف الحرب العصيبة، وهي إستراتيجيات ضرورية وينبغي على الأهل والمحيطين بالأطفال تعلمها جيدا، نظرا لاستمدادهم الشعور بالأمن من تواجد الكبار وثباتهم من حولهم؛ وعندما يرون قلق الكبار وفزعهم؛ ترتجف أفئدتهم الصغيرة ويغمرها مشاعر الخوف والرهبة. ومن أبرز الاضطرابات النفسية التي يعاني منها الأطفال في هذه المرحلة الشعور بالضجر والعصبية الزائدة، ويظهر ذلك من خلال ما يبدو على الأطفال من مظاهر الإحباط وفقدان روح المرح ليحل محلها التجهم والكآبة، كما تظهر الكثير من الأعراض المرضية مثل الرعدة والغثيان وخفقان القلب والصداع والتبول اللاإرادي.
أثر الحرب على نفسية الأطفال لا يتم تسليط الضوء على الإصابات النفسية للأطفال أثناء الحروب، فالإصابات المباشرة تحظى بالاهتمام الأكبر؛ فيما لا يتم ملاحظة الجراح النفسية التي يصاب بها الأطفال عقب الحرب؛ ومنها حالات التوتر الحاد، والصدمة النفسية، والشلل الهستيري، وأزمات التنفس الخانقة نتيجة للتوتر النفسي، وحالات الفزع والذهول المصحوب بالخوف والرعب التي تصيب المدنيين، خاصة عند حدوث خسائر بشرية، فالتعرض لمشاهد العنف ومعايشة اللحظات الرهيبة التي يرى فيها الطفل موت أقاربه ورفاقه، كلها مشاهد لا يحتملها جهازه العصبي ولا تنساها ذاكرته البريئة. الصدمة النفسية( psychic trauma) هي التعبير المستخدم لوصف التأثر النفسي الشديد، ويمكن تصنيف ردود الفعل إزاء الانفجارات إلى: 1- ردود الفعل الأولية: التخدير الحسي عند سماع الانفجار ثم الانتقال إلى مرحلة عدم استيعاب الحدث، تتبعها مرحلة الهستيريا من الصراخ والبكاء. 2- ردود الفعل القريبة الأمد: وهي صعوبات التفكير وحالة من القلق والاضطرابات. 3- ردود الفعل المتوسطة الأمد: فيها يبدأ الطفل بالشعور بعدم الاطمئنان وقد تنتابه حالة من الغضب الناتج عن العجز، وهذا يؤدي إلى انتكاسات نفسية وجسدية. 4- ردود الفعل الطويلة الأمد: تعتمد على قدرة الطفل على التكيف مع الأحداث. وفي حال مشاهدة الطفل لحالات وفاة مروعة لأشخاص مقربين منه أو جثث مشوهة أو حالة عجز لدى مصادر القوة لدى الطفل ((الأب والأم على سبيل المثال)) يصاب عندها الطفل بصدمة عصبية قد تؤثر على قدراته العقلية.
دور الأهل تتلخص توجيهات المختصين في هذا المجال في أنه على الآباء والأمهات أو الكبار من الأهل أن يتمرسوا على أداء هذه الفعاليات إذا تعرض الطفل لظروف مروعة، وأثناء وبعد مواقف الحرب العصيبة التي يتعرض لها الأطفال: - التركيز على كلمات الحنان والحب لتخفيف المعاناة النفسية، وتقديم العون النفسي والدعم العاطفي ما أمكن؛ والعمل ما أمكن على تلطيف الأجواء لبث الثقة في الأطفال. - تشتيت فكرهم عن التركيز في الحدث المروع، خاصة في أوقات الغارات المخيفة وفي حال وقوعها على مقربة منهم.. فهذه اللحظة هي الأهم في حياة الطفل النفسية، وكلما تركناه يواجهها وحده يزداد أثرها السلبي بداخله على المدى القريب والبعيد. - رصد أي خلل نفسي أو وظيفي، والتعامل معه بشكل فوري.
العلاج والتطبيب ودور الطب النفسي أثناء الحروب ليس كماليا أو ترفا كما يتصور البعض، ويكفي أن نعلم أن 25% من الإصابات التي يتم إجلاؤها من ساحات القتال، هي حالات هلع وذعر، بمعنى أن حالة واحدة بين كل أربع إصابات يتم إخلاؤها أثناء القصف تحتاج إلى التدخل بالعلاج النفسي العاجل. وتزيد نسبة الإصابة بالاضطرابات النفسية بصورة ملحوظة في الأطفال لما تتضمنه العمليات القتالية وظروف الحرب من ضغوط انفعالية هائلة تفوق طاقة الاحتمال المعتادة للأطفال. ولحسن الحظ فإن وسائل العلاج النفسي تقدم إستراتيجيات فعالة للتغلب على التوتر والمخاوف لدى الأطفال مثل: العلاج السلوكي وجلسات الاسترخاء، وتقديم جلسات علاجية سريعة للمصابين مع الاهتمام بالحالة الصحية، وقد تستخدم جرعات من الأدوية المهدئة للسيطرة على الأعراض النفسية الحادة، والاستمرار في علاج الحالات التي تظهر بعد فترة عقب الأزمة نتيجة التعرض للصدمات خلال الحرب.
اللجوء إلى الله يمثل اللجوء إلى الله وطلب الغوث منه الدعامة الأهم والأقوى؛ حيث يكفل للكبار فضلا عن الأطفال قدرا كبيرا من الثبات والاطمئنان؛ وعلى هذا الصعيد يمكن القيام بما يلي: - طمأنة الأطفال بأن الله تعالى رحيم ولطيف، وأنه مقتدر ومنتقم، وأن قدرته الإلهية عظيمة وقادرة على نجدته في هذا الوقت من أي شيء مهما كان قويا ومروعا. - بث اليقين بالله وعدله. - محاولة تهوين الأمر على الطفل بسرد القصص التي تحكي عن فضائل الصبر والجلد والعزيمة، وثواب المجاهدين والمرابطين، وكيف نصر الله المؤمنين المستضعفين عبر التاريخ على قلة عددهم وعدتهم. - إشاعة روح التفاؤل والثقة بنصر الله وأنه لا يُعجزه شيء وأن مشيئة العدو لا تغلب مشيئة الله تعالى، فهذا يساعد الطفل على تجاوز حالة العجز والخوف التي قد ترافقه بقية حياته. كل تلك المحاولات تعمل بعون الله على طمأنة قلوب أطفالنا الغزاويين الأشاوس؛ وتسهم في استعادتهم لثقتهم بأنفسهم، وبالعالم من حولهم وعدم فقدان الأمل، واليقين بأن ما كان حزنا بالأمس ينبغي له أن يكون سلاما بعد حين
منقول