في سبيل ثقافة نفطية - التصريحات المعادية للنفط : جهل أم سياسة مدروسة ؟ الجزء الرابع
الناقل :
elmasry
| الكاتب الأصلى :
lionelfcb
| المصدر :
www.startimes2.com
في سبيل ثقافة نفطية - التصريحات المعادية للنفط : جهل أم سياسة مدروسة ؟
يدعو حماة البيئة إلى التخفيف من الاعتماد على النفط واستخدام مصادر الطاقة المتجددة بتخفيض انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون وغيره من الغازات الضارة. في الوقت نفسه، يدعو المحافظون الجدد والرئيس الأمريكي جورج بوش إلى إنهاء الاعتماد على النفط، علماً بأن صناعة النفط أغدقت المليارات على مرشحي الحزب الجمهوري خلال المائة سنة الماضية. يجمع الخبراء على أنه لولا تمويل شركات النفط الأمريكية للمرشح جورج دبليو بوش لما فاز في انتخابات عام 2000، أو في انتخابات عام 2004.
جهل أم سياسة مدروسة؟
صرح الرئيس الأمريكي أكثر من مرة بأنه يستهدف وقف الاعتماد على النفط بشكل عام، ووقف الاعتماد على النفط المستورد بشكل خاص. وقبل ذلك نادى عدد من قادة المحافظين الجدد ، خاصة جيم ووسلي، رئيس الـ "سي آي إيه" السابق، بضرورة تبني مصادر الطاقة المتجددة وإنهاء الاعتماد على النفط. هلّل حماة البيئة لهذه التصريحات وللقوانين التي فرضتها إدارة بوش، خاصة تلك التي تتعلق بالإيثانول والوقود الحيوي، رغم عدم تأييدهم الحزب الجمهوري أو إدارة بوش.
لم تقتصر التصريحات المعادية للنفط على الولايات المتحدة وحدها. ففي الشهور الأخيرة أعلنت فنلندا أنها ستنهي اعتمادها على النفط بالكامل بحلول عام 2030. وقبل ذلك أعلنت السويد أنها تهدف إلى أن تصبح "منطقة حرة من الكربون"، الذي يعني الاستغناء عن النفط والفحم كلياً. جاءت هذه التصريحات في خضم موجة من التصريحات التي غمرت الدول الأوروبية وبعض الدول الشرق آسيوية والرامية إلى زيادة دور مصادر الطاقة البديلة. وساعد على ذلك ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات قياسية في الصيف الماضي، والمواقف الإيرانية والفنزويلية المعادية للغرب.
هل تأتي هذه التصريحات ضمن خطة علمية متكاملة للتخلص من النفط، أم أنها تنم عن جهل كبير، ليس بمواضيع النفط فقط، وإنما بأمور الطاقة بشكل عام؟ هل هذه التصريحات الرنانة مجرد "تصريحات" أم أنها ستأتي أكلها فيما بعد؟ إن أي متبحر في أمور النفط يدرك بسرعة أنها مجرد "تصريحات"، وأن هناك جهلا كبيرا بأمور النفط، وأن أي خطط لإنهاء الاعتماد على النفط، أو تخفيف الاعتماد عليه بشكل كبير، مصيرها الفشل، وأن دور المصادر البديلة للنفط سيتطور مع الزمن ولكن سيبقى دورها بسيطاً. المشكلة أن هذه التصريحات المعادية للنفط قد تقود العالم إلى أزمة نفطية تفوق في آثارها أزمة الطاقة في السبعينيات.
ثمن "الجهل": أزمة طاقة عالمية
إذا صدّقت الدول المنتجة للنفط تصريحات الإدارة الأمريكية، والمحافظون الجدد، وحماة البيئة، وحزب الخضر في أوروبا، فإن العالم مقبل على أزمة طاقة عالمية لم يسبق لها مثيل. كيف تتصرف حكومات الدول المنتجة للنفط إذا كانت مقتنعة فعلاً بأن الدول الصناعية ستتخلى عن النفط خلال 25 سنة المقبلة؟ إن هذا الاقتناع سيؤدي إلى التالي:
1. أن تبدأ الدول المنتجة في تخفيض الاستثمار في صناعة النفط، الأمر الذي سيؤدي إلى تناقص الطاقة الإنتاجية مع الزمن. لماذا تنفق هذه الدول مئات المليارات على تطوير طاقة إنتاجية إضافية إذا كان لا يمكنها بيع هذا النفط في المستقبل؟ هذا الانخفاض في الطاقة الإنتاجية سيكون أسرع بكثير من تطوير مصادر طاقة بديلة، الأمر الذي سيؤدي إلى عجز في إمدادات الطاقة في العالم. سينتج عن هذا العجز وضع اقتصادي ينذر بالشؤم: انهيار اقتصادات الدول الصناعية بسبب شح مصادر الطاقة، في وقت ترتفع فيه أسعار النفط إلى مستويات قياسية. في هذه الحالة لن يصاحب انهيار اقتصادات الدول المستهلكة انخفاض في أسعار النفط كما عهدنا سابقاً.
2. لنتذكر أن التصريحات المعادية للنفط هدفها حماية الاقتصاد المحلي من جهة، وحماية البيئة من جهة أخرى. ولكن آثار هذه التصريحات ستكون معاكسة تماماً لما يرمي إليه من صرح بها. فالاقتصاد سينهار في وقت ستضطر فيه حكومات الدول المستهلكة إلى تخفيض الإنفاق على حماية البيئة، الأمر الذي سيرفع من مستويات التلوث.
3. أن تتبنى الدول المنتجة سياسة معاكسة للسياسة السابقة فتزيد من الاستثمار في قطاع النفط وترفع الإنتاج، الأمر الذي سيخفض أسعار النفط إلى مستويات تمنع تطوير أغلب المصادر البديلة. في هذه الحالة سيزيد اعتماد الدول الصناعية على النفط، وستزداد معدلات التلوث. أليس هذا عكس ما يريده أصحاب التصريحات الداعية لتخفيض الاعتماد على النفط؟
ردة فعل الدول المنتجة للنفط
إن أفضل سياسة لدول النفط لمجابهة هذه التصريحات هو تجاهلها، خاصة أن مصادر الطاقة البديلة مازالت في مهدها وتحتاج إلى عدة عقود من الزمن كي تتمكن من منافسة النفط من دون أي إعانات حكومية.
ولكن هذا لا يعني أن يتم تجاهل مصادر الطاقة البديلة، أو أثر القوانين البيئية في الدول المستهلكة. بل على العكس، فالكل يعرف أن النفط مصدر ناضب، ويعرف أن اقتصادات الدول المنتجة معرضة للخطر بسبب اعتمادها على صادرات النفط، وأن تكنولوجيا المصادر البديلة تزحف ببطء، ولكن بقوة. لذلك فإنه يجب على الدول المنتجة للنفط أن تنوع مصادر دخلها في أسرع وقت، مهما كان وضع النفط في المستقبل. كما أن عليها أن تستثمر قدر الإمكان في مصادر بديلة للطاقة للتخفيف من الاعتماد على النفط داخلياً بهدف زيادة الصادرات النفطية من جهة، وتخفيف آثار التلوث من جهة أخرى. إن إسهام الدول النفطية في تمويل تكنولوجيا تجميع غاز ثاني أوكسيد الكربون وضخه في آبار النفط سيسهم في زيادة الاحتياطيات النفطية، كما سيسهم في تخفيف التلوث.
خلاصة الأمر، إن الدول المنتجة للنفط أولى من الدول المستهلكة بشعار "التخفيف من الاعتماد على النفط"، وعليها أن تقوم بذلك اختيارياً قبل أن تجبر عليه بشكل مفاجئ، إما بسبب نضوب النفط، وإما بسبب تخلي الدول المستهلكة عنه. كما أن عليها أن تكافح الجهل بأمور النفط على المستويين المحلي أولاً ثم العالمي ثانياً، وذلك حتى لا تتم مكافحة الجهل بالجهل. نحن في حاجة ماسة إلى "ثقافة نفطية".