ترتفع المباني الشاهقة في مختلف بلدان الخليج العربي، وتزداد طرقاتها ازدحاماً بالمركبات وينتج عن ذلك اختناقات مستمرة ويزداد البشر تبرماً بوتيرة الحياة، هل هذه هي التنمية المطلوبة لبلداننا وشعوبنا؟ هذا السؤال يظل محورياً عندما تصل أرقام الاستثمار في العقار في مختلف بلدان الخليج تريليونات عدة من الدولارات وتتصاعد قيم الأراضي بمختلف استخداماتها سواء كانت سكنية أو استثمارية أو تجارية أو صناعية . ومن الطبيعي ان ترتفع أسعار الأراضي في ظل هذا الطلب المحموم وتوفر السيولة النقدية . لكن هل تناغمت عمليات التطوير العقاري مع تعزيز البنية التحتية في هذه البلدان أم أن هناك قصوراً في هذه الناحية؟
إن تجارب بلدان الخليج تؤكد أن مشكلات البنية التحتية والمرافق أخذت تنضج خلال السنوات الأخيرة وبدأت الاختناقات تظهر يوماً بعد آخر في المياه والكهرباء والاتصالات ناهيك عن مرافق المجاري والطرقات . ولا يمكن إغفال المشكلات التي تنتج عن هذا التوسع للبيئة والأضرار التي تلحق بها . وأدى التوسع العمراني الى التعدي على الشواطئ وردم البحر أمامها من أجل كسب المزيد من اليابسة لاستغلالها عقارياً في بلدان خليجية عديدة مثل الكويت وقطر والبحرين والسعودية والإمارات، ومن المؤكد أن هذه التعديات على الشواطئ أدت الى تخريب مواطن الثروة السمكية وتراجع نموها . هناك من يتساءل عن جدوى هذه المجمعات السكنية والمتاجر ومباني المكاتب وما إذا كانت اقتصادات المنطقة تتحمل هذا التوسع، وعوامل وكيفية التمويل، لا شك أن مثل هذه التساؤلات مشروعة ومجدية للتعامل مع الاقتصادات العقارية، لكن يبدو أن الكثير من رجال الأعمال والشركات ممن وظفوا الأموال في هذه المشاريع قد حقق أرباحاً طائلة، خصوصاً من عمليات البيع بعد إنجاز الإنشاء، بيد أن مسألة تبرير هذه المشاريع تظل موضع تساؤل عندما تؤخذ الأوضاع السكانية في الاعتبار حيث ان أعداد المواطنين قد لا تبرر التوسع الذي حدث، يضاف الى ذلك ان الوافدين، أو معظمهم، قد لا يستفيدون من عدد كبير من هذه المباني . غني عن البيان أن بلدان الخليج تعاني من خلل في التركيبة السكانية، ومنذ زمن بعيد، وهي عاجزة عن إصلاح هذا الخلل، على الأقل في الزمن القصير، ولذلك فإن جزءاً مهماً من الاستثمار في القطاع العقاري يهدف لمواجهة الطلب من الوافدين، واجه القطاع العقاري خلال العقود الماضية في أكثر من بلد خليجي مشكلات انخفاض الطلب وتزايد العرض مما أدى الى ارتفاع نسبة الشواغر، خصوصاً في المباني السكنية المعدة للاستخدام من قبل مختلف طوائف الوافدين، وتحسن الطلب بعد تحرير العراق وبعد ارتفاع أسعار النفط وتوسع عمليات الاستثمار في القطاعات الحيوية مثل النفط والمرافق والبنية التحتية . هل قام رجال الأعمال الذين استثمروا في المشاريع العقارية بدراسة جدواها، وكم نسبة التمويل التي استخدمت لإنجازها؟ وهل ستؤدي عمليات التمويل الى أزمة للقطاع المصرفي خلال السنوات المقبلة؟ كل ذلك يعتمد على الأوضاع الاقتصادية العامة في مختلف بلدان الخليج ومدى حيوية تفاعل القطاعات الأساسية مع المداخيل النفطية المهمة التي تحققت، وسوف تتحق، للخزائن العامة، ثم كيف سوف توظف هذه الأموال؟ أهم من كل ما سبق ذكره هو أن لا يتحول هذا التوسع العقاري الى مثبط لتعديل التركيبة السكانية وإصلاح الأوضاع الاقتصادية وتفعيل الاعتماد على العمالة الوطنية والاستغناء عن العمالة الوافدة غير الضرورية، وإذا نشأت أوضاع تؤدي الى تضارب المصالح الاقتصادية فإن بلدان المنطقة قد لا تتمكن من التحرر من التشوهات الاقتصادية التي تكونت بفعل الاعتماد على العمالة الوافدة وتهميش دور العمالة الوطنية والاعتماد المهم على الانفاق العام، ولا بد من التذكير بتركيز القطاع الخاص على التوظيف في منطقة الخليج وتأثيرات النهج الريعي الذي اعتمدته حكومات المنطقة على مدى أكثر من نصف قرن . * نقلا عن جريدة "الخليج" الإماراتية