قبل نصف قرن ونيف من الآن عندما شعرت قوة آسيوية ناشئة بشدة حاجتها إلى المزيد من الطاقة أتت النتائج كارثية فقد فرضت الولايات المتحدة حظراً نفطياً على اليابان سنة 1941ف، لوقف اعتداء الأخيرة على قواتها في شرق آسيا فردت هذه بمهاجمة بيرل هاربر.
تبقى اليابان اليوم منتجاً صناعياً مهماً لكن الصين هي التي تسبب شراهتها للطاقة القلق في دهاليز السلطة في العالم فالاقتصاد الصيني ينمو بمعدل غير اعتيادي يبلغ ثمانية إلى عشرة في المائة سنوياً بالمقارنة مع نسبة نمو اقتصاد باقي أمم العالم وهو ثلاثة في المائة، وقد ارتفع استهلاك واستيراد الصين من معظم الفلزات والمعادن ارتفاعاً كبيراً في السنوات القليلة الماضية ففي سنة 2005 نمت مبيعات الصين من السيارات بنسبة %70 بينما ارتفعت وارداتها من النفط بنسبة %30 بالمقارنة مع سنة 2004ف مما جعل هذه الأمة ثاني أكبر مستورد للبترول في العالم بعد الولايات المتحدة ويتوقع أن يزيد عدد السيارات في الصين عن عددها في الولايات المتحدة وأن تستورد الصين من البترول بمقدار ما تستورد الولايات المتحدة منه اليوم وفي سنة 2003م، منعت شنغهاي وهي أكبر مدينة بالصين استعمال الدراجات الهوائية فبينما كانت هذه الدارجات تنقل أكثر من %70 من الأشخاص المتنقلين في هذه المدينة حتى سنة 1990ف، لم يعد يستعملها اليوم أكثر من %15 من الأشخاص للتنقل بين البيت والعمل في سنة 2003ف، كان اقتصاد الصين مسؤولا عن ثلث النمو في الطلب العالمي على النفط مع العلم أن %60 من واردات الصين من النفط تأتي من الشرق الأوسط وأفريقيا وحتى بضع سنوات فقط كانت الصين مكتفية ذاتيا من النفط لكن حقل نفط داكينغ-و هو الأضخم في البلاد بلا منازع لم ينتج أكثر من 50.1 مليون طن سنة 2003 م، بعد أن بلغ أوج إنتاجه سنة 1997ف 56 مليون طن ويتوقع من حقل النفط هذا الواقع في مقاطعة هايلوتغجيانغ الشمالية الشرقية الذي يعود تاريخ تطويره إلى الخمسينيات ألا ينتج أكثر من 30 مليون طن سنة 2010م، في هذه الأثناء تعاني الصين حاليا نقصاً حاداً ومزمناً في الوقود ففي سنة 2003 تعرضت مقاطعات عدة لنقص حاد في وقود الديزل وكانت إمدادات البنزين هي أيضاً شحيحة وواجهت كبرى الشركات المنتجة للكهرباء في الصين نقصاً حاداً في الفحم دفعها إلى مناشدة الدولة التدخل لحل هذه الأزمة التي أعاقت إلى حد خطير الإنتاج المعتاد للكهرباء في الصين.
ولإشباع حاجتها من الطاقة يبدو أن الصين قد وضعت عينها على البلدان المجاورة مع التركيز في نفس الوقت على روسيا وآسيا الوسطى لكن الشرق الأوسط الذي يضم 70٪ من موارد البترول في العالم يبدو أنه هو أيضاً موضوع اهتمام مكثف لصانعي السياسة الصينية وقد حدد تقرير أصدرته لجنة المراجعة الاقتصادية والأمنية الأمريكية- الصينية سنة 2002ف، وهي مجموعة شكلها الكونغرس لرصد العلاقات الأمريكية- الصينية أن الصين تقدم بصورة متزايدة تكنولوجيا وقطع سلاح لإيران وسوريا وبعض القبائل الأفريقية في القرن الأفريقي خاصة و أن هذا الاتجار بالأسلحة مع هذه الأنظمة يشكل تهديداً متزايداً للمصالح الأمريكية خاصة الأمنية منها في الشرق الأوسط وأفريقيا ويخلص التقرير إلى القول إن اعتماد الصين على النفط الأجنبي لتحريك عجلة نموها الاقتصادي هو محرك مهم لعلاقاتها مع الحكومات الراعية للإرهاب ويتوقع هذا الاعتماد أن يزداد في العقد القادم.
ومع ذلك وفي الوقت نفسه جعلت العولمة الولايات المتحدة والصين معتمدتين الواحدة على الأخرى بشكل وثيق فالصين تعتمد بصورة متزايدة على الصادرات الغذائية الأمريكية، والولايات المتحدة تعتمد على السلع الصينية المصنعة الرخيصة إذ يتضاءل إنتاج الأغذية في الصين بسرعة بينما بقيت الولايات المتحدة إلى الآن بين قلة من الأمم تصدر ما لديها من فوائض غذائية، وتتمتع الصين بفائض تجاري مع الولايات المتحدة يزيد عن 100 بليون دولار في السنة، وبما تكسبه من قطع أجنبي، دأبت الصين على شراء كميات كبيرة من سندات الخزينة الأمريكية بمعدل 90 مليون دولار في اليوم من هذه السنوات حتى الكانون 2004 ف ما ساعد الولايات المتحدة على تمويل ديونها، كما تشتري الصين أيضاً بنحو 50 مليون دولار في اليوم سندات رهن عقاري من وكالتي الإقراض السكني الأمريكيتين.
خلاصة الأمر
تقوم الصين ببيع الأمريكان السلع الرخيصة ثم تقرضهم المال اللازم لشرائها.
ومع أن الاعتماد المتبادل يؤدي في حالات عدة إلى استقرار العلاقات الدولية فإنه عندما يكون غير متناظر أو عندما يتعرض للاضطراب بسبب ندرة السلعة أو المواد الأولية المطلوبة، قد يؤدي إلى فترة يسودها التوتر نتيجة الاضطرار إلى التأقلم مع الوضع الجديد- وربما أدى إلى الحرب