كشفت دراسة حديثة موَّلها الاتحاد الأوروبي أن الاقتصاد العالمي يخسر أموالا من جراء انقراض الغابات أكثر بكثير مما ستجره عليه الأزمة الراهنة التي يرزح تحت وطأتها النظام المصرفي والمالي في العالم.
فقد قدَّرت الدراسة الكلفة السنوية الناجمة عن خسائر انحسار الغابات في العالم ما بين 2 و5 تريليون دولار أمريكي.
وأوضحت الدراسة أن هذه الأرقام تتأتى من حاصل جمع قيمة الخدمات المختلفة التي تقدمها الغابات، مثل تزويد كوكبنا بالمياه النظيفة وامتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون.
وتعادل الدراسة، التي أشرف عليها الخبير الاقتصادي في مصرف دويتش بانك، بافان سوكديف، في أهميتها التقرير الذي كان قد أعده مؤخرا عالم الاقتصاد البريطاني السير نيكولاس ستيرن حول اقتصاد تغير المناخ وعُرف بـ "تقرير ستيرن".
مناقشة النتائج
وقد ناقش المشاركون في جلسات المؤتمر العالمي للحفاظ على البيئة، والمنعقد حاليا في برشلونة، النتائج التي توصلت إليها المرحلة الأولى من الدراسة.
ويرى بعض خبراء الحفاظ على البيئة في الدراسة الجديدة وسيلة جديدة يمكن أن تُستخدم لإقناع صانعي القرار بتمويل مشاريع وخطط حماية الطبيعة بدل السماح باستمرار تدهور وانقراض الأنظمة البيئية وأنواع الكائنات والأحياء.
وقد جرى التركيز وتسليط الضوء بشكل أساسي على مثل هذه القضية في "القائمة الحمراء للأنواع المهددة بالانقراض"، والتي صدرت يوم الاثنين الماضي.
مقابلة خاصة
وفي مقابلة خاصة مع بي بي سي على هامش المؤتمر المذكور، أكد سوكديف على أن كلفة انهيار النظام البيئي "تقزم" الخسائر التي يجري الحديث عنها حاليا والناجمة عن أزمة الإئتمان العالمي وانهيار العديد من المؤسسات المالية والبنوك في العديد من الدول.
فقد ذكر سوكديف أن تلك الكلفة "ليست فقط أكبر (من خسائر الأزمة المالية)، بل أكثر ديمومة واستمراية، طالما أنها دائمة الحدوث كل عام، لا بل تتكرر سنة بعد سنة."
وأضاف الخبير الاقتصادي قائلا: "وهكذا في الوقت الذي يعكف فيه وول ستريت على إجراء حساباته المختلفة ويناقش الخسائر التي يتعرض لها القطاع المالي، والتي قد تكون بين واحد إلى واحد ونصف تريليون دولار، تبقى الحقيقة هي أن نسبة الخسارة السنوية الناجمة عن فقدان الرأسمال البيئي تتراوح بين اثنين إلى خمسة مليار دولار بمعايير وحسابات المرحلة الراهنة."
مبادرة ألمانية
يُذكر أن ألمانيا هي من كان قد بادر إلى طرح فكرة الدراسة التي أعدها سوكديف، وجاءت تحت عنوان اقتصاد الأنظمة البيئية والتنوع البيولوجي (تيب)، وذلك أثناء الرئاسة الألمانية الدورية للاتحاد الأوروبي مؤخرا، إلا أن المفوضية الأوروبية هي من قام بتمويل المشروع.
وكان سوكديف وفريقه قد فرغوا من المرحلة الأولى من الدراسة في شهر مايو/أيار الماضي، وذلك عندما تم نشروا النتائج التي كانوا قد توصلوا إليها والقائلة إن كلفة انحسار الغابات في العالم قد تعادل حوالي 7 بالمائة من الناتج الإجمالي العالمي.
أما المرحلة الثانية من الدراسة، فستمتد لتشمل الأنظمة البيئية والطبيعية الأخرى.
مفتاح الفهم
والمفتاح الرئيسي في فهم النتائج التي أفضت إليها دراسة سوكديف هو أنه كلما تراجعت مساحة الغابات وانحسرت، كلما توقفت الطبيعة عن تقديم الخدمات التي دأبت على تقديمها أساسا وبالمجان.
وبالتالي، سيتعين على الاقتصاد البشري في هذه الحالة إما المبادرة إلى تقديم تلك الخدمات بنفسه وعلى نفقته، ربما عبر بناء خزانات ومستودعات احتياطية ومنشآت وتجهيزات تكون كفيلة بالتخلص من الزائد من غاز ثاني أكسيد الكربون، أو من خلال زراعة محاصيل للحصول على الطعام الذي كان متوافرا بين أيدي البشر بشكل طبيعي.
أما الخيار الآخر، فهو أن نتدبر أمرنا بدون الاعتماد على مثل هذه الخدمات، وبكلتا الحالين سوف تكون هنالك كلفة مالية يترتب علينا دفعها.
الفقراء يدفعون الثمن
وتشير الإحصائيات التي أفرزتها دراسة "تيب" إلى أن الكلفة تقع في نهاية المطاف على كاهل الفقراء، وعلى نحو غير متكافئ، وذلك لأن الجزء الأعظم من حياة هؤلاء يعتمد مباشرة على الغابة، وخصوصا في المناطق المدارية والاستوائية.
أما الكلفة المترتبة على الدول الغربية، فتأتي مبدئيا من انحسار مساحة الغابات التي تعد بمثابة الماص الطبيعي لغاز ثاني أكسيد الكربون، والذي يُعد أهم ما تفرزه ظاهرة الانبعاث الحراري.
وتعليقا على أهمية دراسة سوكديف وفريقه، يقول أندرو ميشال، مدير برنامج كانوبي العالمي: "إن دراسة تيب ستؤدي نفس الدور الذي لعبه تقرير ستيرن في إبراز قيمة الطبيعة، كما ستظهر المخاطر التي ستنجم عن فشلنا في فهم هذه القيمة بالشكل المناسب والأنسب."
وعي المشكلة
وأخيرا يرى سوكديف أن الحكومات والشركات ورجال الأعمال قد بدأوا يتحسسون أهمية المشلكة ويعون أبعادها، إذ يقول: "لقد تغير الزمن، فمنذ ثلاث سنوات، أو حتى سنتين، كانت أعين البعض تجحظ بك مستغربة عند طرح مثل هذه المشكلة."
ويضيف قائلا: "أما اليوم، فعندما أقول هذا، فهم يصغون وينصتون إلي. في الواقع، بدأت أتلقى أسئلة من قبيل: كيف تقوم بحساب هذا، وكيف يمكننا تمويل ذاك، وما بوسعنا أن نفعل حيال هذه، ولماذا لا تتكلم مع فلان أو السياسي الفلاني أو الشركة أو الجهة الفلانية بشأن تلك؟."
يقول سوكديف إن الهدف الذي يضعه وفريقه نصب أعينهم الآن هو إتمام الدراسة مع حلول منتصف عام 2010، وهو التاريخ الذي تعهدت الحكومات والدول أن تبدأ به عملية إبطاء أو تخفيض خسائر التنوع البيولوجي، كما نص عليه الميثاق العالمي للتنوع البيولوجي.