فتح العزيز القَهَّار بذكر طرف من العذاب المعنوي لأهل النار

الناقل : heba | الكاتب الأصلى : محمد بن عمران | المصدر : www.midad.me

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أخي الحبيب: أرجو منك أن تجلس في مكان هادئ لا يشغلك فيه أي شيء آخر عما تقرأ، ولا تفكر الآن في أي شيء إلا الموقف الذي أدعوك لأن تتخيله.

تخيل أخي الكريم أنك تجلس في بيتك، والذي يتكون من والديك وإخوتك، ثم تُفاجئ أنه في ذات يوم قال لك الأب والأم: نحن نكرهك أشد الكره ولا نريد أن نري وجهك أو نسمع صوتك، ويقول لك الإخوة نحن لا نريدك أن تكون بيننا ولا نريدك أخًا لنا ولا نحبك أساسًا، ثم تُفاجئ بمفاجأة أخري لم تكن تتوقعها وهي أن الحجرة التي دخلت فيها لتجلس بمفردك بعيدًا عن أهلك أنها هي الأخرى تقول لك: أن لا أريدك أن تكون بداخلي، أخرج بالخارج...بالله عليك كيف يكون حالك أخي الحبيب.فالمكان الذي تجلس فيه يبغضك جدًا، وصاحب المكان لا يريد أن يري وجهك وأخوتك لا يريدونك أن تكون مصاحبًا لهم ويكرهونك جدًا.. كيف يكون حالك... لا أريدكم أن تعجبون من هذا الكلام فإنه والله هيّن جدًا بالنسبة لما ستقرأه في السطور القادمة.. فتأمل معي.

إن أهل النار يُعانون أصنافًا كثيرة من العذاب البدنيّ الحسيّ، ولكن هناك عذاب آخر له وطأة شديدة عليهم ألا وهو العذاب المعنويّ، ومن ذلك قضية المقت الشديد: لأنفسهم، والمقت الشديد من الله عليهم ومن الملائكة ومن أهل النار لأنفسهم، ومن المؤمنين لهم، بل ومن النار نفسها، نسأل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة.

قال عز من قائل عن مقت النار لأهلها: {إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ} (الملك: 7). قال الثوري: تغلي بهم كما يغلي الحب القليل في الماء الكثير.

{تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ}أي تكاد ينفصل بعضها عن بعض من شدة غيظها وحنقها بهم.

وقال تعالي: {إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا} (الفرقان: 12) هذه الزفرة لا يبقي مَلَك مُقرب ولا نبي مُرسل إلا خرّ لوجهه ترتعد فرائصه، {إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ}: أي: قبل وصولهم إليها ووصولها إليهم {سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا}: غليانًا كالغضبان إذا على صدره من الغضب، "وَزَفِيرًا": صوتًا شديدًا لأنها قد غضبت لغضب خالقها.

وقال - سبحانه - وتعال: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ} (ق: 30) يسألها ربها: "هَلِ امْتَلَأْتِ؟ " وذلك لكثرة ما أُلقيّ فيها، "وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ": أي: لا تزال تطلب الزيادة من المجرمين العاصيين، غضبًا لربها، وغيظًا علي الكافرين.

وأما عن مقت الملائكة لأهل النار فقد قال الله - عز وجل -: {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ الْعَذَابِ * قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} (غافر: 49، 50) لما يسأل أهل النار الملائكة تخفيف العذاب ترد عليهم الملائكة موبخة لهم {أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ} "قَالُوا بَلَى" "قَالُوا فَادْعُوا" أي: قال الخزنة لأهل النار متبرئين من الدعاء لهم والشفاعة: {فَادْعُوا وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} أي لا يُقبل ولا يُستجاب.

وقال الله - سبحانه - وتعالي: {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ} (الرحمن: 41) يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ باسوداد الوجوه وزرقة العيون فيجمع الزبانية ناصيته مع قدميه ويلقونه في النار.

وقال الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (التحريم: 6).

"مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ" أي: طباعهم غليظة قد نُزعت من قلوبهم الرحمة، تركيبهم في غاية الشدة والكثافة والمنظر المزعج، فهم غليظة أخلاقهم، شديد انتهارهم، يُفزِعون بأصواتهم، ويُخيفون بمرآهم، ويهينون أهل النار بقوتهم.

وأما عن مقت أهل النار بعضهم لبعض فقد قال تعالي: {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ رَبَّنَا هَـؤُلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَـكِن لاَّ تَعْلَمُونَ} (الأعراف: 38)

{كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا} كما قال تعالي: { ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا} (العنكبوت: 25) "حَتَّى إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعًا" أي: اجتمعوا فيها "قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ رَبَّنَا هَـؤُلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ" أي: عذبهم عذابًا مُضاعفًا لأنهم أضلونا، وزينوا لنا الأعمال الخبيثة.

وأما عن مقت الله لهم، ومقتهم لأنفسهم فيقول العزيز الحكيم: { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ} (غافر: 10) "لَمَقْتُ اللَّهِ" إياكم في الدنيا "إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ" "أَكْبَرُ" من مقت بعضكم بعضا يوم القيامة؛ لأن بعضهم عادى بعضا ومقته يوم القيامة، فأذعنوا عند ذلك، وخضعوا وطلبوا الخروج من النار. وقال الكلبي: يقول كل إنسان من أهل النار لنفسه مقتك يا نفس؛ فتقول الملائكة لهم وهم في النار: لمقت الله إياكم إذ أنتم في الدنيا وقد بعث إليكم الرسل فلم تؤمنوا أشد من مقتكم أنفسكم اليوم. وقال الحسن: يعطون كتابهم فإذا نظروا إلى سيئاتهم مقتوا أنفسهم فينادون "لمقت الله" إياكم في الدنيا "إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ" "أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ" اليوم. وقال معناه مجاهد. وقال قتادة: المعنى "لَمَقْتُ اللَّهِ" لكم "إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُون" "أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ" إذ عاينتم النار. فإن قيل: كيف يصح أن يمقتوا أنفسهم؟ ففيه وجهان: أحدهما أنهم أحلوها بالذنوب محل الممقوت. الثاني أنهم لما صاروا إلى حال زال عنهم الهوى، وعلموا أن نفوسهم هي التي أبقتهم في المعاصي مقتوها. وقال محمد بن كعب القرظي: إن أهل النار لما يئسوا مما عند الخزنة وقال لهم مالك: "إنكم ماكثون" على ما يأتي. قال بعضهم لبعض: يا هؤلاء إنه قد نزل بكم من العذاب والبلاء ما قد ترون، فهلم فلنصبر فلعل الصبر ينفعنا، كما صبر أهل الطاعة على طاعة الله فنفعهم الصبر إذ صبروا، فأجمعوا رأيهم على الصبر فصبروا فطال صبرهم، ثم جزعوا فنادوا "سَوَاء عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ" (إبراهيم: 21) أي من ملجأ؛ فقال إبليس عند ذلك: {إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (إبراهيم: 22) يقول: ما أنا بمغن عنكم شيئا "إني كفرت بما أشركتمون من قبل" [إبراهيم: 22] فلما سمعوا مقالته مقتوا أنفسهم. قال: فنودوا "لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ".

وقال تعالي: " قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ"(المؤمنون: 108) وهذا القول ـ نسأل الله العافية ـ أعظم قول علي الإطلاق يسمعه المجرمون في التوبيخ والذل والخسار، والتأييس من كل خير، والبشري بكل شر، وهذا الكلام والغضب من الرب الرحيم، أشد عليهم وأبلغ في نكايتهم من عذاب الجحيم.

بل وعن مقت المؤمنين لأهل النار يقول الله - عز وجل -: " فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ" أي: يوم القيامة حين يرون الكافرون في غمرات العذاب يتقلبون، يضحك المؤمنون من شدة مقتهم لهم وهم في غاية الراحة والطمأنينة علي السُرر المُزينة.

"رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا"

"اللهم إني أسألك بأن لك الحمدَ، لا إله إلا أنت وحدك، لا شريك لك، المنَّانُ، يا بديعَ السماوات والأرض، يا ذا الجلالِ والإكرام، يا حيُّ يا قيومُ إني أسألك الجنة، وأعوذ بك من النار ".

" اللهم إني أسألك العفوَ والعافيةَ في الدنيا والآخرة ".

" اللهم إني أسألك الجنة. اللهم إني أعوذُ بك من النار ".

" اللهم إني أسألك المعافاة في الدنيا والآخرة ".

" اللهم رَبَّنا آتِنا في الدُّنيا حَسَنَةً، وفي الآخرةِ حَسَنَةً، وَقِنا عَذَابَ النَّار ".

" اللهم إني أسألك من الخير كلَّه، عاجِلِهِ وآجلِه، ما عَلِمتُ منه، وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشِّر كُلِّه عاجِلِهِ وآجِلِهِ، ما علِمْتُ منه، وما لم أعلم، اللهم إني أسألك من خير ما سألك عبدُك ونبيُّكَ، وأعوذ بك من شَرِّ ما عاذ به عبدُك ونَبِيُّكَ، اللهم إني أسألك الجنةَ، وما قرَّب إليها من قولٍ أو عمل، وأعوذ بك من النار، وما قرَّبَ إليها مِنْ قولٍ أو عمل، وأسألُك أن تجعل كُلَّ قضاءٍ قَضيْتَهُ لي خيرًا ".

" اللهم صلِّ علي محمد، وعلي أهل بيته، وعلي أزواجه وذريته، كما صليت علي آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك علي محمد، وعلي آل بيته، وعلي أزواجه وذريته، كما باركت علي آل إبراهيم، إنك حميد مجيد ".

 

--------------------------------------------

1- تفسير ابن كثير. للحافظ ابن كثير.

2- تفسير القرطبي. للإمام محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي.

3- تفسير السعدي. للعلاّمة عبد الرحمن بن ناصر السعدي.

4- وصف الدور الثلاثة من تفسير ابن كثير. للشيخ أبو ذر القلموني.

5- مختصر النصيحة في الأذكار والأدعية الصحيحة. للدكتور محمد بن إسماعيل المقدّم.