يُعاني الطفل التوحدي من اضطرابات نمائية في تواصله الحسي نتيجة قدراته الحسية المحدودة و كثيراً ما ترغب الأسرة في أن ترى طفلها التوحدي يلعب مثل الأطفال الأسوياء , و بالتالي هم الذين يفرضون عليه لعبة معينة يعتبرونها الوسيلة النموذجية , و هذا غير صحيح بل على عكس ما ينبغي أن يكون , حيث يجب البحث دائماً عن الأدوات و الألعاب التي تُثير انتباه الطفل التوحدي و تجذبه بشرط أن تكون مناسبة مع قدراته الحسية. و تعتبر الألعاب التي تستخدم باللمس مفيدة جداً مثل الكرات البلاستيكية (التيلة) أو حبات الخرز الدائرية و الكروية و البيضاوية , و المجسمات المصنوعة على هيئة أناس و حيوانات و أشكال مضحكة و مسلية أو غير ذلك من الألعاب التي تنمي أطراف حواسه. كما أن الألعاب المتحركة التي تتحدى الطفل التوحدي في كيفية السيطرة عليها تعتبر في بعض الأحيان مفيدة و جذابة لأنها تزودهم بأحاسيس مثيرة للإهتمام عندما تتحرك أو تهتز كما أنها تشكل ضغطاً على الطفل التوحدي المنكمش على نفسه كي يرتبط بها و يتحرك نحوها.
و في نفس الوقت نجد الطفل يحاول أن يحتفظ بعلبة صغيرة في ملابسه مثال ذلك احتفاظه بكرة صغيرة حيث تتصاعد أحاسيسه بالتفاعل مع الجسم المادي (الكرة) و يكتسب الخبرة عن نفسه و عن الآخرين , و التكامل الجسمي المرغوب نوعاً ما , و ليس في كل الأحيان حسب طبيعة التوحدي, في علاج التوحد من الألعاب ذات الصوت المسموع و اللون البراق و الحركة الملموسة المثيرة, التي تجعل طفل هذه الفئة يفرح و يقفز عند مشاهدته لها أو لمسها. لهذا يجب أن تكون الألعاب الأولى التي يمارسها الكبار مع أطفالهم التوحديين هي التي تشتمل على اللعبة ذات الحركة الملموسة التي توجد التواصل من خلال الرؤية الواضحة المثيرة (التواصل المرئي) التي تخلق لديه النواة الأولى من الخبرة بهذه اللعبة أو تلك مع مراعاة توفير قدر من استمتاعه بها , و من خلال تكرار هذه الطريقة سوف يتم ربطه من جديد بالتواصل الذهني و كما أن تشجيع الآباء و الأمهات للتوحديين لإختيار اللعبة المناسبة عن طريق اللمس أو بالإشارة من خلال النظر إليها سوف يعزز من إمكانية العلاج , و مثال على ذلك عند أخذك لعبة من الألعاب ذات الأقنعة و إخفائها أسفل ثيابك و وضع بعضها على رأسك مثل هذه الألعاب التربوية الهادفة و الوجوه و الأشكال الجذابة سواء حيوانات أو مواد معيشية تؤمن لك الكثير من نقاط الإلتقاء و الإرتباط و التي تحث الطفل التوحدي على التفاعل و تحفزه على التواصل مع المحيط الخارجي.
و مثال آخر على ذلك لو جعلت الطفل يجلس أمامك و تحاول أن تخفي اللعبة في يدك و تظهرها فجأة من تحت الطاولة مع إبراز صوتك (القناع الضاحك) أو تقول له أين القناع الضاحك , فهناك نقاط و عوامل كثيرة من خلال اللعب و المواد و الأشياء المادية تعطي حركة ذهنية تعليمية هادفة للتوحديين تحفزهم نحو البحث و الحركة و التحري و التفاعل مما ينمي لديهم الإحساس بالأشياء.
مثال ذلك أيضاً , تحاول أن تلعب مع التوحدي لعبة سكب و تفريغ الكرات الزجاجية (التيلة) من كوب إلى كوب آخر أمام ناظريه و على مسمع منه و تحاول أن تضع يده في الكوب أو الوعاء فنجد أنه يستمتع بضغط و سكب الكرات على يده و على أطراف أنامله حيث تساعده على المرح و السرور و تنمي أحاسيسه الطرفية و بناء على هذه الألعاب المبدئية و من خلال إضافة الألعاب الأخرى في وسط هذه الأوعية من المواد البلاستيكية سواء كانت (حروف,فواكه,أرقام,حيوانات) بإخفائها و بعثرتها و بإمكان الأسرة أن تستخدم عمليات اللعب هذه كعملية للفتح و الإغلاق لتأسيس سلسلة تفاعلات حركية مثل فتح الوعاء و غلقه حيث تساعده العملية على معرفة المعاني الجديدة (فتح,غلق) و مهارات متنوعة.
و قد تجد الأسرة من طفلها التوحدي عدم الإستجابة للطلب, و هذا هو أسلوب رفضه بدل من أن يقول (لا اريد أن أعمل كذا) أو ربما ينتظر الطفل إستعادة سيطرته على الموقف و أنه لن يأخذ اللعبة منك إلا بعد أن تضعها على الطاولة و أن تبتعد عنها لوهلة , حتى يتصرف هو بنفسه , و على الأسرة أن تتفاعل معه و تبدي من خلال النظرات و تعابير الوجه التعبير عن الرضا و القبول بما يفعل و توحي له بحركة الرضا و الإستحسان و كذلك الأخطاء الصادرة منه تحولها إلى و سيلة للحافز له و الحركة مثال على ذلك الفقاعات الهوائية التي تخدم هذا النوع من التفاعل.
كل واحدة من هذه الألعاب (الفقاعات, المواد البلاستيكية , القصص التركيبية و الأفلام الفكاهية , السباحة) ألعاب مُتفاعلة إلى الحد الذي تجعل من التوحدي يبدع و كأنه قد أثر عليك و تجعل الفائدة مستمرة و تشاركه بها بكل فرحة و بهجة و سرور. و أهم شيء في هذه العملية العلاجية باللعب أن تكون كطبيب مُعالج أو مسؤول في الأسرة أو المدرسة , حذراً مُتيقظاً لإستجابات الطفل و معك سجلك الخاص لتدوين ملاحظاتك و لا ينبغي أن تتجاوز الإستجابات المرفوضة للطفل التوحدي إلى أن تجد الطريقة الكفيلة بفك و فتح و إبعاد عزلة و إنطواء التوحدي و تجعله فعالاً نشطاً إجتماعياً. و هنا ستجد أن جهدك سوف يقل و لكنه في المقابل سيزيد الإنتباه من قبل الطفل التوحدي . مثال على ذلك الطفل التوحدي الذي يظهر عليه عدم معرفته للبعد الهدفي من اللعب في تصفيف الأشكال المختلفة من السيارات على خط مستقيم بشكل متكرر , علينا عندئذ المبادرة بإعطائه اللعبة الأخرى و التي كان سيتناولها بشكل بديهي و علينا أن نساعده فقط فيما يقوم به التوحدي عادة و أن نتكلم معه في تلك الأثناء ثم نحاول أن نضع اللعبة في المكان الذي كان يود الطفل وضعها فيه بينما يقوم هو بوضع اللعبة التالية في المكان التالي و هكذا. و عندما تلاحظه و تجد أنه في حالة نفسية مريحة مع هذه الطريقة فحاول أن تضع اللعبة التالية بنفس الترتيب الصحيح كلما أمكن و ذلك للمحافظة على التواصل و التقارب مع الطفل, و تكون النتيجة إرتباط بين اللعبة و بين الطفل التوحدي و ينبغي الترحيب بإعتراضاته و أسئلته و التعاون معه, لأن كلا التعاون و الإعتراض يُمثلان إستجابات عارضة مؤثرة.
من كتاب / التـــوحـــد الــــعـــلاج بالـــلـــعب / أستاذ/ أحــمــد جــوهـــر/ الــــكــــويـــــت