يتمثل اكتئاب ما بعد الولادة في نزوع إلى التفكير السلبي وإحساس بالقنوط تعاني منه المرأة بعد ولادة طفلها. وبالإضافة إلى الحزن والأحاسيس الخاوية من الحياة التي تترافق مع الاكتئاب، تخشى النساء اللواتي يعانين من اكتئاب بعد الولادة، من أن يلحق هذا الأمر أضرارا بالطفل بطريقة أو بأخرى، مما يكرس لديهن الإحساس بأنهن أمهات غير صالحات. وينقسم الاكتئاب الذي يصيب النساء بعد الحمل إلى ثلاثة أنواع هي “أسى الأمومة” و”اكتئاب ما بعد الوضع” و”ذهان ما بعد الوضع”. تصاب الأم الجديدة بأسى الأمومة خلال اليوم الأول أو الثاني بعد الوضع وقد يستمر لمدة ثلاثة أسابيع، وهو اضطراب شائع بين الأمهات حديثات العهد، ويعتبر اضطرابا طبيعيا على الرغم من أن الأم لا تشعر انها طبيعية. فقد تشعر الأم بالراحة للحظة ثم فجأة قد تنفجر بالبكاء في اللحظة التالية. وبالإضافة إلى الكآبة والإحباط هناك أعراض أخرى تشمل: فقدان الطاقة وعدم القدرة على النوم وفقدان الشهية والشعور بالتعب بعد النوم والتوتر والقلق الزائد والارتباك والخوف المفرط من التغيرات البدنية وفقدان الثقة . اكتئاب ما بعد الوضع هو عبارة عن اضطراب في المزاج يتمثل في التفكير السلبي والشعور بالخيبة والحزن والقنوط. وبخلاف “أسى الأمومة” فقد تتأزم هذه الحالة وتستمر لأكثر من شهر بعد الوضع. وتعاني من هذا الاضطراب ما يتراوح بين 10 إلى 15 بالمائة من النساء بعد الوضع. وتفقد النساء المصابات المتعة بالأشياء والعادات اللواتي كن يمارسنها. كما تختلف الأعراض من امرأة إلى أخرى وتشمل أيضا الإحساس بالتعب والإرهاق الشديد وفقدان الأمل والعجز وتغيرات في الشهية والتوتر وصعوبة في التركيز وعدم القدرة على اتخاذ القرارات وخفقان القلب والنخز والإحساس بالخدر والفزع الذي يؤدي إلى نوبات ذعر ورغبة في إيذاء الطفل أو النفس وعدم الاهتمام بالنظافة الشخصية والمظهر والهوس بصحة الطفل. كما يختلف اكتئاب ما بعد الوضع من امرأة إلى أخرى من حيث الشدة. فقد يستمر عند بعض النساء لعدة شهور. وبإمكان الأمهات اللواتي يعانين من اكتئاب ما بعد الوضع المعتدل، الاعتناء بأطفالهن وممارسة نشاطاتهن اليومية، في حين ربما يستحوذ على الأخريات التوتر والقلق لدرجة يفقدن معها القدرة على الاعتناء بأنفسهن أو أطفالهن. ذهان ما بعد الوضع يمكن تعريف ذهان ما بعد الوضع بأنه أحد الاضطرابات الحادة والنادرة في نفس الوقت، على اعتبار انه يصيب امرأة واحدة من بين كل 1000 امرأة. وتبدأ هذه الحالة عادة خلال ال 3-10 أيام الأولى التي تعقب الوضع، حيث تعاني المرأة المصابة مما يمكن أن نسميه الانفصال عن الواقع، فتخسر الوزن بسرعة من دون اتباع أي نظام غذائي خاص ولا تستطيع النوم أحياناً لفترة تتجاوز ال 48 ساعة، وتعاني من الأوهام والهلوسات. ويمكن القول ان ذهان ما بعد الوضع هو أزمة صحية تتطلب تدخلا فوريا من قبل طبيب مختص. ولم يعرف حتى الآن ما إذا كان ذهان ما بعد الوضع مرضا واحدا مستقلا أم مجموعة أمراض معاً. أسباب اكتئاب ما بعد الحمل لا يوجد سبب محدد للأزمات العاطفية التي تعاني منها العديد من النساء بعد الوضع. وعلى كل حال، يعتقد الخبراء ان التغيرات السريعة التي تحصل بعد الوضع في مستوى الهرمونين الأنثويين الأستروجين والبروجيستيرون تؤثر بشكل كبير على الصحة العقلية للمرأة. فالمعروف أن المبيضين والمشيمة هي التي تفرز البروجيستيرون والاستروجين، لتمكين الرحم من احتضان البويضة الملقحة والحفاظ عليها. ويرتفع مستوى هذين الهرمونين 10 أضعاف خلال فترة الحمل، وانخفاض مستواهما بشكل حاد قد يؤدي إلى الإجهاض. وبعد الوضع، ينخفض مستوى البروجيستيرون بشكل كبير إلى ان يصل إلى ما كان عليه قبل الحمل في غضون 72 ساعة بعد الوضع. ويعتقد الخبراء أن هذا الانخفاض الدراماتيكي في مستوى الهرمونات الأنثوية يلعب دورا مهما في الاكتئاب الذي تصاب به العديد من النساء بعد الوضع. وخلال فترة الحمل يرتفع مستوى الإندورفينات، وهي مواد طبيعية تعمل على تحسين المزاج، بيد أن مستوى هذه المواد ينخفض بشكل حاد بعد الحمل، الأمر الذي قد يساهم في تعزيز احتمالات الإصابة بالاكتئاب. وبالإضافة إلى هذه التغيرات الفيزيائية، هناك عوامل أخرى ربما تساهم في الإصابة باكتئاب ما بعد الوضع وتشمل الحمل الصعب أو الولادة الصعبة والمشاكل الزوجية والرضيع المتطلب جدا وإحساس المرأة بأنها لم تعد حاملا. والواقع انه لا يمكن تحديد النساء المعرضات للإصابة باكتئاب ما بعد الوضع من خلال مستوى الهرمونات، ولكن هناك فئات عديدة من النساء أكثر عرضة من غيرهن للإصابة بالمرض وتشمل النساء اللواتي أصبن بالمرض بعد حمل سابق والنساء اللواتي شهدن تجربة ولادة عسيرة والنساء اللواتي سبق أن أصبن باكتئاب ما قبل الوضع وكذلك النساء اللواتي أصبن من قبل باكتئاب لا علاقة له بالحمل والنساء اللواتي لديهن أم أو أخت عانت من اكتئاب ما بعد الوضع على اعتبار ان هذه الحالة المرضية تنتقل على ما يبدو بين أفراد العائلة. وبالإضافة إلى ذلك، النساء اللواتي تعرضن لضغوط نفسية نتيجة تغيرات وأحداث مفاجئة في حياتهن مثل خسارة الوظيفة أو فقدان المنزل أو موت شخص قريب، والنساء اللواتي يعانين مما يسمى متلازمة ما قبل الحيض الأمر الذي يجعلهن أكثر عرضة للاضطرابات الهرمونية بعد الوضع. ومن أجل خفض احتمالات الإصابة بالاكتئاب بعد الوضع، ينصح الخبراء النساء بأن يجمعن معلومات قدر ما يستطعن عن المسؤوليات والمهام المتعلقة برعاية الأطفال قبل ولادة الطفل. ويمكن الحصول على مثل هذه المعلومات من خلال الكتب والمجلات الخاصة برعاية الأطفال والاستفادة من مهارات النساء اللواتي يتمتعن بخبرة كبيرة في هذا المجال. وإذا كانت الأم المرتقبة من المعرضات للإصابة بالاكتئاب بعد الوضع، فإنه من الحكمة أن تراجع طبيبا مختصا خلال فترة الحمل. المساعدة الطبية والعلاج قد يكون من الصعب تحديد متى يجب البحث عن المساعدة الطبية وخصوصا إذا كانت المرأة تعاني من حالة معتدلة من الاكتئاب. ولكن من المهم معرفة الفرق بين حالة أسى الأمومة التي ستزول تلقائيا وبين اكتئاب ما بعد الوضع المستمر. لقد اكتشفت نساء كثيرات بعد العلاج متعة الأمومة. بيد أن هناك بعض التعليمات التي تساعد الأمهات والأزواج في تحديد ما إذا كانت هناك ضرورة إلى الاستشارة الطبية أم لا. فالحالة التي تعرف باسم أسى الأمومة تعتبر طبيعية، ولكن في حال تفاقمت الحالة واستمرت أحاسيس الحزن والقنوط لأكثر من ثلاثة أسابيع، عندها يجب استشارة الطبيب. وتصبح الاستشارة الطبية المختصة ضرورية أيضا إن لم يقدم الحوار مع الأصدقاء وأفراد العائلة أو الزوج أية فوائد. ويجب إدخال الأم المكتئبة إلى المستشفى على الفور فيما لو بدأت تسمع أصواتا غريبة أو في حال راودتها أفكار لإلحاق الأذى بالطفل أو قتل نفسها أو الطفل. وعلى الرغم من أنه لا يوجد علاج أو طريقة علاجية خاصة بكل امرأة على حدة، ولكن هناك تركيبة علاجية تشمل مضادات الاكتئاب والدعم الاجتماعي. وأما طرق العلاج فتنقسم إلى قسمين هما: المعالجة المعرفية والمعالجة النفسية الاجتماعية. وتقوم المعالجة المعرفية على نظرية مفادها أن الطريقة التي نفكر بها وندرك بها العالم تؤثر على المزاج والأداء. ويعمل المختصون في المعالجة المعرفية على مبدأ أن المدارك السلبية يمكن ان تؤثر بسرعة على مستوى احترام الذات والاعتزاز بها وتوهن الجسم وتثبط الهمم وترفع مستوى التوتر والضغط النفسي. وتهدف المعالجة المعرفية، إلى تعويد الأم المعنية على الاستجابة للأحداث والتفاعل معها بطريقة جديدة. فعلى سبيل المثال، قد تجد الأم صعوبة في تهدئة طفلها أو تخفيف الآلام التي يعاني منها، مما يدفعها إلى الاعتقاد بأنها أم غير صالحة. وفي هذه الحالة يقوم المعالج بمساعدة الأم وإفهامها أن ولدها يعاني من مشكلة جسمية ناجمة عن رياح البطن مثلا، وهذه حالة لا تستطيع أي أم فعل أي شيء تجاهها. وأما بالنسبة للمعالجة النفسية الاجتماعية، فتقوم على فكرة أن هناك علاقة بين اضطراب المزاج والعلاقات الشخصية الاجتماعية كالعلاقة مع الزوج أو الوليد الجديد. وتساعد هذه الطريقة العلاجية الأم على تحقيق توازن بين دورها كأم وشريك وموظفة وصديقة. وتتيح العقاقير المضادة للاكتئاب خيارا إضافيا للأم التي تعاني من اكتئاب ما بعد الوضع. وتساعد مضادات الاكتئاب في تحسين المزاج وتعزيز الطاقة مما يمكن الشخص من استعادة القدرة على ممارسة نشاطاته اليومية. ولا يوجد عقار بعينه يمثل الحل الأفضل لجميع المصابات ولكن على ما يبدو أن توليفة من أكثر من عقار يمكن أن تشكل علاجا فعالا بالنسبة للعديد من النساء اللواتي يعانين من الاكتئاب بعد الحمل. وهناك العديد من مضادات الاكتئاب في الاسواق وتنقسم إلى فئة قديمة تسمى “تريسيكليكس” وتعتبر آمنة وفعالة على الرغم من آثارها الجانبية التي تشمل جفاف الفم والارتجاف، وفئة جديدة تندرج تحت اسم “كوابح إعادة امتصاص السيروتونين”. ولا تعد مضادات الاكتئاب الحل الأمثل للأمهات اللواتي يعانين من اكتئاب ما بعد الوضع. وهناك حقائق يجب أن نضعها في الحسبان عن مضادات الاكتئاب تشمل التالي: مضادات الاكتئاب فعالة بالنسبة لما يتراوح بين 60 إلى 80% من الأشخاص الذين يتناولونها حسب التعليمات. في أغلب الأحيان لا تظهر تأثيرات مضاد الاكتئاب قبل مرور شهر أو شهر ونصف على بداية العلاج. لا علاقة لجرعة مضاد الاكتئاب بحدة الاكتئاب. بعض العقاقير تكون أكثر فعالية بجرعات منخفضة من المضادات الأخرى. بما أن بعض مضادات الاكتئاب تعمل بشكل أفضل ضد مجموعات مختلفة من الأعراض مقارنة بالمضادات الأخرى، فإن على الطبيب المختص ان يقرر الوصفة المناسبة لحالة المريض. وعلى الرغم من أن العديد من مضادات الاكتئاب آمنة بالنسبة للأمهات وأطفالهن ويمكن استخدامها خلال فترة الإرضاع، إلا ان على الأم ان تخبر طبيبها بأنها ترضع طفلها. دور الزوج يمثل الزوج حبل السلامة بالنسبة للزوجة التي تعاني من الاكتئاب بعد الحمل، وباستطاعته أن يساعد زوجته على تجاوز محنتها، ولذلك ينبغي عليه أن يكون متنبها لبعض الأعراض الرئيسية التي تشمل الشعور بالحزن والإحساس بعد القيمة ومشاكل النوم والتعب الشديد والانعزال والابتعاد عن الأصدقاء والعائلة والشعور بالتوتر والقلق والإحساس بالذنب والغضب. وهناك الكثير من الأشياء التي يجب أن يضعها الزوج وجميع أفراد العائلة والأصدقاء، في اعتبارهم، منها أن اكتئاب ما بعد الوضع هو مرض حقيقي، والأم التي تعاني منه لم تصب بالجنون بل إنها تتفاعل بعض التغيرات الجذرية في حياتها وحياة طفلها. ولا ينبغي على الزوج الحكم على مشاعر وردود أفعال زوجته إن بانتقادها أو عرض الحلول التي ليست هي بحاجة إليها، بل على العكس عليه ان يصغي لها ويتعاطف معها. وعليه أيضا أن يعرض المساعدة من دون أن تطلب ذلك الزوجة وذلك من خلال القيام ببعض الأعمال الإضافية في المنزل مثل تنظيف المنزل والصحون وغسل الثياب، إذ من شأن ذلك أن يخفف عن الزوجة. ولا يجب التساهل مع الاكتئاب بعد الوضع مطلقا. فإذا ما تركت هذه الحالة من دون علاج، فإنها قد تؤثر على الأطفال. فقد كشفت دراسة تم عرضها في مؤتمر العلوم النفسية في أمريكا أن بعض الأطفال الذين أمهاتهم مصابات بالاكتئاب معرضون للإصابة بالاكتئاب أيضا، حيث تبين أنهم يمتلكون نسبا عالية من “الكورتيزول” في الدم وهو الهرمون المرتبط بالضغط النفسي
يتمثل اكتئاب ما بعد الولادة في نزوع إلى التفكير السلبي وإحساس بالقنوط تعاني منه المرأة بعد ولادة طفلها. وبالإضافة إلى الحزن والأحاسيس الخاوية من الحياة التي تترافق مع الاكتئاب، تخشى النساء اللواتي يعانين من اكتئاب بعد الولادة، من أن يلحق هذا الأمر أضرارا بالطفل بطريقة أو بأخرى، مما يكرس لديهن الإحساس بأنهن أمهات غير صالحات. وينقسم الاكتئاب الذي يصيب النساء بعد الحمل إلى ثلاثة أنواع هي “أسى الأمومة” و”اكتئاب ما بعد الوضع” و”ذهان ما بعد الوضع”.
تصاب الأم الجديدة بأسى الأمومة خلال اليوم الأول أو الثاني بعد الوضع وقد يستمر لمدة ثلاثة أسابيع، وهو اضطراب شائع بين الأمهات حديثات العهد، ويعتبر اضطرابا طبيعيا على الرغم من أن الأم لا تشعر انها طبيعية. فقد تشعر الأم بالراحة للحظة ثم فجأة قد تنفجر بالبكاء في اللحظة التالية. وبالإضافة إلى الكآبة والإحباط هناك أعراض أخرى تشمل: فقدان الطاقة وعدم القدرة على النوم وفقدان الشهية والشعور بالتعب بعد النوم والتوتر والقلق الزائد والارتباك والخوف المفرط من التغيرات البدنية وفقدان الثقة
. اكتئاب ما بعد الوضع هو عبارة عن اضطراب في المزاج يتمثل في التفكير السلبي والشعور بالخيبة والحزن والقنوط. وبخلاف “أسى الأمومة” فقد تتأزم هذه الحالة وتستمر لأكثر من شهر بعد الوضع. وتعاني من هذا الاضطراب ما يتراوح بين 10 إلى 15 بالمائة من النساء بعد الوضع.
وتفقد النساء المصابات المتعة بالأشياء والعادات اللواتي كن يمارسنها. كما تختلف الأعراض من امرأة إلى أخرى وتشمل أيضا الإحساس بالتعب والإرهاق الشديد وفقدان الأمل والعجز وتغيرات في الشهية والتوتر وصعوبة في التركيز وعدم القدرة على اتخاذ القرارات وخفقان القلب والنخز والإحساس بالخدر والفزع الذي يؤدي إلى نوبات ذعر ورغبة في إيذاء الطفل أو النفس وعدم الاهتمام بالنظافة الشخصية والمظهر والهوس بصحة الطفل.
كما يختلف اكتئاب ما بعد الوضع من امرأة إلى أخرى من حيث الشدة. فقد يستمر عند بعض النساء لعدة شهور. وبإمكان الأمهات اللواتي يعانين من اكتئاب ما بعد الوضع المعتدل، الاعتناء بأطفالهن وممارسة نشاطاتهن اليومية، في حين ربما يستحوذ على الأخريات التوتر والقلق لدرجة يفقدن معها القدرة على الاعتناء بأنفسهن أو أطفالهن. ذهان ما بعد الوضع
يمكن تعريف ذهان ما بعد الوضع بأنه أحد الاضطرابات الحادة والنادرة في نفس الوقت، على اعتبار انه يصيب امرأة واحدة من بين كل 1000 امرأة. وتبدأ هذه الحالة عادة خلال ال 3-10 أيام الأولى التي تعقب الوضع، حيث تعاني المرأة المصابة مما يمكن أن نسميه الانفصال عن الواقع، فتخسر الوزن بسرعة من دون اتباع أي نظام غذائي خاص ولا تستطيع النوم أحياناً لفترة تتجاوز ال 48 ساعة، وتعاني من الأوهام والهلوسات. ويمكن القول ان ذهان ما بعد الوضع هو أزمة صحية تتطلب تدخلا فوريا من قبل طبيب مختص. ولم يعرف حتى الآن ما إذا كان ذهان ما بعد الوضع مرضا واحدا مستقلا أم مجموعة أمراض معاً.
أسباب اكتئاب ما بعد الحمل لا يوجد سبب محدد للأزمات العاطفية التي تعاني منها العديد من النساء بعد الوضع. وعلى كل حال، يعتقد الخبراء ان التغيرات السريعة التي تحصل بعد الوضع في مستوى الهرمونين الأنثويين الأستروجين والبروجيستيرون تؤثر بشكل كبير على الصحة العقلية للمرأة.
فالمعروف أن المبيضين والمشيمة هي التي تفرز البروجيستيرون والاستروجين، لتمكين الرحم من احتضان البويضة الملقحة والحفاظ عليها. ويرتفع مستوى هذين الهرمونين 10 أضعاف خلال فترة الحمل، وانخفاض مستواهما بشكل حاد قد يؤدي إلى الإجهاض. وبعد الوضع، ينخفض مستوى البروجيستيرون بشكل كبير إلى ان يصل إلى ما كان عليه قبل الحمل في غضون 72 ساعة بعد الوضع. ويعتقد الخبراء أن هذا الانخفاض الدراماتيكي في مستوى الهرمونات الأنثوية يلعب دورا مهما في الاكتئاب الذي تصاب به العديد من النساء بعد الوضع.
وخلال فترة الحمل يرتفع مستوى الإندورفينات، وهي مواد طبيعية تعمل على تحسين المزاج، بيد أن مستوى هذه المواد ينخفض بشكل حاد بعد الحمل، الأمر الذي قد يساهم في تعزيز احتمالات الإصابة بالاكتئاب.
وبالإضافة إلى هذه التغيرات الفيزيائية، هناك عوامل أخرى ربما تساهم في الإصابة باكتئاب ما بعد الوضع وتشمل الحمل الصعب أو الولادة الصعبة والمشاكل الزوجية والرضيع المتطلب جدا وإحساس المرأة بأنها لم تعد حاملا.
والواقع انه لا يمكن تحديد النساء المعرضات للإصابة باكتئاب ما بعد الوضع من خلال مستوى الهرمونات، ولكن هناك فئات عديدة من النساء أكثر عرضة من غيرهن للإصابة بالمرض وتشمل النساء اللواتي أصبن بالمرض بعد حمل سابق والنساء اللواتي شهدن تجربة ولادة عسيرة والنساء اللواتي سبق أن أصبن باكتئاب ما قبل الوضع وكذلك النساء اللواتي أصبن من قبل باكتئاب لا علاقة له بالحمل
والنساء اللواتي لديهن أم أو أخت عانت من اكتئاب ما بعد الوضع على اعتبار ان هذه الحالة المرضية تنتقل على ما يبدو بين أفراد العائلة. وبالإضافة إلى ذلك، النساء اللواتي تعرضن لضغوط نفسية نتيجة تغيرات وأحداث مفاجئة في حياتهن مثل خسارة الوظيفة أو فقدان المنزل أو موت شخص قريب، والنساء اللواتي يعانين مما يسمى متلازمة ما قبل الحيض الأمر الذي يجعلهن أكثر عرضة للاضطرابات الهرمونية بعد الوضع.
ومن أجل خفض احتمالات الإصابة بالاكتئاب بعد الوضع، ينصح الخبراء النساء بأن يجمعن معلومات قدر ما يستطعن عن المسؤوليات والمهام المتعلقة برعاية الأطفال قبل ولادة الطفل. ويمكن الحصول على مثل هذه المعلومات من خلال الكتب والمجلات الخاصة برعاية الأطفال والاستفادة من مهارات النساء اللواتي يتمتعن بخبرة كبيرة في هذا المجال. وإذا كانت الأم المرتقبة من المعرضات للإصابة بالاكتئاب بعد الوضع، فإنه من الحكمة أن تراجع طبيبا مختصا خلال فترة الحمل.
المساعدة الطبية والعلاج قد يكون من الصعب تحديد متى يجب البحث عن المساعدة الطبية وخصوصا إذا كانت المرأة تعاني من حالة معتدلة من الاكتئاب. ولكن من المهم معرفة الفرق بين حالة أسى الأمومة التي ستزول تلقائيا وبين اكتئاب ما بعد الوضع المستمر. لقد اكتشفت نساء كثيرات بعد العلاج متعة الأمومة. بيد أن هناك بعض التعليمات التي تساعد الأمهات والأزواج في تحديد ما إذا كانت هناك ضرورة إلى الاستشارة الطبية أم لا. فالحالة التي تعرف باسم أسى الأمومة تعتبر طبيعية، ولكن في حال تفاقمت الحالة واستمرت أحاسيس الحزن والقنوط لأكثر من ثلاثة أسابيع، عندها يجب استشارة الطبيب.
وتصبح الاستشارة الطبية المختصة ضرورية أيضا إن لم يقدم الحوار مع الأصدقاء وأفراد العائلة أو الزوج أية فوائد. ويجب إدخال الأم المكتئبة إلى المستشفى على الفور فيما لو بدأت تسمع أصواتا غريبة أو في حال راودتها أفكار لإلحاق الأذى بالطفل أو قتل نفسها أو الطفل. وعلى الرغم من أنه لا يوجد علاج أو طريقة علاجية خاصة بكل امرأة على حدة، ولكن هناك تركيبة علاجية تشمل مضادات الاكتئاب والدعم الاجتماعي. وأما طرق العلاج فتنقسم إلى قسمين هما: المعالجة المعرفية والمعالجة النفسية الاجتماعية.
وتقوم المعالجة المعرفية على نظرية مفادها أن الطريقة التي نفكر بها وندرك بها العالم تؤثر على المزاج والأداء. ويعمل المختصون في المعالجة المعرفية على مبدأ أن المدارك السلبية يمكن ان تؤثر بسرعة على مستوى احترام الذات والاعتزاز بها وتوهن الجسم وتثبط الهمم وترفع مستوى التوتر والضغط النفسي.
وتهدف المعالجة المعرفية، إلى تعويد الأم المعنية على الاستجابة للأحداث والتفاعل معها بطريقة جديدة. فعلى سبيل المثال، قد تجد الأم صعوبة في تهدئة طفلها أو تخفيف الآلام التي يعاني منها، مما يدفعها إلى الاعتقاد بأنها أم غير صالحة. وفي هذه الحالة يقوم المعالج بمساعدة الأم وإفهامها أن ولدها يعاني من مشكلة جسمية ناجمة عن رياح البطن مثلا، وهذه حالة لا تستطيع أي أم فعل أي شيء تجاهها.
وأما بالنسبة للمعالجة النفسية الاجتماعية، فتقوم على فكرة أن هناك علاقة بين اضطراب المزاج والعلاقات الشخصية الاجتماعية كالعلاقة مع الزوج أو الوليد الجديد. وتساعد هذه الطريقة العلاجية الأم على تحقيق توازن بين دورها كأم وشريك وموظفة وصديقة. وتتيح العقاقير المضادة للاكتئاب خيارا إضافيا للأم التي تعاني من اكتئاب ما بعد الوضع. وتساعد مضادات الاكتئاب في تحسين المزاج وتعزيز الطاقة مما يمكن الشخص من استعادة القدرة على ممارسة نشاطاته اليومية. ولا يوجد عقار بعينه يمثل الحل الأفضل لجميع المصابات ولكن على ما يبدو أن توليفة من أكثر من عقار يمكن أن تشكل علاجا فعالا بالنسبة للعديد من النساء اللواتي يعانين من الاكتئاب بعد الحمل.
وهناك العديد من مضادات الاكتئاب في الاسواق وتنقسم إلى فئة قديمة تسمى “تريسيكليكس” وتعتبر آمنة وفعالة على الرغم من آثارها الجانبية التي تشمل جفاف الفم والارتجاف، وفئة جديدة تندرج تحت اسم “كوابح إعادة امتصاص السيروتونين”. ولا تعد مضادات الاكتئاب الحل الأمثل للأمهات اللواتي يعانين من اكتئاب ما بعد الوضع. وهناك حقائق يجب أن نضعها في الحسبان عن مضادات الاكتئاب تشمل التالي: مضادات الاكتئاب فعالة بالنسبة لما يتراوح بين 60 إلى 80% من الأشخاص الذين يتناولونها حسب التعليمات.
في أغلب الأحيان لا تظهر تأثيرات مضاد الاكتئاب قبل مرور شهر أو شهر ونصف على بداية العلاج. لا علاقة لجرعة مضاد الاكتئاب بحدة الاكتئاب. بعض العقاقير تكون أكثر فعالية بجرعات منخفضة من المضادات الأخرى. بما أن بعض مضادات الاكتئاب تعمل بشكل أفضل ضد مجموعات مختلفة من الأعراض مقارنة بالمضادات الأخرى، فإن على الطبيب المختص ان يقرر الوصفة المناسبة لحالة المريض.
وعلى الرغم من أن العديد من مضادات الاكتئاب آمنة بالنسبة للأمهات وأطفالهن ويمكن استخدامها خلال فترة الإرضاع، إلا ان على الأم ان تخبر طبيبها بأنها ترضع طفلها. دور الزوج يمثل الزوج حبل السلامة بالنسبة للزوجة التي تعاني من الاكتئاب بعد الحمل، وباستطاعته أن يساعد زوجته على تجاوز محنتها، ولذلك ينبغي عليه أن يكون متنبها لبعض الأعراض الرئيسية التي تشمل الشعور بالحزن والإحساس بعد القيمة ومشاكل النوم والتعب الشديد والانعزال والابتعاد عن الأصدقاء والعائلة والشعور بالتوتر والقلق والإحساس بالذنب والغضب.
وهناك الكثير من الأشياء التي يجب أن يضعها الزوج وجميع أفراد العائلة والأصدقاء، في اعتبارهم، منها أن اكتئاب ما بعد الوضع هو مرض حقيقي، والأم التي تعاني منه لم تصب بالجنون بل إنها تتفاعل بعض التغيرات الجذرية في حياتها وحياة طفلها. ولا ينبغي على الزوج الحكم على مشاعر وردود أفعال زوجته إن بانتقادها أو عرض الحلول التي ليست هي بحاجة إليها، بل على العكس عليه ان يصغي لها ويتعاطف معها. وعليه أيضا أن يعرض المساعدة من دون أن تطلب ذلك الزوجة وذلك من خلال القيام ببعض الأعمال الإضافية في المنزل مثل تنظيف المنزل والصحون وغسل الثياب، إذ من شأن ذلك أن يخفف عن الزوجة.
ولا يجب التساهل مع الاكتئاب بعد الوضع مطلقا. فإذا ما تركت هذه الحالة من دون علاج، فإنها قد تؤثر على الأطفال. فقد كشفت دراسة تم عرضها في مؤتمر العلوم النفسية في أمريكا أن بعض الأطفال الذين أمهاتهم مصابات بالاكتئاب معرضون للإصابة بالاكتئاب أيضا، حيث تبين أنهم يمتلكون نسبا عالية من “الكورتيزول” في الدم وهو الهرمون المرتبط بالضغط النفسي