كيف تربين طفلك في اوربا ؟؟

الناقل : heba | الكاتب الأصلى : جاسم المطوع | المصدر : www.e-happyfamily.com

كيف تربين طفلك في اوربا ؟؟
 
 

واحدة من أهم تلك المشاکل التي تعاني منها الاسر الشرقية المتواجدة في البلدان الغربية، هي مشکلة تربية أطفالهم و إنشائهم على قيم و مثل تنبع جذروها من واقع مجتمعات و أوطان تلك الاسر.

 و تتجلى صعوبة هذه المسألة و تعقيداتها، عندما تتقاطع تلك الرغبة أو الارادة الشرقية مع تلك الخيارات التي تمليها واقع تلك البلدان التي تقيم فيها تلك الاسر، ناهيك عن تناقض ذلك أيضا مع رغبة و إرادة المجتمعات الغربية التي باتت الاصوات تتعالى فيها بضرورة أن يندمج و يتأقلم"الاجانب"مع قيم و معايير الغرب دون سواها، هذه الاصوات باتت تتردد أصدائها في أروقة البرلمانات و الوزارات و المنتديات الثقافية و الاعلامية.

 وقد تبدو صعوبة هذه القضية أکبر عندما نعلم ان تربية الاطفال في مجتمعات الدول الشرقية ذاتها، تعتريها الکثير من المعوقات و تتخللها العديد من العيوب و حتى ان الاعتراضات تتعالى من جانب المختصين و المثقفين في داخل تلك المجتمعات بخصوص أن هناك قصور کبير قد يکون متعمدا بهذا الصدد.

 المختصون ماذا يقولون؟

الآنسة بريفان حمه‌ سعيد، المستشارة التربوية المقيمة في هولندا تحدثت عن مسألة تربية الاطفال و الاحداث، في الاسر الشرقية المتواجدة في البلدان الغربية وهل ان هناك ثمة إشکال في الامر

 فقالت:"يجب أن تتاح الاسس الرئيسية في تربية الاطفال التي تعتمد في هذا السياق، وکما تعلم انه وفي النظم الديمقراطية لابد من إتباع الاساليب الحضارية في التربية، فإن اسلوب فرض القيم و المعتقدات التي قد يلجأ إليه بعض من الآباء قد تکون لها آثار سلبية جانبية على الطفل نفسه وقد تصطدم بعوائق قانونية و حتى إجتماعية هنا في اوربا.

وهنا أود الاشارة الى مسألة مهمة و حيوية وهي ان مسألة الضرب و تهديد الطفال رغم انها تعتبر مسألة عادية في المجتمعات الشرقية فإنها تعتبر قضية غير عادية في البلدان المتقدمة حضاريا، على اننا يجب أن نشير الى انه هنالك جريمة قتل طفل في کل اسبوع بدولة متقدمة حضاريا مثل هولندا وهو امر يستوجب منا الانتباه، ذلك ان القضية لا تتعلق بأبعاد دينية نظير أن يربط البعض القضية بالدين الاسلامي مثلا، فهنالك تجاوزات و خروق إستثنائية بحق حقوق الاطفال في دولة متقدمة صناعيا کألمانيا مثلا، کما ان الولايات المتحدة الامريکية و دولة متخلفة کالصومال توضعان في نفس السلة من حيث موقفهما من الاتفاقية الدولية الخاصة بالحقوق الاساسية الاطفال، إذ ان الولايات المتحدة الامريکية و الصومال، لم توقعا لحد الان على الاتفاقية الخاصة بالحقوق الاساسية للطفل.

 ان الطفل بحاجة للحماية التي بات يفتقدها حتى في المجتمعات المتقدمة و المتطورة وان مشاکل إستغلال و توريط الاطفال في امور بعيدة عن عوالمهم، باتت من المشاکل العويصة التي تعاني منها مجتمعاتنا. نحن بحاجة الى الترکيز على ما يحتاجه الطفل و ما هو ضروري له في ظل الظروف التي يعيش فيها".

 ليس المهم مايريده الاوربيون!! أم أحمد، امرأة عراقية متزوجة مقيمة في المانيا و ساکنة في مدينة"بون"ولها ثلاثة أطفال تتراوح أعمارهم بين(4 الى 11 سنة)، عندما سألتها عن مسألة تربية أولادها و کيفية تعاطيها مع الطروحات الغربية المتباينة بشأن قضية الاندماج و التأقلم مع المجتمعات الاوربية وفق معايير محددة، أجابتني وقد بانت الجدية على ملامحها:

"المهم عند أي انسان على وجه الارض من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب و بکل الاتجاهات، هو أن يکبر و ينشأ على الذي وجد شعبه أو مجتمعه الذي ولد فيه، يؤمن به و يتعامل به.

 المعتقدات الدينية و القيم و العادات الاجتماعية ليست کأثواب نبدلها متى ما نشاء، إنها مسائل تکون في الکثير من الاحيان أکبر منا بل و حتى إنها تسيرنا في الاتجاهات التي هي تختارها وليس نحن" وعندما قاطعتها متسائلا: لکن بما انك تقيمين في بلد له قوانينه و معاييره الخاصة، ألا تجدين انه من المهم أيضا الالتفات الى ذلك و وضعه في الحسبان؟

 فأجابتني محتدة:"ليس المهم ما يريده الاوربيون، لأنهم في النهاية يريدون توجيهنا في الاتجاه الذي من مصلحتهم، المهم هو اننا کيف نتمکن من تربية أطفالنا على قيمنا و مثلنا الاجتماعية النبيلة.

 أنا لا أريد أن يتربى أطفالي على طريقة لا أبالية بحيث لا يهتمون بمشاکل و مصائب أقاربهم و معارفهم لأن ذلك امر لايعنيهم کما هو سائد بينهم". لکن السيد"رأفت عزيز البياتي" الذي يعيش في مدينة"ديسلدورف" و متزوج وله طفلان، له رأي قد يکون مغايرا بشکل تام للذي طرحته الاخت أم أحمد، إذ يؤکد"ان مسألة تربية الاطفال في المجتمعات الاوربية يجب أن تأخذ في الاعتبار المعايير و القوانين و الاعتبارات الاجتماعية التي تکون سائدة، وکمثال؛ انا لا أتمکن من أن أجبر أطفالي أن يفکرون بطريقة مغايرة تماما للأطفال الالمان لأنهم عراقيون أو شرقيون مثلا، أو لأن دينهم أو قيمهم الاجتماعية مختلفة عنهم، ذلك انني لا أعيش في العراق و ان أطفالي أيضا سوف يعيشون و يقيمون هنا و الى الابد وليس من المعقول أن أدعهم للإنغلاق و الانطواء على أنفسهم وفق طرق إجبارية تتخذ مبدأ الضغط النفسي و الجسدي وسيلة لتحقيق ذلك، وإنما يجب أن أفسح لهم المجال کي ينشأوا وفق ما ترسمه لهم القيم و المثل الحضارية هنا.

لقد جربنا في بلادنا التربية التي کنا ننشأ عليها والتي هي في واقع امرها أمر يدفع الانسان لسلوك سبل نفاقية ان صح التعبير للتعامل مع الوسط الاجتماعي و حتى العائلي و الامثلة کثيرة جدا في هذا المجال"وعندما سألناه بأن رأيه قد يقود الى تغيير المعتقد الديني مستقبلا أو يزعزعه على الاقل، فهل يوافق على ذلك، قال مبتسما:"انا لم أختر ديني وانما ولدت و هو امر مفروض علي، ولست هنا أدعو لتغيير المعتقد الديني، لکنني لن أعارض أطفالي لو ارادوا ذلك يوما".

هناك خط فاصل و حاد! السيد"أنور محمد"مقيم في السويد بمدينة"ستوکهولم" و هو عراقي من مدينة السليمانية متزوج و أب لخمسة أطفال، عندما سألناه بخصوص مسألة تربية الاطفال في اوربا و هل انه توجد هناك ثمة معوقات أو مشاکل بهذا السياق، قال:"التربية امر أساسي و مهم في حياة المجتمعات، و ينعکس المعيار التربوي في الانسان بمقدار ما يحتويه من قيم و عادات و تقاليد سائدة، کمثال، لو ذهبت الى مجتمع ما تسود فيه القيم القبلية و تکون مثلا الزراعة هي الحرفة الاساسية فيها، فإنه من السهل جدا أن تجد العنف و القسوة أساسا في فرض المعايير التربوية، وکلما ذهبت الى مجتمعات متمدنة أکثر لوجدت ثمة إختلافا في الامر. لکن، عندما تتواجد في دولة کالسويد مثلا، حيث تولي أهمية إستثنائية لحقوق الاطفال و کذلك النساء، فإنه من الاعتيادي ان تجد القوانين و القيم کلها موظفة بالشکل الذي يخدم هذا السياق، لکن هنا، يجب أن نستدرك قليلا، و نقول ان أطفالنا غير أطفال السويد، ذلك انهم يتربون في أحضاننا و ليس في أحضان أبوين سويديين، ولهذا الامر شئنا أم أبينا تأثيراته المختلفة على نشوء الطفل و على شکل و صيغة القيم و الافکار الاجتماعية التي سوف ينشأ عليها و يؤمن بها مستقبلا، وکما ترى هناك خط فاصل و إن کان رفيعا لکنه حاد".

 ليس هناك تمييز بين الفوارق السيد"مجتبى محمدي" من مدينة لاهاي الهولندية وهو إيراني متزوج وله طفل واحد، عندما سألنا‌ عن مسألة تربية الاطفال الشرقيين، في المجتمعات الاوربية، أجاب قائلا:"مسألة تربية الاطفال تعتمد أساسا على المدى الثقافي للوالدين، وهنالك امر مهم آخر لابد من الاشارة إليه، وهو ان العديد من الاباء و الامهات الشرقيين للأسف لا يدرکون معنى التباين بين الفوارق الحضارية بين الشرق و الغرب وهم يقومون بأخطاء فظيعة يکون الخاسر الاکبر فيها هو الطفل الذي جاء للحياة بمشيئة من الوالدين، ذلك ان هنالك أسر تنساق مع المعايير الغربية و تلقي بکل قيمها و مثلها الى سلة المهملات، فيما هنالك أسر أخرى منغلقة تماما على قيمها و مثلها الفکرية ـ الاجتماعية و تتصور کل شئ خارج ذلك خطأ و حتى خطيئة يجب إجتنابها. الحق، اننا يجب أن نلجأ الى طرق حضارية و ثقافية في التعامل التربوي مع أطفالنا وليس مجرد إجبارهم على التمسك بقيم و مثل مازلنا نحن لحد هذه اللحظة في ريبة منها.

 صحيح ان دول اوربا متقدمة و متطورة و أوطاننا ليست في مستوى تقدمها، لکن هذه الدول في نفس الوقت تعاني من أزمات تکون أشدها على المستوى الاجتماعي، انا اجد من الضروري الاهتمام بالجوانب الايجابية من قيمنا التربوية و تغدية عقول و بواطن أطفالنا بها".

المصدر: مؤسسة الابرار