إن الاهتمام بالطفولة كمرحلة، ينبغي أن توجه لها كل العناية، باعتبارها الأساس الذي يقوم عليه بناء المجتمع المتماسك، وقاعدة الانطلاق التي بدونها لا يمكن لأية أمة أن تحقق ما تصبو إليه من التقدم والنهضة. كما أن الاهتمام بتربية الأطفال وارشادهم وتنمية قدراتهم العقلية المعرفية والإبتكارية، أصبح من الأمور الضرورية في العصر الذي نعيش فيه، لأن المجتمع في أشد الحاجة إلى المتميزين وذوي الخبرات الابتكارية من أبنائه، ومن أجل ذلك يجب توجيه مزيد من الرعاية والاهتمام لفئات الأطفال من ذوي القدرات الابتكارية في شتى المجالات، وتشجيع الطفل على أن يعبر عن نفسه وقدراته، وينطلق في تعبيراته حتى يشعر بقيمته وتقديره لذاته. ويعد تنمية التفكير الابتكاري أحد أهم الأهداف التربوية التي تسعى المجتمعات الانسانية إلى تحقيقها، وتعد مرحلة الطفولة من أهم المراحل لدراسة الابتكار واكتشاف المبتكرين، كما أن الابتكار اذا لم يشجع في مرحلة الطفولة فان تشجيعه بعد ذلك لاجدوى منه. والطفل المبتكر هو الطفل القادر على تحقيق ذاته وله القدرة على إنتاج جديد بالنسبة إليه وبالنسبة الى البيئة على أن يكون هذا الانتاج نافعاً للمجتمع الذي يعيش فيه. ولكي توضح الجهود في رعاية الأطفال الذين يمتلكون القدرة على التفكير الابتكاري، فنحن بحاجة - أولاً- إلى وسائل دقيقة تعيننا على الكشف عن هؤلاء الأطفال ذوي القدرة على التفكير الابتكاري وتميزهم عن غيرهم من الأطفال العاديين وإزالة كافة المعوقات التي تحول دون ذلك. وحقيقة الأمر أن كل فرد منا يمتلك قدرة من القدرات الابتكارية في مجال من مجالات المعرفة البشرية، وهذه القدرة يمكن أن تنمى بالتدريب والمران. فإن كل موهبة بحاجة إلى من يكتشفها ويوجهها ويحفظها ويوفر لها الامكانيات وييسر لها الطريق بالأسلوب العلمي الأمثل، وهذه ليست مسؤولية جهة أو مؤسسة دون غيرها، بل هي مسؤولية مشتركة بين الأسرة والمؤسسات التعليمية والثقافية والاجتماعية والرياضية وأجهزة الاعلام وكافة الهيئات التي تتعامل مع الطفل حكومية كانت أم أهلية. وان تكاتف جميع المعنيين بتنمية الطفولة وتنمية قدراتها واستعداداتها وتلبية حاجاتها أمر ضروري حتى لا تضيع المواهب والقدرات غير العادية وتطمس قبل أن يتاح لها الظهور والنبوغ. هذا وقد اهتم علماء النفس والتربية ببناء الفرد المبتكر فجاءت الدراسات تبحث عن خصائص المبتكرين وأساليب تعلمهم التي تستثمر قدراتهم أفضل استثمار وتعمل على ازالة المعوقات التي تؤثر على ابتكاريتهم. ووجدنا أنه من الملائم أن تكون الخطوة الأولى التي يجب أن ينتبه اليها الباحثون والمربيون وجميع القائمين على الطفل هي تحديد هذه المعوقات حتى يمكن التغلب عليها بفاعلية، بهدف توفير الجو المناسب لتنمية مهارات التفكير الابتكاري. وسوف نناقش هذه المعوقات من خلال عدد من المحاور وهي كالتالي: >معوقات سياسية. > معوقات اجتماعية. > معوقات نفسية. > معوقات تربوية. > معوقات اقتصادية. > معوقات ثقافية.
اولاً: المعوقات السياسية: تتمثل المعوقات السياسية في النظام السياسي وما يعمله من تربية إلى الامتثال للمعايير السائدة في جميع المدخلات وهذه المعايير تحد من احتمالات التخيل والتوقع وبالتالي تضع حدوداً للتفكير الابداعي. وإن وضع تلك الحدود تؤثر على مقدار الانتاج الفكري المبتكر حيث اتاحة الحرية ومدى مقدار توافرها من أولى مدعمات العملية الابتكارية. والتي تساعد على التنوع الفكرى والانتقال بين المجالات الفكرية لانتاج الأفكار الجديدة وهذا ما يمكن أن نطلق عليه مقدار المرونة المتاحة لدى الفرد في التفكير والتي تساعده على انتاج الأفكار الأصيلة والنادرة وهي هدف التفكير الابتكاري وإحدى دلائل وجوده وأهم مؤشراته. كما أن من بين المعوقات السياسية للتفكير الابتكاري، الاضطرابات الأمنية والحروب التي تكاد تشكل ظاهرة مزمنة في الوطن العربي بصفة خاصة.
ثانياً: المعوقات الاجتماعية: وتأتي المعوقات الاجتماعية من أهم المعوقات التي لها تأثير فعال على إعاقة التفكير الابتكاري، ففي نطاق الأسرة كثيراً ما يفتقد الطفل للفهم والتقدير والتشجيع وأساليب التربية التي تستثمر طاقاته وتدفعه إلى تحقيق ما يتمتع به من استعداد وموهبة، كما يلعب المستوى الاقتصادي والاجتماعي للأسرة دوراً في تنمية التفكير الابتكاري وان انخفاضها يؤثر بصورة سلبية نظراً لأن ابتكارية الفرد تتطلب مقدار من الاحتياجات الاقتصادية التي تساعده على تنفيذ ما يقدم من أفكار للتأكد منها ويدعم ذلك المستوى الاجتماعي، فكلما تدني المستوى أدى ذلك إلى عدم تقدم الفكر المبتكر وعدم تقبله وعلى العكس في حالة ارتفاع المستوى الاجتماعي فإنه يساعد ويشجع الفكر المبتكر ويؤثر بنفس الدرجة المستوى التعليمي والثقافي فإن انخفاضها يؤثر بصورة كبيرة على التفكير الابتكاري.. وتأتي من بين المعوقات الاجتماعية الاتجاهات السالبة للأسرة وأسلوب التنشئة الاجتماعية القائم على التسلط والسيطرة، وعدم الاهتمام، والنمطية في التعامل مع الأبناء حسب الجنس - ويأتي السياق الاجتماعي ومدى تقبله للفكر المبتكر والذي - في بعض الأحيان - يعتبر الفرد المبتكر خارجاً عن السياق الاجتماعي السائد في المجتمع والذي يجب أن لا يخرج عنه الفرد ويتمثل السياق الاجتماعي في الاتجاهات والقيم السائدة في المجتمع ومنها قيم الطاقة والخضوع والامتثال والاقتداء والمبالغة في تقدير الماضي. والاتجاهات التسلطية والقدرية. ومن بين المعوقات الاجتماعية التمييز بين الجنسين والتحديد الصارم لادوار كل جنس. وكذلك ما تقدمه جماعة الرفاق واتجاهاتها السائدة المحبطة للإبداع وخاصة في مرحلة الروضة والمرحلة الابتدائية. وقد ينظر المجتمع في بعض الأحيان إلى المبتكرين نظرة نبذ وعدم تقدير لما يبتكرونه وان فكرهم الجديد يعتبر شذوذاً وأن ما يقوم به المبتكر من أعمال وإبداء لفكره يمكن ان يؤدي إلى خطورة على حياته. وهذا يؤدي إلى إحباط للمبتكر. وبذلك فإن المجتمع لا ينمي القدرة الابتكارية ولا يساعد الأفراد على تنمية الاستقلالية في التفكير.
ثالثاً: المعوقات النفسية.
تلعب المعوقات النفسية دوراً بالغ الأهمية، فإن الجوانب النفسية للأفراد إما أن تساعد على ابتكاريتهم أو تعيقها. فتلعب دافعية الأفراد في الاكتشاف والتوصل إلى ما هو جديد دوراً ذا فاعلية وكذلك أن ما يطمح به الفرد يمكن أن يزيد من ابتكاريته، وبذلك فإن دافعية الأفراد ومستوى طموحهم يعتبر المؤشر الذي يحث الفرد على انتاج الأفكار الابتكارية فإن ما يأمله الفرد ويسعى إلى تحقيقه يحتاج إلى دافعية داخلية تدل على طاقة الفرد الداخلية التي تحث على الابتكار. وان شعور الأفراد بما يقدمونه من أفكار ابتكارية يتأثر بالمحيطين بهم، فإن عدم تقبل الآخرين لفكر المبتكرين يؤثر على الابتكار ويعيقه وبذلك تتولد لدى المبتكر مشاعر من الاحباط بالاضافة إلى ذلك فإن لدى الفرد المبتكر موضوعات شعورية ولا شعورية ترتبط بالانتاج الفكري المبتكر. فقبل أن يعبر الفرد عن أفكاره الابتكارية يمر على المستوى الداخلي بمراحل متعددة ويتساءل عن ماذا لو لم يلق فكره الجديد بالترحاب فإن ذلك سوف يقلل من نظره المحيطين إليه. فإن المبتكر يخشى من الأفكار الجديدة لأنه يخاف من الأنا الأعلى «المثالية»، فيخشى من عقاب المجتمع له على هذه الأفكار فتبقى حبيسة للأنا الأعلى «الشق المثالي». ونجد هناك معوقات عاطفية (إنفعالية) والتي تتعارض مع حرية استكشاف ومعالجة الأفكار مثل عدم القدرة على احتمال تحمل الغموض والخوف من ارتكاب الخطأ أو من المخاطرة وعدم القدرة على التمييز بين الحقيقة والخيال. فقد يحبط الابداع على المستوى الداخلي عن طريق القلق والخوف من الفشل، والعادات السائدة التي يخشى المبتكر أن يتهم بأنه خارج عنها والخوف مما يظنه الآخرون، والتشدد في النظام، والتقليدية المبالغة في مطالبة الطفل بالنجاح، التقييم في المراحل المبكرة، نقص إثارة الدعابة، الرسمية والقيم الاجتماعية. ومن بين المعوقات النفسية ضعف الثقة بالنفس التي تعود الفرد إلى تجنب المخاطرة والمواقف غير المأمونة عواقبها. بينما قد يؤدى الحماس المفرط والرغبة القوية للنجاح وتحقيق الانجازات إلى استعجال النتائج قبل نضوج الفكر وبذلك تتأثر مراحل العملية الابتكارية.
رابعاً: المعوقات التربوية: تتمثل المعوقات التربوية للتفكير الابتكاري في المؤسسات التعليمية المختلفة حيث تلعب المدرسة دوراً ذا حدين إما أن تزيد من ابتكارية الأطفال في سنواتهم الأولى عن طريق التشجيع وتزويدهم بالامكانيات وإجراء نوع من التعزيز اللازم لنمو التفكير الابتكاري لدى الأطفال وذلك من خلال المعلم الواعي بأهمية التفكير الابتكاري. وإما إن كان المسؤولون في المدارس يتسمون بالنمطية واتباع التقاليد فإن ذلك يؤدي إلى مقابلتهم للأفكار الجديدة بالهجوم وإحباط أصحابها. ففي نطاق المدرسة يواجه المبتكرون مناهج تعليمية بنيت أساساً على الاهتمام بالقدرات المتوسطة أو العادية، ومثل هذه المناهج قد تحقق أهدافها وتكون لها فاعليتها بالنسبة للطفل العادي إلا إنها غالباً ما تكون قليلة الأثر بالنسبة للطفل المبتكر. ويواجه الطفل المبتكر قصوراً في فهم المعلم له ولحاجاته وعدم تقبله في حالة المغايرة في التفكير أو السلوك الاستقلالى. كما أن أساليب التعلم التي تستخدم لها فاعلية في التفكير الأبتكاري، فعلى المربين أن يختاروا الأساليب المناسبة والتي تتفق مع ما يقدم لكي تدعم الروح الابتكارية في التفكير، فعلى سبيل المثال لا تقدم المفاهيم للأطفال في مرحلة الرياض عن طريق القاء المعلومات النظرية حيث تصلح هذه الطريقة في المراحل المتقدمة وإنما تقدم لهم عن طريق التطبيقات العملية التي تتيح الفرصة للطفل لكي يكتشف وينتج ويأتي بما لديه من مخزون فكري يعبر عن ابتكارية الطفل وبذلك فإن للأساليب المستخدمة في التعلم تأثير على ابتكارية المتعلمين.
خامساً: المعوقات الاقتصادية: إن احتياجات المبتكر وما يرغب فيه من أجهزة وتقنيات تسهم في دعم التفكير الابتكاري، لديه وتسهل عملية التأكد من صحة افكاره فإن ذلك يرتبط بالجوانب الاقتصادية والتي إذا لم تتوفر بالمقدار المناسب تؤدي الى إعاقة الفكر الأبتكاري فإن المعوقات الأقتصادية ترتبط بالنواحي المادية اللازمة للعملية الابتكارية فقد يحتاج المبتكر إلى مقدار من الأموال لتنفيذ أفكاره وكذلك مكان مناسب يتفق مع ما يريد ابتكاره، فمثلاً يحتاج الطفل عند ابتكاره لجهاز جديد إلى بعض الأدوات وكذلك المعدات التي يستخدمها في اعداد ما ابتكره وهذا بصفة عامة يرتبط بالجوانب الاقتصادية ولعل الجوانب الاقتصادية تؤثر بشكل كبير، حيث يكون الأفراد انتجوا أفكارهم، ولكنهم في حاجة إلى تنفيذها وحتى تنتفع بها الأمة.
سادساً: المعوقات الثقافية: إن ما يقدم للأطفال عبر أجهزة الاعلام والقنوات الثقافية التي تخاطب الطفل تركز على الطفل العادي، على أساس أن الطفل المبتكر ليس بحاجة الى رعاية وان لديه من المواهب التي تنمو بذاتها وبالكيفية التي تمكن من التفوق دون صعوبة، وربما كان هذا الاعتقاد الخاطىء وراء إهمال الطفل المبتكر وعدم النظر اليه كطفل له احتياجاته الخاصة، أضف الى ذلك أن ثقافة (المسايرة) التي تسود جو المدرسة والأسرة تنسحب على ما يتقدم للطفل من خلال الوسائط الثقافية، ولا شك أن لها أثرها السيىء على الطفل المبتكر الذي يتمتع بالتفكير الناقد وبالخيال والابداع. وخلاصة القول يجب على القائمين على تربية الطفل ان يتدارسوا سبل الكشف عن قدرات الطفل المبتكر في المراحل المبكرة من العمر، ويضعوا معايير محددة لتمييز الطفل المبتكر في الفنون والآداب والعلوم، كما يجب ان تفتح آفاق جديدة أمام المؤسسات المختلفة المعنية بالطفولة لتوفير المناخ المواتي لنمو القدرات الابتكارية واكتمالها.