·معاقبة الطفل لإجباره على الذهاب إلى المدرسة خطأ كبير .
·علاج الخوف من المدرسة سهل وبسيط .
بدأ العام الدراسي وبدأت معاناة كثير من الأسر التي يدخل أبناؤها المدرسة لأول مرة ؛ ففي سنة أولى مدرسة قد يستمر بكاء وصراخ الأطفال عدة أيام وربما أسابيع من بداية العام الدراسي . مما يشكل مصدر قلق للأمهات والمعلمات أيضا .
يقول علماء النفس : إن الخوف من المدرسة سلوك مرضي مكتسب تقع مسئوليته على عاتق الآباء والأمهات الذين غرسوه في الطفل مما جعله يلجأ إلى الصراخ والبكاء واصطناع الحيل والأكاذيب واختلاق الادعاءات حتى الصحية منها هربا من الذهاب إلى المدرسة ..
· يفعلها الكبار ويقع فيها الصغار !!
يقول الدكتور محمد محسن العرقان أستاذ علم النفس بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية : إن أية مخاوف مرضية هي مخاوف مكتسبة عن طريق المحيطين بالطفل وهم شخصيات غير سوية بالقدر الكافي إذ أن الطفل لا يخاف بطبيعته من أي شيء لكنه يتعلم الخوف ممن حوله
بدليل أنه يمكن أن يمسك النار أو يلقي نفسه في أي شيء خطر دون إدراك العواقب والمخاطر التي يمكن أن تصيبه من جراء ذلك فالكبار هم الذين يكسبون الأطفال الخوف بزعم الحفاظ على حياتهم ؛ فالآباء والأمهات - للأسف الشديد - يبالغون في الانفعال فإذا ما وقع الطفل على الأرض تنزعج الأم انزعاجا شديدا وكأن الدنيا قد انتهت !!
نتيجة لهذا الحرص الشديد والخوف المرضي لا يشعر الطفل بالاطمئنان إلى أي شيء جديد لم يتعود عليه ، وينشأ ولديه إحساس عميق بالنرجسية أي حب الذات وكأنه الوحيد في الدنيا ، مما يجعله أنانيا لا يقبل الوجوه الجديدة أو الأماكن التي لم يشاهدها من قبل ، فالكبار هم الذين يصنعون طفلا يهاب الشيء الجديد سواء كان الشيء طبيعيا أو بشريا .
·يوم أول مدرسة
إذا خرج هذا الطفل الخائف إلى المدرسة في أول يوم يفزع وينزعج لرؤية وجوه جديدة لم يتعود عليها ، ومكان جديد لم يره من قبل ، ونظرا لوجود أطفال كثيرين آخرين لم تعد العناية مركزة عليه ، وأصبح كأي واحد منهم ، ومن ثم يشعر أنه مهدد بلا حماية من والديه ، تلك الحماية التي كان يتمتع بها من قبل .
وهذه اللحظة تشكل له أبعادا جديدة تتمثل في فقدان الوالدين والبيئة التي يطمئن إليها وكان متعودا عليها ، ويغزو كيانه الإحساس بالضياع ، بل وربما الإحساس بأنه مهدد بفقدان الأمان للأبد ، فيندفع في البكاء والصراخ ؛ فالآباء لم يعودوه على الاستقلال والاعتماد على الذات ، وأنه ليس الطفل الوحيد في العالم بل هناك كثيرون غيره فهو جزء من العالم.
فاليوم الأول من المدرسة تهديد لكيان الطفل الذي لم يتعود على الاستقلالية ومواجهة المواقف الجديدة ، فتلك الخبرات كان يجب أن ينقلها الآباء إليه قبل الذهاب إلى المدرسة.
عند تنشئة أطفالنا علينا ألا نفرط في حمايتهم ، بل نرفع أيدينا عنهم حتى تنطلق قدراتهم الطبيعية لأن الأطفال مهما كانوا صغارا وضعفاء في نظر آباءهم لديهم القدرة على مواجهة الحياة بما يملكون من قدرات حتى ولو كانت بسيطة .
وتعد الفترة من الميلاد حتى الخمس سنوات الأولى فترة تشكيل شخصية الطفل ونمط مواجهته للحياة فإذا عودناه مواجهة الآخرين ولم نعمق لديه الشعور أنه الطفل الوحيد في العالم استطاع هو بذاته أن يواجه الغرباء والأماكن الجديدة معتمدا على نفسه فما نفعله في الخمس سنوات الأولى للطفل يظهر تماما في أول لحظة عند ذهابه لأول مرة إلى المدرسة.
ومن الخطأ أن نلجأ إلى عقاب الطفل لإجباره على الذهاب إلى المدرسة والانفصال عن والديه ؛ لأن ذلك يولد لديه إحساس مفزع وشعور بالتهديد ، وقد يكون علاج المشكلة بذهاب الوالدين أو أحدهما معه إلى المدرسة في الأيام الأولى من بداية العام الدراسي ، ويجلسوا معه ثم يتواريان بعض الوقت ويظهران البعض الآخر ؛ حتى لا يشعر الطفل فجأة بالتهديد حسبما يظل في مخيلته أن ذهاب الأم قد يكون بلا عودة .
·تنشئة اجتماعية سليمة
تقول الدكتورة فاطمة موسى أستاذة الطب النفسي بكلية طب القصر العيني جامعة القاهرة : إن مخاوف الطفل من المدرسة لها أسباب كثيرة منها : تعوده على وجود الأبوين ، والتصاقه بالأم ، وحين يدخل المدرسة لأول مرة يحدث له نوع من القلق نتيجة لانفصاله عن الأم ونلاحظ هذا خلال الشهور الثلاثة الأولى من دخوله المدرسة خاصة في الأطفال الذين لا أخوة لهم .
وتزيد المخاوف لدى الطفل الذي ينشأ في أسرة انطوائية ، ولم يختلط بأطفال في مثل سنه فيكون خائفا من الأطفال الآخرين ومن جو المدرسة ويشعر الطفل بالخوف لشعوره بفقدان الحماية أو نقص بعض احتياجاته مثل احتياجه للطعام أو الشراب أو لقيام أحد أقرانه بالاعتداء عليه.
وفي مرحلة دراسية أعلى قد يخاف الطفل من ضعفه في بعض المواد الدراسية فإذا حصل على درجات ضعيفة في إحدى المواد وتعرض للتوبيخ والعقاب الصارم أمام زملاءه أو أهله فإن هذا يؤثر على حالته النفسية ، وإذا كانت قدرات الطفل العقلية لا يتفق مستواها ومستوى الدراسة فإنه يصاب بحالة من الإحباط والخوف.
وأحيانا يكون الخوف من المدرسة بسبب مرض نفسي نشأ عن مخاوف اجتماعية ، فعندما يرى الطفل مجتمعا كمجتمع المدرسة المليء بالتلاميذ وهيئة التدريس والمدرسين والمدرسات ، فإنه قد يخاف بصورة مفزعة ، ويشعر أنه سيموت بسب الازدحام ، ومن ثم لا يستطيع أن يمارس نشاطه أمامهم ، فلا يلعب ولا يأكل ولا يمشي أمامهم ، ويخاف من الوقوف في الطابور المدرسي ويحاول أن يختفي بعيدا عن الزحام .
وقد يكون الخوف من المدرسة مرتبط بمرض نفسي كبير مثل (الفصام) ، فلا يستطيع التكيف والتعامل مع الآخرين مما يسبب لديه حالة من الرعب والخوف وهذا ناتج عن اضطرابات عقلية.
ومن ضمن المخاوف في المدرسة وجود بعض التلاميذ في شكل مجموعات أو ما يعرف بالشلة وبينهم أطفال أشقياء وقد تحدث بينهم مشاجرات ومن ثم يخاف الطفل الضعيف جسمانيا ويهرب من المدرسة حتى لا يتعرض للضرب والإهانة.
لذلك من الضروري أن يحرص الآباء على تنشئة الطفل تنشئة نفسية واجتماعية سليمة ، فلا تنغلق الأسرة على نفسها بل تتزاور مع الأهل والأصدقاء وتسمح للطفل باللعب مع أصحابه وأقرانه والاتصال بالآخرين ، كما يجب استخدام أسلوب التشجيع إذا حصل الطفل على الدرجات المرتفعة أو المتوسطة حتى نرغبه في الذهاب للمدرسة.
وأخيرا علينا أن نتذكر أن أبناءنا أمانة في أيدينا إن لم نرعها جيدا فقدنا الكثير من طاقات المجتمع الخلاقة ، إلا أن لهذه الرعاية حدودا فإن تخطيناها دخلنا في منطقة التدليل المفرط الذي له نتائج سيئة على سلوك الطفل تجعله غير قادر على مواجهة المجتمع وتحد من انطلاق قدراته وإمكاناته الطبيعية..