وقفات مع آيات: كونوا مع الصادقين

الناقل : heba | الكاتب الأصلى : كريمة الخطيب | المصدر : www.midad.me

بسم الله الرحمن الرحيم

  

قال الله - تعالى -: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} التوبة: 119.

ابتدأت هذه الآية بنداء عظيم فيه تكريم من الله - تعالى -لعباده المؤمنين وهو نداء بصفة قد تحلوا بها طالباً منهم أن يتقوه ويخافوه وأن يكونوا مع فئة من الناس يحبهم وهم أصحاب القلوب المؤمنة والألسن الصادقة، ومن خلال هذه الآية الكريمة تتبين لنا رحمة الله - تعالى -بعباده بإرشادهم إلى طريق الخير والصواب؛ الذي من علاماته الصدق في الأقوال والأفعال، فإن للصدق شأناً عظيماً ومرتبة رفيعة وعالية وجزاء أعظم في الدنيا والآخرة، فالصدق كما عرفه الجرجاني هو مطابقة الحكم للواقع، وهذا هو ضد الكذب..

وقيل: الصدق هو استواء السر والعلانية والظاهر والباطن بألا تكذب أحوال العبد أعماله ولا أعماله أحواله..

وجعلوا الإخلاص لازماً والصدق أعم، فقالوا: كل صادق مخلص وليس كل مخلص صادقاً، ولما سئل الجنيد - رحمه الله - عن الصدق والإخلاص أهما واحد أم بينهما فرق؟ فقال: بينهما فرق.. الصدق أصل والإخلاص فرع، والصدق أصل كل شيء، والإخلاص لا يكون إلا بعد الدخول في الأعمال، والأعمال لا تكون مقبولة إلا بها.. وقال القشيري: الصدق ألاّ يكون في أحوالك شوب ولا في اعتقادك ريب، ولا في أعمالك عيب..

- وقد بين ابن القيم - رحمه الله تعالى - أنواع الصدق، فقال: والصدق ثلاثة؛ قول، وعمل، وحال، فالصدق في الأقوال استواء اللسان على الأقوال كاستواء السنبلة على ساقها، والصدق في الأعمال استواء الأفعال على الأمر والمتابعة كاستواء الرأس على الجسد، والصدق في الأحوال استواء أعمال القلب والجوارح على الإخلاص.

فبهذا يتبين لنا حقيقة الصدق وكيف للعبد أن يكون صادقاً وما هو السبيل وبيان الطريق لكي يحشر مع زمرة الصادقين وخير أسوة وأعظم قدوة في الصدق هو إمام الصادقين نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي كانت حياته أفضل مثال للإنسان الذي اتخذ من الصدق في القول والأمانة في المعاملة خطاً ثابتاً لا يحيد عنه قيد أنملة وقد كان ذلك فيه بمثابة السجية والطبع، فعرف بذلك حتى قبل البعثة وكلنا يعلم بأنه كان يلقب بالصادق الأمين، وكانت قريش كلها تعرف عنه ذلك، ولو كانوا قد حفظوا عليه كذبة نادرة في غير الرسالة لجعلوها دليلاً على تكذيبه في الرسالة، ومن لزم الصدق في صغره كان له في الكبر ألزم، ومن عصم منه في حق نفسه كان في حقوق الله أعصم، ولكن قد يقول قائل هذا من صفات رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأين نحن؟ وأين هو؟ فإنه معصوم ونحن خلاف ذلك.. فنقول إن لك بهذا النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة، فجاهد نفسك على التحلي بهذه الصفة النبيلة، وكن حريصاً على ألاّ تقول إلا الصدق ولا تشهد إلا بالصدق ولا تكذب لكي تضحك الناس بحجة أنك تريد إدخال السرور إلى قلوبهم، فإنهم لن يغنوا عنك من الله شيئاً إذا وقفت بين يديه - عز وجل - للحساب يوم تشهد هذه الألسن بما كانت تنطق، واحذر أعظم الكذب ألا وهو الكذب على الله - تعالى -وعلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - بأن تقول على الله - تعالى -ما لا تعلم أو أن تحل شيئاً قد حرمه الله - تعالى -أو تحرم شيئاً قد أحله الله - تعالى -لعباده، وذلك لأن الله - تعالى -قد توعد الذين يفترون عليه الكذب بأنهم هم الخاسرون، فإذا فليجاهد الإنسان نفسه ويدعو الله - تعالى -طالباً منه أن يرزقه الصدق إذا كان قد ابتلي بتلك الصفة الذميمة ألا وهي الكذب، وليقل  {وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيرا}>الإسراء: 08<، فمدخل الصدق ومخرج الصدق أن يكون دخوله وخروجه حقاً ثابتاً لله - تعالى -ومرضاته متصلاً بالظفر ببغيته وحصول مطلوبه، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا) - البخاري ومسلم-.

فيا ترى ما اسمك عند الله تعالى؟ وما اسمك الذي ستناديك به الملائكة عند خروج الروح من الجسد؟ هل ستناديك بأجمل الأسماء أم بأسوأها ؟ فاعلم أن الصدق طريق الأبرار إلى الجنة والصادقون هم أحباب الله المقربون، وقد قال الشاعر:

 

اصدق في حديثك إن في * * * الصدق الخلاص من الدنس

ودع الكذب لشأنه * * * خير من الكذب الخرس