مقدمة في الحكم الإدارية يقولون : إن المشاريع الكبيرة تبدأ بأفكار صغيرة ؛ فالأفكار هي المنطلق للنجاح في الحياة .. متى ما كانت أفكاراً بناءة مفيدة . الأفكار هي القطرة التي يتبعها سيل الإنجازات الكبيرة ، وهي الحصى التي تكوّن جبال المستقبل الكبير ، ولذلك يقول أهل المعرفة : راقب أفكارك لأنها ستصبح أفعالاً . إن الأفكار لا يخلو منها عقل إنسان ، ولذلك قال أحد الفلاسفة : أنت تفكر إذن أنت موجود ،، ولكن الفرق بين البشر هو في تحويل هذه الأفكار إلى مشاريع قابلة للدراسة والتطوير ومن ثم للتنفيذ هذه الأفكار كالشرارة تماماً : فمنها ما يكون شعلة تحترف الفائدة ، ومنها ما يكون ناراً تحرق ما حولها .. هذه الأفكار تأتي أحيانا على شكل اقتراحات تتطاير هنا وهناك ، نسمعها في لقاء أو عند مناقشة موضوع ما ، ونقرؤها في المنتديات والأعمدة اليومية .
الأصل اللغوي لكلمة اقتراح تقول العرب : اقترح فلان بئرا : إذا حفر في موضع لا يوجد فيه ماء ، فكلمة اقتراح في أصلها اللغوي تعطينا انطباعا عن طبيعة الاقتراحات التي يمكن تلخيصها في الآتي : إن الفكرة التي يطرحها الشخص ما دامت بهذا الاسم ( اقتراحات ) فإنها تبقى خاضعة للرفض أو القبول وهذا أمر طبيعي ؛ فإن هذا الرجل الذي يحفر في مكان لا يوجد فيه ماء سيأتي من يهزأ بعمله هذا لأن الفائدة معدومة والمكان قاحل ولا أثر للماء في المكان ، وسيأتي في المقابل من يأخذ على يده ويذكره بأن فلانا قد حفر في أرض قريبة من هذا المكان فخرج الماء يتدفق .. إن كثيرا من حاملي الاقتراحات يرفضون قطعيا ما تؤول إليه من الرفض أو حتى المراجعة ممزقين بذلك هذه التسمية شكلا ومضمونا . والاقتراح الحقيقي هو الذي يبحث صاحبه في المنطقة التي غفلت عنها عقول الآخرين ، ولذلك فمهمة الاقتراحات إذن هي أنها تمدنا بالجديد ،، حينما تحيي ما أماتته العقول ، وتنبش ما علاه الغبار من المواضيع .. إننا لا نستطيع أن نطلق مسمى الاقتراح على ما يطرح ما لم يكن شيئا جديدا أو متجددا .
أهمية الاقتراحات : 1. أنها دليل الفاعلية عند الإنسان ، فالشخص الذي يقترح ويفكر ويناقش هو الإيجابي الفعال بخلاف السلبي الذي لا يكلف نفسه عناء التفكير وتقليب الأمور والبحث عن الجديد وإنما يستمد تحركاته من أفكار وعقول الآخرين . 2. أنها تفتح أبواباً جديدة ؛ فالفكرة الجديدة تنادي أختها وهكذا . 3. أنها باب من أبواب الأجر والخير ، وهو باب يستطيعه الجميع بخلاف العمل الذي قد يضعف عنه كثيرون . 4. بل إن الأفكار والاقتراحات جزء كبير من العمل ، والنشاط الذهني قد يفوق النشاط البدني بمراحل كثيرة . 5. أعظم من الاقتراح وتنفيذه هو ما يحققه الإنسان من استغلال عقله في خدمة همه وهدفه في الحياة وبذلك يحقق الإنسان أعظم نصر على هواه .
لماذا لا تتقبل الاقتراحات ؟ عندما ترفض اقتراحاتنا فإن ذلك ليس دليلاً على عدم صلاحيتها ،، لا ليس الأمر كذلك ؛ فقد يكون الرفض لأحد الأسباب التالية : 1. لأن الزمان أو المكان لا يناسب تطبيقها . 2. أو ربما طرحها كان هزيلا ضعيفا لم يبين أهميتها والحاجة إليها . 3. أو قد يكون صاحب الاقتراح لا يملك تصورا كاملا عن اقتراحه فهو لم يدرسه ولم يختبره ويجربه ولم يجر عقله ليفكر فيه ؛ فإذا ما سئل عن جانب من جوانبه أجاب دون أن يشفي الغليل فيهِن بذلك اقتراحُه . 4. وقد يكون الرفض لأهواء شخصية ، وأسباب مصلحية ..
كيف نقنع الآخرين باقتراحاتنا : إن الاقتراحات ما هي إلا مولودات قد ولدت ولمّا يكتمل خلقها ، والذي يريد لهذا المخلوق قبولا لا بد أن يرعاه وينميه وأن يغطي عيوبه ويواري عواره . إن بيننا وبين إقناع الآخرين باقتراحاتنا هوّة كبيرة لا تردم إلا بجهد كبير ، ومن ذلك الجهد نذكر ما يلي : 1. أن نعي معنى الاقتراح ، فما نطرحه ليس ملزما للآخرين . 2. تجربة الاقتراح عمليا ولو على نطاق ضيق فالتجربة خير وسيلة للاقتناع بجدوى الفكرة من عدمها . 3. ألا يكون الاقتراح نتيجة ردة فعل : كتأثر بحادث معين أو رد على فكرة فلان . 4. ألا يتعارض الاقتراح مع ثابت من ثوابت الدين ، أو أمر مجمع عليه في دائرة المجتمع أو في مكان طرح الاقتراح . 5. أن يغلب على الظن مصلحة الاقتراح وفائدته . 6. أن نستفيد من تحفظات الآخرين على الاقتراح ، فنسأل عن سبب التحفظ ، وإذا علمناه عالجنا الخلل وكملنا النقص . 7. لا بد أن يكون لدينا تصور تام لاقتراحنا واستيعاب لظروفه وعقباته كذلك ؛ بمعنى أن يكون اقتراحنا أقرب إلى المشروع المتكامل الذي وزعت فيه الأدوار وحددت فيه خطوات التنفيذ . كثير من الاقتراحات ترفض إذا ما قدمت على كلام إنشائي فيقرؤها المدير فلا يرى فيها أي فائدة . ما رأيك لو كان اقتراحك يحتوي على : ( أهميته ـ وقت تنفيذه ـ خطوات تنفيذه ـ أشخاص مقترحون لتنفيذه ـ تكاليفه ـ عقباته ـ كيف نتخلص من عقباته .. الخ ) أليس هذا مشروعا يستحق النظر والتفكير فيه بجدية .. ألا ترى أن ثمة فروقا كبيرة بين هكذا اقتراح وبين أن تقول لمديرك : أنا أقترح أن تفعلوا كذا ، أو تقوموا بعمل كذا عندها ستتوارد عشرات الأسئلة على كل من يسمع هذا الكلام .. ليس من الحكمة أنه كلما عنّت للإنسان فكرة سارع على طرحها للناس قبل تقليبها في ذهنه أولاً . 8. أن تبرز اقتراحك في صورته الحقيقية بلا تزيين ولا تعظيم ولا تحقير لاقتراحات أخرى مخالفة فلا حاجة لأن تقول : ( إن اقتراحي من الأهمية بمكان ) أو ( اقتراحي أهم اقتراح سيطرح في هذا الموضوع ) .. ذلك لأن الآخرين سيغريهم بريقه قبل قيامه كعمل ؛ فإذا ما قام عملا محسوسا ظهر على حقيقته إن حسنا فحسن أو قبيحا فقبيح . 9. الاقتراح حين يكون لمكسب ذاتي يفقد أثره وقبوله ويكون هيكلا بلا روح ، ولذلك ( كن مخلصا في طرح اقتراحك ) 10. الاقتراح الذي يكون أكبر من الإمكانات يسبب التخمة وربما الموت . 11. لا تكرر ما سبقك به أحد ، حاول أن تستفيد مما طرحه من قبلك وفكر فيه بعمق واستخرج فكرة جديدة وحولها لمشروع جديد .
دور الإدارة تجاه الاقتراحات : تستقبل الإدارة في كل دائرة حكومية أو أهلية سيلا هائلا من اقتراحات الموظفين ، منها الجاد المفيد ومنها الغث السمين ، لكن المهم ألا نحكم على كل فكرة قبل أن نفكر فيها ومن المفيد للمدير أن يخصص ملفا أو دفترا للأفكار يسميه مثلا بنك الأفكار ، كما أن كل مدير مدعو لبذل التالي تجاه كل اقتراح يسمعه : 1. ناقش : ناقش صاحب الاقتراح في اقتراحه ، واطرحه أنت على من تثق في رأيه وناقشه لعل فيه جوانب تخفى لأول وهلة عليك . 2. شجع : شجع الاقتراح ، لا ترفضه بل شجع صاحبه على أن يقدمه لك كمشروع . 3. اشكر : اشكر من يقترح على تفاعله ونشاطه وبذله الوقت في التفكير . 4. كلف : كلف بدراسة الاقتراح خاصة لو كان يمس قضية مهمة أو ملحة . 5. حوّل : الاقتراح إلى مشروع خاصة لو كان طرحه في اجتماع وأيده الجميع . 6. لا تترك المجال لأحد أن يقلل من قيمة الاقتراح ، أو الخروج عن موضوعه ؛ هذا لو كان الاقتراح طرح في اجتماع عام طبعاً . 7. لماذا لا تجعل مسابقة لأحسن اقتراح في أي موضوع تريد أن يشارك فيه الجميع ، أو تجعل ضمن معايير اختيار الموظف المثالي كثرة الاقتراحات والتفاعل معها . إن كثيرا منا قد قتلت فيهم روح المبادرة بالأفكار والاقتراحات منذ كانوا صغاراً ، فلماذا لا نحيي هذه الروح من جديد ؟ لماذا لا ننفض عن عقولنا غبار الجمود الذي علاها منذ عشرات السنين ؟. لماذا لا نبادر ونفكر ونقترح . كن يا أخي كسلمان الفارسي يوم الخندق عندما اقترح حفر الخندق ، أو كالحباب بن المنذر يوم بدر حين اقترح على رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أن يغير مكان الجيش . أو كن كأم سلمة يوم الحديبية حين اقترحت على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أن يخرج للناس ويحلق شعره أمامهم . لم يكونوا يترددون بل كانوا يقترحون وكان القائد الكريم يؤيد ويشجع ويطبق ما يراه حسنا . فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالكرام فلاح