حملت لنا شبكة الإنترنت التي تضم مجموعة كبيرة من الشبكات حول العالم فوائد جمة، وأصبحت وسيلة سهلة وممتعة تُتيح لملايين البشر الولوجَ إلى كم هائل من المعلومات، إضافةً إلى التواصُل وتبادُل المعلومات والرسائل فيما بينهم. ولكن بعض العوامل (مثل الطبيعة المفتوحة لهذه الشبكة، وعدم وجود أي جهة يمكنها الادعاء بأنها تمتلكها أو تسيطر عليها، وعدم وجود قوانين مركزية رادعة)- أدَّت إلى انتشار العديد من الجرائم السيبيرية (أي جرائم على الشبكة) مثل: التجسس على حُزَم الرسائل (packet sniffing)، وكذلك تخريب أجهزة الكمبيوتر وملفاتها (computer hacking)، وَشَنّ هجوم الفيروسات على البريد الإلكتروني، إضافة إلى عمليات الخداع (hoaxes) وغيرها. ورغم أن الإنترنت ليست البيئة الوحيدة التي تحدُث فيها الجرائم والمخالفات القانونية، إذ إن الجريمة ظاهرة موجودة في مجتمعات عديدة، فإن المشكلة الرئيسة تكمن في عدم وجود قوانين دائمة ورادعة تحمي مستخدمي الإنترنت. ومما سبق نجد أن أمن الإنترنت أصبح شأناً مهماً لا بد من حل مشاكله، نظرا لأهمية هذا الأمن في عمليات تبادُل المعلومات الشخصية ومعلومات العمل.وتشكل قضايا الأمن والتهديدات الناتجة عنها العائق الأكبر أمام اكتساب ثقة الناس ومشاركتهم في تقدم الإنترنت، وإجراء الحركات المالية عبرها. وتبقى مسألة الحفاظ على أمن الإنترنت باعتماد وسائل سهلة واقتصادية من أكثر المسائل التي تشكِّل حالياً تحدياً كبيراً لهذه التقنية. تحديات الأمن يتلخص هدف جميع مستخدمي الإنترنت في الحصول على المعلومات ونقلها بشكل آمن، وهناك مجموعة من التحديات التي يجب أخذها في الحسبان لضمان نقلٍ آمن للمعلومات بين الأطراف المتصلة، وتنحصر هذه التحديات في ثلاثة محاور هي: الخصوصية (privacy)، وسلامة المعلومات (Integrity)، والتحقق من هوية الأطراف الأخرى (peer authentication). خصوصية المعلومات (Privacy) كي تتم المحافظة على خصوصية الرسالة الإلكترونية، يجب ألا يتمكَّن من الاطلاع عليها إلا الأطراف المعنية المسموح لها بذلك. وللحفاظ على الخصوصية، لا بُدَّ من التحكم بعملية الولوج، وأكثر طرق التحكم انتشاراً هي: استخدام كلمات المرور (passwords)، والجدار الناري (firewall)، إضافة إلى شهادات الترخيص (authorization certificates). وهنا، تجدُر الإشارة إلى أمر بالغ الأهمية؛ وهو أن على المستخدِم الحفاظ على سرية كلمة المرور، لأنها تشكل خط الدفاع الأول في وجه الولوج غير المُرخَّص. وبهذه الطرق، يُمكن منع حدوث الجرائم المتعلقة بانتهاك الخصوصية مثل: التنصُّت (eavesdropping)، واستعراض معلومات معيَّنة بدون ترخيص. سلامة المعلومات (Integrity) لا بُدَّ من حماية عمليتي نقل المعلومات وتخزينها، وذلك لمنع أي تغيير للمحتوى بشكل متعمَّد أو غير مُتعمَّد. وتكمن أهمية ذلك في الحفاظ على محتوى مفيد وموثوق به. وفي الغالب، تكون الأخطاء البشرية وعمليات العبث المقصود هي السبب في تلف أو تشويه البيانات. وينتج عن ذلك أن تصبح البيانات عديمة الجدوى، وغير آمنة للاستخدام.ولتلافي تشويه أو تلف البيانات، يُمكن استخدام تقنيات مثل: البصمة الإلكترونية للرسالة (message digest) والتشفير (encryption)، ومن المفيد أيضاً استخدام برمجيات مضادة للفيروسات (anti-virus software) لحماية أجهزة التخزين من انتهاكات الفيروسات التي تتسبب في تلف أو تشويه البيانات. ومن المهم أيضاً الاحتفاظ بِنُسَخ احتياطية (backup) لاسترداد البيانات المفقودة في حال تعرضها للضرر، أو في حال تعطُّل الشبكة أثناء عملية النقل. التحقق من هوية الأطراف الأخرى (Peer Authentication) يجب التأكد من هوية الأطراف المعنية بعملية تبادل البيانات، إذ يجب على كلا الطرفين معرفة هوية الآخر لتجنب أي شكل من أشكال الخداع (مثل عمليات التزوير وانتحال الشخصيات). وهناك بعض الحلول والإجراءات للتحقق من هوية الأطراف المتصلة مثل: كلمات المرور (passwords)، والتواقيع الرقمية (digital signatures)، والشهادات الرقمية (digital certificates) التي يُصدرها طرف ثالث. ويُمكن أيضا تعزيز الأمن بالاعتماد على بعض المميزات المحسوسة مثل: بصمة الإصبع (finger print)، والصوت، إضافة إلى الصورة. التشفير استخدم الإنسان التشفير منذ نحو ألفي عام قبل الميلاد لحماية رسائله السرية، وبلغ هذا الاستخدام ذروته في فترات الحروب؛ خوفاً من وقوع الرسائل الحساسة في أيدي العدو. وقام يوليوس قيصر بتطوير خوارزميته المعيارية المعروفة باسم شيفرة قيصر (Caesar Cipher) التي كانت نصّا مشفَّراً (Cipher text)؛ لتأمين اتصالاته ومراسلاته مع قادة جيوشه. وظهرت فيما بعد العديد من الآلات التي تقوم بعمليات التشفير، ومنها آلة التلغيز (Enigma machine). وشكَّل الكمبيوتر في بدايات ظهوره وسيلةً جديدة للاتصالات الآمنة، وفك تشفير رسائل العدو. واحتكرت الحكومات في فترة الستينيات حق التشفير وفك التشفير. وفي أواخر الستينيات، أسَّست شركة آي بي إم (IBM) مجموعةً تختص بأبحاث التشفير، ونجحت هذه المجموعة في تطوير نظام تشفير أطلقت عليه اسم لوسيفَر (Lucifer). وكان هذا النظام مثاراً للجَدَل، ورغم تحفّظات الحكومة الأمريكية علية لاعتقادها بعدم حاجة الشركات والمؤسسات الخاصة إلى أنظمة التشفير، إلا إنه قد حقق انتشاراً واسعاً في الأسواق. ومنذ ذلك الحين، أخذت العديدُ من الشركات تقوم بتطويرَ أنظمة تشفير جديدة، مما أبرز الحاجة إلى وجود معيار لعمليات التشفير. ومن أبرز المؤسسات التي أسهمت في هذا المجال، المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا (National Institute of Standards and Technology- NIST) المعروف سابقاً باسم المكتب الوطني الأمريكي للمعايير (U.S. National Bureau of Standards)، إذ طوَّر هذا المعهد عام 1973 معياراً أطلق عليه معيار تشفير البيانات (Data Encryption Standard- DES). ويستنِد هذا المعيار إلى خوارزمية لوسيفَر (Lucifer algorithm) التي تستخدِم مفتاح تشفير بطول 56 بت (bit)، وتشترط أن يكون لكل من المرسِل والمستقبِل المفتاحَ السري ذاته. وقد استخدمت الحكومة هذا المعيار الرسمي عام 1976، واعتمدته البنوك لتشغيل آلات الصراف الآلي (ATM). وبعد عام واحد من تطبيق معيار تشفير البيانات (DES)، طَوَّر ثلاثة أساتذة جامعيون نظامَ تشفير آخر أطلقوا عليه اسم (RSA)، ويستخدم هذا النظام زوجاً من المفاتيح (مفتاح عام (public key)، ومفتاح خاص (private key)) عوضاً عن استخدام مفتاح واحد فقط. ورغم أن هذا النظام كان ملائماً جداً لأجهزة الكمبيوتر المعقَّدة، إلا إنه قد تم اختراقه فيما بعد. وبقيت الحال على ذلك حتى قام فيل زيمرمان (Phil Zimmerman) عام 1986 بتطوير برنامج تشفير يعتمد نظام (RSA)، ولكنه يتميز باستخدام مفتاح بطول 128 بت، ويُدعى برنامج الخصوصية المتفوِّقة (Pretty Good Privacy- PGP). ويتوفر من هذا البرنامج نسخة تجارية و نُسخة مجانية، وهو من أكثر برامج التشفير انتشاراً في وقتنا الحالي. ما هو التشفير (encryption)؟ يُعرَّف التشفير بأنه عملية تحويل المعلومات إلى شيفرات غير مفهومة (تبدو غير ذات معنى) لمنع الأشخاص غير المُرخَّص لهم من الاطلاع على المعلومات أو فهمها، ولهذا تنطوي عملية التشفير على تحويل النصوص العادية إلى نصوص مُشفَّرَة. ومن المعلوم أن الإنترنت تشكِّل في هذه الأيام الوسطَ الأضخم لنقل المعلومات. ولا بد من نقل المعلومات الحساسة (مثل الحرَكات المالية) بصيغة مشفَّرة إن أُريدَ الحفاظ على سلامتها وتأمينها من عبث المتطفلين والمخربين واللصوص. وتُستخدَم المفاتيح في تشفير (encryption) الرسالة وفك تشفيرها (decryption). وتستنِد هذه المفاتيح إلى صِيَغ رياضية معقَّدة (خوارزميات). وتعتمد قوة وفعالية التشفير على عاملين أساسيين: الخوارزمية، وطول المفتاح (مقدَّرا بالبت (bits)). ومن ناحية أخرى، فإن فك التشفير هو عملية إعادة تحويل البيانات إلى صيغتها الأصلية، وذلك باستخدام المفتاح المناسب لفك الشيفرة.
التشفير المتماثل(Symmetric Cryptography) – المفتاح السري (Secret Key) في التشفير المتماثِل، يستخدم كل من المرسِل والمستقبِل المفتاحَ السري ذاته في تشفير الرسالة وفك تشفيرها. ويتفق الطرفان في البداية على عبارة المرور (passphrase) (كلمات مرور طويلة) التي سيتم استخدامها. ويمكن أن تحوي عبارة المرور حروفاً كبيرة وصغيرة ورموزا أخرى. وبعد ذلك، تحوِّل برمجيات التشفير عبارةَ المرور إلى عدد ثنائي، ويتم إضافة رموز أخرى لزيادة طولها. ويشكِّل العدد الثنائي الناتج مفتاح تشفير الرسالة. وبعد استقبال الرسالة المُشفَّرة، يستخدم المستقبِل عبارةَ المرور نفسها من أجل فك شيفرة النص المُشفَّر (cipher text or encrypted text)، إذ تترجِم البرمجيات مرة أخرى عبارةَ المرور لتشكيل المفتاح الثنائي (binary key) الذي يتولى إعادة تحويل النص المُشفَّر إلى شكله الأصلي المفهوم. ويعتمد مفهوم التشفير المتماثِل على معيار DES. أما الثغرة الكبيرة في هذا النوع من التشفير فكانت تكمن في تبادُل المفتاح السري دون أمان، مما أدى إلى تراجُع استخدام هذا النوع من التشفير، ليصبح شيئاً من الماضي.
التشفير اللامتماثل (Asymmetric Cryptography) – المفتاح العام (Public key) جاء التشفير اللامتماثل حلاً لمشكلة التوزيع غير الآمن للمفاتيح في التشفير المتماثل، فعوضاً عن استخدام مفتاح واحد، يستخدِم التشفير اللامتماثِل مفتاحين اثنين تربط بينهما علاقة. ويُدعى هذان المفتاحان بالمفتاح العام (public key)، والمفتاح الخاص (private key). ويكون المفتاح الخاص معروفاً لدى جهة واحدة فقط أو شخص واحد فقط؛ وهو المرسِل، ويُستخدَم لتشفير الرسالة وفك شيفرتها. أما المفتاح العام فيكون معروفاً لدى أكثر من شخص أو جهة، ويستطيع المفتاح العام فك شيفرة الرسالة التي شفَّرها المفتاح الخاص، ويمكن استخدامه أيضاً لتشفير رسائل مالك المفتاح الخاص، ولكن ليس بإمكان أحد استخدام المفتاح العام لفك شيفرة رسالة شفَّرها هذا المفتاح العام، إذ إن مالك المفتاح الخاص هو الوحيد الذي يستطيع فك شيفرة الرسائل التي شفرها المفتاح العام. ويُدعى نظام التشفير الذي يستخدم المفاتيح العامة بنظام RSA، ورغم أنه أفضل وأكثر أمناً من نظام DES إلا إنه أبطأ؛ إذ إن جلسة التشفير وجلسة فك التشفير يجب أن تكونا متزامنتين تقريبا. وعلى كل حال، فإن نظام RSA ليس عصياً على الاختراق، إذ إن اختراقه أمر ممكن إذا توفَّر ما يلزم لذلك من وقت ومال. ولذلك، تمّ تطوير نظام PGP الذي يُعَدُّ نموذجاً محسَّناً ومطوَّراً من نظام RSA. ويستخدم PGP مفتاحا بطول 128 بت، إضافة إلى استخدامه البصمة الإلكترونية للرسالة (message digest). ولا يزال هذا النظام منيعاً على الاختراق حتى يومنا هذا.
[move]منقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـول[/move]