ذكريات الحج.. من الجمل إلى الطائرة
شروق برس: محمد شعبان
من الجمل إلى الطائرة تظل مسافة الأزمنة الجميلة التي ارتبطت بمواسم الحج تلتصق بذاكرة الكبار من النساء والرجال عن رحلة الحج إلى بلاد الحجاز "المملكة العربية السعودية" حيث تتزين مكة بزينة العروس احتفاء بالوافدين إلى رحاب الله لتأدية أعظم شعيرة تهفو إليها القلوب والنفوس ألا وهي الحج إلى بيت الله الحرام. فالحج شعيرة يوليها المسلمون كل الاهتمام فبالرغم من تكلفتها المادية الباهظة الآن أو رحلتها الشاقة قديما التي كانت تتم على - ظهور الجمال - إلا أن المسلمين يتنافسون ويتسابقون للفوز بتلك الرحلة الربانية التي تملأ القلب نورا وإيمانيا؛ لما لرؤية الكعبة من إحساس إيماني رائع يسمو بالروح ويعلي الهمة للتقرب إلى الله سبحانه وتعالى. وتظل مناسبة الحج منذ - النداء الإلهي - الذي انطلق على لسان أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام {وأذن في الناس بالحج} لتهفو القلوب إلى مكة المكرمة والمشاعر المقدسة إلى الآن.. تجربة يعيشها كل فرد ليحكيها عبر الزمان وخاصة الحج في القدم.
يحكي لنا "الحاج عبدالعزيز" ( 85 ) عاما - مصري - والذي حج في صغره عن رحلة مثيرة للحج يقول.. "أديت الحج لأول مرة عندما كنت أبلغ من العمر 17 عاما وقتها كنا ننتقل من مصر عن طريق قناة السويس على باخرة مصرية، ثم إلى السعودية لأداء المناسك الحج والإحرام ولم تكن لدينا أي وسائل للانتقال سوى الجمال داخل المملكة العربية السعودية. في رحلة شاقة حقا إلا أنها كانت يملأها الإيمان وخاصة في تلك الشعيرة الروحانية، ويصف الحاج عبد العزيز السعادة الغامرة التي انتابته فور الوصول إلى الجزيرة العربية وارتدائه ملابس الإحرام وانطلاق الألسنة في التلبية والتكبير"لبيك اللهم لبيك"، فيقول: كانت دموع الفرحة تنهمر من العيون بسبب المشاعر الجميلة التي كانت تملأني أنا وكل من معي عند البدء في مناسك الحج والتي لا فرق فيها بين غني وفقير وخيام عرفة التي كانت تستوعب ما لا يقل عن 150 ألف حاج وكذلك الالتفاف حول العلماء خاصة في الحرم المكي حيث يوجد العلماء في أركان الحرم، وفي السكن بعد صلاة الظهر، ويوم التروية بعد صلاة العشاء، ويوم عرفة بعد صلاة الظهر حيث تتضمن الوعظ والتذكرة والإجابة عن أسئلة الحجاج والدعاء، وهكذا حتى انتهاء الموسم..
ويتعجب الحاج عبد العزيز من التطور الهائل الذي حصل في السنوات الماضية في وسائل الراحة والوصول السريع للحجيج من خلال نقلهم بالطائرات أو السيارات والحافلات السريعة، والسفر بأمان واطمئنان متذكرا مشقة الحج الأول له. مؤكدا أن الحج سواء كان بالجمال أو بالباخرة أو الطائرات ما زال محتفظا بجلاله وهيبته عند كل المسلمين وخاصة البسطاء منهم، فالغني يملك الماديات التي تجعله يحج ويكرر الحج والفقير يظل يحبو ويجتهد ويدبر الأموال لكي يحج ويؤدي الفريضة العظيمة لأن المسلمين عموما ينظرون إلى الحج على أنه إكمال للدين وزاد روحاني لابد منه.
أجمل اللحظات
وما تحمله هذه الرحلة الإيمانية من ذكريات يحدثنا الأستاذ عادل محمود 55 عاما عن ذكرياته عن رحلة الحج وأيامه التي يصفها بأنها أجمل لحظات حياته عندما ذهب إلى الأراضي المقدسة لقضاء تلك الرحلة الإيمانية، ويصف أول نظرة له للكعبة يقول إنه لم يستطيع أن يتمالك نفسه من البكاء لعظم الموقف واصفا لحظات صلاته بالحرم وجلوسه في المسجد بأنها الأفضل في حياته؛ فعلى الرغم من أنه حج منذ ما يزيد عن 20 عاما إلا أن هذه السنوات لم تؤثر على إحساسه بتلك اللحظات مؤكدا أنه لو توفرت له الاستطاعة لذهب مرة أخرى إلى الحج، ويحكى الأستاذ عادل عن الصحبة التي وجدها في الحج وعن ضيوف الرحمن الذين يتوافدون من شتى بقاع الأرض يرتدون جميعهم قطعة من قماش تاركين الدنيا وراء ظهورهم ملبين نداء ربهم متجردين من حياتهم راغبين في عفو ربهم ومغفرته، وأن يرجعوا إلى بلادهم كيوم ولدتهم أمهاتهم وقد أنيرت وجوههم من عبق الإيمان في تلك الرحلة وسمت أرواحهم من نور طاعة الحج. مشيرا إلى كثير من المواقف التي لن ينساها طوال حياته إحداها موقف العجائز من الرجال والنساء الذين يحبون على أيديهم وأرجلهم بين الصفا والمروة لتأدية ذلك الركن على الرغم من المشقة التي يتكبدونها، ومن المواقف الأخرى وهو صعود الحجيج إلى عرفات الله مؤكدا أن المشاهد الربانية التي تأخذ بالألباب إذ يتجمع مالا يقل عن 2.5 مليون من البشر في صعيد واحد وأبصارهم شاخصة إلى السماء يبغون عفو ربهم.
حلاوة الإيمان
الشيخ مصطفى يحكى عن فضل الحج وعظمته قائلا: إن كل خطوة كان يخطوها في تلك الرحلة أوقعت أثرا في قلبه وملأته بالنور والإيمان وكلما قال "لبيك اللهم لبيك" ازدادت حلاوة الإيمان في قلبه وشعر بالقرب من ربه.. ويقول أيضا إن أفضل ذكرياته وهو في الحج وهو يسعى بين الصفا والمروة ويري الجهد والمشقة التي تظهر على النساء كبريات السن أو المحمولين على الأعناق ويتذكر السيدة هاجر وهي تهرول حاملة طفلها الوليد ذهابا وإيابا لتبحث له عن الماء، كما أنه يصف الصلاة في المسجد الحرام بأنه يشعر أنه خلق من نور وأن روحه سمت إلى ربها راجيا من الله تعالى أن يتقبل حجته هذه.