وهل تصدقون أن نساءً من عالمنا العربي والإسلامي وقفن أمام المؤتمر وهن يطالبن بإجبار الحكومات العربية والإسلامية على تطبيق مقررات بكين حرفياً بما فيها تعليم الفتيات الجنس منذ الصغر، والسماح بما يسمى ممارسة آمنة للجنس، والسماح بالإجهاض والحمل، ورعاية الدولة للفتيات اللاتي يحملن سفاحاً، وعدم مضايقة الشواذ جنسياً من الرجال أو النساء!!.
وهل تصدقون أيضاً أن معظم الدول العربية والإسلامية التي شاركت في مؤتمر (بكين+10) لم تعترض على أي فقرة من فقرات مقررات بكين بسبب حالة الجهل المتفشية بين الدبلوماسيين العرب والمسلمين عن تعاليم الإسلام تارة، والخشية من أن يقال إن الإسلام دين رجعي إن هم اعترضوا على الحرية الجنسية مثلاً تارة أخرى، وأن الدولة الوحيدة التي اعترضت هي أمريكا ومعها الفاتيكان!!.
المنظمة الدولية منعت الائتلاف الإسلامي للمنظمات الإسلامية من إلقاء بيانه أمام الوفود الرسمية رغم إدراجه في قائمة المتحدثين، والأغرب أنه تم استبدال ببيان منظمة نسوية من أمريكا اللاتينية به.. طالب بإعطاء جميع أنواع الحريات للمرأة وضرورة التزام الحكومات بالتطبيق الكامل لوثيقة بكين!؟.
جلسات الاضطهاد! لقد وصلت درجة التبجح في مؤتمر الأمم المتحدة الأخير إلى حد عقد عشرات الجلسات عن الجنس واضطهاد المرأة المسلمة مثل: جلسة عن أن الامتناع عن الجنس يتعارض مع الحقوق الجنسية للإنسان وقد عقدته جمعية للشواذ تسمى لجنة الشاذين والشاذات العالمية لحقوق الإنسان.
جلسة ثانية بعنوان: رفع العنف عن المرأة في المجتمعات الإسلامية نظمته جمعية Women learning partnership)) (WLP) تحدثت فيها (سكينة ياكوبي) رئيسة مؤسسة تعليم الأفغان عن ضرورة أن تتعلم النساء كيف يفسرن القرآن لأنفسهن إعادة تفسير النص، وذلك حتى يتوصلن إلى مبادئ الديموقراطية وحقوق النساء!.
جلسة أخرى بعنوان: النساء العربيات يتكلمن، نظمتها جمعية عربية تسمى مركز قضايا المرأة المصرية دعت فيها للعمل على تغيير قوانين الأحوال الشخصية لتنفيذ مساواة الجندر.
والمشكلة الكبرى أن ائتلاف المنظمات الإسلامية الذي أعد دراسات مختلفة تبين البديل الإسلامي لمفهوم الجندر وتنتقد بعض بنود وثيقة بكين ومنها دراسة د. عبدالعظيم المطعني التي عرضتها المجتمع في عدد سابق حاول عرض هذه الدراسات التي تبين التحفظات الإسلامية وموقف الشريعة من بعض بنود الوثيقة، مع فتوى لمفتي مصر بشأن مفهوم الجندر، على رؤساء الوفود العربية مثل الوفد المصري والجزائري كي يشاركوهم التحفظ على هذه البنود فلم يهتم أحد، ووصل الأمر بمندوب البعثة الجزائرية الدائمة إلى القول إنه مقتنع بالتحفظات، لكنه حاول جاهداً أن يبين أن سكوتهم إنما هو لعدم مخالفة أمريكا، متجاهلاً بذلك النتائج الخطيرة التي يمكن أن تنعكس آثارها على المجتمعات الإسلامية، وكررت الكلام نفسه والتبريرات كل الوفود العربية والإسلامية!!. ثقافة العفة!
وفي ظل تجاهل الأمم المتحدة لإعطاء ائتلاف المنظمات الإسلامية الكلمة رغم أنه كان مقرراً أن يلقي كلمته في المرتبة الثانية قام الائتلاف بتوزيع بيان رداً على هذا التجاهل يدعو فيه دول العالم لاحترام التعددية الدينية والثقافية والهوية الخاصة بالشعوب لأن مشكلات المرأة تختلف تبعاً للثقافات والمجتمعات، والحلول تختلف تبعاً لها، وطالب بتحقيق المساواة في إطار مفهوم العدالة والإنصاف، لأن المساواة المطلقة تفترض المماثلة الكاملة وتؤدي إلى النديّة والصراع.
وأكد الائتلاف في البيان الذي حصلت عليه المجتمع ضرورة وضع حلول جذرية تتعامل مع المشكلات برؤية متكاملة، وتأخذ في الاعتبار الحيلولة دون قيام المشكلة وليس الاقتصار على علاج آثارها مشدداً وسط جهود دولية لإباحة الإجهاض والاعتراف بالشذوذ الجنسي على أن الإسلام عالج مشكلات مثل الأمراض التي تنتقل جنسياً كالإيدز وحمل المراهقات عن طريق ترسيخ ثقافة العفة والابتعاد عن الممارسة (الجنسية) خارج إطار الزواج دون انتظار لتفشي تلك المشكلات ثم الانشغال بعلاج آثارها. وأكد الائتلاف في بيانه ضرورة النظر إلى كل من المرأة والرجل في سياقهما الاجتماعي بما يحافظ على مصالح الأسرة والمجتمع وعدم الاستغراق في الفردية.
الأمر الواقع! وفي الجلسة الأخيرة للمؤتمر صادقت الدول جميعاً بما فيها الدول العربية والإسلامية والاتحاد الأوروبي على إعلان (بكين+10) الذي يؤكد الالتزام بإعلان بكين ومنهاج العمل و(بكين+5)، بينما أكدت أمريكا والفاتيكان على تمسكهما بتفسيرهما لوثيقة بكين بأنها لا تستحدث حقوقاً جديدة للإنسان (أي أنها غير ملزمة قانوناً) بما فيها حق الإجهاض، كما أكدا على تمسكهما بالتحفظات السابقة على بكين 1995 . والغريب أن الاجتماعات تضمنت مطالب مغالى فيها من قبل المنظمات النسائية في ظل صمت عربي وإسلامي ودعوات لإجبار الحكومات على تنفيذ وثيقة بكين رغم مخالفة بعض بنودها للشريعة.
وقدمت المنظمات النسوية العربية التي شاركت في المؤتمر بياناً باسم المنظمات غير الحكومية العربية، طالبن فيه الحكومات بالالتزام الكامل بمنهاج عمل بكين على مستوى التشريعات السياسية والآليات المؤسسية، وضرورة التصديق على اتفاقية سيداو لمن لم يصدق عليها ورفع التحفظات عنها، كما طالبن الحكومات العربية بتبني مشروع الإعلان الصادر عن هذه الدورة (إعلان بكين +10) كما هو وبدون تعليق.
أخطار التصديق وفي هذا الصدد أكدت المهندسة كاميليا حلمي مديرة اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل ومنسق ائتلاف المنظمات الإسلامية أن: أخطر ما ورد في الإعلان أمران: (الأول) تأكيد الدول والحكومات على الالتزام الكامل والفعال بتطبيق إعلان بكين ومنهاج العمل ووثيقة (بكين+5)، مع عدم الإشارة إلى التحفظات التي وضعتها الدول على بعض بنود الوثيقة.
(الثاني) ما ورد في البند الرابع من الإعلان من الربط بين وثيقة بكين، واتفاقية سيداو (القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة) في محاولة لإعطاء وثيقة بكين مزيداً من القوة والإلزامية، حيث إن اتفاقية سيداو هي اتفاقية ملزمة قانوناً لمن وقع عليها من الدول متجاوزة المرجعيات الدينية والثقافية للشعوب، بينما وثيقة بكين تضع سياسات وآليات تطبقها الدول بما لا يتعارض مع دساتيرها وثقافاتها وتقاليدها، والربط بين الوثيقتين يستمد من اتفاقية سيداو بعضاً من إلزاميتها ليضيفه إلى وثيقة بكين!.
خدمات تثقيفية: وأضافت أن أخطر ما في وثيقة بكين هو المطالبة بتقديم خدمات الصحة الإنجابية للأطفال والمراهقين والتي تشتمل على: 1 التثقيف الجنسي للأطفال والمراهقين من خلال التعليم والإعلام وذلك لتعليم الأطفال ما يسمى بالجنس الآمن أي كيفية ممارسة الجنس، مع توقي حدوث الحمل، أو انتقال مرض الإيدز. 2 توفير وسائل منع الحمل للأطفال والمراهقين في المدارس . 3 إباحة الإجهاض بحيث يكون قانونياً وبالتالي يتم إجراؤه في المستشفيات والعيادات.
وهناك أمر آخر لا يقل عن سابقه أهمية وخطورة كما تقول د. كاميليا هو المطالبة بإلغاء كافة الفوارق بين الرجل والمرأة، حتى البيولوجية منها، والوصول إلى التطابق والتماثل التام بينهما، بدعوى الارتقاء بالمرأة وضمان حصولها على حقوقها كاملة وذلك من خلال ما يعرف بمساواة الجندر Gender Equality وهو ما يعني توحيد الأدوار التي يقوم بها الرجل والمرأة وفصل هذه الأدوار عن التكوين البيولوجي لكل منهما، وبالتالي فليس بالضرورة أن تقوم المرأة بدور الأمومة، أو أن يقوم الرجل بدور ريادة الأسرة (القوامة) مما يشكل خطراً جسيماً على استقرار الأسرة واستمراريتها، كما يستنبط من هذا المصطلح أيضاً الاعتراف بالشاذين والشاذات، ومنحهم نفس الحقوق التي يتمتع بها الأسوياء من زواج وإرث وغيرهما من الحقوق!.
فتاوى من مصر والمجلس الأوروبي وكانت السيدة كاميليا حلمي قد سعت للحصول على فتاوى من مفتي مصر ومن المجلس الأوروبي للإفتاء قبل المؤتمر بشأن بنود الوثيقة وتعارض بعضها مع الإسلام؛ بيد أن هذه الفتاوي تجاهلتها معظم الوفود العربية الرسمية قبل الأجنبية.
لقد حرص ائتلاف المنظمات الإسلامية على تلخيص وجهة النظر الإسلامية في مسألة الجندر بأنه يجب التعامل مع جذور المشكلة وليس مع أعراضها، ولذلك دعا إلى التمسك بكل التحفظات على ما يتعارض مع الشريعة الإسلامية، وبخصوص الإجهاض أكد أنه لا يعتبره حقاً مطلقاً للمرأة خارج ما تجيزه الشريعة الإسلامية، ولكن جهل الوفود الرسمية العربية بشؤون دينها، وغلبة تيار الجمعيات النسوية الغربية والشرقية المنحلة في المؤتمر حسم الجولة لصالح هدم نظام الأسرة كما نعرفه، وسمح للشواذ والزناة بالجهر بمعصيتهم تحت حماية دولية!!.
بقلم /محمد جمال عرفة.
المصدر مجلة المجتمع .(بتصرف)