وبين ارتفاع الأصوات بعبارات التهنئة على هذا الشرف الذي نالته، وليس بعده شرف، كان ذلك الاستقبال الأسطوري، للبطل الصنديد، والمجاهد الرعديد، في صالة التشريفات، وبمائة ألف أو يزيدون، بالأحضان والورود والدموع، ويهتف الأب بفرح: (أحمد الله فقد مثَّلَ ابني بلدهُ خير تمثيل)..!!!!، ويقول البطل بسعادة: (أحمد الله فقد كفّيت و وفّيت)..!!!!
أُتابِع هذه المواقف وأقرأ عن ذلك الاستقبال الأسطوري؛ وصوتُ الرّائي ينخر أُذني، لم يتنبّه إليه أحد وسط ضجّة الاستقبال والاحتفال، يتلو نشرة الأخبار، يعلن أن الأمة تُذبح من الوريد إلى الوريد، ويقرأ بياناً تلو بيان عن منازل تهدّم، ودماءٍ تسيل، ومُقْعَدٍ يُذبَح، وعقولٍ تُوأَد، وعِفّةٍ تُنحَر..!!!!
انتهى البرنامج كما انتهى سابقه سيء الذكر، سوبر شيطان، ونصّب كما نصّب ومازال ينصّب غيره؛ أبطال الأمة وشجعانها، من صمدوا و جاهدوا وصبروا على كل ما لاقوا، من أول التصفيات حتى النهائي، بكل بسالة، ووقفت الجماهير العربية والمسلمة خلفهم، تعاضدهم برسائل الجوال، والاتصالات، وأعمدة الصحف، والإعلانات، والدموع، بل والدعاء..!!!!
لم يمر على الأمة الإسلامية زمانٌ كهذا الزمان، ولا فتنٌ كهذه الفتن، ولا محنٌ ومصائب كالتي نرى ونسمع، اشتدّت عليها الهجمة، وأغار عليها العدو، واستوطن بقاعها، برّاً وجوّاً وبحراً بل وقلباً وفكراً..!!!!
ظلماتٌ بعضها فوق بعض، كلما انقضت طامة من الطوام جاء ما هو أشد منها ألماً و خطراً وانفتاحاً وتحرراً وتغريباً وتمييعاً للدين..!!!!
الإعلام، أداة العدو المتربّص، الأداة التي فُعّلَت واستُخدمَت للنفوذ للأقطار التي لم يَتَسنّى احتلالها عسكرياً للآن، إعلام وُجّه أصلاً لإعدام شباب هذه الملّة، بعد أن فشلت كل الطرق؛ احتلوا العقول والعيون والقلوب والألسن احتلالاً أعظم من ألف ألف احتلالٍ عسكري، وأكثر عملاً و تدميراً وإيلاماً، والله المستعان..!!!!
الإعلام، أصبح أخبث ما يكون، يتابع بدقّة أدقّ الدقائق في حياة أقل القوم وأوضعهم في ميزان الأخلاق والعطاء، تُضخَّم صورهم وأخبارهم وخلافاتهم وإنجازاتهم وحتى أفضل مآكلهم و مشاربهم، يصوّرون على أنهم الصورة المثالية للحياةِ النموذجية..!!!!
الإعلام، أخذ بكل خُبث ينظّم الحوارات والبرامج المصفوفة والمزينة والمنقوشة بكل دعوى إلى الخروج على المجتمع و أعرافه البائدة، وكأن الدين عُرفٌ أكل عليه الدهر وشرب، وتراث مكانه المعارض والمهرجانات وقصص الجدّات..!!!!
وإن لم يكن هذا ولا ذاك، فأخبث ما صنع على الإطلاق، رفع أهل البدعة، وتقديمهم للجمهور، على أنهم الرحمة المهداة، وأصحاب المنهَج الحق، ونشر خزعبلاتهم وعرض طوامهم ومشادّاتهم..!!!!
تعذّر من تعذّر أن متابعة الأخبار، والأحداث أولاً بأول، هي ما تلتَفِت إليه أنفسهم، وأنهم لا يولون اهتماماً بما عدى ذلك، وما رأيتُ حجّة أعجب من هذه، فهل نحنُ صنّاع قرار حتى تحمل النفس همَّ متابعة الخبر لحظة بلحظة..؟!!، وهل نملك أن نغيّر من الحال شيء؟!!، وهل ملك صنّاع القرار أنفسهم تغيير شيء..؟!!، وكيف تحتمل النفس مشاهدة مناظر القهر والإبادة ليل نهار..؟!!، وكيف يهنأ لها نومٌ وعيش مع ضعف الحيلة وتقطّع الأسباب دون الوسيلة..؟!!
أما الفتاة فهل تتابع الأخبار..؟!!، أم آخر التحليلات السياسية..؟!!، أم في أحسن الأحوال تتابع برنامجاً عن الإعجاز العلمي و خفايا الطب..؟!!!!، إنها تتسمّر أمام 500 قناة في غرفة مغلقة، تتقلب بين هذه القمامة وتلك، تراقب تمايل هذه، وتقبيل ذاك، وتراقُص تلك..!!!!، ويمضي بها الوقت، وتحتار ماذا تصنع بهذه النفس، تخرج إلى الأسواق وتغوص في بحار النت، تبحث عن قشة تتعلق بها، تُنَفِّس عمّا في النّفس..!!!!
لست ألوم العدو المتربّص، ولا أمتدح ذكاؤه ومعرفته من أين تُؤكَل الكتف؛ وإنما ألوم من جعل من نفسهم إناءً بل قمامة تستقبل كلما هبّ ودب، ألوم من جلب هذا البلاء لنفسه وداره، ويستصرخ اليوم: وااااامُنقِذاه..!!!!
قبل سنوات كان أئمة المساجد والعلماء يستصرخون، ينادون، يحذرون، من هذه الأطباق الفضائية، ولاقت الدعوى حينها تسفيهاً من البعض واستخفافا، واليوم هم من يدفع الثمن بشهادتهم، فأطفال الأمس، أصبحوا كباراً اليوم، و ضاعت القيم، وتثبطت الهمم، وشُغِلَ فراغُهم بالعفن و مُلِئَت بطونهم من النّهَم..!!!!
لن يغفر الجيل الجديد أبداً لمن عطّل قدراته، وشغل تفكيره، وأضاع أوقاته، ولكن عندما يستيقظ من سكرته ويتنبّه لحاضره ويعرف عدوّه..!!!!، وحتى ذلك الحين فبين بعض أبناء الأمة والوعي بالعدو الفضائي مسافات، خاصة مع تخفّيه، وتكلمه بألسنتنا ودعمه مادياً ومعنوياً من قِبَلِ بعض بني جلدتنا، وإلباسه الباطل النّتِن لباس الحقّ الفاتن..!!!!
ولن ينفع مع هذه الأداة الإعلامية القوية، والتي سخرت كل شيء لخدمة أهدافها، وإعادة صياغة جيل أمة الإسلام بشكلٍ يَسهُل معه استيطان عقولهم وأفئدتهم قبل أراضيهم؛ إلا أداة إعلامية قوية أخرى موجّهة ومضادّة لهذه الهجمة الشرسة، تكتسحهم اكتساحاً، وتبعثر أوراقهم، وتكشف خططهم، وتفضح عداءهم..!!!!
لكن للأسف، وبما أننا أمة صادق القول، وعظيم الفعل، فما إن خرجت مؤسسة إعلامية هادفة موجّهة دعوياً وإسلامياً، تفعل ما تستطيع لاستقطاب الإبداعات الإعدادية والإخراجية وعباقرة صنّاع الإعلام الهادف، حتى تناولتها فئةٌ بالهجوم والتبديع..!!!!، في وقتٍ هي أحوج ما تكون فيه للدعم المعنوي والمادي..!!!!، واستكثر البعض عليها ريالاً ونصف في اليوم يدعم مسيرتها، ويعزّز جهودها، ويعينها على مزاحمة ما مُليء بهِ الفضاء من عَفَن..!!!!، منتظرين أن تمدّ لها إعلانات الشامبو الماجنة والفوط النسائية المقزّزة يد الدعم والمؤازرة..!!!!!
بيدنا أن نصنع أعظم أداة إعلامية نقية هادفة، بيدنا أن نخرج لمخاطبة العالم أجمع بصورة إعلامية جميلة، متوازنة، سليمة المنهج، إسلامية التوجّه، ولكن متى ما اتّحدت الجهود و خَلُصت لله النيات، و ربّينا النفوس على الصبر، وتوكّلنا على الله، ( ولن يَتِرَكُم أعمالكم)..!!!!
سنُفلِح بإذن الله إذا وحّدنا الخطاب الدعوي، و نسينا حظوظ النفس، و تسامينا عن الخلافات الشخصية، والمشادّات الكلامية، والهجوم والأخذ والردّ الذي ما ضرّ إلا خطابنا الدعوي، وطعنهُ في الصميم، حينما انشغل به البعض عن العمل الجادّ لهذا الدين، واهتزت بذلك صورته عند البعض، والله المستعان..!!!!
سنُفلِح بإذن الله إذا تولّى الإشراف على هذا الخطاب الإعلامي خيارنا، من العلماء وأصحاب الفضيلة وطلاّب العلم، والدعاة، ومن عُرِف عنه صحة التوجّه، وسلامة المنهج، وصفاء العقيدة، مما يُكسب الخطاب المصداقية والقوّة..!!!!
سنُفلِح بإذن الله إذا وثقنا بقدراتنا ونمّينا في دواخلنا عزّة المسلم التي تدفعه لكل محمَدة، وتسمو به إلى آفاق العزّة، و تحملهُ على كل برٍّ وخير، واستغلال كل طاقاته في نشر كل فضيلة ومحاربة كل شرٍّ ورذيلة، بخطابٍ مدروس ومنطلقاتٍ ثابتة، وتوجّهات سليمة، وعقيدة صافية..!!!!
سنُفلِح بإذن الله إذا تحمّلنا في ذات الله ما نلاقي، وصبرنا، ولم نستعجِل الثمرة، وتقبّلنا النقد مهما كان، وتعاملنا مع بإيجابية، تدفع العمل الإعلامي الإسلامي نحو الأمام..!!!!
سنُفلِح بإذن الله إذا قيّمنا أنفسنا، وقوّمنا معوجّها، و حاولنا أن نصل بها لأعلى مراتب الكمال كما أراد لنا هذا الدين، وكنّا قدوةً في أنفسنا وتعاملنا وأخلاقنا وسمتنا وعطائنا، تنطق إنجازاتنا، وينطق خطابنا بعظمة ومحاسن هذا الدين، بكل واقعية، بكل شفافية، بكل إبداع، و عطاء، لا ينتظر شكراً من أحد؛ إلا من الواحد الأحد..!!!!
سنُفلِح بإذن الله إذا أدرك صاحب القناة الفضائية الإسلامية والمجلة الإسلامية والكتاب الإسلامي والكاتب الإسلامي والشريط الإسلامي والمؤسسة الإسلامية جميعهم أنهم على ثغرٍ واحد، تتعاضد جهودهم، و يتعاون أخيارهم، ويبحثون عن كل وسيلة لتطوير طريقة عرضهم، و ملاحقة الإبداع أنّى كان ليخدم توجّههم وخطابهم، بما ليس فيه تمييع الدين ولا ما ينتظره المتربصون من سَقْط القول وخطأ الأسلوب و الوسيلة..!!!!
هاهم يعلنون عن عرض شيطان أكاديمي إكسترا..!!!!، والجماهير الإسلامية ما بين شاجبٍ ومستنكر و آخر بفرحٍ وحماسٍ مُترَقّب، وتستمر الحرب الإعلامية، و تطيب النفس برؤية بعض أبناء الأمة المخلصين وسط هذا الغثاء، بإخلاص وتفانٍ يعملون، وعن الإبداع في الطرح يبحثون، وفي القلوب النقيّة لفسائلهم الطيبة يغرسون، ببطء يسيرون، لكن على درب العزة هم سائرون، وبالحكمة والموعظة الحسنة العالمَ يُخاطبون، للنقد بصدورٍ رحبةٍ متقبّلون، أقول لهم: لا تحزنوا، الله معكم ولن يَتِرَكُم أعمالكم، أمّا الظالمون فسيعلمون أيّ منقلبٍ ينقلبون..!!!!