كيف نجاهد أنفسنا ؟
الناقل :
heba
| الكاتب الأصلى :
علي محمد محفوظ
| المصدر :
www.muslema.com
بقلم - علي محمد محفوظ
الْحَمْدُ لِلَّهِ نحمده و نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وحده لا شريك له ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أما بعد:
كثيرا ما نقرأ موضوعات غريبة، أو نطلع على مشكلات خطيرة بالأمس وفي الأيام الماضية قرأنا عن فتيات خدعن بذئاب بشرية، وارتكبت بعضهن الفواحش والموبقات ووقعن في الزنى باختيارهن وسموه بالزواج العرفي!
واطلعنا على مشاكل للبنات والأولاد و الكل يشتكي من الوقوع في مختلف الذنوب و المنكرات كالاطلاع على الأفلام أو المواقع الإباحية، والكل يتساءل ماذا نفعل وكيف يتصرف الأبوان؟
الشباب يجري وراء المغريات، ويرتكب الذنوب، ويقترف المعاصي، وبعضهم يفتخر بفعل المنكرات وبعضهم يجهر بارتكاب المحرمات، ويتنافسون في التفنن في إيقاع الفتيات الساذجات، وقد يستيقظ بعضهم ويسأل أو يتساءل، كيف ابتعد عن السوء وأهله وكيف أستقم على طاعة الله، الأم تتساءل كيفي يمكنني إشغال الأولاد بالخير والحق. وإبعادهم عن الشر والسوء . والشاب أو الفتاة الداخلة لطريق التوبة تستفهم: كيف أستمر على فعل الطاعات وترك المعاصي والمنكرات؟ فكنت أجيب باختصار، ثم فكرت أن أكتب موضوعا مطولا يرشدنا جميعا لكيفية جهاد أنفسنا.
أهمية مجاهدة النفس:
فلابد للأب والأم، ولابد للجميع الشباب والفتيات العمل على مجاهدة النفس وتزكيتها والانتصار عليها.
فالبشر يقعون في المعاصي، ويرتكبون الذنوب والمخالفات وكل بني آدم خطاء، وقد يرزق الإنسان بصديق صالح يساعده على الخير ويبعده عن الشر أحيانا، ولكن بين أعضاءه تعيش في جنباته وتستولي على خلجاته، نفسه التي تحتاج لمجهود شاق وتعلم مستمر، هذا الموضوع مهم للجميع و لمن لم يفلح في تربية نفسه وإلزامها طاعة الله تعالى، مهم للآباء والأمهات والشباب، والفتيات، بل للأولاد والبنات أو لأولياء أمورهم وذلك لسبب مهم جدا وهو أن النفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، والنفس البشرية بطبيعتها تحب الراحة والكسل وتميل إلى الدعة والسكون ، وتنفر من البذل والاجتهاد والعطاء ، فهي تأمر بكل سوء وتنهي عن كل خير ،وهذه الحقيقة قررها لنا رب العزة والجلال بقوله :) إن النفس لأمارة بالسوء ) [ يوسف : 53] وما دام الأمر كذلك فاعلم يا أخي/ أختي أنك متى تركت لنفسك الزمام وأرخيت لها العنان، وأعطيتها ما تشتهي وأجبتها إلي كل ما تريد ؛ فإنها تقودك إلي كل شر وبلاء وتؤدي بك إلي التهلكة، ومن هنا يتعين على المرء أن يجاهد نفسه على طاعة الله ويكرها عليها، ولو نفرت منها، ويجبرها على ملازمة الإيمان والتقوى، من المعلوم أن للنفس صفات سيئة وأخلاقاً مذمومة، وأنه ينبغي السعي لإزالتها، ولكن صفات النفس الذميمة لا تزول بالأماني ولا بمجرد الاطلاع على حكم تزكيتها أو قراءة كتب الأخلاق والسلوك، بل لابد لها فوق ذلك من مجاهدة وتزكية عملية ، وفَطْمٍ لنزواتها الجامحة وشهواتها العارمة.
والنفسُ كالطفلِ إنْ تُهملهُ شبَّ على حُبِّ الرضاعِ وإنْ تفطمهُ ينفطمِ
أولا: في معنى المجاهدة والجهاد ومراتبه، ومعنى النفس في اللغة والشرع:
المجاهدة لغة: مصدر جاهد يجاهد جهاداً ومجاهدة، وهو مأخوذ من مادة ( ج هـ د ) التي تدل على المشقة، وبذل الجهد.
أما الجهاد في الشرع فيدور معناه عند أغلب الفقهاء: على قتال المسلمين للكفار بعد دعوتهم إلى الإسلام أو الجزية ثم إبائهم، وهناك أنواع أخرى قد أطلق عليها الشارع اسم الجهاد مع خلوها من القتال كجهاد المنافقين، وجهاد النفس .
الانتصار على النفس أولاً:
ولما كان جهاد أعداءِ الله فرعًا على جهادِ العبد نفسه في ذاتِ الله ، كان جهادُ النفس مُقدَّماَ على جهاد العدوِّ ؛ فإن من لم ينجح في جهاد نفسه أولاً لتفعل ما أُمِرَتْ به، وتترك ما نُهيت عنه، ويُحارِبها في الله، لم يستطع جهادُ عدوه ، فكيف يُمكِنُهُ جهادُ عدوه ، وعدوُّه الذي بين جنبيه قاهرٌ له، متسلطٌ عليه، لم يُجاهده، ولم يُحاربه في الله، بل لا يمكن الخروجُ إلى العدو ، حتى يُجاهد نفسه على الخروج•
العدو الثالث: فهذان عدوَّانِ قد امتُحِنَ العبدُ بجهادهما (النفس والأعداء)، وبينهما عدوٌ ثالث، لا يمكنه جهادُهما إلا بجهاده، وهو واقف بينهما يُثَبِّطُ العبدَ عن جهادهما، ويُخَذِّلُه، ويُرجِفُ به، ولا يزالُ يُخَيِّل له ما في جهادهما من المشاق، وترك الحظوظ، وفوت اللذات، والمشتهيات، ولا يُمكنه أن يُجاهِدَ هذين العدويْنِ إلا بجهاده، فكان جهادُه هو الأصل لجهادهما، وهو الشيطان؛ قال تعالى: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً)(فاطر: من الآية6). والأمر باتخاذه عدوًا تنبيه على استفراغ الوسع في محاربته ومجاهدته، كأنَّهُ عدو لا يفتر،ولا يُقصِّر عن محاربة العبد على عدد الأنفاس .
مراتب الجهاد: ذكر العلماء أن للجهاد أربع مراتب:جهاد النفس، وجهاد الشيطان، وجهاد الكفار، وجهاد المنافقين. فجهاد النفس أربع مراتب أيضاً:
إحداها: أن يجاهدها على تعلُّم الهُدى، ودين الحق الذي لا فلاح لها، ولا سعادة في معاشها ومعادها إلا به، ومتى فاتها عِلمُه، شقيت في الدَّارين•
الثانية: أن يُجاهدها على العمل به بعد علمه، وإلا فمجرَّدُ العلم بلا عمل إن لم يَضُرَّها لم ينفعْها•
الثالثة: أن يُجاهدها على الدعوة إليه وتعليمه من لا يعلمه، وإلا كان من الذين يكتمون ما أنزل الله من الهُدى والبينات، ولا ينفعه علمُهُ، ولا يُنجِيه من عذاب الله•
الرابعة: أن يُجاهدها على الصبر على مشاقِّ الدعوة إلى الله، وأذى الخلق، ويتحمَّل ذلك كله لله• فإذا استكمل هذه المراتب الأربع، صار من الرَّبَّانِيينَ؛ فإن السلف مجمِعُونَ على أن العَالِمَ لا يستحقُّ أن يُسمى ربانيًا حتى يعرف الحقَّ، ويعمل به، ويُعَلِّمَه، فمن علم وعَمِلَ وعلَّمَ فذاك يُدعى عظيماً في ملكوت السماوات•
وأما جهاد الشيطان، فمرتبتان:
إحداهما: جهادُه على دفع ما يُلقي إلى العبد من الشبهات والشكوكِ القادحة في الإيمان•
الثانية: جِهادهُ على دفع ما يُلقي إليه من الإرادات الفاسدة والشهوات ، فالجهادُ الأول يكون بعُدة اليقين، والثاني يكون بعُدة الصبر؛ قال تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ) (السجدة:24). وأما تعريف المجاهدة: فطام النفس عن الشهوات، ونزع القلب عن الأماني والشهوات. فالمجاهدة هي تقوية الإرادة ، وتدريب النفس على ترك المحرّمات ، وأداء الواجبات ، واكتساب الفضائل ، وتحاشي الوقوع في الرذائل .
لذلك كانت المجاهـدة عملية شـاقّة (كما سيأتي) ، ومرتبة عالية من مراتب الجهاد ، لأنها محاولة عقلية وإرادية للانتصار على الذات والغريزة ، وترويضها على قبول الحق وفعل الخير والبعد المنكر. وتعريف النفْس في اللغة تطلق على الروح، والدم والجسد والعين. وفي الاصطلاح: هي الجوهر البخاري اللطيف الحامل لقوة الحياة والحس و الحركة الإرادية.
مجاهدة النفس هي إذن: فطمها وحملها على خلاف هواها المذموم وإلزامها تطبيق شرع الله تعالى أمراً ونهياً. ومجاهدة النفس كذلك: هي ترويض النفس وتدريبها وتربيتها على الالتزام بخط الإسلام، والتطابق الإرادي والنفسي مع منهاجه القويم . ودليلها من الكتاب قوله تعالى: ( والذينَ جاهدوا فينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ) . وهذه الآية من سورة العنكبوت ، وهي سورة مكية ، ومن المعلوم أن جهاد الكافرين شرع في المدينة النبوية ، وهذا يدل على أن المراد من الجهاد هنا جهاد النفس ، وبما أن تزكية النفس فرض عين ، وهي لا تتمّ إلا بالمجاهدة ، فإن المجاهدة تكون فرض عين ، إذ إن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، وقد أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن مجاهدة النفس وإكراهها على الطاعات من أفضل أنواع الجهاد في سبيل الله ، وسيأتي الدليل على ذلك الدليل من السنة .
وتربية النفس وتزكيتها ضرورة واجبة، وهو استجابة لأمر الله عز وجل ؛ إذ إن الله تعالى قد أمرنا أجمعين أن نزكي أنفسنا، وأن نقيها الذنوب والمعاصي حيث قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً﴾، وقد ربط الله عز وجل فلاح هذه الأنفس بتزكيتها وتربيتها في غير ما موطن في القرآن الكريم، فيقول الله تعالى: ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ) . وإلى اللقاء في الحلقة القادمة لبيان كيفية مجاهدة النفس.
المصدر إسلام تايم