الشائعة هي حدث يختلقه الإنسان في مواجهة موقف معين، ثم ينتقل إلى الآخرين، فينتشر انتشارا سرطانيا خبيثا، وذلك لما جبلت عليه نفوس البشر من رغبة أكيدة في تناقل الأخبار والظهور بمظهر العليم بالأحداث وبواطن الأمور، والشائعات هي آفة ضارة تلحق الأذى بالفرد والمجتمع، ويختلقها ضعاف النفوس ويتناقلها الناس في ظل غياب الوعي والمعرفة بالحقائق ، من دون تفكير في آثارها وعواقبها، فينشرون الأوهام والأكاذيب ، والمخاوف غير المبررة، وقد ينقلب الأمر إلى حرب نفسية على الضحية التي تنــال منها الشائعات، مثلما يحدث في الحروب العسكرية، أو الاقتصادية أحيانا ،ويحدث الخطر الكبير إذا استطاعت الشائعات الوصـــول إلى نفوس أفراد الجيوش أوالقوات المسلحة ، فإن تأثيراتها المدمــرة تصل إلى حد إضعاف تلك القوات وانهيارها معنويا مهمابلغت قوتها عدة وعتادا وبالذات عندما تغيب الحقائق ، أو عندما لا يكون هناك اهتماما بالتوجيه المعنوي لأفراد القوات المسلحة ، خاصة في مجال وضع الحقائق نصب أعينهم وشحذ الهمم، ويمكن توظيف الشائعة توظيفا حميدا ، خاصة في أيام الحروب ، إذ الحرب النفسية لها أكبر الأثر في إحراز نتيجة أفضل وكثيرا ما تحقق النصر بها، فهذا أمر عُرَفَ من قدم وهو يتطور بمرور الزمن، لكن أثم الشائعة وضلالها يبقى عنصر فساد وإفساد إذا وجدت طريقها إلى مجتمع وأصبحت أسلوبا في العلاقة بين أفراده أو إذا نالت من أي مجتمع إنساني على وجه الأرض وغذتها غرائز منحرفة أو منجرفة،لذا لا ينبغي أن يكون لها وجود في المجتمع المسلم،مجتمع الحق الواضح و النور المبين .
إن تعريف الشائعة في معجم المصطلحات الإعلامية هو تحوير خبر عند نقله بإضافة ما ليس فيه عليه وعلى ذلك فالإشاعة ليست إلا رواية تحكى من أجل أن يصدقها من يسمعها و ليس مهما أن تكون صادقة . وهناك أنواع متعددة من الشائعات منها شائعات الرعب ، والشائعات الحالمة أو المتفائلة ، وشائعات التفرقة ، والمعروف أن الشائعات تنتشر كلما ارتبطت بأشخاص أو وقائع مهمة ، وكلما ازداد الغموض حول الوقائع التي تضمنتها الشائعة . و الشائعة لها مصطلحات عديدة في هذا لمجال : 1 سلاسل الشائعة Rumor chains ، وهو اصطلاح يطلق على الشائعات في حلقات متصلة في أنواع و أشكال متعددة خلال فترة زمنية معينة . 2 عيادات الشائعة Rumor clinics وهو أسلوب استحدثته الولايات المتحدة الأمريكية لعلاج انتشار الشائعات ، حيث يجري تحليل الإشاعة لمعرفة مصدرها ، وهدفها ، ونوعها ، واقتراح أسلوب الرد عليها بتكذيبها أو إهمالها . 3 مروج الشائعة Rumor monger أي الشخص الذي يقوم بنشر الشائعات بين الناس ، ويقوم بهذا إما لأنه مكلف بذلك من قبل جهة من الجهات يهمها ذلك ، أو لاعتبارات نفسية تتعلق به نفسه ، كالخوف و الفزع و الرغبة الشخصية وما إلى ذلك . 4 شائعات الرعب Rumor of fear ، هي الشائعات التي تستهدف بث الخوف في نفوس الجنود أو المدنيين ، بحيث تدعوهم إلى الهروب أو اليأس أو التسليم.
5 شائعات ألأماني Rumor of wish full thinking :وهي الشائعات الوردية أو الحالمة أو المتفائلة التي تترجم رغبة الناس في تحقيق أمنية لهم ، مثل الشائعات الخاصة بقرب انتهاء الحرب ، أو أن أحدا لم يرسب في الامتحان . 6 ناشرو الشائعات Rumor spreaders ، وهم الذين يروجون الشائعات وينقلونها إلى كل مكان ، إما لأنها تعبر عن مخاوفهم أو آمالهم أو حالتهم النفسية ، وإما لأنهم مكلفون بهذا العمل من قبل أجهزة معينة.
الشائعة علم له قواعد وإذا كانت الشائعات مرضا ينخر في المجتمعات ، فإن أي عدو يريد أن ينخر أي مجتمع يعمد إلى الشائعة ، فهي أقصر طريق لخلخلة المجتمع وكيانه ، ناهيك عن أنها علم تستخدمه في الغالب الدول التي تعادي دولا أخرى من أجل نشر إشاعات تزعزع و تخلخل مجتمعه وجيشه ، ولا شك أن الشائعة تؤثر على استقرار مجتمع ما ، من منطلق إن الشائعة أولا أمر غير حقيقي وعادة ما تكون سلبية ، وعندما يكون الأمر سلبيا ويبث و يشاع على مستوى المجتمع أو الأفراد ، فهذا بالتأكيد يؤثر في المجتمع . و لأن الشائعات هي علم له قواعد و نظريات ، فقد جندت له علوم ووسائل كثيرة للعمل على تكثيفه وخدمته ، وتطورت تلك الوسائل حتى طالت الأقمار الصناعية ، ولعل البداية كانت باستخدام الإذاعة المسموعة ، ثم كان الخروج بالبث التليفزيوني إلى خارج النطاق الإقليمي ، وجعله قابلا للالتقاط في الدول الأخرى ، مثله مثل البث الإذاعي ، وقد كان حلما يراود القائمين على صناعة التليفزيون و المختصين في شئون الدعاية السياسية وتوظيفها لأهداف السياسة الخارجية ، وكانت إقامة سلسلة من محطات إعادة البث أو تمديد الكوابل الناقلة له تجد معارضة شديدة من قبل الدول المستهدفة بالإرسال التليفزيوني ، إذ كانت ترى بوضوح مخاطر السماح للآخرين بمخاطبة شعوبها مباشرة دون المقدرة على التحكم في محتوى الرسائل التليفزيونية سياسيا و اجتماعيا وثقافيا وأمنيا.
لذا بقي انتشار التليفزيون الأجنبي مقيدا بالحدود السياسية للدول ، وتحت السيطرة المباشرة لآليات الرقابة التي لم تكن تسمح إلا بتمرير المواد الترفيهية و الثقافية المناسبة ، خاصة بعد أن أثبتت إمكانات التليفزيون القدرة على نقل عدوى الاضطرابات و المظاهرات وتعميم المعارضة العلنية ونقلها من منطقة إلى أخرى بفعل التأثر و التقليد و التفاعل مع الحدث ، و قد تكون تم تغذيتها بكم من الشائعات المدروسة المستهدف منها خلق الخلخلة و البلبلة في المجتمعات الأخرى . والتاريخ يضرب لنا مثلا قريبا نسبيا ففي خلال الأزمات السياسية و العسكرية الحادة مثل أزمة السويس في عام 1965 ، وجدت كل من بريطانيا وفرنسا صعوبة في إنشاء محطات إذاعية لأغراض الحرب النفسية و ترويج الشائعات التي تخدمهم في المعركة ، وأيضا إنشاء محطات لإعادة البث للترويج لمواقفها السياسية في العالم العربي ( وإن كانت نجحت في نهاية الأمر باستخدام السفن كمحطات إذاعية عائمة تبث برامجها من المياه الدولية ، وكذلك إقامة محطات إعادة بث في القواعد العسكرية البريطانية في قبرص و ليبيا )، ولذا بدأت الدول الكبرى في التفكير باستخدام الفضاء في مجال الاتصالات اللاسلكية بشكل عام ، وهو الأمر الذى كان المهندس البريطاني ( أرثر كلارك ، قد طرحه في سلسلة من المقالات في مجلة ( عالم الاتصالات اللاسلكية ) و أثار حينها ضجة كبرى ، إذ حددت طروحات كلارك الأسس الرئيسة لفكرة الأقمار الصناعية الثابتة ، إذ أكد من خلال مقالاته أن الوقت الذى يستغرقه قمر صناعي مثبت على بعد حوالي 36000 كم فوق خط الاستواء للدوران حول الأرض هو 24 ساعة ، وبذلك سيكون دورانه متزامنا مع دوران الأرض ، وبالتالي سيظهر ساكنا في السماء ، و أن استخدام ثلاثة أقمار على أبعاد منتظمة و متساوية في هذا المدار سيجعل الاتصال بأية نقطة على سطح الأرض ( من خلال إيصال الإشارات من محطة أرضية إلى القمر الصناعي و عكسها إلى الأرض أو إلى قمر آخر ثم إلى الأرض . ) أمرا ممكنا يؤدي إلى الاستغناء عن محطات إعادة البث الأرضة وتمديد الكوابل البحرية والأرضية.
شائعات البث الفضائي تطور الاهتمام بأمر البث عبر الأقمار الصناعية طوال السنوات التالية ، ووصل إلى حد الصراع المحتدم بين الدول الكبرى ، حتى أن وكالة الفضاء الأمريكية ناسا، قامت برعاية مشروع علمي أسهمت في برامجه خيرة العقول و الخبرات الأمريكية في مجال البث و الاتصالات سواء من الأكاديميات الجامعية ، أو العسكرية من فروع الإشارة والاتصالات، أو الصناعية العاملة في تطوير أعمال الاتصالات في كبريات الشركات العالمية ، وكانت المخصصات المالية غاية في السخاء ، فأعطت تلك الجهود ثمارها . كان الحل المثالي هو إنتاج أقمار صناعية تدور بنفس سرعة دوران الأرض في مدارات بعيدة وتزويدها بآلية مناسبة لتصحيح مسارها دوريا كلما دعت الحاجة إلى ذلك لمقاومة الجاذبية ألرضية إلى أقصى حد ممكن ، لكن ذلك الأمر يحتاج إلى صواريخ قوية بعيدة المدى قادرة على إيصال الأقمار إلى المدارات المطلوبة.
و نجحت الولايات المتحدة و احتفظت بقصب السبق في هذا المجال ، في إطلاق القمر الذى استطاع أن ينقل جميع أشكال الاتصالات التليفزيونية و الهاتفية و البرقية و الإذاعية بين ثلاث قارات بكفاءة كبيرة ، و افتتح القمر عهدا جديدا من الاتصالات بين ضفتي المحيط الأطلسي ( أوروبا – أمريكا ) و أقنع العاملين في حقل البث و الاتصالات الدولية أن عهد الأسلاك و الكوابل أوشك على الأفول ، و أن المستقبل سيكون ملكا لمن يستطيع أن يطور تقنيات الاتصالات الفضائية ، وأمام هذا الإنجاز الباهر والمجرب لتقنيات نقل البرامج عبر القارات ، وإيمانا منها بأهمية و تأثير التليفزيون في تكوين القناعات و الأفكار ، أصبحت مزيجا من الاستثمار في المستقبل الواعد لللاتصالات الفضائية وتطويرا للإمكانيات العسكرية في مجالات الاتصالات المأمونة ، و الاستكشاف الفضائي ، و التجسس الإلكتروني ، وكذلك نوعا من الدعاية الوطنية لأمريكا وقدراتها العلمية.
وبدأ تحقيق الاتصال الفضائي بين القارات و الدول يهدد – بشكل سافر وجدي – مخططات شبكات الإعلام في مجالات التليفزيون و الإذاعة و الصحف ، حيث أن الحدود الجغرافية و القيود السياسية ستبدأ في الانهيار التدريجي أمام هذا المد التقني الزاحف إلى الفضاء ، في انتظار اللحظة و الموقف المناسبين للانقضاض على صناعات الإعلام المحلية و الحكومية الضعيفة من الفضاء ، وتوجيه ما يريدونه من حرب نفسية وإشاعات مخططة ومدروسة علميا إلى من يشاءوا وقتما يشاءوا.
النظرة الإسلامية للشائعة و تختلف درجة انتشار الشائعة باختلاف محتواها ، ومدى أهميته من شد الانتباه ، وجذب الأنظار ، و النظرة الإسلامية للشائعة داخلة في إطار نظرة الإسلام إلى الكلمة ، فالإسلام من خلال الكتاب الحق و السنة الصحيحة ، لم يوص بشيء مثلما أوصى بأمانة الكلمة و صدقها ، وإيجابيتها في بناء المثل الفاضلة في المجتمع ، ولم يحذر من شيء مثلما حذر من ضلال الكلمة و فسادها ، وسوء عاقبتها في هدم القيم و استئصال الفضائل .. يقول سبحانه وتعالى : يأايها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ، ويغفر لكم ذنوبكم ، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ، ويقول جل شأنه : وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزع بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا .. ويقول عليه الصلاة و السلام : رب كلمة يقولها أحدكم لا يلقى لها بالا يهوى بها في النار سبعين خريفا .
إن الشائعة كلمة مقززة و مفتراة ، ولفظة مختلفة تستهدف الإضرار بفرد أو جماعة ، ومن هنا تضوي تحت جناح جريمة الشائعة جريمتان كبيرتان : اولاهما : الكذب ، وكفى به إثما مبينا ، إذ هو جماع جرائم شتى ، تتحطم على صخرة ضلالته الفضائل و تنتشر الرذائل ، وتهضم الحقوق ، وتنتهك الحرمات ، ويدفع بصاحبه إلى بؤرة النفاق ، وأمامنا توجيه سديد للرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – يرويه أبو ذر الغفاري – رضى الله عنه - ، يقول : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم- عليكم بالصدق فإن الصدق ليهدي إلى البر ، وأن البر ليهدي إلى الجنة ، ولا يزال الرجل يصدق ، ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا ، وإياكم و الكذب ، فإن الكذب ليهدى إلى الفجور ، و الفجور ليهدي إلى النار ، ولا يزال الرجل يكذب ، ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا .
والأخرى : الإضرار بالناس ، فالإسلام يرفض الأذى ، ويمقت الإضرار بالآخرين ، و الإيمان يتنافى مع نوازع الشر و نوايا السوء ، حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم ، عندما يُعَرف بهذه المفاهيم الرئيسية في الدين الحق بجده يربطهما بما يفيد تصدي الإسلام لكل وجوده الأذى و الإضرار التي يبيتها فرد أو جماعة لآخر أو آخرين ، يقول عليه الصلاة و السلام : المسلم من سلم المسلمون من لسانه و يده ، و المؤمن من آمن الناس شره . ويقول : لا ضرر ولا ضرار .
إذن وعلى ضوء ما أسلفنا يتبين لنا أن الشائعة فيها أثم هاتين الموبقتين جميعا ، وللإسلام منهج محدد في مواجهة أضرار الشائعة ، وتحجيم آثارها ، وكبح جماحها ، وهو منهج حكيم ، كفيل بالقضاء عليها حتى لا يكون لها وجود في مجتمع المسلمين . هذا المنهج محصور في أسلوب التبين ، أو التثبت ، فالمسلم ليس سماعا للكذب أي مصدقا له ، ولكن المسلم الملتزم بآداب الإسلام ، الذى يملك حكمة المؤمنين ، وورع المتقين ، وبصيرة أولى الألباب عندما يبلغه ما يؤذي مشاعره من آخرين ، قد يكون منهم صديق ، أو ذو قرابة فلا يعاجله الغضب ، ولا يستبد به الهوى ، ولا تستخفه الشائعة المثيرة .. بل يتملكه يقين واع بأن من نقل إليك ، نقل عنك فيرجع إلى المصدر المنسوب إليه المقالة الضالة ، فيستوثق و يتثبت و سيتضح له أنه مستدرج لخطيئة من إنسان ناقل ، لا يعرف شرف الكلمة .
وقد قدم القرآن الكريم درسا نافعا للأمة تعقيبا على حدث وقع في عصر الخير و الهداية ، وفي رحاب خير أمة أخرجت للناس ، وهذا يؤكد لنا أن ضلالة الشائعة واردة ، وأن الوقاية منها واجبة ، فعن ثابت مولي أم سلمة – رضى الله عنها – قالت : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا في صدقات بني المصطلق ، بعد الموقعة التي كانت بين المسلمين و بينهم . وفي رواية ابن عباس ذكر اسم الرجل وهو الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، فسمع بذلك القوم ، فتلقوه يعظمون أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فحدثه الشيطان أنهم يريدون قتله ، قالت – أي أم سلمة – فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال أن بني المصطلق منعوني صدقاتهم ، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم و المسلمون .
وفي رواية أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم حدث نفسه إن يغزوهم .. قالت فبلغ القوم رجوعه ، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فصفوا له حين صلى الظهر ، فقالوا : نعوذ بالله من سخط الله ومن سخط رسوله ، بعثت إلينا رجلا مصدقا ، فسررنا بذلك وقرت أعيننا ، ثم أنه رجع من بعض الطريق ، فخشينا أن يكون ذلك غضبا من الله تعالى ، ومن رسوله صلى الله عليه وسلم ، فلم يزالوا يكلمونه حتى جاء بلال رضى الله عنه فأذن بصلاة العصر ، قالت : ونزلت الآية الكريمة : يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ، واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من ألمر لعنتم ، ولكن الله حبب إليكم الإيمان و زينه في قلوبكم ، وكره إليكم الكفر و الفسوق و العصيان أولئك هم الراشدون . ولو نظرنا إلى هاتين الآيتين يتبين لنا عدة أمور : 1 الآية الكريمة تصف ناقل النبأ الضار بلا تثبيت بأنه فاسق ، وكأن هذه المهمة غير الكريمة لا تكون إلا في سلوك الفاسقين .
2 الآية أمرت أمرا واجبا بالتثبيت ، وتذكر بعض الروايات عن مجاهد وقتادة أن النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم تثبت من النبأ الذى نقله الوليد ، وأرسل خالد بن الوليد رضى الله عنه إليهم ، وأمره ألا يعجل ، فانطلق حتى أتاهم ليلا ، فبعث عيونه ، فلما جاء و أخبروه أنهم متمسكون بالإسلام ، وسمعوا آذانهم وصلاتهم فلما أصبحوا أتاهم خالد ، رضى الله عنه ، فرأى الذى يعجبه ، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعجبه الخبر . ويذكر قتادة أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يقول تعقيبا على الموقف : التثبت من الله ، والعجلة من الشيطان .
3 كشفت الآية عن ألآثار الضارة التي تترتب على الشائعة ، ومنها الإضرار بأبرياء و الندم بعد استبانة الحق ، وتحميل ولي الأمر ما لا يطيق ، ودفعه أحيانا – بتأثير الشائعة – إلى ما لا ينبغي ، والمعاناة التي تتحملها الأمة من جراء ذلك حين تتحرك و يستعد جيشها من أجل شائعة ، وفي ذلك عنت بالغ .
هكذا يتضح لنا أن التدين الواعي ، والالتزام الصحيح كفيلان بصيانة الأمة من ضلالة الشائعة ، كما يوفر لها أمنها وسلامها ، وفي غيبة الدين الحق تنتشر آثام الشائعة بلا رادع ولا زاجر ، وإذا غابت الحصانة الواقية ، والدرع المانعة المتمثلة في المنهج الإسلامي الحكيم الذى دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته ، و امتثلوا له أكرم وأعظم امتثال .
وتبقى قضية هامة : أيمكن توظيف الشائعة في توفير الأمن للأمة في مواجهة أعدائها ؟ إن هذا الأمر له مسوغات في الإسلام ، وعلى طريقه محاذير تراعى إذ لابد أن يكون هذا الأمر في إطار تحقيق مصلحة حقيقية لمجتمع المسلمين ، ومن غير إضرار بمسلم وبدون انتهاك لحرمة ، أو تعد على قيمة فاضلة .على هذا الأساس يمكن توظيف ألشائعة في توفير الأمن للأمة في مواجهة أعدائها ، وتوظيف الشائعة هو جزء من الحرب النفسية ، وقد يستعان بها في علاج أزمة ما ، وقد وظفت توظيفا شريفا في عهد النبي فكان النبي صلى الله عليه وسلم ، إذا ذهب إلى الغزو في مكان ورَّى بغيره ، أى أشاع أنه ذاهب لمكان آخر ، والحرب خدعة ، كما وظفت الشائعة توظيفا فطنا في يوم الأحزاب .. وقام بهذا الأمر نعيم بن مسعود الثقفي الذى أسلم قبل يوم الأحزاب بزمن يسير وأراد أن يقدم خدمة لدينه الجديد ، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم : اعمل ما يحقق الفشل بين القوم ، وكانت القبائل المتحالفة قد اتفقت مع يهود بني قريظة الذين نقضوا عهدهم معه ، وسعى فيهم الصحابي الجليل نعيم بن مسعود بشائعة نافعة فكت عرى هذا الاتفاق الظالم الباغي ، فساء ظن القبائل العربية بحليفتهم بني قريظة اليهودية ، كما ساء ظن بني قريظة بحلفائها من قبائل العرب ، ومنى اتفاقهم بالفشل وكفى الله المؤمنين القتال ، وكان الله قويا عزيزا .
اقتراحات لمكافحة الشائعات هناك الكثير من الاقتراحات لمكافحة الشائعات و الحد من انتشارها تشمل معاقبة مروجي الشائعات و نشر الحقائق وعدم الاستماع أو الاستجابة للشائعات ، ومن المهم أن يكون المجتمع متمتعا بنوع من حرية التعبير ، وإمكانية الرجوع إلى مصدر الخبر ، ويجب أن تكون هناك تشريعات معينة رادعة ، ويجب مكافحة الشائعات مهما كانت صغيرة بعرض الحقائق حولها، فقد تتحول الشائعة إلى حقيقة إذا لم يكن هناك رادع أو إذا لم نعط الفرصة لتفنيد هذه الادعاءات فالانطباع الذى يتولد عند الفرد في غياب الرد هو أن الشائعة حقيقة ، وللحد من ترويج الشائعات لابد من إيجاد عقوبات بحق كل مروج للشائعة ، وعلى الناس الإبلاغ عنه للجهات المختصة ، فهذا أمر طبيعي ، ونعتقد أنه مطبق في كثير من الدول .
هناك أيضا اقتراح بالنسبة للصحافة فنرى أن على وسائل الإعلام أن تتحرى الدقة في نقل الخبر ، وأن يكون هناك تنسيق بين وسائل الإعلام حتى لا يكون هناك تضارب بينها وخاصة الصحف ، فليس من المعقول أو الصالح العام أن تقول صحيفة كلاما ، وتقول صحيفة أخرى كلاما آخر عن خبر واحد ، وقد يكونا متضاربين حوله ، وألا تضخم صحيفة الخبر و أخرى تقلل منه ، فإن مثل هذه الأمور تؤدي إلى توليد الشائعات أو جعل الشائعات تنمو وتكبر . من هنا يجب توحيد جميع العاملين في مجال الإعلام والصحافة على إعطاء الصورة الحقيقية الناصعة للوضع أو للموقف أو للخبر .
كما يجب على كل فرد في المجتمع الامتناع عن بث الشائعات ، و من منطلق وطني عليه إن يتبين الصدق عندما تكون هناك شائعة وأن يمتنع عن نقلها لكي يبترها من جذورها و يمنعها من استمرارية التداول و الترويج . أ.د. نبيل سليم علي مصر المصدر/ مجلة التقوى