.علي الحمادي من أهم أسرار التأثير في الآخرين ضرورة التميز عنهم بالأمر الذي يراد التأثير من خلاله، ذلك لأن الناس لا يلتفتون إلى من لا طعم له ولا لون ولا رائحة. كما لا يكفي للتأثير الفذ أن يتقن المرء صنعة ما، وإنما يجمل به أن يتميز في صنعته هذه عن الصنائع الأخرى (المشابهة أو المنافسة)، وعن صناعها. والتميز في الأمة الإسلامية نابع من صميم دينها، إذ ميزها ربها عن غيرها من الأمم، وسما بها على سائر البشر، وفي هذا يقول الله تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله)(آل عمران:110). انظر إلى العمالقة الذين أثَّروا عبر التاريخ تجد كل واحد منهم قد تميّز في أمر من الأمور، وكان لتميّزهم الأثر الأكبر في صناعة الحياة وقيادة الآخرين واستمرار ذكرهم إلى يومنا هذا، إذ يتتلمذ الناس على سيرهم، ويعتبرون من مواقفهم، وتحيا قلوبهم بتذكر شمائلهم، وتشحذ هممهم بتأمل إنجازاتهم، فلله درهم. وقصة الثلاثة الذين دخلوا الغار تضرب مثلاً فذّاً على التميز، إذ أن الأول تميز ببره لوالديه، والثاني بعفته، والثالث بأمانته. وانظر كذلك إلى السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم القيامة، فكل واحد منه تميز بميزة جعلته أهلاً لأن يبلغ هذه المنزلة الرفيعة في أصعب موقف يمكن أن يقفه الإنسان. والذين تميزوا بالصيام في الدنيا، ميّزهم الله يوم القيامة بباب في الجنة (الريان) لا يدخله غيرهم. وقد تميز الإمامان الجليلان: البخاري ومسلم رحمهما الله، بخدمتهما الفذة لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم ، ورغم أننا ندرك أنهما برعا في مسائل أخرى كاللغة والفقه وباقي العلوم الشرعية، ولكن تميزهما في الحديث هو الذي أبقى ذكرهما العطر يفوح عبر التاريخ. أما الإمام أحمد بن حنبل يرحمه الله فقد تميز بعلمه الغزير وحافظته الواسعة، حتى قيل إنه كان يحفظ ألف ألف حديث، كما تميز بثباته على الحق في فتنة خلق القرآن، حتى أصبح شامة في تاريخ المسلمين. والزبير بن العوام كان من المتميزين في الشجاعة حتى إنه كان يُعدّ بألف رجل، وكان يركب فرسه ويضع عليه ابنه عبدالله ثم يخترق جيش الروم ويشقه نصفين حتى يصل إلى مؤخرة الجيش، ثم يعود وهو يقاتل بسيفين، سيف بيمينه وسيف بشماله، لسان حاله يردد ما قاله امرؤ القيس: مِكَرٍّ، مِفَرٍّ، مُقْبِلٌ، مُدْبِرٌ معاً كجلمود صخرٍ حَطَّهُ السَّيْلُ مِنْ عَلِ وتميز حبيب بن زيد الأنصاري } بحبه الشديد لدينه ولرسوله حتى إنه لما قال له مسيلمة الكذاب: أتشهد أن محمداً رسول الله، قال: نعم، فيقول مسيلمة: أتشهد أني رسول الله، قال: لا أسمع، فلم يزل يقطعه إرباً إرباً وهو ثابت على ذلك. ومن قبل كان عنترة قد اشتهر وتميز بالشجاعة حتى إن ديوانه مليء بشعر الشجاعة والحماسة. ولقد كان أبوحنيفة يرحمه الله متميزاً بالعلم والحجة حتى قيل عنه إنه لو أراد أن يثبت لك أن أسطوانة المسجد (والتي هي من طين أو جذع نخل) من ذهب لأقام على ذلك دليلاً ولاستطاع أن يقنعك بذلك. وتميز ابن عقيل البغدادي بالتأليف حيث إنه ألّف العديد من المؤلفات العظيمة منها، على سبيل المثال، كتاب الفنون الذي يقع في أربعمائة جزء، يقول عنه الإمام الذهبي: ما أُلِّف مثله من قبل. وفي العصر الحديث؛ تميز إديسون باختراعاته الفذة، والتي ارتفعت بها البشرية، حتى إنه حاز على (1093) براءة اختراع. كذلك الياباني يهيرو نكاماتس، فقد حصل على أكثر من (2500) براءة اختراع، ويُعتبر أكثر رجل (عبر التاريخ) حصل على براءات اختراع. كما تميزت شركة سوني بالمنتجات الجيبيةPocketability) )، إذ حرصت على تصغير حجم منتجاتها الإبداعية إلى حجم يسعه جيبك، ولذا عندما تذهب إلى السوق تجد في كل فترة جهازاً لشركة سوني أصغر من نفس الجهاز الذي أنتجته قبل بضعة أشهر. وتميزت شركة فيدرال إكسبرس(Federal Express) بالسرعة في توصيل البريد، حيث إن شعارها(Over night) أي نوصله لك في ليلة واحدة. المصدر مجلة المجتمع الكويتية