وقع بصره عليها، كانت فوق السلالم، محنية الظهر كالقوس، شعرها مغطى بربطة حريرية زرقاء، فيما تصاعدت سحابة غبار شرعت تغمر المكان، أدارتْ الفتاة رأسها وتبسمتْ ببرود. -هل تشربين شاياً؟ حملقتْ في وجهه ورفعت جذعها، حركتْ أصابعها الطويلة وعاينتْ كفها المحمرة ثم دخلت الغرفة، على مدى لحظات قلائل علا وجهها خجل طفولي وبعدها جلستْ على حافة الأريكة، صبَّ قدحين من الشاي وأخذا يرتشفان بصمت واجم. كانت ترتدي ثوباً أزرق لاحتْ خلفه رمانتان طريتان مر فوقهما شريط من الدانتيلا البيضاء. وضعتْ قدح الشاي على حافة الطاولة الصغيرة وحوّمتْ بصرها في أرجاء الغرفة. -تبدين صغيرةً كالبرعم! على وجهها رقصتْ ابتسامة عذبة؛ رفعتْ إليه عينين واسعتين. -وأنتَ أيضاً، تبدو صغيراً مثل عصفور أزغب! ضحكا معاً. وفي لمح البصر تبادلا النظر بصمت. كان الوقت عصراً وأشعة الشمس تتسلل ناعمةً دافئةً عبر النافذة لترسم مستطيلاً من الضوء فوق الجدار المطلي بدهان رمادي. قال العصفور: -هل أنتِ خجلة؟ اخلعي المنديل ودعيني أرى شعركِ! في عينيها لاح شعور غامض بالحرج، خلعتْ المنديل وكوّرته بين أصابعها. قال البرعم: -هل تحب شعور النساء؟ -بالطبع أحبها، النساء أميرات قلوبنا، وشعورهن تيجان مهداة من قبل الرب! ضحك البرعم ضحكةً قصيرةً، وركز بصره في عيني العصفور. -هل تتنزه في الليل؟ -أتنزه قليلاً، وأجلس في المقهى قرب التلفاز. أرخت ذراعها فوق حافة الأريكة، جثم صمت ثقيل مطبق بكثافة، وبعد دقيقتين قالت: -هل لك صديقات؟ أجاب العصفور: -لا. -هل تشعر بحاجتك إليهن ولو في بعض الأوقات مثلاً؟ -نعم، في أيام الصيف يجتاحني حزن أصفر صحراوي. هزتْ رأسها ونظرت عبر النافذة. قامتْ لتخطو فوق البلاط ثم استدارتْ على عقبيها وأردفتْ: -وأنا أيضاً، ليس لي صديقة أحدثها.. والدتي ترغمني أحياناً على الذهاب معها. -إلى أين تذهب والدتك؟ -لا أعلم، عند الغسق تعود مجهدةً تماماً. -ماذا؟! -نعم، عندما تعود يكون شعرها منكوثاً. نظرت في زجاج النافذة، أحنتْ جذعها قليلاً وسوّتْ شعرها بأصابعها. وقف العصفور متكئاً على الجدار وتأملها ملياً. كان وجهه متقلّصاً وفي عينيه لاح حزن مشوب بالبراءة. اقترب منها ولمستْ كفه كفها الباردة ونظر في عينيها بحنو. -هل ستأتين في الأحد القادم؟ أجاب البرعم: -سآتي. تبسمتْ برقة وفتح لها الباب، كانتْ أصابعها الغضة في كفه المخشوشنة وفي عينيها أسى يبدو واضحاً تماماً، أرسلتْ بصرها إلى السلم ورأت المقشة التي كانتْ بيدها قبل قليل، وفيما كانا واقفين في مستطيل الباب، أطل شاب نصف عار من الغرفة المجاورة، غمزها بحاجبه وابتسم بخبث، وضعتْ الفتاة سبابتها اليمنى على شفتها السفلى وراحت تنظر بحيرة وذهول
وقع بصره عليها، كانت فوق السلالم، محنية الظهر كالقوس، شعرها مغطى بربطة حريرية زرقاء، فيما تصاعدت سحابة غبار شرعت تغمر المكان، أدارتْ الفتاة رأسها وتبسمتْ ببرود.
-هل تشربين شاياً؟
حملقتْ في وجهه ورفعت جذعها، حركتْ أصابعها الطويلة وعاينتْ كفها المحمرة ثم دخلت الغرفة، على مدى لحظات قلائل علا وجهها خجل طفولي وبعدها جلستْ على حافة الأريكة، صبَّ قدحين من الشاي وأخذا يرتشفان بصمت واجم.
كانت ترتدي ثوباً أزرق لاحتْ خلفه رمانتان طريتان مر فوقهما شريط من الدانتيلا البيضاء. وضعتْ قدح الشاي على حافة الطاولة الصغيرة وحوّمتْ بصرها في أرجاء الغرفة.
-تبدين صغيرةً كالبرعم!
على وجهها رقصتْ ابتسامة عذبة؛ رفعتْ إليه عينين واسعتين.
-وأنتَ أيضاً، تبدو صغيراً مثل عصفور أزغب!
ضحكا معاً. وفي لمح البصر تبادلا النظر بصمت. كان الوقت عصراً وأشعة الشمس تتسلل ناعمةً دافئةً عبر النافذة لترسم مستطيلاً من الضوء فوق الجدار المطلي بدهان رمادي.
قال العصفور:
-هل أنتِ خجلة؟ اخلعي المنديل ودعيني أرى شعركِ!
في عينيها لاح شعور غامض بالحرج، خلعتْ المنديل وكوّرته بين أصابعها.
قال البرعم:
-هل تحب شعور النساء؟
-بالطبع أحبها، النساء أميرات قلوبنا، وشعورهن تيجان مهداة من قبل الرب!
ضحك البرعم ضحكةً قصيرةً، وركز بصره في عيني العصفور.
-هل تتنزه في الليل؟
-أتنزه قليلاً، وأجلس في المقهى قرب التلفاز.
أرخت ذراعها فوق حافة الأريكة، جثم صمت ثقيل مطبق بكثافة، وبعد دقيقتين قالت:
-هل لك صديقات؟
أجاب العصفور:
-لا.
-هل تشعر بحاجتك إليهن ولو في بعض الأوقات مثلاً؟
-نعم، في أيام الصيف يجتاحني حزن أصفر صحراوي.
هزتْ رأسها ونظرت عبر النافذة. قامتْ لتخطو فوق البلاط ثم استدارتْ على عقبيها وأردفتْ:
-وأنا أيضاً، ليس لي صديقة أحدثها.. والدتي ترغمني أحياناً على الذهاب معها.
-إلى أين تذهب والدتك؟
-لا أعلم، عند الغسق تعود مجهدةً تماماً.
-ماذا؟!
-نعم، عندما تعود يكون شعرها منكوثاً.
نظرت في زجاج النافذة، أحنتْ جذعها قليلاً وسوّتْ شعرها بأصابعها. وقف العصفور متكئاً على الجدار وتأملها ملياً. كان وجهه متقلّصاً وفي عينيه لاح حزن مشوب بالبراءة. اقترب منها ولمستْ كفه كفها الباردة ونظر في عينيها بحنو.
-هل ستأتين في الأحد القادم؟
أجاب البرعم:
-سآتي.
تبسمتْ برقة وفتح لها الباب، كانتْ أصابعها الغضة في كفه المخشوشنة وفي عينيها أسى يبدو واضحاً تماماً، أرسلتْ بصرها إلى السلم ورأت المقشة التي كانتْ بيدها قبل قليل، وفيما كانا واقفين في مستطيل الباب، أطل شاب نصف عار من الغرفة المجاورة، غمزها بحاجبه وابتسم بخبث، وضعتْ الفتاة سبابتها اليمنى على شفتها السفلى وراحت تنظر بحيرة وذهول