ولايُقيَّد الإبدال بالحرف الثالث من الأصل الثلاثي، أي بلام الفعل، وإنما قد يطرأ الإبدال على الحرف الأول وهو فاء الفعل نحو: خبن وغبن، أو على الثاني وهو عين الفعل نحو: رسم ورشم، وقد تكون اللفظتان رباعيتين كتَوْلَج ودَوْلَج (كناس الظبي)، والبدل في الحرف الأول منهما، وقد تكونان خماسيتين والبدل في الحرف الثاني كجرسام وجلسام (السمّ، وتسمية العامة: البِرْسام)، أو سداسيتين نحو: اعرَنْكَسَ الليل واعلَنكس إذا أظلم. وأما الإبدال في النحو والصرف فيُصنف في إطار القلب النحوي الذي جعلوه شاملاً لإعلال ونقل الحركات والافتعال. قال أبو البقاء الكفوي في «الكليَّات»: «الإبدال يكون من حرف العلة وغيرها، والقلب لا يكون إلا من حرف العلَّة». ويرى النحاة أن هذا الإبدال قد يقع في كل حروف الإبدال وإن قصره بعضهم على تسعة أحرف في الإطراد، أو جعلوه في اثني عشر حرفاً، أو أربعة عشر، أو اثنين وعشرين حرفاً. ومن المرجح أن أول من سمّى هذه الظاهرة اللغوية «إبدالاً» عبد الملك بن قريب الأصمعي (ت 216هـ)، وعرض لها الزجاجي (ت 337 هـ) فقال «يقال لهذه الحروف (يعني الكلمات): الإبدال والمعاقبة والنظائر، منها ما يجوز بعضه مكان حرف واثنين وثلاثة، وليس كل الحروف كذلك». وذلك يعني أن أكثر ما يجيء التعاقب بين حرفين كالضاد والطاء في قضم وقطم، أو بين ثلاثة أحرف كمدّ ومتّ ومطّ، ولا يجيء الإبدال في الحرف الواحد إلا في إبدال تخفيف الهمزة نحو: سأل وسال فإن الهمزة والألف كالحرف الواحد. وقد يجري الإبدال في حرفين من البدلين نحو: سحق وسهك فإن الحاء بدل من الهاء وهما أختان في المخرج، والقاف بدل الكاف وهما أختان، وهو من مسوغات الإبدال. وقد يجري بين حروف ثلاثة في الكلمة الواحدة نحو: درأ وطلع، فإن الدال والطاء متعاقبتان لأنهما نطعيتان، والراء واللام ذلقيتان وأختان، والهمزة والعين أختان حلقيتان، ومن علماء اللغة من يقول بهذا الإبدال الثنائي والثلاثي. ولعل أول من عرض للإبدال الثلاثي أبو الفتح بن جني (ت 392هـ) وسمّاه الاشتقاق الأكبر وعرّفه بقوله: «وأما الاشتقاق الأكبر فهو أن تأخذ أصلاً من الأصول الثلاثية فتعقد عليه وعلى تقاليبه الستة معنى واحداً تجتمع التراكيب الستة وما يتصرف من كل واحد منها عليه، وإن تباعد شيء من ذلك عنه رُدّ بلطف الصنعة والتأويل إليه». ويبدو أن هذا النوع من الإبدال القائم على التقليب قد ابتعد عمّا عالجه اللغويون قبل ابن جني واختلفت أمثلته وفلسفته فاتجه نحو الدلالة مبتعداً عن الصوتية التي كانت منطلق السابقين إلى التصنيف في الإبدال، ومع ذلك فقد صنف ابن جني كتاباً سماه «تعاقب العربية» ويُفهم مما جاء في مقدمته أنه كان الأقرب إلى إبدال سابقيه، إذ يقول: «اعلم أن كل واحد من ضربي التعاقب، وهما البدل والعِوَض، قد يقع في الاستعمال موقع صاحبه وربما امتاز أحدهما دون رسيله، إلا أن البدل أعم استعمالاً». وما هذا التوزع بين الإبدال والتقاليب الذي يبدو عليه بعض القلق عنده إلا نتيجة لعدم استقرار المصطلح عند جمهور اللغويين. ويشار هنا إلى أن ابن جني قد عقد في كتابه «الخصائص» باباً للإبدال هو «باب في الحرفين المتقاربين، يستعمل أحدهما مكان الآخر» فهو يميل في هذا إلى جعل الإبدال في الحروف المتقاربة صفة ومخرجاً، وإن كان الكثير من علماء اللغة لا يشترطون هذا التقارب، بل لقد جمع بعضهم كل ما تقارب لفظاً وخطاً ومبنى وسلكه في إطار الإبدال. ومن الجدير بالذكر هنا أن اللغويين اختلفوا حول جريان الإبدال على ألسنة العرب عفواً أو تعمُّداً، فرأى بعضهم أنه لم يجر على ألسنة العرب عفواً، وإنما كان بقصد تنويع معاني الكلمة الواحدة، ومن هنا حسب أصحاب المعاجم أن الإبدال في النظائر بنطقين متساويين هو من سنن العرب في كلامها، في حين ذهب أبو الطيب اللغوي (ت 351هـ) إلى أنه «ليس المراد بالإبدال أن تتعمد العرب تعويض حرف من حرف، وإنما هي لغات مختلفة لمعان متفقة، واستُدلّ على ذلك بأن قبيلة واحدة لا تتكلم بكلمة طوراً مهموزة وطوراً غير مهموزة، ولا بالصاد مرة وبالسين أخرى، إنما يقول هذا وذاك آخرون». وثمة شواهد شبيهة بالإبدال ليست منه في شيء أيضاً، إِنما هي وليدة أمراض النطق والكلام كاللثغة والغمغمة والحُبْسة والتأتأة والفأفأة، أو وليدة التصحيف الناجم عن سوء السمع أو عن إِغفال الإِعجام. أما أشهر من عرض لهذه الظاهرة بالبحث أو بالتصنيف فالأصمعي ويعقوب بن السكيت (ت 244هـ) والزجاجي وكتابه «الإبدال والمعاقبة والنظائر» وأبو الطيب اللغوي وكتابه «الإبدال»، وقد حقق هذين الكتابين الأخيرين عز الدين التنوخي ونشرهما المجمع العلمي العربي بدمشق. وكتاب «الإبدال» لأبي الطيب من أوعب ما أُلِّف في هذا الباب وأغزرها مادة تم حشدها وتقييدها وفق منهج حسن التبويب والتنظيم، مرتب على تسلسل حروف الهجاء. وأشهر من صنف في هذه الظاهرة من المحدثين أحمد فارس الشدياق، وكتابه: «سر الليال في القلب والإبدال»، وربحي كمال، وكتابه: «الإبدال في ضوء اللغات السامية».
ولايُقيَّد الإبدال بالحرف الثالث من الأصل الثلاثي، أي بلام الفعل، وإنما قد يطرأ الإبدال على الحرف الأول وهو فاء الفعل نحو: خبن وغبن، أو على الثاني وهو عين الفعل نحو: رسم ورشم، وقد تكون اللفظتان رباعيتين كتَوْلَج ودَوْلَج (كناس الظبي)، والبدل في الحرف الأول منهما، وقد تكونان خماسيتين والبدل في الحرف الثاني كجرسام وجلسام (السمّ، وتسمية العامة: البِرْسام)، أو سداسيتين نحو: اعرَنْكَسَ الليل واعلَنكس إذا أظلم.
وأما الإبدال في النحو والصرف فيُصنف في إطار القلب النحوي الذي جعلوه شاملاً لإعلال ونقل الحركات والافتعال. قال أبو البقاء الكفوي في «الكليَّات»: «الإبدال يكون من حرف العلة وغيرها، والقلب لا يكون إلا من حرف العلَّة». ويرى النحاة أن هذا الإبدال قد يقع في كل حروف الإبدال وإن قصره بعضهم على تسعة أحرف في الإطراد، أو جعلوه في اثني عشر حرفاً، أو أربعة عشر، أو اثنين وعشرين حرفاً. ومن المرجح أن أول من سمّى هذه الظاهرة اللغوية «إبدالاً» عبد الملك بن قريب الأصمعي (ت 216هـ)، وعرض لها الزجاجي (ت 337 هـ) فقال «يقال لهذه الحروف (يعني الكلمات): الإبدال والمعاقبة والنظائر، منها ما يجوز بعضه مكان حرف واثنين وثلاثة، وليس كل الحروف كذلك».
وذلك يعني أن أكثر ما يجيء التعاقب بين حرفين كالضاد والطاء في قضم وقطم، أو بين ثلاثة أحرف كمدّ ومتّ ومطّ، ولا يجيء الإبدال في الحرف الواحد إلا في إبدال تخفيف الهمزة نحو: سأل وسال فإن الهمزة والألف كالحرف الواحد. وقد يجري الإبدال في حرفين من البدلين نحو: سحق وسهك فإن الحاء بدل من الهاء وهما أختان في المخرج، والقاف بدل الكاف وهما أختان، وهو من مسوغات الإبدال. وقد يجري بين حروف ثلاثة في الكلمة الواحدة نحو: درأ وطلع، فإن الدال والطاء متعاقبتان لأنهما نطعيتان، والراء واللام ذلقيتان وأختان، والهمزة والعين أختان حلقيتان، ومن علماء اللغة من يقول بهذا الإبدال الثنائي والثلاثي. ولعل أول من عرض للإبدال الثلاثي أبو الفتح بن جني (ت 392هـ) وسمّاه الاشتقاق الأكبر وعرّفه بقوله: «وأما الاشتقاق الأكبر فهو أن تأخذ أصلاً من الأصول الثلاثية فتعقد عليه وعلى تقاليبه الستة معنى واحداً تجتمع التراكيب الستة وما يتصرف من كل واحد منها عليه، وإن تباعد شيء من ذلك عنه رُدّ بلطف الصنعة والتأويل إليه».
ويبدو أن هذا النوع من الإبدال القائم على التقليب قد ابتعد عمّا عالجه اللغويون قبل ابن جني واختلفت أمثلته وفلسفته فاتجه نحو الدلالة مبتعداً عن الصوتية التي كانت منطلق السابقين إلى التصنيف في الإبدال، ومع ذلك فقد صنف ابن جني كتاباً سماه «تعاقب العربية» ويُفهم مما جاء في مقدمته أنه كان الأقرب إلى إبدال سابقيه، إذ يقول: «اعلم أن كل واحد من ضربي التعاقب، وهما البدل والعِوَض، قد يقع في الاستعمال موقع صاحبه وربما امتاز أحدهما دون رسيله، إلا أن البدل أعم استعمالاً». وما هذا التوزع بين الإبدال والتقاليب الذي يبدو عليه بعض القلق عنده إلا نتيجة لعدم استقرار المصطلح عند جمهور اللغويين.
ويشار هنا إلى أن ابن جني قد عقد في كتابه «الخصائص» باباً للإبدال هو «باب في الحرفين المتقاربين، يستعمل أحدهما مكان الآخر» فهو يميل في هذا إلى جعل الإبدال في الحروف المتقاربة صفة ومخرجاً، وإن كان الكثير من علماء اللغة لا يشترطون هذا التقارب، بل لقد جمع بعضهم كل ما تقارب لفظاً وخطاً ومبنى وسلكه في إطار الإبدال.
ومن الجدير بالذكر هنا أن اللغويين اختلفوا حول جريان الإبدال على ألسنة العرب عفواً أو تعمُّداً، فرأى بعضهم أنه لم يجر على ألسنة العرب عفواً، وإنما كان بقصد تنويع معاني الكلمة الواحدة، ومن هنا حسب أصحاب المعاجم أن الإبدال في النظائر بنطقين متساويين هو من سنن العرب في كلامها، في حين ذهب أبو الطيب اللغوي (ت 351هـ) إلى أنه «ليس المراد بالإبدال أن تتعمد العرب تعويض حرف من حرف، وإنما هي لغات مختلفة لمعان متفقة، واستُدلّ على ذلك بأن قبيلة واحدة لا تتكلم بكلمة طوراً مهموزة وطوراً غير مهموزة، ولا بالصاد مرة وبالسين أخرى، إنما يقول هذا وذاك آخرون».
وثمة شواهد شبيهة بالإبدال ليست منه في شيء أيضاً، إِنما هي وليدة أمراض النطق والكلام كاللثغة والغمغمة والحُبْسة والتأتأة والفأفأة، أو وليدة التصحيف الناجم عن سوء السمع أو عن إِغفال الإِعجام.
أما أشهر من عرض لهذه الظاهرة بالبحث أو بالتصنيف فالأصمعي ويعقوب بن السكيت (ت 244هـ) والزجاجي وكتابه «الإبدال والمعاقبة والنظائر» وأبو الطيب اللغوي وكتابه «الإبدال»، وقد حقق هذين الكتابين الأخيرين عز الدين التنوخي ونشرهما المجمع العلمي العربي بدمشق. وكتاب «الإبدال» لأبي الطيب من أوعب ما أُلِّف في هذا الباب وأغزرها مادة تم حشدها وتقييدها وفق منهج حسن التبويب والتنظيم، مرتب على تسلسل حروف الهجاء.
وأشهر من صنف في هذه الظاهرة من المحدثين أحمد فارس الشدياق، وكتابه: «سر الليال في القلب والإبدال»، وربحي كمال، وكتابه: «الإبدال في ضوء اللغات السامية».