ضوابط المشاركة الفاعلة.. وضريبتها
د. إبراهيم السماري:
الإعلامية يمكن أن تشارك بجهودها في المجتمع داخل مجتمعات جنسها
عمل المرأة المنضبط بضوابط الشرع يحظى بالتقدير شريطة أن تكون لديها قدرات إعلامية متميزة
د. إبراهيم العتيق:
هناك ضوابط خاصة بالمرأة تختلف باختلاف نوع الوسيلة الإعلامية التي تشارك فيها
لكل عمل ضريبة ومن لا يريد أن يواجه الصعوبات والمعوقات أمامه بيته ليجلس فيه
تحقيق: شيخة العتيبي
مع الانفتاح الذي تشهده الساحة الإعلامية وتعدد وسائل الاتصال، ووسائط نقل المعلومات، بدأت الكثير من الإعلاميات تظهر أسماؤهن على صفحات الصحف والمجلات، وتطور الأمر إلى مشاركة بعض الإعلاميات في البرامج الحوارية التي نشاهدها في القنوات الفضائية، ورغم التميز العلمي والقدرة على الحوار لدى الكثير من الإعلاميات إلا أنه تبقى هناك ضوابط شرعية لا بد من الالتزام بها لمن تريد المشاركة في وسائل الإعلام. في التحقيق التالي نتعرف على بعض تلك الضوابط، والطريقة التي يمكن أن تشارك بها المرأة في وسائل الإعلام ونظرة المجتمع لتلك المشاركة.
ضوابط المشاركة
بداية يقول د. إبراهيم العتيق - رئيس قسم اللغة العربية في كلية المعلمين بالدمام: إن ضوابط مشاركة المرأة في الإعلام هي ضوابط عامة لها وللرجل وذلك بألا تكون المشاركة مخالفة للشرع من حيث الأفكار المطروحة والآراء التي يدعى إليها، وهناك ضوابط خاصة بالمرأة تختلف باختلاف نوع الوسيلة الإعلامية التي تشارك فيها، فمن ذلك أنه يجب عليها ألا تظهر صورتها سواء في الإعلام المرئي أو الصحافة، كما يحرم عليها الخضوع في القول وترقيق الكلام بما يستميل الرجال حال مشاركتها المسموعة. وما سبق فيما إذا كانت مشاركتها عابرة وليست وظيفة رسمية حيث إنه لا يجوز للمرأة - كما بين سماحة الوالد الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - وغيره من العلماء الربانيين - أن تدخل في مضمار الإعلام المرئي بحيث تخرج بصورتها وصوته. والناظر في واقع الإعلام في عالمنا الإسلامي - المرئي منه والمسموع - ومشاركة المرأة فيه، يرى كيف بدأ وكيف انتهى بالسفور والتبرج وتحولت المرأة الكائن الإنساني المكرم إلى طعم يستجلب به الكثير من المتابعين ليتمتعوا بصورتها وصوته. وأما فيما يتعلق بالعمل في الإعلام المقروء (الصحافة) فلها المشاركة وتعمل بما يتفق وضوابط الشرع المعروفة في أي عمل تمارسه المرأة من الحشمة والحجاب الشرعي والبعد عن الاختلاف وعدم تضييع من تحت يدها من أولاد أو تقصير في حق الزوج، كما أن لها أن تشارك بقلمها في إعداد البرامج الدينية والثقافية والأدبية والأسرية، ويقوم الرجل (المذيع) بتقديمها عنه. كما ينبغي ألا ننسى دور الكثير من الأخوات في مجال الإنترنت ومشاركاتهن الإيجابية حتى أصبح لدينا مجموعة من الأسماء المشهورة في فضاء الإنترنت واللاتي لهن قراء ومتابعون كثر، بل وأصبحت هذه الوسيلة الإعلامية طريق بعضهن إلى الصحافة.
- وفيما يتعلق بنظرة المجتمع لعمل المرأة في الإعلام وهي في بيتها عن طريق الفاكس والإيميل، فإنها تختلف باختلاف أفراده من حيث الثقافة والوعي الفكري، فأصحاب الثقافة والوعي ينظرون إليه نظرة تقدير وإكبار، بل ويدعون إلى اقتحام المرأة لهذا المجال حتى تخدم أمتها ووطنها بما ينفع ولا تترك هذا المجال الخطير للمستغربات وذوات التوجهات المنحرفة.
الاختيار المناسب:
وفيم يتعلق بالمجالات النسائية الهادفة، يرى إبراهيم العتيق، أنه مما يسر النفس ويبهجها انتشار هذه المجلات وتعددها ويزيد هذا السرور وتلك البهجة حين نرى المرأة تدير تحريرها ونقرأ فيها لأقلام نسائية واعية تحمل هم أمتها ووطنها وتنافح عن قضاياهما وتدافع عن مجتمعها وقيمه الإسلامية، لكنه مما يؤسف له - في رأيي - أن تلك المشاركات تكاد تقتصر على المجلات الإسلامية، أما الصحافة اليومية فتكثر فيها الأقلام النسائية التي تتناول قضايا الوطن والمجتمع بما لا يتوافق والتصور الإسلامي الصحيح، بل ويتعارض مع كثير من الأحكام الإسلامية وكأنها أقلام غربية!
وفيما يتعلق بكيف تستطيع المرأة أن تكون عضوا فعالا في المجتمع، فأظن أنه ليس هناك من يستطيع أن يحدد للمرأة ذلك، حيث إن هذا - في رأيي - منوط بالمرأة نفسها، فالمرأة المسلمة التي تحمل فكرا ووعيا سليما لا بد أنها ستجد المجال المناسب الذي تخدم من خلاله مجتمعها بما لا يتعارض مع دينها، وتكون عضوا فعالا فيه. فالمجالات واسعة لا تكاد تحصر لكن على المرأة أن تختار ما يناسبها من حيث الوقت والميول والرغبة وبما ترى أنها ستحقق فيه نتائج إيجابية، دون أن يرجع عملها بسلبيات على نفسها وأسرته.
أما ضريبة عمل المرأة فلكل عمل ضريبة مهما تنوع واختلف، والإنسان (رجلا كان أو امرأة) الذي لا يريد أن يواجه الصعوبات والمعوقات فأمامه بيته ليجلس فيه ويغلق بابه على نفسه، لكن المرأة قد تواجه صعوبات أكثر من الرجل حين تنزل إلى ميدان العمل الخارجي وترتبط بعمل رسمي كالصحافة - مثلا - فمسؤولية المرأة في المنزل أعظم من الرجل حيث أمامها الأبناء والزوج وما يتطلبانه من واجبات منزلية مختلفة، ولذا فالأسرة من أصعب ما تواجهه المرأة حين تفكر بالعمل، وعليها قبل أن تقرر وتقدم أن تعرف نتيجة عملها وكيف تتعامل مع ما سيواجهها من صعوبات.
المرأة والإعلام
د. إبراهيم بن عبد الله السماري - عضو الجمعية السعودية للدراسات الدعوية - يؤكد أن المرأة في الإعلام صنو الرجل، في المسؤولية وفي الأثر، كل بما يلائم طبيعته التي خلقه الله عليها وبها؛ لأن المسلم والمسلمة مأموران باستفراغ الوسع تعلما وتعليما في حدود مقتضيات الحاجة، وفي دائرة الضوابط الشرعية التي تناسب كل طرف، والإعلام أصبح اليوم ميدانا تتسابق في حلبته القدرات والطموحات، فلا يجوز أن يتجاهل أهميته مسلم أو مسلمة.
ولكن هل يجب أن تكون الإعلامية المسلمة حبيسة بيتها؟
الجواب: لا!
فالإعلامية يمكن أن تشارك بجهودها في المجتمع داخل مجتمعات جنسها، في دائرة الصديقات، والزميلات، وهكذ.
طالما راعت ضوابط الخروج الشرعي وطالما هناك فائدة من خروجها ومشاركتها فهي مأجورة في عملها إذا أرضت ربها بالتزامها الشرعي.
اختلاف الوسائل
أما مشاركتها في المؤتمرات أو المقابلات الشخصية على الهواء مباشرة، فإن كانت مشاركتها هذه مضبوطة بضوابط الشرع فلها ذلك، لها أن تشارك في البرامج الحوارية المباشرة كتابة بالفاكس أو الإنترنت مثلا وحتى بالصوت إذا كان متزنا بعيدا عن الخضوع والإغراء والموانع الشرعية، ولها المشاركة في المؤتمرات النسائية التي لا تتطلب خروجا على المسلمات الشرعية، وهكذ.
فالمرأة كالرجل في الغايات والأهداف، وإنما تختلف الوسائل وطبيعة المشاركة الإعلامية تبعا لاختلاف الطبيعة البشرية ومقتضيات الدين والخلق في حق كل منهم.
يمكن للمرأة أن تلتزم بالضوابط الشرعية وأن تقدم عملا إعلاميا متميزا فلا تعارض بينهما أبدا، كما أن هناك إعلاميين من الرجال لا تظهر صورهم ولا حتى أصواتهم برغم أنهم يقدمون عملا إعلاميا راقي.
صور مختلفة
ومن صور النجاح الإعلامي للمرأة التي يذكرها د. إبراهيم السماري:
1- تنويع الوسائل، بحيث تقدم الإعلامية صورا مختلفة من العمل الإعلامي المتنوع بين المقال والتحقيق والاستطلاع وهكذا، ولا تسجن نفسها في دائرة ضيقة ونوع واحد، وهذا دون ريب يخضع لمستوى قدراتها وإمكاناتها الإعلامية.
2 - التنوع الموضوعي، بحيث تمارس أكثر من عمل إعلامي في أكثر من وسيلة إعلامية، وأن تتنوع الموضوعات المطروقة فلا تقتصر على المكرورات التي تعج بها وسائل الإعلام، وبخاصة في المناسبات العامة المتكررة، بل تفتح آفاقا جديدة دوما في المعالجة.
3 - الحرص على عوامل الجذب والتشويق.
4 - البعد عن الأسلوب الخطابي المباشر، واللجوء إلى ملامسة واقع الناس وهمومهم.
وعن المجلات النسائية يقول إبراهيم السماري: إن المجلات النسائية الهادفة، التي تقوم بتحريرها المرأة، فكرة رائدة، لكن المشكلة في التنفيذ، حيث نجد أن قضايا المرأة الحقيقية وهمومها اليومية أبعد ما تكون عن الملامسة المتعمقة في هذه المجلات.
وعمل المرأة المنضبط بضوابط الشرع سواء أكان تحت مظلة رسمية أو غير رسمية يحظى بتقدير المجتمع بشرط أن تكون لديها قدرات إعلامية متميزة، وأن تكون مشاركتها ذات تأثير نفعي للصالح العام ولبنات جنسه.
وعن ضريبة العمل الإعلامي للمرأة يعتقد د.إبراهيم السماري أنها هي ذاتها ضريبة العمل الإعلامي للرجل! لكل منهما مسؤوليات محددة فإذا لم يضيعها من خلال عمله الإعلامي فلن يدفع أية ضريبة؟
الهمة والعزيمة
د. شيخة المفرج تقول: إن مشاركة المرأة الفاعلة في الإعلام لا تستدعي مشاركتها في المؤتمرات الداخلية والخارجية، أو المقابلات الشخصية على الهواء مباشرة، بل إن من تحمل هم هذا الدين لا شك أنها ستؤدي دورا فاعلا من خلال كتاباتها في الصحف والمجلات وشبكات الإنترنت وغيرها من رسائل الإعلام وهي مستقرة في مقر دارها، ولعل المجلات الناجحة الموجودة في الساحة كمجلة (أسرتنا) و(حياة) وغيرهما قد استطاعت إثبات مقدرة المرأة على اعتلائها منبر الكتابة والتحرير في مجلات رائدة تخدم المجتمع عامة وبنات جنسها خاصة، بل إنها وسيلة هيأت الدعوة إلى الله في كثير من البيوت التي لا يمكن الداعية دخولها في هذه الفترة الزمنية اليسيرة.
ولا شك أن مقدرة المرأة على أن تكون عضوا فاعلا في المجتمع عماده همتها وعزيمتها وحملها لهم هذا الدين والدعوة ورغبتها في الإصلاح وكم من بيوت صلح شأنها على يد امرأة سواء كانت أما أو زوجة أو أختا أو بنتا، ومن يكن دافعه الإخلاص يرزق القبول بإذن الله.
تقسيم الوقت
وعن ضريبة عمل المرأة في الإعلام ترى د.شيخة المفرج أن لكل عمل ضريبة، وضريبة عمل المرأة في الإعلام الهادف تحت ضوابط الشرع ستكون على حساب راحتها ووقتها، ولكن الراحة يستعاض عنها براحة الآخرة، والوقت لا بد للمرأة الواعية أن تحسن تقسيم وقتها ولا تفرط في شيء على حساب شيء، وكل يعرف قدراته وارتباطه، فإذا كان عمل المرأة في الإعلام سيؤثر على قيامها بحق والديها أو أحدهما من البر، فبرهما أولى، وإن كان سيؤثر على قيامها بحق زوجها، فحق الزوج يقدم، وإن كان سيؤثر على تربيتها لأولادها فحق الأولاد أولى، لأن الحقوق السابقة إن فرطت بها لن يقوم بها غيرها، أما عملها في الإعلام الهادف على سموه وقيمته فلو لم تقم به لقام به غيره. ولكن تحاول الموازنة {ومن يتق الله يجعل له مخرجا (2) ويرزقه من حيث لا يحتسب ..} [الطلاق: 2 - 3].
وثقي أنك إذا أردت العمل لله عوضك بصلاح ذريتك، ورضا زوجك ووالديك، لأن هذه الأمور كلها بيد الله رب العالمين.
عدم الاختلاط
تقول إن المرأة قد تكون ذات مشاركة فاعلة في الإعلام، ولا يستلزم ذلك أن تشارك في المؤتمرات والمقابلات، فهذا يتنافى والحشمة المأمور بها، كما يتنافى والأمر في قوله تعالى: {وقرن في بيوتكن}، وإذا كان أداء الصلاة في البيت خير للنساء - وهي عبادة - فكيف بما عداها؟!
والإعلام الناجح الذي يجوز للمرأة أن تشارك فيه هو ما لم يكن فيه اختلاط، وكان فيه محافظة على حشمتها وحيائها، أي أن تكون ملتزمة بالضوابط الشرعية.
أما المجلات فقد يكون من الأفضل أن تقودها نساء؛ لئلا يكون بين فريق العمل حرج في التعامل، وإن كان من يقودها رجالا فهناك ناحية إيجابية؛ هي أن ذلك أنسب في التعامل مع المجتمع خارج المجلة.
وفيما يتعلق بدفاع المرأة عن مجتمعها وقيمها فما زلنا ننتظر الكثير منها، خاصة في السنوات الأخيرة مع ازدياد دعوات التغريب المتنوعة.
وما دمنا في سياق الإعلام فعلى المرأة المسلمة أن تبرز تلك الأنشطة الدعوية والخيرية التي تقوم بها أخواتها كمناشط الدور، والمحاضرات النسائية، نشرا للخير ودعوة له.
نظرة المجتمع
وعن نظرة المجتمع لعمل المرأة في الإعلام تقول: لا أدري كيف هي نظرة المجتمع، لكن الذي أراه أن العمل ما دام بهذه الضوابط المطمئنة فيستقبله المجتمع لأنه عمل هادف قد يسد فراغا في ميدان الدعوة النسائية.
وليس هناك من ضريبة فيما أظن، إلا ضريبة الوقت لمن لم تحسن تنظيم وقتها ومعرفة أولوياته.
وتضيف قائلة: أرى أن المسؤولية كبيرة على من عملت في الإعلام الإسلامي، فهي اللسان الناطق باسم أخواتها اللاتي لا يكتبن في الإعلام، وعليها الدفاع باسمهن عما ينشر ضدهن من دعاوى التغريب.
كما أرى أن عليها تنظيم وقتها وجهدها فلا يطغى العمل الإعلامي على أولويات في حياتها، ولا سيما مهامها الأسرية والاجتماعية والتربوية.