وسط زحمة أعمال الحياة ومشاغلها، يحتاج الإنسان إلى الترويح عن نفسه بعض الوقت، لأن الترويح يجدد الهمة والنشاط، ويبعد عن النفس الملل، وعن القلب السآمة، فالنفس البشرية مجبولة على المراوحة بين الأعمال حتى تصل إلى قمة العطاء في كل جوانب الحياة، كذلك أثبتت الدراسات أن الترويح يحد من الآثار السلبية للتوتر النفسي والعصي والقلق، كما يعمل على زيادة كفاءة الفرد وقدرته على الإنتاج•
نماذج من تنزه الرسول وترويحه:- رغم عبء الرسالة وهمومها، مسؤولية تبليغها إلى العالمين إلا أن حياة الرسول ( لم تخل من التنزه والترويح عن النفس والمزاح مع أهله ومع أصحابه، ولقد عرف عنه ) أنه كان بسام المحيا، لا يعبس في وجه أحد، يمزح ويداعب ولا يقول إلا حقا، فقد روى الترمذي في سننه أن رجلا طلب منه أن يحمله، أي يعطيه دابة يركبها، فقال له: ( إني حاملك على ولد الناقة، فقال الرجل: يا رسول الله، ما أصنع بولد الناقة؟ فقال : وهل تلد الإبل إلا النوق؟)، وجاء في صحيح السنن (أن الرسول كان يمارس أنواعاً من الرياضات مثل العدو (الجري) والفروسية والرمي والمصارعة)، فقد روى أحمد وأبو داوود عن عائشة رضي الله عنها قالت:( سابقني يا رسول الله فسبقته، فلبثت حتى إذا أرهقني اللحم (سمنت) سابقني فسبقني، فقال هذه بتلك)، وصارع النبي ركانة، وكان رجلاً قويا لا يصرعه أحد، إلا أن رسول الله صرعه أكثر من مرة، وغير ذلك الكثير مما ورد في سيرته العطرة. أوقات الفراغ:- أعطى الله تعالى كل إنسان عمرا محدداً لا يعلمه إلا هو سبحانه وتعالى، وسوف يسأله عن كل لحظة فيه، بل سوف يسأله مرتين عن هذا العمر، ففي صحيح الحديث لاتزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأله عن أربع ··· منها عن عمره فيم أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ ·· الحديث. وقد روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ)، فالصحة والفراغ نعمتان يجب على المسلم العاقل أن يستثمرهما في كل ما يفيد وينفع، وإلا تحول ذلك إلى مهلكة ومفسدة وبلاء.
يقول أبو العتاهية: إن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة والجدة هي القدرة المالية التي تجعل الإنسان يتحصل على ما يريد من ملذات وشهوات. والنفس إذا لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، فقد روى الحاكم عن ابن عباس (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل وهو يعظه: (اغتنم خمسا قبل خمس،شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك). القصد مطلوب في كل الأمور:- إذا ما أراد الإنسان أن يروح عن نفسه هو وأسرته بعضا من الوقت فلا بد أن يكون لهذا الترويح أو هذا التنزه ضوابط، حتى يكون بمنأى عن الوقوع في معصية أو مخالفة، وخير الأمور القصد فلا إفراط ولا تفريط، ومن هذه الضوابط التي يجب أن تراعى عند التنزه أو الترويح: -عدم الغفلة عن أداء ما فرض الله من صلوات، فبعض الناس إذا خرج في نزهة أهمل في أداء الصلاة، فأخرها عن وقتها أو تركها، وكلاهما تصرف ممقوت وسلوك بغيض لا يرضاه الله تعالى، فأحب الأعمال إلى الله تعالى الصلاة على وقتها، فحذار أيها المتنزه أن تغفل عن عبادة ربك التي خلقك من أجلها {وما خلقت الجن والإنس الا ليعبدون}(الذاريات- 56) واحرص دائما أنت ومن معك من أسرتك على أن تكونوا في ذكر دائم لله تعالى، في المنزل وفي الطريق، وفي النزهة، وأن تتفكروا في بديع صنع الله تعالى في خلقه، فهذا يرقق القلوب ويبعد عنها الغفلة والقسوة، وأن أبعد ما يكون من الله تعالى القلب القاسٍ. -البعد عن الاختلاط والتبرج وكشف العورات، لأن بعض الناس يربط بين التنزه والاختلاط والتبرج، بحجة أنها ساعة، وبعدها يعود كل فرد إلى ما كان عليه، وهذا فهم خاطئ وفكر غير رشيد وغير سديد، لأن أوامر الله تعالى وأوامر رسوله لا تتعطل أبداً ولو برهة من الزمن، وقمة الإيمان بالله تعالى أن تراقبه في السر والعلن، في الفرح والحزن، في الجد والهزل، في التنزه والعمل، فلا تجعل ساعة التنزه ساعة معصية لربك. والذي يتدبر في الحديث الذي روته عائشة رضي الله عنها، في ممارستها للجري والسباق مع زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنها كانت بمفردها مع رسول الله، لم يرهما أحد، فهي الرواية الوحيدة لهذا الحديث، وهو دليل قوي على البعد عن الاختلاط المحرم عند التنزه والترويح. -البعد عن ممارسة الرياضات المحرمة التي توقع صاحبها في الإثم، فلا يطلق الإنسان لنفسه العنان ليمارس ما يهواه من رياضة من دون النشر الى حكم الشرع فيها، ولقد بين الشرع الحنيف الحلال والحرام من الرياضات التي يمارسها الناس، فقد حرم النرد، والميسر، وحرم المقامرة، وحرم اتخاذ ذي الروح غرضا، وحرم كل ما يضر بالإنسان أو يجلب عليه الإثم، فالشريعة الإسلامية جاءت لتحفظ على الإنسان دينه وعرضه وماله ونفسه وتحقق له السعادة في دنياه وأخراه، فليختر العاقل لنفسه أهدى السبيلين، وأقوم الطريقين. -البعد عن القول الفاحش وعن الغيبة والنميمة والكذب، وأن يتذكر المسلم في كل حين قول ربه سبحانه وتعالى: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} (ق-18). فالإسلام لا يمنع التنزه والترويح عن النفس إذا أحيط بسياج من الضوابط الشرعية التي تبعد المسلم عن كل معصية لله ورسوله