الــحلـــم

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : مســعود بوبو | المصدر : www.awu-dam.org

ثمّة سؤالٌ عسير الولادة يوشك أن يتردّد اسمه على شفاه البشرية... يوشك أن يُقال كلّما استردّت البشريّة أنفاسها الحبيسة... ثمّ يرجئه الصوت في انتظار أن تهدأ عواصف اندلعت بغتةً هنا أو هناك.. وفي انتظار الآذان المصغية: متى تبلغ هذه البشرية سن الرشد؟!‏

عندما يتحدث العقلاء المتحضرون عن تصرّف رديء مستهجن يستظهرون كلمات ألفناها مثل شريعة الغاب... اعتداء آثم.. قتل جماعي.. عمل هزّ ضمير العالم!! وعندما يستحضر الشعراء والكتّاب والمبدعون رموزاً تقليدية متوارثة ومكرورة تبرز في تضاعيف أوراقهم مسمّيات تاريخيّة كالتتار والمغول والفايكنز والبرابرة، ناهيك عن أسماء الأفراد..‏

ويسأل اليافعون في براءةٍ واستغراب: وماذا فعل هؤلاء؟! وحين تجيب، يقلّب هؤلاء أكفّهم وشفاههم ويقولون باستغراب أيضاً: حسناً، إنّ ماتفعله البشريّة اليوم أشدّ همجيّة وفظاعة!!‏

لقد كان ذاك يومَ لم يكن الإنسان قد بلغ سنّ الرشد.. يوم لم يكن يمتلك سوى الغريزة، ولم يكن يستخدم سوى الأسلحة والأيدي.. أمّا اليوم فحتّى الحيوانات صار ترويضها يعتمد على العقل..‏

الملايين من البشر.. من الأمهات والأطفال والشيوخ، في مختلف بقاع هذا الكوكب يخشون الحلم بيومٍ آمن، بغدٍ آمن.. بشواطئ غير مدروزة بالشراك والألغام، بسماءٍ غير ملوّثة، بأرضٍ ومدنٍ في مأمنٍ من الدمار، من يجرؤ على الحلم بذلك والخيبات المتلاحقة منقوشة في الذاكرة كالوشم تنغّص اليقظة، وتكدّر الرؤى والمنام؟!‏

فمتى تبلغ البشريّة سنّ الرشد وتصبح قادرةً على تسخير طاقة العقل للحياة بغير القتل والإفناء؟!‏

وعندما يتحدّث العقلاء عن الانتصارات بصوتٍ مسموعٍ يبدون للمتأمّل ولجوهر الحقيقة محل إشفاق.. فالانتصار الحقيقيّ هو توفير حياة إنسان، وإبقاء مياهه نظيفة آمنة، وسمائه صافية نقيّة، ومدنه قريرة وادعة، وثرواته لم تُحرق ولم تُسرق.. الانتصار الحقيقي في معارك الأسلحة، أو في حوارات دبلوماسيّة الخلاف والاتفاق يتجلّى في شجاعة الرجال على قول الحقّ، والنظر إلى المشكلات نظرة العدل والإنصاف.. وانتصار العقل البشري مستقبلاً يتجلّى في مقدرته على التخطيط لتجنّب كل حرب مُتوقعة وتفادي كل دمار متصوّر ورفع كلّ ظلم، أو جوع، أو مهانة أو معاناة عن الإنسان.. إي إنسان وكلّ إنسان.., وليس سرّاً خافياً على أي عربي أن ما أنفق من الثروات العربية في بضعة الأشهر السابقة كان كفيلاً بتوفير أسباب التنميّة والتطوّر بما يصل إلى كلّ عربي بالنفع العميم..‏

لقد أُهدرت الطاقات والأرواح، وحتى السمعة العقلية للعرب.. ومازالت الثروات تُحرق أمام أعين العرب، ومازل القتل مستمراً.. ومازلنا نخسر خسارةً لا يمكن لعاقلٍ تسويغها ولا تقديرها..وبها نبدو للعالم أنّنا في حاجة إلى رجاحة العقل.. بل إلى القليل من التعقّل وإعمال الفكر والنضج المرحليّ..‏

قد يكون ذلك ضرباً من الحلم: استقرار المنطقة العربيّة، وأمنها، وطي صفحة الخلافات على الحدود.. قد يكون حلماً مبكراً.. أو متأخّراً أن يتّجه العقل العربي إلى بناء الإنسان والإفادة من قدراته في الإنجاز العلميّ، والتنمية، والتعاون والتكامل واستثمار مافي الأرض العربيّة من كنوز تشكّل نواة حقيقيّة لنهضة زراعيّة، وصناعيّة وعلميّة وعقليّة، وسعادة وأمن.. إنّ حلماً كهذا لا يمكن أن يتحقّق بالسيف، ولا بالصاروخ، ولا بالخطابات أو المؤامرات أو الوعود والطموحات غير المشروعة.. إنّما يتحقق بتحكيم العقل، وبصدق الإرادة والعمل الصادق الجادّ.. وإذا كان الإنسان قد تعب كثيراً من الدمار والقتل، فعليه أن يتعب أكثر لإيقافهما وأنه لو أراد لقادر...