شرفة آمنة تتعطر بسهاد ليل دمشقي وترنو.. وقمر منتظر يتريث في الغياب، والريح نُعمى.. من يسحب الروح من مصلى الليل؟! ألوان شفيفة تتخاصر أمام العين.. تستحيل موسيقى في علوة الأفق السديم، ثم تنتصب قبة من الرحيق المستريح.. تحت القبة ترتعش شوارع المدينة كأصابع صغيرة تعابث أرجوحة الضوء.. والمدينة كانت على تلفت تفكّ ياقات النوافذ.. تتسمّى باسم الصوت، وتتعرف خفقة الليل، وبين يديها تتفتح دفاتر العشق والسهر.. ولكن ليلاً آخر يمضي مخلفاً حقائبه المقفلة. مخلفاً النفوس والبيوت على أرصفة الدهشة والحَيَران.. كأن خيبة الترقب تتحرى الليل... تتفقد في مداره يقظة المواسم وإيماض البرق في العيون.. وقامة السؤال كقامة الليل مديدة، ما الذي تغير؟! الناس؟ العلاقات الإنسانية الحميمة بينهم؟ أم الليل نفسه تغير؟! في زمن ماكان الليل مُزْدَلَفا إلى جواني الروح. وكانت عيون الناس فيه كقلوبهم تتألق بالود والترحاب وتفيض أنسا ورُحْمَى. فما بال هذا الليل غصَّان بالحزن؟ يمضي معزولاً عن رقة الشعر والأغاني، ومن أعطافه تنسحب المعازف والأصوات.. والصدى.. يمضي كقطار هجره الركاب، وحيداً إلا من وجع الأرض.. ومن على جانبيه تتراجع المدن التي كانت وهجه وسلوانه... تتراجع منكفئة على أوجاعها الهجينة، عاقدة كالأسرى أيديها خلف ظهورها، تسترق السمع خفية، وخفية يخيل إليها أن هناك وقع أقدام تبتعد.. ومعه تتراجع الحقول والأشجار والتجليات.. صار الليل قطاراً يمضي.. صار آلة في هذا الفلك الزمني.. زمن التحكم عن بعد وعن مقربة. وحيداً يدخل المحطات ويخرج منها، ومامن نافذة واحدة تشهق في إحدى عرباته بوجه الريح.. وعلى جانبيه في المدى الرحيب يترامى السكون، وتنبسط الأرض المجهدة.. ويخفق السراب طوال الحلم.. الكل يفتح الليل طريقاً ليمضي، أو يتنحى من طريق الليل.. وفي صمت وزهد يغلق بوابة الحنين والشكوى.. فيفرش الليل جناحيه كغمامتين تتسلقان الأفق.. يبدو كطائر خرافي روّض جناحيه على اختراق الحدود.. يمضي يتقرى الأودية والضفاف والسهول... لا يعاتبه أحد، ولا أحد يرحب به.. لا الأعراس تشتعل فيه بزيت العيون، ولا الأيدي المودعة ترتفع بإيماءة أو منديل محبة.. لقد خرج الليل من دفء الوقت وحوزة الذاكرة، وهوى كظل باهت فوق جسد الأرض
شرفة آمنة تتعطر بسهاد ليل دمشقي وترنو.. وقمر منتظر يتريث في الغياب، والريح نُعمى.. من يسحب الروح من مصلى الليل؟!
ألوان شفيفة تتخاصر أمام العين.. تستحيل موسيقى في علوة الأفق السديم، ثم تنتصب قبة من الرحيق المستريح.. تحت القبة ترتعش شوارع المدينة كأصابع صغيرة تعابث أرجوحة الضوء.. والمدينة كانت على تلفت تفكّ ياقات النوافذ.. تتسمّى باسم الصوت، وتتعرف خفقة الليل، وبين يديها تتفتح دفاتر العشق والسهر.. ولكن ليلاً آخر يمضي مخلفاً حقائبه المقفلة.
مخلفاً النفوس والبيوت على أرصفة الدهشة والحَيَران.. كأن خيبة الترقب تتحرى الليل... تتفقد في مداره يقظة المواسم وإيماض البرق في العيون.. وقامة السؤال كقامة الليل مديدة، ما الذي تغير؟! الناس؟ العلاقات الإنسانية الحميمة بينهم؟ أم الليل نفسه تغير؟!
في زمن ماكان الليل مُزْدَلَفا إلى جواني الروح. وكانت عيون الناس فيه كقلوبهم تتألق بالود والترحاب وتفيض أنسا ورُحْمَى. فما بال هذا الليل غصَّان بالحزن؟ يمضي معزولاً عن رقة الشعر والأغاني، ومن أعطافه تنسحب المعازف والأصوات.. والصدى.. يمضي كقطار هجره الركاب، وحيداً إلا من وجع الأرض.. ومن على جانبيه تتراجع المدن التي كانت وهجه وسلوانه... تتراجع منكفئة على أوجاعها الهجينة، عاقدة كالأسرى أيديها خلف ظهورها، تسترق السمع خفية، وخفية يخيل إليها أن هناك وقع أقدام تبتعد.. ومعه تتراجع الحقول والأشجار والتجليات..
صار الليل قطاراً يمضي.. صار آلة في هذا الفلك الزمني.. زمن التحكم عن بعد وعن مقربة. وحيداً يدخل المحطات ويخرج منها، ومامن نافذة واحدة تشهق في إحدى عرباته بوجه الريح.. وعلى جانبيه في المدى الرحيب يترامى السكون، وتنبسط الأرض المجهدة.. ويخفق السراب طوال الحلم..
الكل يفتح الليل طريقاً ليمضي، أو يتنحى من طريق الليل.. وفي صمت وزهد يغلق بوابة الحنين والشكوى.. فيفرش الليل جناحيه كغمامتين تتسلقان الأفق.. يبدو كطائر خرافي روّض جناحيه على اختراق الحدود.. يمضي يتقرى الأودية والضفاف والسهول... لا يعاتبه أحد، ولا أحد يرحب به.. لا الأعراس تشتعل فيه بزيت العيون، ولا الأيدي المودعة ترتفع بإيماءة أو منديل محبة.. لقد خرج الليل من دفء الوقت وحوزة الذاكرة، وهوى كظل باهت فوق جسد الأرض