كان لإحدى القابلات بنت وحيدة، تعنى بتربيتها، وتسهر عليها، ولكنها تضطر دائماً إلى تركها وحدها، بحكم عملها، ولذلك كانت توصي بها بنات الجيران، ليزرنها في غيبتها، ويساعدنها في أمور البيت. وذات يوم تركتها كعادتها مع بنات الجيران، فأخذت تمرح معهن وتلهو، ولكن فجأة خرج لهن من زاوية في المنزل غول كبير ففزعت البنات وهربن، وبقيت بنت الداية وحدها، فأخذت تصيح منادية جارها النجار، فسمع الصوت، فأسرع إليها، ولما رأى الغول بادره بضربة من المطرقة التي كانت في يده فقتله ثم وضعه على ظهر حمار، وتركه ليمضي به إلى أخوات الغول السبع، ولما رأت الغولات الحمار مقبلاً، فرحن به، وتوقّعن أن تكون بنت الداية هي القتيل الملقى على ظهر الحمار، ولكن تبين لهن أنه لم يكن سوى أخيهن الغول، فحزنت الغولات، وقررن الإنتقام. وفي صباح اليوم التالي قدمت الغولات إلى منزل الداية، وهن متنكرات، وخطبن ابنتها إلى أخيهن، فوافقت الداية من غير أن تعرف من أمرهن شيئاً، ووعدنها أن يرجعن بعد أسبوع لأخذ العروس معهن، وقد ادّعين أن أخاهن يعمل في بلاد بعيدة، وقد أغرين الأم بالأموال الكثيرة. وهكذا حضرت الغولات بعد أسبوع، فودعت البنت أمها، ومضت بها الغولات، وبينما هنّ في زحمة السوق، أحسّت ابنة الداية أن الأمر ليس طبيعياً، فغافلت الغولات وهربت منهن، ولجأت إلى النجار، وطلبت منه ألا يخبر أحداً بأمرها، حتى أمها، كي لاتعود الغولات إليها، ثم رجته أن يصنع لها ثوباً من الخشب. وارتدت ابنة الداية ثوبها الخشبي وخرجت به لا تعرف أين تذهب، حتى قادتها خطواتها إلى قصر الملك، فقعدت تحت سوره تأكل مما يلقى من فضلات، وتنبهت إحدى الجواري في القصر إلى هذا الكائن الخشبي، الذي يمشي ويتحرك ويعيش في ظل القصر، فأسرعت إلى الملكة تخبرها بأمره، فطلبت منها إحضاره. واقتادت الجارية بنت الداية في ثوبها الخشبي إلى الملكة، فعجبت لأمر هذا الكائن، وسمته "خشيبان"، ثم أذنت له أن يعيش في حديقة القصر، ليسهر على الإوزات، ويعنى بها. وكانت الملكة تنزل صباح كل يوم إلى حديقة القصر، بصحبة جارية لها، فتقعد بجوار البركة، وتمضي في تأمل الإوزات، لتسلي نفسها، ثم يغلبها الحزن، فتبكي، نادبة ابنها الأمير، وهنا تتدخل الجارية، فتدعوها للعودة إلى القصر. وقد لاحظت بنت الداية ذلك، ولكنها لم تستطع أن تعرف حقيقة ذلك الأمر، كما لاحظت أن الجارية نفسها كانت تتسلل كل ليلة خلسة وتمضي إلى كوخ بعيد في حديقة القصر، وتقضي بعض الوقت هناك، ثم ترجع إلى القصر خلسة. وذات يوم تسللت بنت الداية في إثر الجارية، وتبعتها إلى حيث الكوخ، ثم اختبأت وراء الباب فرأتها تدخل على فتى مقيد اليدين، تقدم له بعض الطعام، ثم تخرج. وفور خروج الجارية من الكوخ دخلت بنت الداية، وهي في ثوبها الخشبي، فسألت الفتى من يكون، فأخبرها انه ابن الملك، وأن الجارية اختطفته وخبأته في هذا الكوخ الذي لايتوقع أحد أن يكون فيه، انتقاماً من أبيه الملك، الذي كان قد قتل زوج الجارية، فوعدته بنت الداية بالمساعدة، وخرجت من غير أن يعرف من تكون. وذات يوم ذهبت الملكة إلى الحمام، فاصطحبت معها جاريتها، فاهتبلت بنت الداية الفرصة، فأسرعت إلى الكوخ، ففكت قيد الأمير، ونصحت له أن يدخل القصر خلسة، وأن يختبئ في غرفة أمه، لتكون المفاجأة سارة، كما أوصته ألا يبوح لأمه بحقيقة أمره، وألا يخبرها بمن أطلقه. وقد حصل هذا كله والأمير لا يعرف حقيقة "خشيبان" إذ كان يظنه خادماً من خدم القصر، اتخذ لنفسه هذا الثوب الخشبي. ورجعت الملكة من الحمام، ودخلت غرفتها، فسرت كثيراً عندما رأت ولدها الأمير عائداً إليها، وألحت عليه أن يخبرها بما كان من أمره، فلم يفعل. وكان من عادة بنت الداية "خشيبان"، أن تخلع كل ليلة ثوبها الخشبي، وتستحم في بركة القصر، ثم تنتحي جانباً لتنام. وذات ليلة، بينما هي تخلع ثوبها الخشبي، كان الأمير يتجول في حديقة القصر، فرآها، فاختبأ وراء إحدى الشجيرات وقد أذهله جمالها، وعرف أنها هي التي أنقذته. وفي صباح اليوم التالي أخبر أمه عن رغبته في الزواج، فسرّت الملكة كثيراً، ووعدته أن تبادر إلى الخطبة له ، فأخبرها أنه يريد الزواج من "خشيبان"، فدهشت الأم، ولكنه عندما أخبرها بالحقيقة سرت كثيراً، وعندئذ حكى لها ما كان من أمر الجارية، فأمرت بسجنها. وهكذا تزوجت بنت الداية من ابن الملك، ودعت أمها لتقيم معها في القصر، وعاش الجميع في سعادة وسرور. تعليق: تدل هذه الحكاية على ما يعانيه الإنسان من شقاء كي يصل إلى السعادة، فيمر بمصاعب وتحديات كثيرة، تتمثل في تحولات، فابنة الداية الوحيدة تصبح شريدة وتتحول إلى كائن خشبي، والأمير المعزز تسجنه جارية وتقيده، وتخفيه عن الأنظار. إن الحكاية تدل على إمكان انتصار الشر، وغلبة الباطل، وغياب الحق، ولكن لحين، وليس دائماً، إذ لابد للحق أن يظهر في النهاية، ولابد للخير أن يغلب
كان لإحدى القابلات بنت وحيدة، تعنى بتربيتها، وتسهر عليها، ولكنها تضطر دائماً إلى تركها وحدها، بحكم عملها، ولذلك كانت توصي بها بنات الجيران، ليزرنها في غيبتها، ويساعدنها في أمور البيت.
وذات يوم تركتها كعادتها مع بنات الجيران، فأخذت تمرح معهن وتلهو، ولكن فجأة خرج لهن من زاوية في المنزل غول كبير ففزعت البنات وهربن، وبقيت بنت الداية وحدها، فأخذت تصيح منادية جارها النجار، فسمع الصوت، فأسرع إليها، ولما رأى الغول بادره بضربة من المطرقة التي كانت في يده فقتله ثم وضعه على ظهر حمار، وتركه ليمضي به إلى أخوات الغول السبع، ولما رأت الغولات الحمار مقبلاً، فرحن به، وتوقّعن أن تكون بنت الداية هي القتيل الملقى على ظهر الحمار، ولكن تبين لهن أنه لم يكن سوى أخيهن الغول، فحزنت الغولات، وقررن الإنتقام.
وفي صباح اليوم التالي قدمت الغولات إلى منزل الداية، وهن متنكرات، وخطبن ابنتها إلى أخيهن، فوافقت الداية من غير أن تعرف من أمرهن شيئاً، ووعدنها أن يرجعن بعد أسبوع لأخذ العروس معهن، وقد ادّعين أن أخاهن يعمل في بلاد بعيدة، وقد أغرين الأم بالأموال الكثيرة.
وهكذا حضرت الغولات بعد أسبوع، فودعت البنت أمها، ومضت بها الغولات، وبينما هنّ في زحمة السوق، أحسّت ابنة الداية أن الأمر ليس طبيعياً، فغافلت الغولات وهربت منهن، ولجأت إلى النجار، وطلبت منه ألا يخبر أحداً بأمرها، حتى أمها، كي لاتعود الغولات إليها، ثم رجته أن يصنع لها ثوباً من الخشب.
وارتدت ابنة الداية ثوبها الخشبي وخرجت به لا تعرف أين تذهب، حتى قادتها خطواتها إلى قصر الملك، فقعدت تحت سوره تأكل مما يلقى من فضلات، وتنبهت إحدى الجواري في القصر إلى هذا الكائن الخشبي، الذي يمشي ويتحرك ويعيش في ظل القصر، فأسرعت إلى الملكة تخبرها بأمره، فطلبت منها إحضاره.
واقتادت الجارية بنت الداية في ثوبها الخشبي إلى الملكة، فعجبت لأمر هذا الكائن، وسمته "خشيبان"، ثم أذنت له أن يعيش في حديقة القصر، ليسهر على الإوزات، ويعنى بها.
وكانت الملكة تنزل صباح كل يوم إلى حديقة القصر، بصحبة جارية لها، فتقعد بجوار البركة، وتمضي في تأمل الإوزات، لتسلي نفسها، ثم يغلبها الحزن، فتبكي، نادبة ابنها الأمير، وهنا تتدخل الجارية، فتدعوها للعودة إلى القصر.
وقد لاحظت بنت الداية ذلك، ولكنها لم تستطع أن تعرف حقيقة ذلك الأمر، كما لاحظت أن الجارية نفسها كانت تتسلل كل ليلة خلسة وتمضي إلى كوخ بعيد في حديقة القصر، وتقضي بعض الوقت هناك، ثم ترجع إلى القصر خلسة.
وذات يوم تسللت بنت الداية في إثر الجارية، وتبعتها إلى حيث الكوخ، ثم اختبأت وراء الباب فرأتها تدخل على فتى مقيد اليدين، تقدم له بعض الطعام، ثم تخرج.
وفور خروج الجارية من الكوخ دخلت بنت الداية، وهي في ثوبها الخشبي، فسألت الفتى من يكون، فأخبرها انه ابن الملك، وأن الجارية اختطفته وخبأته في هذا الكوخ الذي لايتوقع أحد أن يكون فيه، انتقاماً من أبيه الملك، الذي كان قد قتل زوج الجارية، فوعدته بنت الداية بالمساعدة، وخرجت من غير أن يعرف من تكون.
وذات يوم ذهبت الملكة إلى الحمام، فاصطحبت معها جاريتها، فاهتبلت بنت الداية الفرصة، فأسرعت إلى الكوخ، ففكت قيد الأمير، ونصحت له أن يدخل القصر خلسة، وأن يختبئ في غرفة أمه، لتكون المفاجأة سارة، كما أوصته ألا يبوح لأمه بحقيقة أمره، وألا يخبرها بمن أطلقه.
وقد حصل هذا كله والأمير لا يعرف حقيقة "خشيبان" إذ كان يظنه خادماً من خدم القصر، اتخذ لنفسه هذا الثوب الخشبي.
ورجعت الملكة من الحمام، ودخلت غرفتها، فسرت كثيراً عندما رأت ولدها الأمير عائداً إليها، وألحت عليه أن يخبرها بما كان من أمره، فلم يفعل.
وكان من عادة بنت الداية "خشيبان"، أن تخلع كل ليلة ثوبها الخشبي، وتستحم في بركة القصر، ثم تنتحي جانباً لتنام. وذات ليلة، بينما هي تخلع ثوبها الخشبي، كان الأمير يتجول في حديقة القصر، فرآها، فاختبأ وراء إحدى الشجيرات وقد أذهله جمالها، وعرف أنها هي التي أنقذته.
وفي صباح اليوم التالي أخبر أمه عن رغبته في الزواج، فسرّت الملكة كثيراً، ووعدته أن تبادر إلى الخطبة له ، فأخبرها أنه يريد الزواج من "خشيبان"، فدهشت الأم، ولكنه عندما أخبرها بالحقيقة سرت كثيراً، وعندئذ حكى لها ما كان من أمر الجارية، فأمرت بسجنها.
وهكذا تزوجت بنت الداية من ابن الملك، ودعت أمها لتقيم معها في القصر، وعاش الجميع في سعادة وسرور.
تعليق:
تدل هذه الحكاية على ما يعانيه الإنسان من شقاء كي يصل إلى السعادة، فيمر بمصاعب وتحديات كثيرة، تتمثل في تحولات، فابنة الداية الوحيدة تصبح شريدة وتتحول إلى كائن خشبي، والأمير المعزز تسجنه جارية وتقيده، وتخفيه عن الأنظار.
إن الحكاية تدل على إمكان انتصار الشر، وغلبة الباطل، وغياب الحق، ولكن لحين، وليس دائماً، إذ لابد للحق أن يظهر في النهاية، ولابد للخير أن يغلب